فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال: يا رسول الله إنّك وعدت مَن قتل قتيلًا فله كذا ومَنْ أسر أسيرًا فله كذا وإنّا قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين، فقام سعد بن معاذ فقال: والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادةً في الآخرة ولا جبن عن العدو لكن كرهنا أن يعرّي مصافك فيعطف عليه خيل من خيل المشركين فيصيبوك، فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ عاد أبو اليسر بمثل مقالته وقام سعد بمثل كلامه وقال: يا رسول الله إنّ الناس كثير وإن الغنيمة دون ذلك وإن تعطِ هؤلاء التي ذكرت لا يبقَ لأصحابك كثير شيء فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية. فقسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بالسويّة.
وروى مكحول عن أبي أُمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في الفعل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسّمه بين المسلمين عن سواء على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلاح ذات البين.
وقال سعد بن أبي وقاص: نزلت في هذه الآية ذلك أنّه لمّا كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميّة وأخذت سيفه وكان يُسمّى ذا الكثيفة فأعجبني فجئت به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ من قتل أخي وأخذ بيدي قلت: عسى أن يعطي من لم يُبل بلائي فما جاوزت إلاّ قليلًا حتّى جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عزّ وجلّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء، فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا سعد إنّك سألتني السيف وليس لي وإنّه قد صار ليّ فاذهب فخذه فهو لك».
وقال أبو أُميّة مالك بن ربيعة: أُصبت سيف ابن زيد يوم بدر وكان السيف يُدعى المرزبان فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردّوا ما في أيديهم من النفل فأقبلت به وألقيته في النفل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئًا يسأله فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إيّاه.
وقال ابن جريج: نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا فاختلفوا فكانوا أثلاثًا فنزلت هذه الآية وملّكها الله رسوله يقسّمها كما أراه الله.
عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو ملكًا فهو غلول فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها فأنزل الله عزّ وجل: {يسألونك} يا محمد {عن الأنفال} أي حكم الأنفال وعلمها وقسمها. وقيل: معناه يسألونك من الأنفال {عَنِ} بمعنى من.
وقيل: من صلة أي يسألونك الأنفال. وهكذا قرأ ابن مسعود بحذف {عَنِ} وهو قول الضحاك وعكرمة.
والأنفال الغنائم واحدها نفل. قال لبيد:
إن تقوى ربّنا خير نفل ** وبإذن الله ريثي والعجل

وأصله الزيادة يقال: نفلتك وأنفلتك أي: زدتّك.
واختلفوا في معناها:
فقال أكثر المفسّرين: معنى الآية يسألونك عن غنائم بدر لمن هي.
وقال عليّ بن صالح بن حيي: هي أنفال السرايا.
وقال عطاء: فَأْنشد من المشركين إلى المسلمين بغير قبال من عبد أو أمة أو سلاح فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء.
وقال ابن عباس: هي ما يسقط من المتاع بعدما يقسم من الغنائم فهي نفل لله ولرسوله.
وقال مجاهد: هي الخمس وذلك أنّ المهاجرين سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس وقالوا: لِمَ يرفع منّا هذا الخمس، لِمَ يخرج منّا فقال الله تعالى: {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} يقسّمانها كما شاءا أو ينفلان فيها ما شاءا أو يرضخان منها ما شاءا.
واختلفوا في هذه الآية أهي محكمة أم منسوخة:
فقال مجاهد وعكرمة والسدي: هي منسوخة نسخها قوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية [الأنفال: 41].
وكانت الغنائم يومئذ للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة فنسخها الله بالخمس.
وقال عبد الرحمن بن أيد: هي ثابتة وليست منسوخة وإنّما معنى ذلك قل الأنفال لله وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة وللرسول يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيها ثمّ أنزل حكم الغنائم بعد أربعين آية فإنّ لله خُمسه ولكم أربعة أخماس.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا الخمس مردود على فقرائكم»، وكذلك يقول في تنفيل الأيام بعض القوم واقتفائه إياه ليلًا، وعلى هذه يفرق بين الأنفال والغنائم بقوله تعالى: {فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} وذلك حين اختلفوا في الغنيمة أمرهم بالطاعة والجماعة ونهاهم عن المفارقة والمخالفة.
قال قتادة وابن جريج: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفّار إذا قتله وكان ينفل على قدر عنائه وبلائه حتّى إذا كان يوم بدر ملأ الناس أيديهم غنائم، فقال أهل الضعف: ذهب أهل القوّة بالغنائم فنزلت: {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} ليرد أهل القوّة على أهل الضعف فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد بعضهم على بعض فأمرهم الله بالطاعة فيها فقال: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} واختلفوا في تأنيث ذات البين فقال أهل البصرة أضاف ذات البين وجعله ذات لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضها يُذكر نحو الدار والحائط أنّث الدار وذكّر الحائط.
وقال أهل الكوفة: إنّما أراد بقوله: {ذَاتَ بِيْنِكُمْ} الحال التي للبين فكذلك ذات العشاء يريد الساعة التي فيها العشاء.
قالوا: ولم يضعوا مذكّرًا لمؤنّث ولا مؤنّثًا لمذكّر إلاّ لمعنى به. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله أصحابه يوم بدر عن الأنفال.
وفي هذه الأنفال التي سألوه عنها خمسة أقاويل:
أحدها: أنها الغنائم، وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، الثاني: أنها السرايا التي تتقدم الجيش، وهذا قول الحسن.
الثالث: الأنفال ما ندّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من دابة أو عبد، وهذا أحد قولي ابن عباس.
الرابع: أن الأنفال الخمس من الفيء والغنائم التي جعلها الله تعالى لأهل الخمس، وهذا قول مجاهد.
الخامس: أنها زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش لما قد يراه من الصلاح.
والأنفال جمع نَفَل، وفي النفل قولان:
أحدهما: أنه العطية، ومنه قيل للرجل الكثير العطاء: نوفل، قال الشاعر:
يأتي الظلامة منه النوفل الزُّفَرُ فالنوفل: الكثير العطاء. والزفر: الحمال للأنفال، ومنه سمي الرجل زفر.
والقول الثاني: أن النفل الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة. قال لبيد بن ربيعة:
إن تقوى ربنا خير نفل ** وبإذن الله ريثي وعجل

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية على أربعة أقاويل:
أحدها: ما رواه ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكذَا» فسارع إليه الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما فتح الله تعالى عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءًا لكم، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} الآية.
الثاني: ما روى محمد بن عبيد بن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قُتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميةَ وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: هبه لي يا رسول الله، فقال: «اطْرَحْهُ في القَبض» فطرحته ورجعت وبي من الغم ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما تجاوزت إلا قريبًا حتى نزلت عليه سورة الأنفال فقال: «اذْهَبْ فُخُذْ سَيْفَك».
الثالث: أنها نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا فاختلفوا وكانوا أثلاثًا فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} الآية. فملّكه الله رسوله فقسمه كما أراه الله، قاله عكرمة والضحاك وابن جريج.
والرابع: أنهم لم يعلموا حكمها وشكّوا في إحلالها لهم مع تحريمها على من كان قبلهم فسألوا عنها ليعلموا حكمها من تحليل أو تحريم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم اختلف أهل العلم في نسخ هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الانفال: 41]. الآية، قاله عكرمة، ومجاهد، والسدي.
والقول الثاني: أنها ثابتة الحكم ومعنى ذلك؛ قل الأنفال لله، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة، والرسول يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيها، قاله ابن زيد.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يرد أهل القوة على أهل الضعف.
الثاني: أن يسلِّموا لله وللرسول ليحكما في الغنيمة بما شاء الله. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
النفل والنفل والنافلة في كلام العرب الزيادة على الواجب، وسميت الغنيمة نفلًا لأنها زيادة على القيام بالجهاد وحماية الدين والدعاء إلى الله عز وجل، ومه قول لبيد: [الرمل]
إنَّ تَقْوى ربِّنا خَيْرُ نَفَلْ

أي خير غنيمة، وقول عنترة:
إنَّا إذا احمرّ الوغى نروي القنا ** ونعفُّ عند مقاسم الأنفالِ

والسؤال في كلام العرب يجيء لاقتضاء معنى في نفس المسئول، وقد يجيء لاقتضاء مال أو نحوه، والأكثر في هذه الآية أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال فهو من الضرب الأول، وقالت فرقة إنما سألوه الأنفال نفسها أن يعطيهم إياها، واحتجوا في ذلك بقراءة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وأبي جعفر محمد بن علي وزيد بن علي وجعفر بن محمد وطلحة بن مصرف وعكرمة والضحاك وعطاء {يسألونك الأنفال}، وقالوا في قراءة من قرأ عن أنها بمعنى من، فهذا الضرب الثاني من السؤال واختلف الناس في المراد ب {الأنفال} في هذه الآية، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وعطاء وابن زيد هي الغنائم مجملة، قالوا وذلك أن سبب الآية ما جرى يوم بدر وهو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا يوم بدر ثلاث فرق: فرقة أقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش الذي صنع له وحمته وآنسته، وفرقة أحاطت بعسكر العدو وأسلابهم لما انكشفوا، وفرقة اتبعوا العدو فقتلوا وأسروا.
وقال ابن عباس في كتاب الطبري: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرض الناس قبل ذلك فقال: من قتل قتيلًا أو أسر أسيرًا فله كذا وله كذا، فسارع الشبان وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس رأت كل فرقة الفضل لنفسها، وقالت نحن أولى بالمغنم، وساءت أخلاقهم في ذلك، فنزلت الآية بأن الغنائم لله وللرسول فكفوا، فقسمه حيئنذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السواء، وأسند الطبري وغيره عن أبي أمامة الباهلي، قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أهل بدر نزلت حين اختلفنا وساءت أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه عليه السلام عن بواء.
قال القاضي أبو محمد: يريد عن سواء، فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين، مما جرى أيضًا يوم بدر فقيل إنه سبب ما أسنده الطبري عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: هذا السيف قد شفى الله به من المشركين فأعطنيه، فقال: ليس هذا لي ولا لك، فاطرحه في القبض فطرحته فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال فما جاوزت إلا قريبًا حتى نزلت عليه سورة الأنفال، فقال: اذهب فخذ سيفك فإنك سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي فهو لك.