فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



518- الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ:
عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: «من قَرَأَ سُورَة الْأَنْفَال وَبَرَاءَة فَأَنا شَفِيع لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَشَاهد أَنه بَرِيء من النِّفَاق وَأعْطِي عشر حَسَنَات بِعَدَد كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة وَكَانَ الْعَرْش وَحَمَلته يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ أَيَّام حَيَاته فِي الدُّنْيَا».
قلت رَوَاهُ الواحدي والثعلبي من حَدِيث سَالم بن سليم الْمَدَائِنِي ثَنَا هَارُون ابْن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أُمَامَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قَرَأَ سُورَة الْأَنْفَال....» إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه الْمَذْكُورين فِي سُورَة آل عمرَان. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم:
سورة الأنفال:
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}، الآية: 1.
اعلم أن النفل هو الزيادة في اللغة، على القدر المستحق، ومنه النوافل.
والنفل يكون من الإمام للسرايا التي تتقدم الجيش الأعظم، مثل أن يقول للسريّة: لكم الربع بعد الخمس.
أو يقول: من أصاب سهما فهو له، على وجه الحث على القتال والتضرية على العدو.
أو يقول: من قتل قتيلا فله سلبه.
فأما بعد إحراز الغنيمة، فلا يجوز له أن ينفل شيئا من نصيب الجيش، ويجوز له أن ينفل من الخمس.
وقد اختلف في سبب نزول الآية فقد روي عن سعد أنه قال: أصبت يوم بدر سيفا، فأتيت به النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فقلت له: نفلنيه:
فقال: ضعه من حيث أخذت، فنزل قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}، قال فدعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: اذهب خذ سيفك.
وروي عن ابن عباس أنه قال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}، الأنفال هي الغنائم التي كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء، ثم أنزل اللّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها، فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم، فأنزل اللّه تعالى: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا}.
ورووا عن عبادة بن الصامت وابن عباس وغيرهما، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفل يوم بدر أنفالا كثيرة مختلفة وقال: «من أخذ شيئا فهو له».
واختلفت الصحابة فقال بعضهم: نحن حمينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكنا ردءا لكم.
وقال قوم: نحن قاتلنا وأخذنا، فلما اختلفنا وساءت أخلاقنا انتزعه اللّه من أيدينا وجعله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقسمه غير الخمس، وكان في ذلك تقوى وطاعة رسول اللّه، وصلاح ذات البين لقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ}، فقال صلّى اللّه عليه وسلم: ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم.
وبين اللّه تعالى، أن ذلك مما يظهر به إيمانهم، وأنه لا يجدون في أنفسهم حرجا بما قضى به رسول اللّه تعالى، فهو معنى قوله: {إن كنتم مؤمنين}.
قال الرازي: وهذا غلط، وإنما قال النبي عليه الصلاة والسلام يوم حنين: «من قتل قتيلا فله سلبه».
وقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}.
نزل بعد حيازة غنائم بدر، وما كانت الغنائم قبل ذلك تحل.
وهذا ليس بصحيح، لإمكان أن اللّه تعالى أحلها يوم بدر للمسلمين، ولكن لما اختلفوا انتزع منهم وجعل ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
ومما قاله في ذلك، أنه عليه الصلاة والسلام كيف يقول: من أخذ شيئا فهو له ويخلف وعده.
وهذا ليس بشيء، فإنه ما أخلف وعده، لإمكان أنه كان كذلك، ولكن ورد بعده الناسخ، لما اختلفوا، وإنما جعل لهم ذلك بشرط ألا يختلفوا، خلا خبر فيما قاله.
فإذا ثبت ذلك، فاعلم أن قوله: {يسألونك عن الأنفال}، ظاهر في أنهم سألوه عن مال معلوم، وأن الجواب في ذلك، أن ذلك للّه والرسول، ومعلوم أن كل شيء فهو للّه تعالى ملكا حقا، فلم يختلف العلماء أن المراد به استضياع كلام.
فتحصل من الجواب أن الأنفال للرسول.
وظاهر هذا القول يقتضي أمرين:
إما أن يكون ملكا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، أو وضعه حيث يريد، وإن لم يملكه حقيقة.
فعلى هذا الوجه اختلف العلماء، فقال بعضهم:
إن للرسول عليه الصلاة والسلام أن ينفل ذلك على المجاهدين على ما يراه صلاحا.
وقال بعضهم: بل ذلك ملك الرسول أو كالملك له، حتى يصرفه إلى من شاء.
وظاهر قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ}، كالدلالة على أنه متى أراد وضع ذلك فيهم، تنازعوا واختلفوا، فأنزل اللّه تعالى ذلك، بعثا لهم على الرضا بما يفعله من القسمة بينهم، وذلك دليل على أنه ليس بملك له ولا لهم وإلا كانوا في ذلك كغيرهم، وكان لا يكون لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} معنى، فإن أراد المريد بالملك أن له أن يتصرف فيه على ما يراه ويختاره فنعم، وإن أراد به الاستبداد والانتفاع به، فما ذكرناه كالمانع منه، وقيل لذلك نفل، لأن الغنائم لما لم تكن مباحة من قبل، كانت كأنها عطية زائدة من اللّه تعالى، فسميت أنفالا لذلك.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ}، الآية: 16.
روى أبو نضرة عن أبي سعيد، أن ذلك إنما كان يوم بدر، وقال أبو نضرة: لأنهم لو انحازوا يومئذ، لانحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ مسلم غيرهم.
وهذا الذي قاله أبو نضرة فيه نظر، لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخروج، ولم يكونوا يرون أنه يكون قتال، وإنما ظنوا أنها العير، فخرجوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن خف معه.
فقول أبي نضرة إنه لم يكن هناك مسلم، وإنهم لو انحازوا انحازوا إلى المشركين، غلط لما بيناه.
وقد قيل: إنه لم يجز لهم الانحياز يومئذ، لأنهم كانوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يكن الانحياز جائزا لهم، قال اللّه تعالى: {ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}.
فلم يكن لهم أن يسلموا نبيهم، وإن تكفل اللّه بنصرته وعصمته من الناس، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
فكان ذلك فرضا عليهم، قلّ أعداؤه أو كثروا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فئة المسلمين يومئذ، ومن كان ينحاز عن القتال، فإنما كان ينحاز إلى فئة، وما كان للمسلمين فئة غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
قال ابن عمر: كنت في جيش، فخاض الناس خيضة، ورجعنا إلى المدينة فقلنا: نحن الفرارون، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «أنا فئتكم».
فلم يكن للمسلمين إذ ذاك أن ينحازوا، قل عدد العدو أو كثر، وقال تعالى في آية أخرى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ}، ثم نسخ بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}، وليس عند أصحاب الشافعي في ذلك تفصيل، فيجوز فرار الواحد من ثلاثة.
وقال محمد: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفا، فليس لهم أن يفروا من عدوهم وإن كثر عددهم، ولم يذكر عن أصحاب أبي حنيفة خلافا فيه، واحتج بحديث الزهري عن عبد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «خير الأصحاب أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة، وفي بعضها ما يغلب قوم يبلغون اثني عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم».
وهذا ليس بيان حكم شرعي وإنما هو بيان حكم العرف.
وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له: أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام اللّه تعالى وحكم بغيرها؟ فقال مالك: إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك فلا يسعك التخلف، وإلا فأنت في سعة من التخلف.
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، الآية: 25: عنى بذلك هرجا يعم المصلح والمفسد.
قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} الآية: 39، معناه شرك.
وقيل حتى لا يفتن مؤمن عن دينه، ويدل على ذلك أن قتل الكفار لدفع الضرار لا جزاء على الكفر، وقد شرحناه من قبل.
قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، الآية: 41.
وقال في آية أخرى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا}.
قال ابن عباس ومجاهد: إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام، جعل ينفل ما أحرزوه بالقتال لمن شاء، ولم يكن لأحد فيه حق، إلا من جعله الرسول له، وذلك كان في يوم بدر، وقد روينا حديث سعد في قصة السيف الذي استوهبه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر وقال: إنك سألتني هذا السيف، وليس هو لي ولا لك، ثم نزل: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، فدعاه فقال: إنك سألتني هذا السيف، وما كان لي ولا لك، وإن اللّه تعالى جعله لي وجعلته لك.
وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: لما كان يوم بدر، تعجل ناس من المسلمين، فأصابوا من الغنائم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: لم تبح الغنائم لقوم سود الرؤوس من قبلكم، كان النبي إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم، فتنزل نار من السماء فتأكلها، فأنزل اللّه تعالى: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا}.
وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا}، يقتضي بظاهره أن تكون الغنيمة للغنائم فقط، وأن يكونوا مشتركين فيها على سواء، إلا أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، بين وجوب إخراج الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة، ثم بعده يخلص للقائمين بعد الصفي والسلب والعطايا المتقدمة، ولولا الأخبار المأثورة لكان الفارس كالراجل، والعبد كالحر، والصبي كالبالغ.
واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله: {غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}: مال الكفار، إذا ظهر به المسلمون على وجه الغلبة، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع: وسمى الشرع الواصل إلينا من الكفار من الأقوال باسمين:
أحدهما: الفيء، وهو الذي يصل إلينا من الكفار من غير حرب، كالجزية والخراج الحق.
ثم إن اللّه تعالى كما أضاف الغنيمة إلى الغانمين، أضاف الفيء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى}.
فاقتضى ظاهر الآية، أن يجعل بعد إخراج الخمس أربعة أخماس، والفيء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كما يختص الغانمون بأربعة أخماس الغنيمة، فإنه تعالى قال: {أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}.
وقال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا}.
فاقتضى ظاهره أن يكون كله له، خص منه البعض، بقي الثاني على مقتضى الإضافة، وهذا حسن بين.