فصل: قال ابن زنجلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {ولا تحسبن} يقرأ بالياء والتاء وبكسر السين وفتحها وقد ذكرت علله في آل عمران.
قوله تعالى: {أنهم لا يعجزون} يقرأ بفتح الهمزة وكسرها فالحجة لمن فتحها أنه جعل يحسبن فعلا للذين كفروا وأضمر مع سبقوا أن الخفيفة ليكون اسما منصوبا مفعولا لتحسبن وأنهم لا يعجزون المفعول الثاني فكأنه قال ولا تحسبن الذين كفروا سبقهم إعجازهم والحجة لمن كسر أنه جعل قوله ولا تحسبن خطابا للنبي عليه السلام وجعل الذين كفروا مفعول تحسبن الأول وسبقوا الثاني واستأنف إن فكسرها مبتدئا.
قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم} يقرا بفتح السين وكسرها وقد ذكرت علته في البقرة قوله تعالى: {إذ يتوفى} يقرا بالياء والتاء وقد ذكرت علله فيما مضى.
قوله تعالى: {وإن يكن منكم مائة} وفإن يكن منكم مائة صابرة يقرآن بالياء والتاء فالحجة لمن قرأهما بالتاء أنه جاء به على لفظ مائة ومن قرأه بالياء أتى به على لفظ المعدود لأنه مذكر والحجة لمن قرأهما بالياء والتاء أنه أتى بالمعنيين معا وجمع بين اللغتين.
قوله تعالى: {وعلم أن فيكم ضعفا} يقرأ بضم الضاد وفتحها وهما لغتان.
وقد ذكرت الحجة في أمثال ذلك بما يغني عن الإعادة.
قوله تعالى: {أن يكون له أسرى} يقرأ بالياء والتاء فالحجة لمن قرأه بالياء أنه رده إلى المعنى والحجة لمن قرأه بالتاء أنه رده على اللفظ.
قوله تعالى: {من الأسارى} يقرا بضم الهمزة وإثبات الألف وبفتحها وطرح الألف فالحجة لمن أثبتها أنه أراد جمع الجمع والحجة لمن طرحها أنه أراد جمع أسير وقال أبو عمرو الأسرى من كانوا في أيديهم أو في الحبس والأسارى من جاء مستأسرا قوله تعالى: {من ولايتهم} يقرأ بفتح الواو وكسرها هاهنا وفي الكهف فالحجة لمن فتح أنه أراد ولاية الدين والحجة لمن كسر أنه أراد ولاية الإمرة وقيل هما لغتان والفتح أقرب. اهـ.

.قال ابن زنجلة:

8- سورة الأنفال:
{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين 9}.
قرأ نافع مردفين بفتح الدال مفعول بهم أي الله أردفهم أي بعثهم على آثار من تقدمهم قال أبو عبيد تأويله أن الله تبارك وتعالى أردف المسلمين بهم وكان مجاهد يفسرها ممدين وهو تحقيق هذا المعنى.
وقرأ الباقون مردفين بكسر الدال أي جاؤوا بعدهم على آثارهم أي ردفوا أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأردف بمعنى ردف قال الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ** ظننت بآل فاطمة الظنونا

قال أبو عبيد أراد بقوله أردفت ردفت أي جاءت بعدها ألا ترى أن الجوزاء تطلع بعد طلوع الثريا وعلى أثرها وقال ابن عباس مردفين أي متتابعين وقال آخرون منهم أبو عمرو مردفين أي أردف بعضهم بعضا فالإرداف أن يحمل الرجل صاحبه خلفه تقول ردفت الرجل أي ركبت خلفه وأردفته إذا أركبته خلفي وقال آخرون منهم أبو بكر بن مجاهد مردفين أي متقدمين لمن وراءهم كأن من يأتي بعدهم ردف لهم أي أتوا في ظهورهم فعلى هذا الوجه لا يكون أردف بمعنى ردف لأنهم أردفوا خلفهم {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} 11.
قرأ أبو عمرو وابن كثير {إذ يغشاكم} بالألف النعاس رفع فعل الفعل النعاس لأنك تقول غشيني النعاس يغشاني وحجتهما في أن الفاعل هو النعاس قوله: {أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} ألا ترى أن النعاس هو الذي يغشى فهو الفاعل والقصة واحدة فلذلك اختارا هذا الوجه.
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة {إذ يغشيكم} بضم الياء وتشد الشين النعاس نصب أي الله يغشيكم النعاس وحجتهم أن الفعل أتى عقيب ذلك مسندا إلى الله وهو قوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} فكان الأولى بما قبله أن يكون خبرا عن الله أنه هو الفاعل له لينتظم الكلام على سياق واحد وحجة التشديد قوله: {فغشاها ما غشى}.
وقرأ أهل المدينة: {إذ يغشيكم} بضم الياء وسكون الغين النعاس نصب أي يغشيكم الله النعاس وحجتهم قوله: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}.
{ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} 17.
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر ولكن خفيفة الله رفع وكذلك الذي بعده.
وقرأ الباقون ولكن بالتشديد الله نصب وقد ذكرت الحجة في سورة البقرة.
{ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} 18.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو موهن بالتشديد كيد نصب من وهن يوهن مثل قتل يقتل وحجتهم في ذلك أن التشديد إنما وقع لتكرر الفعل وذلك ما ذكره الله من تثبيت أقدام المؤمنين بالغيث وربطه على قلوبهم وتقليله إياهم في أعينهم عند القتال فذلك منه شيء بعد شيء وحال بعد حال في وقت بعد وقت فكان الأولى بالفعل أن يشدد لتردد هذه الأفعال فكأنه أوقع الوهن بكيد الكافرين مرة بعد مرة فوجب أن يقال موهن لهذه العلة.
وقرأ أهل الكوفة وأهل الشام موهن بإسكان الواو من أوهن يوهن فهو موهن مثل أيقن يوقن فهو موقن وهما لغتان مثل كرم وأكرم وكلهم ينصبون كيد وينونون موهن إلا حفصا عن عاصم فإنه أضافه فقرأ موهن كيد ومثله بالغ أمره فمن نون أراد الحال والاستقبال كقولك الأمير خارج الآن أو غدا ومن لم ينون جاز أن يريد الماضي والاستقبال.
{ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين} 19.
قرأ نافع وابن عامر وفحص ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين بفتح الألف أي ولأن الله مع المؤمنين فلما حذفت اللام جعلت أن في محل النصب كأنه قال ولن تغني عنكم فتئتكم لكثرتها لأن الله مع المؤمنين وحجتهم في ذلك أنها مردودة على قوله قبلها: {وأن للكافرين} 14 {وأن الله موهن} 18 {وأن الله مع المؤمنين} فيكون الكلام واحدا يتبع بعضه بعضا.
{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة} 42.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} بكسر العين فيهما مثل إسوة وقدوة.
وقرأ الباقون بالرفع فيهما قال الكسائي وأبو عبيد هما لغتان مثل حذوة وجذوة.
قرأ نافع والبزي عن ابن كثير وأبو بكر ويحيا من حيي بياءين وقرأ الباقون حي بالإدغام.
قال الخليل يجوز الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني لازمة فأما من أدغم فلاجتماع الحرفين من جنس واحد كما تقول عيي بالأمر يعيا ثم تقول عي بالأمر وأما من أظهر فلأن الحرف الثاني ينتقل من لفظ الياء تقول حيي يحيا والمحيا والممات فلهذا جاز الإظهار.
{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} 50.
قرأ ابن عامر ولو ترى إذ تتوفى الذين كفروا بالتاء وحجته قوله: {إن الذين كفروا توفاهم الملائكة} وقوله: {تحمله الملائكة}.
وقرأ الباقون إذ يتوفى بالياء الأمر بينهما قريب وذلك أنك إذا قرأت بالتاء أردت جماعة الملائكة وإذا قرأت بالياء أردت جمع الملائكة كما تقول قالت الرجال وقال الرجال قال الله تعالى: {فناداه الملائكة} {ونادته الملائكة}.
{ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون} 59.
قرأ ابن عامر وحمزة وحفص ولا يحسبن الذين كفروا بالياء قال الزجاج وجهها ضعيف عند أهل العربية إلا أنها جائزة على أن يكون المعنى ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا لأنها في حروف ابن مسعود أنهم سبقوا ف أن مخففة من أن وأن تنوب عن الاسم والخبر قال وفيها وجه آخر يكون ولا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا.
وقرأ الباقون ولا تحسبن الذين بالتاء ف الذين المفعول الأول وسبقوا المفعول الثاني المعنى لا تحسبن يا محمد من أفلت من هذه الحرب قد سبق إلى الحياة.
قرأ ابن عامر أنهم لا يعجزون بفتح الألف المعنى ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا لأنهم لا يعجزون الله قال الزجاج وقد يجوز أن يكون لا لغوا فيكون المعنى ولا تحسبن الذين كفروا أنهم يعجزون وتكون أن بدلا من سبقوا.
وقرأ الباقون إنهم بالكسر على الابتداء.
{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} 60.
قرأ أبو بكر عن عاصم وإن جنحوا للسلم بالكسر وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان وهو الصلح.
{وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} 65 و66.
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وإن تكن منكم مئة فإن فتكن منكم مئة صابرة بالتاء فيهما وقرأ أبو عمرو الثانية بالتاء وقرأ الباقون بالياء فيهما فمن أنث فلتأنيث المائة ومن ذكر فلأن المائة وقعت على عدد مذكر وأخرى وهي أنه لما حجز بين الاسم والفعل بحاجز ذكر الفعل لأن الحاجز صار كالعوض منه وحجة أبي عمر ذكرها اليزيدي فقال لقوله صابرة ذهب اليزيدي إلى أنه لما نعتها بالتأنيث وجب أن يكون فعلها بلفظ التأنيث لأن المذكر لا ينعت به المؤنث.
قرأ عاصم وحمزة وعلم أن فيكم ضعفا بفتح الضاد وفي الروم مثله وقرأ الباقون بالرفع وهما لغتان مثل المكث والمكث والفقر والفقر والقرح والقرح.
{ما كان لنبي أن يكون له أسرى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} 67 و70.
قرأ أبو عمرو ما كان لنبي أن تكون له أسرى بالتاء أراد جماعة أسرى فجرى مجرى قوله: {كذبت قوم نوح المرسلين}.
ونظائر ذلك وقرأ الباقون أن يكون بالياء أراد جمع أسرى.
قال أهل البصرة لما فصل بين الاسم والفعل بفاصل ذكر الفعل لأن الفاصل صار كالعوض.
قرأ أبو عمرو يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى بالألف قال أبو عمرو إذا كان عند القتال فأسر القوم عدوهم فهم الأسرى فإذا ذهبت زحمة القتال فصاروا في أيديهم فهم الأسارى وقال أيضا ما كان في الأيدي وفي السجن فإنها أسارى وما لم يكن في الأيدي ولا في السجن فقل ما شئت أسرى وأسارى.
وقرأ الباقون من الأسرى بغير ألف وحجتهم أن العرب جمعت على فعلى من كانت به دمامة أو مرض يمنعه من النهوض فقالوا في صريع صرعى وجريح جرحى ولما كان الأسر آفة تدخل على الإنسان فتمنعه من النهوض أجري مجرى ذوي العاهات فقالوا أسير وأسرى.
{ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} 72.
قرأ حمزة ما لكم من ولايتهم بكسر الواو وهي مصدر وليت الشيء ولاية ووال حسن الولاية قال الفراء ما لكم من ولايتهم يريد من ميراثهم وكسر الواو في الولاية أعجب إلي من فتحها لأنها إنما يفتح أكثر ذلك إذا كانت في معنى نصرة قال فكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة ولا اراه علم التفسير ويختارون في وليته ولاية الكسر.
وقرأ الباقون من ولايتهم بفتح الواو أي من نصرهم والعرب تقول نحن لكم على بني فلان ولاية أي أنصار. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

.قال الخطيب الإسكافي:

سورة الأنفال:
قد مر في سورة البقرة، وآل عمران من الآيات التي تشبه الآيات من هذه السورة، وهذه الآية التي نذكرها فيها، قد سبقت نظيرتها في سورة الأعراف، فذكرناها في هذا المكان، كراهة إخلاء هذه السورة من تخصيصها بما خصصنا به أمثالها.

.91 الآية الأولى منها:

قوله تعالى: {فذوقوا العذاب بما كنت تكفرون} الأنفال: 35.
وقال في سورة الأعراف قبلها، 39 {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}.
للسائل أن يسأل فيقول: إن الخبر في الموضعين عن الكفار، فما بال أحدهما احتص بقوله: {بما كنتم تكفرون} والآخر اختص بقوله: {بما كنتم تكسبون}؟.
والجواب أن يقال: إن التي في سورة الأعراف خبر عن قوم ذكروا قبل هذه الآية في قوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصبيهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله}. الأعراف: 37. والمعنى في قوله: {ينالهم نصيبهم من الكتاب} أي حظهم من العذاب المكتوب عليهم بقدر ما كسبوه من سيئات الأعمال {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} أي يستوفونهم من دون غيرهم ليسوقوهم إلى النار. وهذا عن الحسن، وبين ذلك بعده قوله: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا أداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربناء هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}. الأعراف: 38.
فأخبر أن أخراهم تسأل الله أن يضعف العذاب على أولاهم لأنهم ضلوا وأضلوا فيستحقون العذاب على قدر اكتسابهم، فلذلك طبلوا أن يكون عذابهم ضعف عذاب هؤلاء لإثمهم، بما كسبوا من ضلالهم في أنفسهم وإثمهم بما اكتسبوا من إضلال غيرهم، {وقال أولاهم فما كان لكم علينا من فضل} الأعراف: 39 أي: كنتم مثلنا في الضلال، لم يكن علينا فضل في تركه أو التقلل منه {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} أي يقول الله تعالى ذلك ذوقوا العذاب بقدر ما كنتم تكسبون فهذا موضع يقتضي ذكر الاكتساب، وما يجب على قدره من العقاب.
وأما الآية في الأنفال فهي في ذكر الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} الأنفال: 35 أي: صفيرا وتصفيفا لم تكن صلاتهم تسبيحا، وتمجيدا، وخضوعا لله تعالى كما يفعل المؤمنون فقال لهم في الآخرة، ذوقوا العذاب بكفركم ولم يتقدم هذه الآية ما يوجب قدرا من العذاب دون قدر حتى يقال: ذوقوا من العذاب بقدر كسبهم له، كما كان في الآية الأولى، وإنما ذكر كفرهم من حيث قال: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه} الأنفال: 34- 35 وذلك كله في كفار قريش، فلذلك جاء فيه بعد {فذوقوا} {بما كنتم تكفرون} دون {بما كنتم تكسبون}.

.92 الآية الثانية منها:

قوله تعالى: {إن الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} الأنفال: 72.
وقال في سورة براءة 20: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله}.
لم قدم ذكر الأموال والأنفس في الآية الأولى على قوله: {في سبيل الله}، وأخر في الأخرى؟
والجواب أن يقال: إن الآية الأولى في سورة الأنفال عقيب ما أنكره الله تعالى على من قال لهم: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} الأنفال: 67، وهم أصحاب النبي لما أسروا المشركين، ولم يقتلوهم طمعا في الفداء، فقال تعالى: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} الأنفال: 68 أي: فيما أخذتم من هؤلاء الأسرى من الفداء، ثم قال تعالى لما غفر لهم ما كان منهم من ترك القتل إلى الأسرى: {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} الأنفال: 69. أي: استمتعوا بما نلتم من أموال المشركين، وبما أخذتم من فدائهم، فعقب ذلك بهذه الآية التي مدح فيها من أنفق أمواله في سبيل الله، لا من يجاهد طلبا للنفع العاجل فقال: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} فقدم {بأموالهم وأنفسهم} على قوله: {في سبيل الله} ليعلموا أن ذلك يجب أن يكون أهم لهم، وأولى بتقديمه عندهم صرفا لهم عما حرصوا عليه من فائدة الفداء.
ولم تكن كذلك الآية التي في سورة براءة، لأنها بعدما يوجب تقديم قوله: {في سبيل الله} على ذمر المال، لأنه قال تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} التوبة: 16. ثم قال في إبطال ما أتى به المشركون من عمارة المسجد الحرام، وسقاية الحاج من المقام على الكفر.: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله} التوبة: 19. فكان المندوب إليه في هذه الآية بعد الإيمان بالله الجهاد في سبيل الله، فقال بعده مادحا لمن تلقى بالطاعة أمره. {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله} ثم ذكر {بأموالهم وأنفسهم} لما قدم ذكر ما اقتضى الموضع تقديمه، وأن يجعل أهم إليهم من غيره، فخالف هذا المكان قوله في سورة الأنفال، فقدم فيه ما أخر هناك لذلك فأعلمه. وبالله التوفيق.
انقضت سورة الأنفال عن آيتين ومسألتين. اهـ.