فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فبين سبحانه أن الحكم في قسمة الغنائم بين الجميع لله وللرسول وإياكم أن تخرجوا عن أمر الله فيها، واجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية. فلا تنازعوا ولا تختلفوا {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}.
إن كان قد حصل بين الطرفين، الشبان والشيوخ الكبار قليل من الخلاف فأصلحوا ذات بينكم. وساعة تسمع {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} قد تسأل: ما هو البين؟ الجواب البين هو ما بين شيئين، فحين يجلس صف من الناس بجانب بعضهم البعض، فما بين كل منهم هو ما يُسمى البين، وقد يكون الذي يفصلنا عن بعض بين مودة أو بين جفوة، إذن فالبين له صورة وله هيئة، فإن كانت الصورة التي بينكم وبين بعضكم فيها شيء من الجفوة فأصلحوا السبب الذي من أجله وُجدَ البين حتى لا يكون بينكم جفوة ونزاع.
ثم يقول تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 1].
وقلنا إن أمر الطاعة معناه الامتثال، والطاعة ليست للأمر فقط بل للنهي أيضًا، لأن الأمر طلب فعل، والنهي طلب عدم فعل، وكلاهما طلب. وحينما يقول الحق: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ}.
تفهم هذا القول على ضوء ما عرفناه من قبل وهو أن مسألة الطاعة أخذت في القرآن صورا ثلاثا، الصورة الأولى: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} وفيها يكرر المطاع وهو الله والرسول، ولكنه يفرد الأمر بالطاعة.
ومرة ثانية يقول المولى عز وجل: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [المائدة: 92].
أي أنه سبحانه يكرر المطاع، ويكرر الأمر بالطاعة.
ومرة ثالثة يقول سبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُواْ الرسول}. لأن منهج الله فيه أمور ذكرها الله عز وجل، وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواردت السنة مع النص القرآني، فنحن نطيع الله والرسول في الأمر الصادر من الله. وهناك بعض من التكاليف جاءت إجمالية، والإجمال لابد له من تفصيل، مثل الصلاة وفيها قال الحق تبارك وتعالى: {فَأَقِيمُواْ الصلاة إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103].
إذن فالله عز وجل أمر بالصلاة إجمالًا وقدّم الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الإجمال تفسيرًا وتطبيقًا فهي خمس صلوات، ركعتان للصبح، وأربع ركعات للظهر، وأربع ركعات للعصر، وثلاث ركعات للمغرب، وأربع ركعات للعشاء، وحدد الرسول عليه الصلاة والسلام الصلوات التي نجهر فيها بقراءة الفاتحة وبضع آيات من القرآن، وحدد الصلوات التي لا نجهر فيها بالتلاوة.
إذن فحين يقول الحق تبارك وتعالى: {أَطِيعُواْ الله}، أي أطيعوه في مجمل الحكم، وحين يقول: {وَأَطِيعُواْ الرسول} أي أطيعوه في تفصيل الحكم، وإذا ما قال: {أَطِيعُواْ الله والرسول} فهذا يعني أن الحق قد أمر وأن الرسول قد بلغ، والمراد واحد، وإذا لم يكن لله أمر، وقال الرسول شيئًا فالحق يقول: {وَأَطِيعُواْ الرسول}، وسبحانه قد أعطى رسوله تفويضًا بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
أي أن كل أمر من الرسول إنما يأتي من واقع التفويض الذي أكرمه الله به، وهنا يقول سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
أي إن كنتم مؤمنين حقا فاتقوا الله الذي آمنتم به واتّبِعُوا الأمر الصادر من الله ورسوله لكم، لأن مدلول الإيمان هو اقتناع القلب بقضية لا تطفو للمناقشة من جديد، وكذلك اقتناع بأن هذا الكون له إله واحد، وله منهج يبلغه الرسول المؤيد من الله عز وجل بالمعجزة، وهذا الإيمان وهذا المنهج يفرض عليكم تقوى الله بإصلاح ذات البين، ويفرض عليكم طاعة الله والرسول في كل أمر، ومن هذه الأمور التي تتطلب الطاعة هو ما أنتم بصدده الآن، لأنه أمر في بؤرة الشعور. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيعة، فأتيت به النبي فقال: «اذهب فاطرحه في القبض». فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال. فقال لي رسول الله: «اذهب فخذ سيفك».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن سعد قال: قلت: يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهل لي هذا السيف؟ قال: إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه. فوضعته ثم رجعت قلت: عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي، إذا رجل يدعوني من ورائي قلت: قد أنزل الله في شيء؟ قال: كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإني قد وهب لي فهو لك، وأنزل الله هذه الآية: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت في أربع آيات. بر الوالدين، والنفل، والثلث، وتحريم الخمر.
وأخرج الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت في أربع آيات من كتاب الله، كانت أمي حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمدًا صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]، والثانية أني كنت أخذت سيفًا أعجبني فقلت: يا رسول الله هب لي هذا، فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال}، والثالثة إني مرضت فأتاني رسول الله فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أقسم مالي أفأوصي بالنصف؟ قال: لا. فقلت: الثلث...؟ فسكت فكان الثلث بعده جائزًا، والرابعة اني شربت الخمر مع قوم من الأنصار فضرب رجل منهم أنفي بلحيي جمل، فأتيت النبي، فأنزل الله تحريم الخمر.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نفلني هذا السيف فأنا من علمت. فقال: «رده من حيث أخذته فرجعت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لأمتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: اعطنيه. فشدَّ لي صوته وقال: رده من حيث أخذته. فأنزل الله: {يسئلونك عن الأنفال}».
وأخرج ابن مردويه عن سعد قال: نفلني النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفا، ونزل في النفل.
وأخرج الطيالسي وأبو نعيم في المعرفة من طريق مصعب بن سعد عن سعد قال: أصبت سيفًا يوم بدر، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله نفلنيه، فقال: «ضعه من حيث أخذته، فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال}» وهي قراءة عبد الله هكذا الأنفال.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال؟ فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل فساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن براءة، يقول: عن سواء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله العدوّ، فانطلقت طائفة في آثارهم منهزمون يقتلون، واكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدوّ منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب. وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحق بها منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرة واشتغلنا به، فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدوّ ونفل الربع، وإذا أقبل راجعًا وكل الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ويقول: ليرد قويُّ المسلمين على ضعيفهم.
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فنصرها الله وفتح عليها، فكان من أتاه بشيء نفله من الخمس، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون ويقتلون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئًا. فقالوا: يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم من الغنيمة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل: {يسئلونك عن الأنفال} الآية. فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ردوا ما أخذتم واقتسموه بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك. قالوا: قد احتسبنا وأكلنا؟ قال: احتسبوا ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه عن أبيه عن جده قال: لم ينفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إذ أنزلت عليه {يسئلونك عن الأنفال} إلا من الخمس، فإنه نفل يوم خيبر من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن حبيب بن مسلمة الفهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الثلث بعد الخمس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلًا فله كذا وكذا، ومن أسر أسيرًا فله كذا وكذا. فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردأً ولو كان منكم شيء لَلَجَأْتم إلينا، فاختصموا إلى النبي، فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} فقسم الغنائم بينهم بالسوية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلًا فله كذا، ومن جاء بأسير فله كذا. فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين، فقال: يا رسول الله إنك قد وعدتنا. فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك، فتشاجروا فنزل القرآن {يسئلونك عن الأنفال} وكان أصحاب عبد الله يقرأ ونها {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فيما تشاجرتم به} فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] إلى آخر الآية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فمكث ضعفاء الناس في العسكر، فأصاب أهل السرية غنائم، فقسمها رسول الله بينهم كلهم، فقال أهل السرية: يقاسمنا هؤلاء الضعفاء وكانوا في العسكر لم يشخصوا معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟» فأنزل الله: {يسئلونك عن الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من بدر وقدم المدينة، أنزل الله عليه سورة الأنفال، فعاتبه في إحلال غنيمة بدر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها بين أصحابه لما كان بهم من الحاجة إليها واختلافهم في النفل، يقول الله: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} فردها الله على رسوله فقسمها بينهم على السواء، فكان في ذلك تقوى الله وطاعته، وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد إنهم سألوا النبي عن الخمس بعد الأربعة الأخماس؟ فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال}.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {يسئلونك عن الأنفال} قال: كان هذا يوم بدر.
وأخرج النحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير. ان سعدًا ورجلًا من الأنصار خرجًا يتنفلان، فوجدا سيفًا ملقى فخرّا عليه جميعًا، فقال سعد: هو لي. وقال الأنصاري: هو لي. قال: لا أسلمه حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتياه فقصا عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لك يا سعد ولا للأنصاري ولكنه لي، فنزلت: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله} يقول: سلما السيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخت هذه الآية فقال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41].