فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنحاس في ناسخه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد، فغنموا ابلًا كثيرًا فصارت سهمانهم اثني عشر بعيرًا ونفلوا بعيرًا بعيرًا.
وأخرج ابن عساكر من طريق مكحول عن الحجاج بن سهيل النصري وقيل إن له صحبة قال: لما كان يوم بدر قاتلت طائفة من المسلمين وثبتت طائفة عند رسول الله، فجاءت الطائفة التي قاتلت بالاسلاب وأشياء أصابوها، فقسمت الغنيمة بينهم ولم يقسم للطائفة التي لم تقاتل. فقالت الطائفة التي لم تقاتل: اقسموا لنا. فأبت وكان بينهم في ذلك كلام، فأنزل الله: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فكان صلاح ذات بينهم إن ردوا الذي كانوا أعطوا ما كانوا أخذوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} قال الأنفال: المغانم، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكًا فهو غلول.
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئًا. فأنزل الله: {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال} لي جعلتها لرسولي ليس لكم منه شيء {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} ثم أنزل الله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41] الآية. ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، والمهاجرين في سبيل الله، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء. للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {يسئلونك عن الأنفال} قال: هي الغنائم، ثم نسخها {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41] الآية.
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلًا يسأل ابن عباس عن الأنفال؟ فقال: الفرس من النفل، والسلب من النفل، فأعاد المسئلة فقال ابن عباس: ذلك أيضًا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه، فقال ابن عباس: هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر. وفي لفظ: فقال: ما أحوجك إلى من يضربك كما فعل عمر بصبيغ العراقي، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال: الأنفال: المغانم، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها، فيرد القوي على الضعيف.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء في قوله: {يسئلونك عن الأنفال} هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال: أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال؟ فقال: تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينفل إلا من الخمس.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن المسيب قال: ما كانوا ينفلون إلا الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال: لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن أنس. أن أميرًا من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه، فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: هي في قراءة ابن مسعود {يسئلونك الأنفال}.
وأخرج ابن مردويه من طريق شقيق عن ابن مسعود أنه قرأ {يسئلونك عن الأنفال}.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {يسئلونك عن الأنفال} قال: الفيء، ما أصيب من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: {يسئلونك عن الأنفال} قال: ما أصابت السرايا.
وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن مجاهد وعكرمة قالا: كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41] الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرؤنها {يسئلونك الأنفال}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} قال: هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله، وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وأصلحوا ذات بينكم} قال: لا تستبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: كان صلاح ذات بينهم إن ردت الغنائم، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من قاتل وغنم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {وأطيعوا الله ورسوله} قال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة.
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله: أعط أخاك مظلمته. قال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء. قال: يا رب يحمل عني من أوزاري. وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم. فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورًا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا؟! قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب من يملك ثمنه؟ قال: أنت. قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك. قال: يا رب قد عفوت عنه. قال: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذاتْ بينكم، فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم هانئ أخت علي بن أبي طالب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم أخبرك أن الله تبارك وتعالى وتقدس يجمع الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فمن يدري أي الطرفين؟ فقالت: الله ورسوله أعلم...! ثم ينادي مناد من تحت العرش يا أهل التوحيد. فيشرئبون، ثم ينادي: يا أهل التوحيد. ثم ينادي الثالثة إن الله قد عفا عنكم، فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظلامات الدنيا، ثم ينادي: يا أهل التوحيد يعفو بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم، فليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية.
فاعل: يَسْأل يعوُد على معلومٍ، وهم من حَضَرَ بَدْرًا، وسَألَ تارةٌ تكون لاقتضاءِ معنى في نفسِ المسئول فتتعدَّى بـ {عَنْ} كهذه الآية؛ وكقول الشاعر: [الطويل]
سَلِي إنْ جَهلْتِ النَّاسَ عنَّا وعنْهُم ** فَليْسَ سواءً عالمٌ وجَهُولُ

وقد تكُون لاقتضاءِ مالٍ ونحوه؛ فتتعدَّى لاثنين، نحو: سألتُ زيدًا مالًا، وقد ادَّعَى بعضهم: أنَّ السُّال هنابهذا المعنى.
وزعم أنَّ {عَنْ} زائدةٌ، والتقدير: يَسْألونك الأنفالَ، وأيَّد قوله بقراءة سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعلي بن الحسين، وزيد ولده، ومحمد الباقر ولده أيضًا، وولده جعفر الصَّادق، وعكرمة وعطاء {يَسألونكَ الأنفالَ} دون {عَنْ}.
والصحيح أنَّ هذه القراءة على إرادة حرف الجرِّ، وقال بعضهم: {عَنْ} بمعنى مِنْ.
وهذا لا ضرورة تدعو إليه.
وقرأ ابنُ محيصنِ {عَلَّنْفَالِ} والأصل، أنَّه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتدَّ بالحركةِ العارضة، فأدغمَ النُّونَ في اللاَّم كقوله: {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} [العنكبوت: 28] وقد تقدم ذلك في قوله: {عَنِ الأهلة} [البقرة: 189].
والأنفالُ: جمع: نَفَل، وهي الزِّيادةُ على الشيءِ الواجب، وسُمِّيت الغنيمة نفلًا، لزيادتها على الحوزة.
قال لبيدٌ: [الرمل]
إنَّ تَقْوَى ربَّنَا خَيْرُ نَفَلْ ** وبإذْنِ اللَّهِ ريثي وعَجَلْ

وقال آخر: [الكامل]
إنَّا إذا أحْمَرَّ الوغَى نروي القَنَا ** ونَعِفُّ عند تقاسُم الأنفالِ

وقيل: سُمِّيت الأنفال؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم.
وقال الزمخشريُّ: والنَّفَل ما ينفلُهُ الغازي، أي: يعطاه، زيادةً على سهمه من المغنم، وقال الأزهريُّ النَّفَل، والنَّافلة ما كان زيادةً على الأصلِ، وسُمِّيت الغنائمُ أنفالًا؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم، وصلاةُ التطوع نافلةٌ؛ لأنَّها زيادةٌ على الفرض وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أي: زيادة على ما سأل.
قال القرطبي: النَّفَلُ- بتحريك الفاءِ- والنَّفْل: اليمينُ، ومنه النَّفَل في الحديث: «فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم» والنَّفل: الانتفاءُ، ومنه الحديث فانتفلَ من ولده.
والنَّفلُ: نبت معروف.
قوله: {فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}
وتقدَّم الكلام على ذات في آل عمران، وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره: وأصلِحُوا أحْوالًا ذات افتراقكم وذات وصلكم أو ذات المكان المتصل بكم، فإنَّ {بَيْن} قد قيل: إنه يراد به هنا: الفِراقُ أو الوصلُ، أو الظَّرف، وقال الزجاج وغيره: إنَّ ذات هنا بمنزلة حقيقة الشَّيء ونفسه، وقد أوضح ذلك ابنُ عطيَّة.

.قال أبو حيان:

والبينُ الفراقُ، وذات نعت لمفعولٍ محذوف، أي: وأصلحُوا أحوالًا ذات افتراقكم، لمَّا كانت الأحوالُ ملابسةً للبين أضيفت صفتها إليه، كما تقول: اسقني ذا إنائك، أي: ماءً صاحب إنائك، لمَّا لابس الماءُ الإناءَ وصف بذَا وأضيفَ إلى الإناءِ، والمعنى: اسْقِنِي ما في الإناءِ من الماء.
قوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
قال ابن عطيَّة: جواب الشرط المتقدم في قوله وأطيعُوا هذا مذهبُ سيبويه، ومذهب المبردك أنَّ الجواب محذوفٌ متأخر، ومذهبه في هذا ألاَّ يتقدَّم الجوابُ على الشرط وهذا الذي ذكرهُ نقل النَّاسُ خلافه، نقلوا جواز تقديم جواب الشرط عليه عن الكوفيين، وأبي زيد، وأبي العبَّاس، واللَّهُ أعلمُ.
ويجوز أن يكون للمبرِّد قولان، وكذا لسيبويه؛ لأنَّ قوله: {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في نفل:
النَّفَلُ: الغَنِيمة لأَنَّها من فَضْلِ الله وعَطائه، قال لَبيدٌ:
إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل

والنَّفَلُ: ما يُنْفَلُهُ الغازِى، أي يُعطاه زائدًا على سَهْمه من المَغْنَم وقيل: اختلفت العِبارة عن النَّفَل لاختْلافِ الاعْتبار، فإِنَّه إِذا اعْتُبِر بكونه مَظْفُورًا به يُقال له غنيمةٌ، وإِذا اعْتُبِر بكونه مِنْحَةً من الله ابتداءً من غير وُجوبٍ يقالُ له نَفَلٌ.
ومنهم من فَرَقَ بينهما من حيثُ العُمومُ والخُصوص، فقال: الغنيمةُ ما حصل مُسْتَغْنَمًا بتَعَب كان أَو غير تعب، وباسْتِحقاقٍ كان أَو غَيْرِ اسْتِحقاق، وقَبْلَ الظَّفَرِ كان أَو بَعْدَه؛ والنَّفَل: ما يحصُل للإِنسان قبلَ القِسْمة من جُملة الغَنيمة، وقيل: هو ما يحصُل للمسلمين بَغْير قِتال، وهو الفَيْء.
وقيل: هو ما يَفْضُل من المَتاع ونحوه بعد قَسْم الغَنيمة، وعلى ذلك حَمَل بعضُهم قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} أي عن حكم الأَنْفال.
وقيل: عَنْ بمعنى منْ، أي من الأَنْفال، وقيل: عن صِلَةٌ، أي يسأَلونك الأَنفالَ وبه قرأَ ابنُ مسعود، وعلى هذا يكون سؤال طَلَب، وعلى الأَوّل سُؤال اسْتِخْبار، وهو قولُ الضَّحّاك وعِكْرمَة.
قيل: سُمِّيَت الغَنائم أَنفالًا لأَنَّها زيادةٌ من الله تعالَى لهذه الأُمّة على الخُصوص.
وأَكثر المُفَسِّرين على أَنَّ الآية في غنائم بَدْرٍ.
وقال عَطاءٌ: هي ما شذَّ من المشركين إِلى المسلمين بغيرِ قتال من: عَبْد أَو أَمة أو مَتاع فهو للنَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصنعُ به ما شاءَ، وأَصل ذلك من النفل وهو الزيادةُ على الواجب، ومنه قوله تعالى: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}، وعلى هذا قوله أَيضًا: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}، وهو وَلَدُ الوَلَد وفي الحديث: «قال الله تعالى لا يَزالُ العَبْدُ يَتَقَرَّب إِلّى بالنَّوافل حتَّى أُحِبَّه، فإِذا أَحْبَبْتُه كنت سَمْعَه وبَصَره» الحديث.
وجمعُ الأَنْفال نُفُل بضمّ النون. اهـ.