فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي كافيك وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي قواك وألف بين قلوبهم وهذه من الآيات العظام لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنه حتى يستقيدها وكانوا أشد خلق الله حمية فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام حدثنا أبو جعفر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد بالأنبار قال نا نصر بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} حتى بلغ {إنه عزيز حكيم} قال نزلت في الأنصار.
63- وقوله جل وعز: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [آية 64] أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك وقيل المعنى ومن اتبعك ينصرك.
64- وقوله جل وعز: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [آية 65] التحريض الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض وهو المقاربة للهلاك أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك.
65- قال جل عز: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [آية 65].
ثم قال ابن عباس فرض على الرجل أن يقاتل عشرة ثم سهل عليهم فقال: {الآن خفف الله عنكم} إلى قوله: {والله مع الصابرين} وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين قال ابن شبرمة وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذا وروى الأعمش عن مرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم فلعل الله يتوب عليهم فقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله.
66- {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [آية 67] قال مجاهد الإثخان القتل وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه وقيل حتى يتمكن في الأرض والإثخان في اللغة القوة والشدة.
67- وقوله جل وعز: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [آية 68] فيه أقوال.
قال مجاهد سبق من الله أن أحل لهم الغنائم.
وقال أبو جعفر ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر وقع الناس فيما وقعوا فيه فأنزل الله جل وعز: {لولا كتاب من الله سبق} إلى قوله: {إن الله غفور رحيم} وقيل سبق من الله جل وعز أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر قال ذلك الحسن رواه عنه أشعث وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال سبق من الله جل وعز أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمة ولم يكن تقدم إليهم فيها وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق قال لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله عذاب عظيم وقيل سبق من الله أنه يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر.
68- وقوله جل وعز: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} [آية 70] قيل في الآخرة وقيل يعوضكم في الدنيا وروي عن العباس أنه قال أسرت يوم بدر ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله عشرين عبدا ووعدني المغفرة.
69- وقوله جل وعز: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل} [آية 71] خيانتك أي نقض العهد.
70- وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} [آية 72].
قيل إنه يقال هاجر الرجل إذا خرج من أرض إلى أرض وقيل إنما قيل هجر وهاجر فلان لأن الرجل كان إذا أسلم هجره قومه وهجرهم فإذا خاف الفتنة على نفسه رحل عنهم فسمي مسيره هجرة وقيل هاجر لأنه كان على هجرته لقومه وهجرتهم له فهو مهاجر هجر دار قومه ووطنه وارتحل إلى دار الإسلام وهما هجرتان فالمهاجرون يكون الأولون الذين هاجروا إلى أرض الحبشة والآخرون الذين هاجروا إلى المدينة إلى وقت الفتح وانقطعت الهجرة لأن الدار كلها دار الإسلام فلا هجرة وهذا قول أهل الحديث ومن يوثق بعلمه.
71- وقوله جل وعز: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء} [آية 72].
أي من نصرتهم ووراثتهم.
قال قتادة كان الرجل يؤاخي الرجل فيقول ترثني وأرثك ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}.
72- ثم قال عز وجل: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه} [آية 73] ومعنى إن لا تفعلوه إن لا تفعلوا النصر والموالاة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {إلا تفعلوه} قال يقول إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به وقال ابن زيد أي إلا تتركوهم يتوارثون على ما كانوا قال مجاهد هذا منسوخ نسخه وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وروي عن عبد اله بن الزبير أنه قال هذا في العصبات كان الرجل يعاقد الرجل على أن يتوارثا فنسخ ذلك وقيل نسخته الفرائض وأكثر الرواة على أن الناسخ له {وأولو الأرحام بعضهم} الآية وروى سفيان عن السدي عن أبي مالك قال قال رجل نورث أرحامنا المشركين فنزلت: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} وروى يونس عن الحسن قال كان الأعرابي لا يرث مهاجرا حتى نزلت: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} فقد تبين أن معنى الآية أن أهل الأرحام يتوارثون بأرحامهم دون الذين حالفوهم ونسخ ذلك ما كان قبله من التوارث بالمخالفة انتهت سورة الأنفال. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة الأنفال:
وقوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} [1] نزلت في أنفال أهل بدر. وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لمّا رأى قلّة الناس وكراهيتهم للقتال قال: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا.
فلما فرغ من أهل بدر قام سعد بن معاذ فقال: يا رسول اللّه إن نفّلت هؤلاء ما سمّيت لهم بقي كثير من المسلمين بغير شيء، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}: يصنع فيها ما يشاء، فسكتوا وفى أنفسهم من ذلك كراهية.
وهو قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [5] على كره منهم، فامض لأمر اللّه في الغنائم كما مضيت على مخرجك وهم كارهون.
ويقال فيها: يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للغنيمة ولم تعلمنا قتالا فنستعدّ له. فذلك قوله: {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ (6)} وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} أمر المسلمين أن يتآسوا في الغنائم بعد ما أمضيت لهم، أمرا ليس بواجب.
وقوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ}، ثم قال أَنَّها لَكُمْ فنصب {إحدى الطائفتين} بيعد ثم كرّها على أن يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم كما قال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} ثم قال: {أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فأن في موضع نصب كما نصبت الساعة وقوله: {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ} رفعهم بلولا، ثم قال: {أَنْ تَطَؤُهُمْ} فأن في موضع رفع بلولا.
وقوله: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [9] ويقرأ {مردفين} فأما {مردفين} فمتتابعين، و{مردفين} فعل بهم.
وقوله: {وَما جَعَلَهُ اللَّهُ} [10] هذه الهاء للإرداف: ما جعل اللّه الإرداف {إِلَّا بُشْرى}.
وقوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [11] بات المسلمون ليلة بدر على غير ماء، فأصبحوا مجنبين، فوسوس إليهم الشيطان فقال: تزعمون أنكم على دين اللّه وأنتم على غير الماء وعدوّكم على الماء تصلّون مجنبين، فأرسل اللّه عليهم السماء وشربوا واغتسلوا وأذهب اللّه عنهم رجز الشيطان يعنى وسوسته، وكانوا في رمل تغيب فيه الأقدام فشدّده المطر حتى اشتدّ عليه الرجال، فذلك قوله: {وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ}.
وقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [12] كان الملك يأتى الرجل من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم فيقول: سمعت هؤلاء القوم- يعنى أبا سفيان وأصحابه- يقولون: واللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ، فيحدّث المسلمون بعضهم بعضا بذلك فتقوى أنفسهم. فذلك وحيه إلى الملائكة.
وقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} علّمهم مواضع الضرب فقال: اضربوا الرءوس والأيدى والأرجل.
فذلك قوله: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ}.
وقوله: {ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ} [14] خاطب المشركين.
ثم قال: {وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ} فنصب {أنّ} من جهتين.
أما إحداهما: وذلك بأن للكافرين عذاب النار، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا مثل قول الشاعر:
تسمع للأحشاء منه لغطا ** ولليدين جسأة وبددا

أضمر وترى لليدين كذلك قال: {ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ} {و} اعلموا {أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ}. وإن شئت جعلت أن في موضع رفع تريد: {ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ} وذلكم {أنّ للكافرين عذاب النّار} ومثله في كتاب اللّه تبارك وتعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ} قرأها عاصم فيما حدّثنى المفضل، وزعم أن عاصما أخذها عليه مرتين بالنصب. وكذلك قوله: {وَحُورٌ عِينٌ}.
وقوله: {ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ} [18] ومُوهِنُ. فإن شئت أضفت، وإن شئت نوّنت ونصبت، ومثله: {إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ}، و{بالغ أمره} و{كاشِفاتُ ضُرِّهِ}، و{كاشفات ضرّه}.
وقوله: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} [17] دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر بكفّ من تراب فحثاه في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، أي قبحت، فكان ذلك أيضا سبب هزمهم.
وقوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} [19] قال أبو جهل يومئذ: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقّه بالنصر، فقال اللّه تبارك وتعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} يعنى النصر.
وقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} قال: كسر ألفها أحب إلىّ من فتحها لأن في قراءة عبد اللّه: {وإن اللّه لمع المؤمنين} فحسّن هذا كسرها بالابتداء. ومن فتحها أراد {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ} يريد: لكثرتها ولأن اللّه مع المؤمنين، فيكون موضعها نصبا لأن الخفض يصلح فيها.
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} [24] يقول: استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم إلى إحياء أمركم.
وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} يحول بين المؤمن وبين المعصية، وبين الكافر وبين الطاعة و{أنه} مردود على {واعلموا} ولو استأنفت فكسرت لكان صوابا.
وقوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ} [25] أمرهم ثم نهاهم، وفيه طرف من الجزاء وإن كان نهيا. ومثله قوله: {يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ} أمرهم ثم نهاهم، وفيه تأويل الجزاء.
وقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ} [26] نزلت في المهاجرين خاصّة.
وقوله: {فَآواكُمْ} يعنى إلى المدينة، {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} أي قوّاكم.
وقوله: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ} [27] إن شئت جعلتها جزما على النهى، وإن شئت جعلتها صرفا ونصبتها قال:
لا تنه عن خلق وتأتى مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم

وفى إحدى القراءتين {ولا تخونوا أماناتكم} فقد يكون أيضا هاهنا جزما ونصبا.
وقوله: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا} [29] يقول: فتحا ونصرا. وكذلك قوله: {يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} يوم الفتح والنصر.
وقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [30] اجتمع نفر من قريش فقالوا: ما ترون في محمد صلى الله عليه وسلم ويدخل إبليس عليهم في صورة رجل من أهل نجد، فقال عمرو بن هشام: أرى أن تحبسوه في بيت وتطيّنوه عليه وتفتحوا له كوّة وتضيّقوا عليه حتى يموت. فأبى ذلك إبليس وقال: بئس الرأى رأيك، وقال أبو البخترىّ بن هشام: أرى أن يحمل على بعير ثم يطرد به حتى يهلك أو يكفيكموه بعض العرب، فقال إبليس: بئس الرأى! أتخرجون عنكم رجلا قد أفسد عامّتكم فيقع إلى غيركم! فعلّه يغزوكم بهم. قال الفاسق أبو جهل: أرى أن نمشى إليه برجل من كل فخذ من قريش فنضر به بأسيافنا، فقال إبليس: الرأى ما رأى هذا الفتى، وأتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بالخبر، فخرج من مكّة هو وأبو بكر. فقوله: {ليثبتوك}: ليحبسوك في البيت. {أو يخرجوك} على البعير {أو يقتلوك}.