فصل: (سورة الأنفال الآيات 32- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنفال الآيات 32- 34]:

{وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)}

.الإعراب:

{وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} إذ منصوب باذكر محذوفة، وقد تقدم القول فيها مشبعا، وجملة قالوا مضاف إليها الظرف، واللهم منادى مفرد علم حذفت منه يا وعوضت عنها الميم المشددة، وإن شرطية، وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط، وهذا اسمها، وهو ضمير فصل، والحق خبر كان ومن عندك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} الفاء رابطة، وأمطر فعل أمر، وعلينا جار ومجرور متعلقان بأمطر، وحجارة مفعول به، ومن السماء صفة لحجارة، والجملة في محل جزم جواب الشرط {أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} أو حرف عطف، وائت فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر، وبعذاب جار ومجرور متعلقان بائتنا، وأليم صفة.
{وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الواو استئنافية، وما نافية، وكان واسمها، واللام لام الجحود، ويعذبهم منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان، وأنت فيهم الواو للحال، والجملة الاسمية من المبتدأ والخبر حالية {وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} عطف على الجملة السابقة، وهم يستغفرون في موضع الحال، ومعناه نفي الاستغفار عنهم، أي: ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم، ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، ولا يتوقع ذلك منهم.
{وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} الواو عاطفة، وما اسم استفهام إنكاري للنفي مبتدأ، ولهم خبر، وأن لا يعذبهم اللّه أن وما في حيزها مصدر منصوب بنزع الخافض، متعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق، أو بمحذوف حال، على حد قوله:
تقول سليمى ما لجسمك شاحبا ** كأنك يحميك الطعام طبيب

والمعنى: وكيف لا يعذبون، وأي شيء ثبت واستقر لهم في أن لا يعذبوا، أي: ليس ثمة ما يمنع من حيلولة عذابه بهم {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} الواو للحال، وجملة هم يصدون حالية، والمعنى وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام كما صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية {وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ} الواو عاطفة أو حالية، وكانوا أولياءه كان واسمها وخبرها {إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} إن نافية، وأولياءه مبتدأ، وإلا أداة حصر، والمتقون خبر {أولياؤه} {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} لكن واسمها، والجملة خبرها، والواو حالية أو استئنافية.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم} إلخ فن عجيب يسمى فن التنكيت.
وحدّه أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده، لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه على سواه، فإن لقائل أن يقول: ما النكتة التي رجحت اختلاف الصيغتين من الفعل وهو {يعذبهم}، واسم الفاعل وهو {معذبهم} على اتفاقهما، مع اتفاق زمانيهما، فإن مدة مقام الرسول صلى اللّه عليه وسلم في المخاطبين منقسمة على الحال والاستقبال، وكذلك مدة الاستغفار، وهل يجوز مجيء كل واحدة من الصيغتين في مجاز الأخرى أم لا يجوز إلا ما جاء به الرسل؟ أو هل يجوز الاقتصار على الفعل الدال على الزمانين دون اسم الفاعل أم لا؟ والجواب أن معرفة النكتة رجحت مجيء الكلام على ما جاء عليه بحيث لا يجوز غيره أن المخاطبين به هم المنافقون الذين لم يؤذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في إمهالهم مدة مقامه فيهم، لا من قبل نزول الآية ولا من بعدها. والخبر الصادق يجب أن يكون طبق المخبر، ولما كان الرابع الذي أمر الخبير به نفي تعذيبهم في الماضي والحال دون الاستقبال فإن الخبر الصادق قد أخبر بهم في الاستقبال حيث قال: {وما لهم أن لا يعذبهم اللّه} اقتضت البلاغة مجيء الفعل المضارع الدال- مع الإطلاق- على الزمانين مع القرينة على أحدهما بحسب ما يدل عليه واقترن به قال تعالى: {وأنت فيهم} فأفاد دلالته على الحال دون الاستقبال، ونفي حصول العلم بنفي تعذيبهم فيما مضى من الزمان قبل نزول الآية، فأتى سبحانه بصيغة اسم الفاعل المضاف ليدل على الماضي، فاقتضى حسن الترتيب أن يقدم صيغة الفعل لدلالتها على الحال الذي هو مدة مقامه فيهم، لأن نفي العذاب فيما هو الأهم. وسيرد من التنكيت في القرآن ما يبهر العقول.

.[سورة الأنفال الآيات 35- 37]:

{وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37)}

.اللغة:

(المكاء): بضم الميم كالثغاء والرغاء من مكا يمكو إذا صفر، ومنه المكّاء كأنه سمي بذلك لكثرة مكائه. قال عنترة:
وحليل غانية تركت مجدّلا ** تمكو فريصته كشدق الأعلم

أي: ورب زوج امرأة بارعة الجمال، مستغنية بجمالها عن التزين، قتلته وألقيته على الأرض، وكانت فريصته تمكو بانصباب الدم منها، كشدق الأعلم.
(التصدية): التصفيق، وقد اختلف في أصله، فقيل: هو من الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الصلبة الخالية، يقال منه: صدّى يصدّي تصدية، والمراد بها هنا ما يسمع من صوت التصفيق بإحدى اليدين على الأخرى. وقيل: هو مأخوذ من التصدد، وهو الضجيج والصياح والتصفيق، فأبدلت إحدى الدالين ياء تخفيفا.
وقيل هو من الصدّ أي المنع، والأصل تصددة بدالين أيضا، فأبدلت ثانيتهما ياء.
وقال ابن يعيش: فأما التصدية من قال تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} فالياء بدل من الدال، لأنه من صد يصد، وهو التصفيق والصوت، ومنه قال تعالى: {إذا قومك منه يصدّون} أي: يضجّون ويعجّون، فحوّل إحدى الدالين ياء، هذا قول أبي عبيدة، وأنكر الرّستمي هذا القول، وقال: إنما هو من الصدى، وهو الصوت. والوجه الأول غير ممتنع لوقوع يصدون على الصوت أو ضرب منه، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يكون تصدية منه، فتكون تفعلة كالتحة والتعلة، فلما قلبت الدال الثانية ياء امتنع الإدغام لاختلاف اللفظين.
(ركمه): يجمعه متراكما بعضه على بعضه. وفي المختار:
ركم الشيء إذا جمعه وألقى بعضه على بعض، وبابه نصر. وارتكم الشيء وتراكم اجتمع، والركام بالضم الرمل المتراكم والسحاب ونحوه.

.الإعراب:

{وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً} الواو استئنافية أو عاطفة، وما نافية، وكان واسمها، وعند البيت الظرف متعلق بمحذوف حال، وإلا أداة حصر، ومكاء خبر كان، وتصدية عطف على مكاء، والمعنى أنهم وضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة، وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، وهم مشبكون بين أصابعهم، يصفرون فيها ويصفقون. وهذا أسلوب بليغ من أساليب العرب على حد قول الفرزدق:
وما كنت أرجو أن يكون عطاؤه ** أداهم سودا أو محدرجة حمرا

أي: ما كنت أظن أن يكون عطاؤه قيودا سودا أو سياطا مفتولة حمرا، ويروى: سمرا، فوضع القيود والسياط موضع العطاء، ووضع الشاعر الرجاء موضع الظن، وأطلق العطاء على العقاب مجازا.
{فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} الفاء الفصيحة، وذوقوا فعل أمر وفاعل، والعذاب مفعول به، والباء للسببية، وما مصدرية، أي: سبب كفركم، وقد تقدمت له نظائر {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
إن واسمها، وجملة كفروا صله، وجملة ينفقون أموالهم خبر الذين، وليصدوا اللام للتعليل، ويصدوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، والواو فاعل، وعن سبيل اللّه متعلق بيصدوا {فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} الفاء عاطفة، والسين حرف استقبال، وينفقونها فعل مضارع وفاعل ومفعول به، ثم حرف عطف للتراخي والترتيب، وتكون معطوف على ينفقونها، واسمها مستتر تقديره هي، وعليهم متعلقان بمحذوف حال، لأنها كانت في الأصل صفة لحسرة وتقدمت، وحسرة خبر تكون، ثم يغلبون عطف على ثم تكون، والواو نائب فاعل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} الذين مبتدأ، وكفروا صلة، وجملة يحشرون خبر الذين، والى جهنم متعلق بيحشرون {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} اللام للتعليل ويميز منصوب بأن مضمرة، والجار والمجرور متعلقان بأحد الأفعال المتقدمة، واللّه فاعل، والخبيث مفعول به، ومن الطيب متعلق بيميز، أي الفريق الخبيث من الفريق الطيب {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ} ويجعل عطف على يميز، والخبيث مفعوله، وبعضه بدل من الخبيث بدل بعض من كل، وعلى بعض جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، أو في محل نصب مفعول به ثان ليجعل، والتقدير:
ويجعل بعض الخبيث عاليا على بعض {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} الفاء عاطفة، ويركمه عطف على يجعل، والهاء مفعوله، وجميعا حال من الهاء في يركمه، أو توكيد لها، فيجعله عطف على يركمه، وفي جهنم مفعول به ثان {أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} مبتدأ وخبر، وهم ضمير فصل، أو مبتدأ أول وثان، والخاسرون خبر الثاني، والجملة الاسمية خبر أولئك.

.[سورة الأنفال الآيات 38- 40]:

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}

.الإعراب:

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} الجار والمجرور متعلقان بقل، واختلف في معنى هذه اللام، والأرجح أنها للتبليغ، أمر أن يبلغهم بالجملة المحكية بالقول، سواء أوردوها بهذا اللفظ أم بلفظ آخر مؤدّ لمعناها ومضمونها، واختار الزمخشري أن تكون للتعليل، أي: قل لأجلهم هذا القول، وهو: إن ينتهوا إلخ.
وحجة الزمخشري أنه لو كان بمعنى خاطبهم لقيل: إن انتهوا يغفر لكم.
وإن شرطية، وينتهوا فعل الشرط، ويغفر بالبناء للمجهول جواب الشرط، ولهم جار ومجرور متعلقان بيغفر، وما اسم موصول نائب فاعل، وجملة قد سلف صلة.
{وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} الواو عاطفة، وإن شرطية، ويعودوا فعل الشرط، ومتعلقة محذوف، أي لقتاله أو للكفر، وكلاهما مراد فقد الفاء رابطة للجواب، وقد حرف تحقيق، ومضت سنة الأولين فعل وفاعل ومضاف إليه {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} عطف على قل للذين، وأفرد الأمر في الأول لأن الخطاب للنبي وحده بما هو داخل في نطاق مهمته، وجمع الأمر في الثاني لأن الخطاب للمؤمنين جميعا، لتهييجهم إلى المحاربة، ومقاتلة عدوهم، ومثيري الفتن عامة، وحتى حرف غاية وجر، ولا نافية، وتكون منصوبة بأن مضمرة بعد حتى، والجار والمجرور متعلقان بقاتلوهم، وتكون هنا تامة، وفتنة فاعل، ويكون عطف على تكون، وهي هنا ناقصة، والدين اسمها، وكله توكيد، وللّه خبر {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الفاء عاطفة. وإن شرطية، وانتهوا فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة، وإن واسمها، وبصير خبرها، وبما يعملون جار ومجرور متعلقان ببصير، وجملة يعملون صلة {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} عطف على سابقه، والإعراب مماثل، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي فاعلموا، ونعم فعل ماض جامد لإنشاء المدح، والمولى فاعل، والمخصوص بالمدح محذوف، أي: هو، ومثله ونعم النصير.