فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

ثم نعت المؤمنين المصدِّقين، فقال عز وجل: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.
ويقال: إنما المصدقون الذين إذا أُمروا بأمر في الغنيمة وغيرها من قبل الله عز وجل، خافت قلوبهم؛ ويقال: إنما المصدقون الذين إذا ذكر الله، أي ذكر عندهم أمر الله؛ ويقال: إذا أُمروا بأمر من الله تعالى، وجلت قلوبهم، يعني قبلت قلوبهم.
فسمى قبول القلوب وجلًا، لأن بالوجل يثبت القبول، لأنهم وجلوا عقوبة الله تعالى فقبلوه.
ثم قال: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا}، يعني قرئت عليهم آياته بالأمر والنهي في أمر الصلح أو غيره.
{زَادَتْهُمْ إيمانا}، أي تصديقًا ويقينًا.
وقال الضحاك: يعني زادتهم يقينًا بحكم الناسخ، مع تصديقهم بحكم المنسوخ.
وقال الزجاج: تأويل الإيمان التصديق، فكل ما يتلى عليهم من عند الله صدَّقوا به فزادهم تصديقًا فذلك زيادة إيمانهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: زادتهم تصديقًا بالفرائض مع تصديقهم بالله.
{وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، يعني يفوضون أمرهم إلى الله تعالى، ويثقون به ولا يثقون بما في أيديهم من الغنائم، ويعلمون أن الله هو رازقهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله: {إِنَّمَا المؤمنون} الآية.
يقول الله تعالى ليس المؤمنون من الذي يخالف الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فرقّت به قلوبهم وهكذا هو في مصحف عبد الله.
وقال السدي: هو الرجل يريد أن يهتم بمعصية فينزع عنه {وَإِذَا تُلِيَتْ} قُرئت {عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وقال ابن عباس: تصديقًا، وقال الضحاك: يقينًا. وقال الربيع بن أنس: خشية. وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة: إن للإيمان زيادة ونقصان، قيل: فما زيادته؟
قال: إذا ذكرنا الله وجدناه فذلك زيادته وإذا سهونا وقصّرنا وغفلنا فذلك نقصان.
وقال عدي بن عدي: كُتب إلى عمر بن عبد العزيز أن للإيمان سننًا وفرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان، ومَنْ لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، قال عمر بن عبد العزيز: فإن أعش فسأُبينها لكم، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص.
{وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي يفوّضون إليه أُمورهم ويتّقون به فلا يرجون غيره ولا يخافون سواه والتوكل الفعل من الوكول. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
فيه قولان:
أحدهما: خافت.
الثاني: رَقّتْ.
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ ءَايَاتُهُ} يعني آيات القرآن بما تضمنته من أمر ونهي.
{زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} فيه وجهان:
أحدهما: تصديقًا.
الثاني: خشية.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: فيما يخافونه من الشدة في الدنيا.
الثاني: فيما يرجونه من ثواب أعمالهم في الآخرة. اهـ. بتصرف يسير.
وقال ابن عطية:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
{إنما} لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله: {إنما إلهكم اله واحد} [الأنبياء: 108، فصلت: 6] وغير ذلك من الأمثلة، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت {إنما} للمبالغة والتأكيد فقط، كقوله عليه السلام: «إنما الربا في النسيئة»، وكقوله إنما الشجاع عنترة وأما من قال: {إنما}، هي لبيان الموصوف فهي عبارة فاترة إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون {إنما}، وقوله هاهنا {إنما المؤمنون} ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون، {وجلت} معناه فزعت ورقت وخافت وبهذه المعاني فسرت العلماء، وقرأ ابن مسعود {فرقت}، وقرأ أبي بن كعب {فزعت}، يقال وجل يؤجل وياجل وييجل وهي شاذة وييجل بكسر الياء الأولى ووجه هذه أنهم لما أبدلوا الواو ياء لم يكن لذلك وجه قياس، فكسروا الياء الأولى ليجيء بدل الواو ياء لعلة، حكى هذه اللغات الأربع سيبويه رحمه الله، و{تليت} معناه سردت وقرئت، والآيات هنا القرآن المتلو، وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق، منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكمًا من أحكام الله في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فآمن به، زاد إيمانًا إلى سائر ما قد آمن به، إذ لكل حكم تصديق خاص، وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة، وتترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل، ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص وتترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات.
وهؤلاء يقولون يزيد وينقص، وقوله: {وعلى ربهم يتوكلون} عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز، وينتظر بعد ما تكفل له به من نصر أو رزق أو غيره، وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله}
قال الزجاج: إذا ذُكرتْ عظمتُه وقدرتُه وما خوَّف به من عصاه، فزعت قلوبهم، قال الشاعر:
لَعَمْرُكَ ما أدْري وإني لأوجَلُ ** على أيِّنا تَعْدو المنيَّة أوَّلُ

يقال: وجِل يَوْجَل وياجَل ويَيْجَل ويِيجَل، هذه أربع لغات حكاها سيبويه.
وأجودها: يَوْجَل.
وقال السدي: هو الرجل يهمُّ بالمعصية فيذكر الله فينزِع عنها.
قوله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته} أي: آيات القرآن.
وفي قوله: {زادتهم إيمانًا} ثلاثة أقوال:
أحدها: تصديقًا، قاله ابن عباس.
والمعنى: أنهم كلما جاءهم شيء عن الله آمنوا به فيزدادوا إيمانًا بزيادة الآيات.
والثاني: يقينًا، قاله الضحاك.
والثالث: خشية الله، قاله الربيع بن أنس.
وقد ذكرنا معنى التوكل في [آل عمران: 122]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قال العلماء: هذه الآية تحريض على إلزام طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من قسمة تلك الغنيمة.
والوجل: الخوف.
وفي مستقبله أربع لغات: وَجِل يَوْجل ويَاجَل ويَيْجَل ويِيْجل، حكاه سيبويه.
والمصدر وَجِل وَجَلا ومَوْجلًا؛ بالفتح.
وهذا مَوْجِله بالكسر للموضع والاسم.
فمن قال: يا جَل في المستقبل جعل الواو ألفًا لفتحة ما قبلها.
ولغة القرآن الواو {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} [الحجر: 53].
ومن قال: يِيجل بكسر الياء فهي على لغة بني أسد، فإنهم يقولون: أنا إيجل، ونحن نِيجل، وأنت تِيجل؛ كلها بالكسر.
ومن قال: يَيْجل بناه على هذه اللغة، ولكنه فتح الياء كما فتحوها في يعلم، ولم تكسر الياء في يعلم لاستثقالهم الكسر على الياء.
وكسرت في ييجل لتقوِّي إحدى الياءين بالأخرى.
والأمر منه إيجَلْ صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
وتقول: إنِّي منه لأَوْجَل.
ولا يقال في المؤنث: وَجْلاء: ولكن وَجِلة.
وروى سفيان عن السدّي في قوله جل وعز: {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قال: إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له: اتق الله، كَفّ ووَجِل قلبه.
الثانية وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوَجَل عند ذكره.
وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه.
ونظير هذه الآية: {وَبَشِّرِ المخبتين الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 35].
وقال: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله}.
فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب.
والوَجَل: الفزع من عذاب الله؛ فلا تناقض.
وقد جمع الله بين المعنيين في قوله: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} [الزمر: 23].
أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله.
فهذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته؛ لا كما يفعله جهال العوامّ والمبتدعة الطَّغَام من الزّعيق والزّئير ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير.
فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْدٌ وخشوع: لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفًا من الله.
ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين} [المائدة: 83].
فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم.
ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم؛ فمن كان مُسْتَنًّا فليستَنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجُنُون فهو من أخسّهم حالًا؛ والجنون فنون.
روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أَحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبْر فقال: «سَلُوني لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمتُ في مقامي هذا» فلما سمع ذلك القومُ أرَمُّوا ورهِبوا أن يكون بين يَدَيْ أمرٍ قد حضر.
قال أنس: فجعلت ألتفت يمينًا وشمالًا فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي.
وذكر الحديث.
وروى الترمذي وصححه عن العِرْباض بن سارِيَة قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذَرَفت منها العيون، وَوجِلت منها القلوب... الحديث.
ولم يقل: زَعَقْنا ولا رَقَصْنا ولا زَفَنّا ولا قُمنا.
الثالثة قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} أي تصديقًا.
فإن إيمان هذه الساعة زيادةٌ على إيمان أمس؛ فمن صدّق ثانيًا وثالثًا فهو زيادة تصديق بالنسبة إلى ما تقدّم.
وقيل: هو زيادة انشراح الصدر بكثرة الآيات والأدلة؛ وقد مضى هذا المعنى في آل عمران.
{وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} تقدّم معنى التوكل في آل عمران أيضًا. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...} الآية، {إِنَّمَا} لفظ لا تُفَارِقُهُ المُبَالَغَةُ والتأكيد؛ حيث وقع، ويصلح مع ذلك لِلْحَصْرِ، بحسب القرينة، فقوله هنا: {إِنَّمَا المؤمنون} ظاهرها أنَّها للمبالغة والتأكيد فقط، أي الكاملون.
قال الشَّيْخُ أبو عَبْدُ اللَّه محمد بن محمد بن أحمد الأَنْصَارِيّ الساحلي المالقي في كتابه الذي ألَّفَهُ في السلوك: واعلم أن الإنْسَانَ مطلوب بطَهَارَة نفسه، وتزكيتها، وطُرُقُ التزكية وإن كَثُرَتْ، فطريق الذِّكْرِ أسرع نفعًا، وأقرب مَرَامًا، وعليه دَرَجَ أكثر مشائخ التربية، ثم قال: والذِّكْرُ ضد النسيان، والمطلوب منه عِمَارَةُ الباطن باللَّهِ تعالى في كل زمان، ومع كل حال؛ لأن الذِّكْرَ يَدُلُّ على المذكور لا محالة، فذكره ديدنا يوجب المَحَبَّةَ له، والمعرفة به، والذكر وإن اختلف ألفاظه ومعانيه، فلكل معنًى من معانيه اختصاص بنوعٍ من التَّحْلِيَةِ والتخلية، والتزكية، ثم قال: والذِّكْرُ على قسمين: ذكر العامة، وذِكْرُ الخاصة. أما ذِكْرُ العامة، وهو ذِكْرُ الأجور، فهو أن يذكر العَبْدُ مَوْلاَهُ بما شاء من ذِكْرِهِ لا يقصد غير الأجور والثواب، وأما ذكر الخَاصَّة، فهو ذِكْرُ الحضور، وهو أن يذكر العَبْدُ مَوْلاَهُ بأذكار مَعْلُومَةٍ، على صفة مَخْصُوصَةٍ؛ لِينال بذلك المَعْرِفَةَ باللَّهِ سبحانه بطهارة نَفْسِهِ من كل خُلُقٍ ذَمِيمٍ، وتحليتها بكل خُلُق كريم. انتهى.