فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}
ق عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن سورة الأنفال.
قال: نزلت في بدر واختلف أهل التفسير في سبب نزولها فقال ابن عباس لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا ومن أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا ومن قتل قتيلًا فله كذا» فتسارع الشباب وبقيت الشيوخ تحت الرايات فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا ولا تستأثروا به علينا فإنا كنا رداءًا لكم ولو انكشفتم إلينا فتنازعوا.
فأنزل الله: {يسألونك عن الأنفال}.
الآية قال أهل التفسير: قام أبو اليسر بن عمرو الأنثاري أخو بني سلمة فقال: يا رسول الله إنك وعدت ان من قتل قتيلًا فله كذا وكذا وإنا قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وقام سعد بن معاذ فقال: والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فتعطف عليك خيل من المشركين فيصبونك.
فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كبير شيء فنزلت هذه الآية: {يسألونك عن الأنفال} وقال محمد بن إسحاق: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب وقال الذين كانوا يقاتلون العدو لولا نحن ما أصبتموه وقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كنا نقدر أن نقاتل العدو ولكنا خفنا على رسول الله صلى لله عليه وسلم غرة العدو فقمنا دونه فما أنتم بأحق منا فنزلت هذه الآية.
روى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا عن بواء يقول على سواء وكان فيه تقوى الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصلاح ذات البين وعن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا هب لي هذا السيف فقال: «هذا ليس لي ولا لك» فقلت: عسى أن يعطي هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول فقال: «إنك سألتني وليس لي وأنه قد صار لي وهو لك» فنزلت {يسألونك عن الأنفال}، الآية أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم في جملة حديث طويل يتضمن فضائل سعد ولفظ مسلم فيه.
قال: أصاب رسول الله عليه وسلم غنيمة عظيمة وإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نفلني هذا السيف فأنا قد علمت حاله فقال: «رده من حيث أخذته» فانطلقت به حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت أعطنيه قال: فشد على صوته «رده من حيث أخذته» فأنزل الله: {يسألونك عن الأنفال} وقال ابن عباس: كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكًا فهو غلول وأما التفسير فقوله سبحانه وتعالى: {يسألونك عن الأنفال} استفتاء يعني يسألك أصحابك يا محمد عن حكم الأنفال وعلمها وهو سؤال استفتاء لا سؤال طلب.
وقال الضحاك وعكرمة: هو سؤال طلب وقوله عن الأنفال أي من الأنفال وعن بمعنى من.
وقيل: عن صلة أي يسألونك الأنفال والأنفال هي الغنائم في قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأصله الزيادة سميت الغنائم أنفالًا لأنها زيادة من الله لهذه الأمة على الخصوص وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر.
وقال عطاء: هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو امرأة أو متاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء {قل الأنفال لله والرسول} أي: قل لهم يا محمد إن الإنفال حكمها لله ورسوله يقسمانها كيف شاءوا واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال مجاهد وعكرمة والسدي هذه الآية منسوخة فنسخها الله سبحانه وتعالى بالخمس في قوله: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} الآية.
وقيل كانت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها كيف شاء ولمن شاء ثم نسخها الله بالخمس.
وقال بعضهم: هذه الآية ناسخة من وجه منسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حرامًا على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم فأباحها الله لهذه الأمة بهذه الآية وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا ثم نسخت بآياته الخمس وقال عبد الرحمن بن زيد إنها محكمة وهي إحدى الروايات عن ابن عباس ومعنى الآية على هذا القول قل الأنفال لله والرسول يضعها حيث أمره الله وقد بين الله مصارفها في قوله: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} الآية.
وصح من حديث ابن عمر، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فغنمنا إبلًا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرًا ونفلنا بعيرًا نعيرًا أخرجاه في الصحيحين فعلى هذا تكون الآية محكمة وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس {فاتقوا الله} يعني اتقوا الله بطاعته واتقوا مخالفته واتركوا المنازعة والمخاصمة في الغنائم {وأصلحوا ذات بينكم} أي أصلحوا الحال فيما بينكم بترك المنازعة والمخالفة وبتسليم أمر الغنائم إلى الله ورسوله {وأطيعوا الله ورسوله} فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه {إن كنتم مؤمنين} يعني إن كنتم مصدقين بوعد الله ووعيده. اهـ.

.قال ابن كثير:

تفسير سورة الأنفال:
وهي مدنية آياتها سبعون وست آيات كلماتها ألف كلمة، وستمائة كلمة، وإحدى وثلاثون كلمة، حروفها خمسة آلاف ومائتان، وأربعة وتسعون حرفا، والله أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
قال البخاري: قال ابن عباس الأنفال: الغنائم: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هُشَيْم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال؟ قال نزلت في بدر.
أما ما عَلَّقه عن ابن عباس، فكذلك رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قال: {الأنفال}: الغنائم، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، ليس لأحد منها شيء. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حَيَّان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد أنها الغنائم.
وقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه قال: الأنفال: الغنائم، قال فيها لَبِيدُ:
إِنَّ تَقْوَى رَبّنَا خيرُ نَفَل ** وَبِإِذْنِ اللهِ رَيثي وَعَجَلْ

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن {الأنفال}، فقال ابن عباس، رضي الله عنهما: الفرس من النَّفل، والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضا. ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يُحرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا، مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال ابن عباس: كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا سئل عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك. ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا زاجرا آمرا محلا محرما. قال القاسم: فَسُلِّطَ على ابن عباس رجل يسأله عن الأنفال، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه حتى أغضبه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صَبِيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب، حتى سالت الدماء على عقبيه- أو على: رجليه فقال الرجل: أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك.
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس: أنه فسر النفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه، بعد قسم أصل المغنم، وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل، والله أعلم.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ}.
وقال ابن مسعود ومسروق: لا نفل يوم الزحف، إنما النفل قبل التقاء الصفوف. رواه ابن أبي حاتم عنهما.
وقال ابن المبارك وغير واحد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال، من دابة أو عبد أو أمة أو متاع، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء.
وهذا يقتضي أنه فسر الأنفال بالفيء، وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: هي أنفال السرايا، حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا علي بن صالح بن حيي قال: بلغني في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ} قال: السرايا.
ويعني هذا: ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش، وقد صرح بذلك الشعبي، واختار ابن جرير أنها الزيادات على القسم، ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الآية، وهو ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر، وقتل أخي عُمَيْر، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «اذهب فاطرحه في القبض». قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي. قال: فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فخذ سيفك».
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا أبو بكر، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك قال: قال: يا رسول الله، قد شفاني الله اليوم من المشركين، فهب لي هذا السيف. فقال: «إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه» قال: فوضعته، ثم رجعت، قلت: عسى أن يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي! قال: رجل يدعوني من ورائي، قال: قلت: قد أنزل الله في شيئا؟ قال: «كنت سألتني السيف، وليس هو لي وإنه قد وهب لي، فهو لك» قال: وأنزل الله هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق، عن أبي بكر بن عياش، به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهكذا رواه أبو داود الطيالسي: أخبرنا شعبة، أخبرنا سماك بن حرب، قال: سمعت مصعب بن سعد، يحدث عن سعد قال: نزلت في أربع آيات: أصبت سيفا يوم بدر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نَفِّلْنِيه. فقال: «ضعه من حيث أخذته» مرتين، ثم عاودته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ضعه من حيث أخذته»، فنزلت هذه الآية: {يسألونك عن الأنفال}.