فصل: من فوائد الحافظ ابن كثير في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الحافظ ابن كثير في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} وصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار، كما وصف النار بأن وقودها الناس والحجارة، ومعنى {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي: من تحت أشجارها وغرفها، وقد جاء في الحديث: أن أنهارها تجري من غير أخدود، وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف، ولا منافاة بينهما، وطينها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، نسأل الله من فضله وكرمه إنه هو البر الرحيم.
وقال ابن أبي حاتم: قرئ على الربيع بن سليمان: حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرّة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهار الجنة تُفَجَّر من تحت تلال- أو من تحت جبال- المسك».
وقال أيضا: حدثنا أبو سعيد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.
وقوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مُرّة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} قال: إنهم أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في دار الدنيا.
وهكذا قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ونصره ابن جرير.
وقال عكرمة: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} قال: معناه: مثل الذي كان بالأمس، وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد: يقولون: ما أشبهه به.
قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضًا، لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قال سُنَيْد بن داود: حدثنا شيخ من أهل المِصِّيصة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: يؤتى أحدهم بالصحفة من الشيء، فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أوتينا به من قبل. فتقول الملائكة: كُلْ، فاللون واحد، والطعم مختلف.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عامر بن يَسَاف، عن يحيى بن أبي كثير قال: عشب الجنة الزعفران، وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها ثم يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفا به، فيقول لهم الولدان: كلوا، فإن اللون واحد، والطعم مختلف. وهو قول الله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}.
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قال: يشبه بعضه بعضًا، ويختلف في الطعم.
وقال ابن أبي حاتم: ورُوي عن مجاهد، والربيع بن أنس، والسدي نحو ذلك.
وقال ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مُرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، في قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} يعني: في اللون والمرأى، وليس يشتبه في الطعم.
وهذا اختيار ابن جرير.
وقال عكرمة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قال: يشبه ثمر الدنيا، غير أن ثمر الجنة أطيب.
وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي ظِبْيان، عن ابن عباس، لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. رواه ابن جرير، من رواية الثوري، وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش، به.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قال: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا: التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان، قالوا في الجنة: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وأتوا به متشابها، يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.
وقوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى.
وقال مجاهد: من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد.
وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمأثم. وفي رواية عنه: لا حيض ولا كلف. وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك.
وقال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: المطهرة التي لا تحيض. قال: وكذلك خلقت حواء، عليها السلام، حتى عصت، فلما عصت قال الله تعالى إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة. وهذا غريب.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثني جعفر بن محمد بن حرب، وأحمد بن محمد الجُوري قالا حدثنا محمد بن عبيد الكندي، حدثنا عبد الرزاق بن عمر البَزيعيّ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال: «من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق».
هذا حديث غريب. وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عفان، عن محمد بن عبيد، به، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
قلت: والأظهر أن هذا من كلام قتادة، كما تقدم، والله أعلم.
وقوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هذا هو تمام السعادة، فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء، بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام، والله المسئول أن يحشرنا في زمرتهم، إنه جواد كريم، بر رحيم. اهـ.
وهذا الذي ادعاه فيه نظر؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البُسْتي: لا يجوز الاحتجاج به.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الذين ءَامَنُواْ}.
قال الزمخشري: معطوف إما على {فاتقوا النار} أو على الجملة كلها.
واعترض أبو حيّان الأول بأن {فاتقوا} جواب الشرط وموضعه جزم وبشر لا يصح أن يكون جوابا لأنَّه أمر بالبشارة مطلقا مطلقا إلا على تقدير أن لم تفعلوا.
ورده المختصر بوجهين: الأول نص الفارسي وجماعة في مثل زيد ضربته وعمرو كلمته أنه معطوف على الجملة الصغرى مع أن عمرو كلمته يمتنع أن يون خبرا عن زيد لعدم الرابط فكذا لا يصح أن يعطف على الجواب ما ليس جوابا.
قال ابن عرفة: ونظيره رب شاة وسلخها مع أن ربّ لا تدخل إلا على النكرة.
وأجاب المختصر عن قوله: لأنه أمر بالبشارة مطلقا بأن الواقع عدم الفعل جزما ولهذا قال: {وَلَن تَفْعَلُواْ} فليس ثم تقدير: إن فعلتم فلا تبشير واقع بل الأمر بالبشارة واقع مطلقا.
وارتضى ابن عرفة الأول، وضعف الثاني بالفرق بين جواب الشرط وغيره، فإن المشاركة في العطف جواب الشرط المعنى يقتضيها وبخلاف العطف على غيره فإنه قد يكون مراعاة لمقتضى اللفظ وأما الشرط فالمعنى فيه يؤكد الارتباط.
قلت: ورد غيره الأول بأن الصغرى عاطفة على الكبرى لعدم الرّابط إلا أن يقول: وعمرو أكرمته في داره.
قال: وقول سيبويه: إنه معطوف على الصغرى ليس على ظاهره إن لم يتعرض لإصلاح اللّفظ ولو سئل عنه لقال لابد من الربط.
وقال الفارسي: إنه محمول على الصغرى في النصب ومعطوف على الكبرى ولا يلزم من الحمل على الصغرى أن يكون معطوفا عليها إنّما روعي في المشاركة اللّفظية فقط.
ابن عرفة: نص عليه ابن الصفار وابن عصفور في شرح الإيضاح وشرح الجمل الكبير.
قال: وأما رب شاة وسلخها فضمير النكرة عندهم نكرة كما تقول ربه رجلا.
قلت: واحتج ابن عصفور للفارسي بأن العرب لاحظوا المناسبة في كثير من كلامهم واختاروا التصب في ضربت القوم حتى زيدا ضربته مع أنه غير معطوف لأن حتى لا تعطف الجمل وكذلك اختاروا في زيد ضربته إذا كان جوابا لمن قال: أيهم ضربت، بالرفع أن يرتفع، وبالنّصب أن ينتصب، فقد لاحظوا المناسبة في عدم العطف وهذا كله نصّ على أنه ليس معطوفا على الصغرى بوجه بل محمولا عليها في النصب للمشاركة بين الجملة وبين ما يليها خاصة.
قال ابن عطية: الأغلب استعمال البشارة في الخير وقد تستعمل في الشر مقيدة به فمتى أطلقت فهي في الخبر.
قال الزمخشري: البشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به أو عنه.
قال: وأما {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المسْتَهْزَإ به وتألمه.
قال ابن عرفة: جعله الزمخشري من قسم المنفرد، وابن عطية من قسم المشترك.
نص الأصوليون في التعارض أن الإفراد أولى.
قال الزمخشري: ومن ثم قال العلماء فيمن قال لعبيدِه: أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر، فبشروه فرادى فعتق أولهم، ولو قال: أيكم أخبرني بقدوم فلان فهو حر م، فأخبروه فرادى عتقوا كلهم.
قال ابن عرفة: عوائدهم يقولون: لا فرق بينهما فإن الإخبار الثاني بعد الأول لم يفد شيئا فهو تحصيل الحاصل فليس بإخبار في الحقيقة.
قال: لكن يجاب عنه بأن في الإيمان والنذور من المدونة ما نصه: ومن حلف لرجل إن علِم كذا ليعلّمنّه أو ليخبرنّه فعلماه جميعا لم يبرّ حتى يعلمه أو يخبره مع أن إخباره لم يفد شيئا.
قال: فإن كتب إليه وأرسل إليه رسولا برّ ولو أسر إليه رجلٍ سرا وأحلفه لتكتمنّه ثم أسره المسرّ لآخر فذكره الاخر للحالف فقال الحالف: ما ظننت أنه أسره لغيري حَنَث مع أن الحالف لم يخبره بشيء بل أفهمه بما هو تحصيل الحاصل.
وفي كتاب العتق الثاني من المدونة.
ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر.
فولدت ولدين في بطن واحد عتق أولهما خروجا، فإن خرج الأول ميتا لم يعتق الثاني عند مالك.
وقال ابن شهاب: يعتق الثاني إذ لا يقع على الميت عتق.
قال الزمخشري: فإن قلت: أي فرق بين لام الجنس الداخلة على المفرد والداخلة على المجموع؟ وأجاب بما حاصله أنّها إذا دخلت على المجموع تفيد العموم في أنواع ملك المجموع لا في أفراده وإذا دخلت على المفرد أفادت العموم في الأشخاص وفي الجمع وهو نوع من جوابه في قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} ولم يقل العظام.
وذلك أن الصالحات أصله صالحات فيحتمل أن يكون مخرجي الزكاة فقط لأنهم عملوا الصالحات وبعد دخول الألف واللام صار يتناول مخرجي الزكاة والمصلي والصائم إلى غير ذلك.
قال: وعملوا الصّالحات يتناول الفعل والقول والإعتقاد لأن العلماء فهموا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» على العموم لأن الفخر في المحصول قال: أجمع الناس على أنه مخصوص بالنية والنظر، فلولا أن العمل يصدق على النية لما احتاجوا إلى استثنائها من الحديث فيكون في الآية عطف العام على الخاص.
قوله تعالى: {جَنَّاتٍ}.
قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا}.
قال ابن عرفة: قدّم ذكر الجنّات وأنهارها على الأكل لوجهين إما لأن منفعة التنعيم بالنظر إليها سابقة على منفعة الأكل منها وإما لأن الأنهار مصلحة لثمرها وسبب في تكونه قال: وعموم {كلما} إن أريد به الإطلاق في ثمار الجنة فتكون القبيلة صادقة على ما سوى أول مأكول منها لأنه ليس قبله شيء.
قال: وقولهم في {كُلَّما} إنها في موضع الحال إن أريد به أنهم بحيث لو رزقوا منها شيئا قالوا ذلك فتكون حالا محصلة، وإن أريد أنهم رزقوا بالفعل فتكون حالا مقدرة لأنهم لم يحصل لهم جميعه في الحال.
قال الزمخشري: كلما، وإما، صفة أو استئناف أو خبر مبتدإ.
قال ابن عرفة: كونها خبر مبتدأ لا يخرج عن الإعرابين الأولين لأنه حينئذ يصلح أن تكون الجملة صفة أو استئنافا.
قال ابن عطية: في الآية رد على من يقول: إن الرزق من شرطه التملك، ذكره بعض الأصوليون، قال ابن عطية: وليس عنده ببيّن.
قل ابن عرفة: انظر هل معناه أنّ القول غير بيّن أو أنّ الرد عليه بالآية غير بيّن وليس المراد المسألة التي اختلف فيها أهل السنة والمعتزلة فقالت المعتزلة: الرزق لا يطلق إلا على الحلال وقالت أهل السنة: الرزق يطلق على الحلال وعلى الحرام.
قال ابن عرفة: لأن الخلاف هنا أخص من ذلك الخلاف لأنه تحرز منه رُدَّ بقوله من شرطه التملك فمن رزق شيئا ينتفع به ولا يملكه كالضيف عند الإنسان إذا قدم له طعاما فإنه يأكل منه ولا يحل له أن يتصدق منه بشيء، ولا يعطي منه لقمة لأنه لا يملك غير الانتفاع به فقط.
قال مالك: الانتفاع تارة يكون مؤبّدا كالحبس، وتارة يكون موققا كالعارية ونحوها.
قوله تعالى: {مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا}.
قال الزمخشري: {من} الثّانية لابتداء الغاية، أو البيان، كقولك: رأيت منك أسدا تريد أنت أسد.
وتعقبه أبو حيان بأن {من} البيانية لم يثبتها المحققون ولو صحت لامتنعت هنا إذ ليس قبلها ما تكون بيانا له لاَ معْرفة، مثل قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} ولا نكرة مثل: من تَضْرِب من رجل.
وقدروها مع المعرفة بالذي هُو، ومع النكرة بضمير عائد عليها أي هو رجل.
فإن قال: تكون بيانا للنكرة بعدها أى كلما رزقوا منها من ثمرة خلاف الأصل بالتقديم والتأخير، وأما رأيت منك أسدا ف {من} لابتداء الغاية أو للغاية ابتدائها وانتهائها.
وأجاب ابن عرفة: بأنه لا يريد وأنها لبيان الجنس بل للتبيين وسماه بعضهم التجريد.
ونقل بعض الطلبة أن ابن مالك جعل في قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} للبيان.
قلت: وقال بعضهم: لم يذكر أحد أنها للتبيين، وما معناها إلا بيان الجنس.
وذكر البيانيون أنها تكون للتجريد وهو للتبعيض مثل: لي من زيد صديق حميم، كأنك جردت عن صفاته رجلا صديقا وكذا قوله عز وجل: {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} وقوله: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخلد} وأنشد عليه ابن عطية في سورة آل عمران في قوله: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} قول الشاعر:
أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ** وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل

وكأنه جرد من صفات الله تعالى حاكما عدلا.
قال الزمخشري: ومعناه هذا مثل الذي رزقناه إذ لا يصح أن يكون ذات الحاضر عندهم الذات الذي رزقوه ذات في الدنيا.
قال ابن عرفة: ومعناه أن هذا الذي أكلناه هو الذي رزقناه أولا، وهو الذي شاهدناه حين الأكل، على ما ورد أنّ الإنسان إذا أكل شيئا يرجع كما كان أولا.
قال ابن عرفة: وعلى القول بإجازة إعادة المعدوم بعينه يصح ذلك وهو مذهبنا.
قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ}.
أي مخلصة من الشين والدنس المعنوي والحسي المتصل والمنفصل فليس لهن ذنوب ولا نتن رائحة ولا حيض ولا بصاق ولا مخاط بوجه.
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا جاءت الصفة مجموعة لموصوفها؟ قلت: هما لغتان يقال: النساء فعلن، والنساء فاعلات.
قال ابن عرفة: يرد عليه أن النساء اسم جمع لفظه مفرد، بخلاف هذا فإنه جمع صريح.
وإنما يجاب بما قال المبرد في المقتضب: من أن جمع السلامة لا ينعت إلا بالجمع وجمع التكسير ينعت بالمفرد والجمع.
الزمخشري: إنما قال: {مطهرة} ولم يقل طاهرة، إشارة إلى أن تطهيرهن من قبل الله تعالى ليس لهن فيه تكسب ولا اختيار بوجه.
قال ابن عرفة: وهذا كله تقدم إما على التوزيع أو لكل واحد منهم أزواج وهو الظاهر.
قال: والبيانيون منهم من يختار في مثل هذه المجرورات والضمائر، الفصل ومنهم من يختار الوصل وعليه أنشد:
وتسعدني في غمرة بعد غمرة ** صبوح لها منها عليها شواهد

وكان يقول على الأول: ولهم أزواج مطهرة فيها.
قال: وأورد الزمخشري سؤالا في قوله تعالى في الأنعام: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ} قال: النكرة إذا وصفت في الأصل تقدم خبرها المجرور عليها.
قلنا: وهذه الآية جاءت على الأصل الذي قال فلا سؤال فيها. اهـ.