فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

ثم أتبع ذلك وعدهم ووسمهم بإقامة الصلاة ومدحهم بها حضًا على ذلك، وقوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال جماعة من المفسرين: هي الزكاة.
قال القاضي أبو محمد: وإنما حملهم على ذلك اقتران الكلام بإقامة الصلاة وإلا فهو لفظ عام في الزكاة ونوافل الخير وصلاة المستحقين، ولفظ ابن عباس في هذا المعنى محتمل. اهـ.

.قال الخازن:

ولما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الصفات الثلاث أتبعها بصفتين من أعمال الجوارح فقال سبحانه وتعالى: {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} يعني يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها وينفقون أموالهم فيما أمرهم الله به من الإنفاق فيه ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من الإنفاق في أنواع البر والقربات. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} الأحسن أن يكون {الذين} صفة للذين السابقة حتى تدخل في حيّز الجزئية فيكون ذلك إخبارًا عن المؤمنين بثلاث الصفة القلبية وعنهم بالصفة البدنية والصفة المالية وجمع أفعال القلوب لأنها أشرف وجمع في أفعال الجوارح بين الصلاة والصدقة لأنهما عمودًا أفعال وأجاز الحوفي والبريزي أن يكون {الذين} بدلًا من {الذين} وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين والظاهر أن قوله و{مما رزقناهم ينفقون} عام في الزكاة ونوافل الصدقات وصلات الرحم وغير ذلك من المبار المالية، وقد خصّ ذلك جماعة من المفسرين بالزكاة لاقترانها بالصلاة. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ}
مرفوعٌ على أنه نعتٌ للموصول الأول أو بدلٌ منه أو بيانٌ له أو منصوبٌ على القطع المنبئ عن المدح ذَكَر أولًا من أعمالهم الحسنةِ أعمالَ القلوب من الخشية والإخلاصِ والتوكل ثم عقّب بأعمال الجوارحِ من الصلاة والصدقة. اهـ.

.قال الألوسي:

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
مرفوع على أنه نعت للموصول الأول أو بدل منه أو بيان له أو منصوب على القطع المنبئ عن المدح، وقد مدحهم سبحانه وتعالى أولًا بمكارم الأعمال القلبية من الخشية والإخلاص والتوكيل وهذا مدح لهم بمحاسن الأعمال القالبية من الصلاة والصدقة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
وَصْفُهم بأنهم الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله جاءَ بإعادة الموصول، كما أعيد في قوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} في سورة البقرة، وذلك للدلالة على الانتقال، في وصفهم، إلى غرض آخر غيرِ الغرض الذي اجتُلُبَ الموصول الأول لأجله، وهو هنا غرض محافظتهم على ركني الإيمان: وهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلا علاقة للصلة المذكورة هنا بأحكام الأنفال والرضى بقسمها، ولكنه مجرد المدح، وعبر في جانب الصلاة بالإقامة للدلالة على المحافظة عليها وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة} في سورة البقرة.
وجيء بالفعلين المضارعين في {يقيمون} و{ينفقون} للدلالة على تكرر ذلك وتجدده.
واعلم أن مقتضى الاستعمال في الخبر بالصلات المتعاطفة، التي موصولها خبرٌ عن مبتدأ أن تُعتبر خبرًا بعدة أشياء فهي بمنزلة أخبار متكررة، ومقتضى الاستعمال في الاخبار المتعددة أن كل واحد منها يعتبر خبرًا مستقلًا عن المبتدأ فلذلك تكون كل صلة من هذه الصلات بمنزلة خبر عن المؤمنين وهي محصور فيها المؤمنون أي حالهم فيكون المعنى، إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، إنما المؤمنون الذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا.
وهكذا فمتى اختلت صفة من هذه الصفات اختل وصف الإيمان عن صاحبها، فلذلك تعين أن يكون المراد من القصر المبالغة الآيله إلى معنى قصر الإيمان الكامللِ على صاحب كل صلة من هذه الصلات، وعلى صاحب الخبرين، لظهور أن أصل الإيمان لا يسلب من أحد ذكر الله عنده فلا يجل قلبه، فإن أدلة قطعية من أصول الدين تنافي هذا الاحتمال فتعين تأويل {المؤمنون} [الأنفال: 2] على إرادة أصحاب الإيمان الكامل. اهـ.

.قال الشعراوي:

{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}
والقيام والقعود والقراءة والتسبيح والتكبير في الصلاة عمل جوارح، وكذلك الزكاة هي عمل ناتج من عمل سبق، فحتى تخرج الزكاة لابد أن تبذل الجهد وتأخذ بالأسباب لتنتج ما يعولك أنت ودائرتك القريبة من زوجة وأبناء ثم أقارب، ومن بعد ذلك يفيض من المال ما تستقطع منه الزكاة، وهذه بطبيعة الحال غير زكاة الزروع التي تُخْرَج في يوم الحصاد.
{وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
ودائما ما نجد الصلاة والزكاة وهما مقترنتان ببعضهما، ولا تجد آية فيها ذكر للصلاة إلا وفيها ذكر للزكاة أيضًا؛ لأن الصلاة تعني ترك أمورك الحياتية التي تسعى فيها لدنيا الأسباب، وتذهب إلى الحق سبحانه وتعالى وتقف بين يديه، أي أنك قد اقتطعت جزءًا من الزمن الذي كنت تقضيه في حركة حياتك لتقف فيه أمام ربك خالق الأسباب.
والزكاة تعني أنك تقتطع جزءًا من مالك، ولذلك قلنا: إن الصلاة فيها زكاة وزيادة، فأنت تخرج مقدار اثنين ونصف في المائة مما يتبقى معك من مال يبلغ نصابًا ويكون زائدًا عن الحاجة الأصلية، لكنك بالصلاة تضحي ببعض الوقت الذي تقضيه في العمل الذي يأتي لك بأصل المال، إذن ففي الصلاة زكاة وأكثر. وأنت في الزكاة تتنازل عن بعض المال، لكنك في الصلاة تتنازل عن الوقت الذي هو محل العمل، وهو الذي تنتج فيه الرزق، والرزق وعاء الزكاة.
ويذيل الحق سبحانه وتعالى هذه الآية قائلًا: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ونعلم أن الرزق كما ذكر العلماء هو كل شيء ينتفع به الإنسان، وحتى اللص الذي يسرق وينتفع بسرقته يعد هذا بالنسبة له رزقًا لكنه رزق غير طيب وله عقاب في الدنيا إن تم ضبطه، ولن يفلت من عقاب الله الحاكم العادل في الدنيا والآخرة، وهو بطبيعة الحال غير الرزق الحلال الذي يأتي من عمل مشروع، والمؤمن الحق هو من ينفق من هذا الرزق الحلال؛ سواء لمتطلبات حياته أو رعاية المجتمع الإيماني. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الَّذين يُقيمُونَ} فيجوزُ في هذ الموصول أن يكون مرفوعًا على النَّعْتِ للموصول أو على البدلِ، أو على البيان له، وأن يكون منصوبًا على القطع المُشعِر بالمدْح. اهـ.

.تفسير الآية رقم (4):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما حققوا إيمانهم بأفعال القلوب والجوارح والأموال، فاستوفوا بذلك جميع شعب الدين، عظم سبحانه شأنهم بقوله: {أولئك} أي العالو الهمم {هم} أي خاصة {المؤمنون} وأكد مضمون الجملة بقوله: {حقًا}.
ولما كانت صفاتهم الخمس المذكورة المشتملة على الأخلاق والأعمال لها تأثيرات في تصفية القلوب وتنويرها بالمعارف الإلهية، وكلما كان المؤثر أقوى كانت التأثيرات أعلى، فلما كانت هي درجات كان جزاؤها كذلك، فلهذا قال سبحانه تعالى في جواب من كأنه قال: فما جزاؤهم على ذلك؟ {لهم درجات} ولما كثرها بجمع السلامة بما دل عليه سياق الامتنان، عظمها بقوله: {عند ربهم} أي بتسليمهم لأمره.
ولما كان قدر الله عظيمًا، وكان الإنسان عن بلوغ ما يجب عليه من ذلك ضعيفًا حقيرًا، وكان بأدنى شيء من أعماله يستفزه الإعجاب، أشار سبحانه إلى أنه لا يسعه إلا العفو ولو بذل فوق الجهد فقال: {ومغفرة} أي لذنوبهم إن رجعوا عن المنازعة في الأنفال وغيرها، {ورزق كريم} أي لا ضيق فيه ولا كدر بوجه ما من منازعة ولا غيرها، فهو يغنيهم عن هذه الأنفال، ويملأ أيديهم من الأموال من عنائم فارس والروم وغير ذلك، هذا في الدنيا، واما في الآخرة فما لا يحيط به الوصف؛ قال أبو حيان: لما تقدمت ثلاث صفات قلبية وهي الوجل وزيادة الإيمان والتوكل- وبدنية ومالية، ترتب عليها ثلاثة أشياء، فقوبلت الأعمال القلبية بالدرجات والبدنية بالغفران، وقوبلت المالية بالرزق الكريم، وهذا النوع من المقابلة من بديع علم البديع- انتهى.
ولما كان الإيمان عند الشافعي رحمه الله الاعتقاد والإقرار والعمل جوز أن يقال: مؤمن إن شاء الله، لأن استيفاء الأعمال مشكوك فيه وإن كان الاعتقاد والإقرار يقينًا، وعند أبي حنيفة رحمه الله الإيمان الاعتقاد والإقرار فقط، فلم يجوز الاستثناء، فالخلاف لفظي، هذا إذا كان الاستثناء للشك، وإن كان لغيره كان لكسر النفس عن التمدح، وللشهادة بالجنة التي هي للمؤمن، وللحكم على حالة الموت، على أن هذه الكلمة لا تنافي الجزم، فهي بمجرد التبرك كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27] ذكر ذلك الإمام فخر الدين. اهـ.

.قال الفخر:

واعلم أن الله تعالى لما ذكر هذه الصفات الخمس: أثبت للموصوفين بها أمورًا ثلاثة:
الأول: قوله: {أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقًّا} وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: قوله: {حَقًّا} بماذا يتصل؟

فيه قولان: أحدهما: بقوله: {هُمُ المؤمنون} أي هم المؤمنون بالحقيقة.
والثاني: أنه تم الكلام عند قوله: {أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون} ثم ابتدأ وقال: {حَقًّا لَّهُمْ درجات}.

.المسألة الثانية: [في انتصاب {حَقًّا}]:

ذكروا في انتصاب {حَقًّا} وجوهًا: الأول: قال الفراء: التقدير: أخبركم بذلك حقًا، أي أخبارًا حقًا، ونظيره قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون حَقًّا} [النساء: 151] والثاني: قال سيبويه: إنه مصدر مؤكد لفعل محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: وإن الذي فعلوه كان حقًا صدقًا.
الثالث: قال الزجاج: التقدير: أولئك هم المؤمنون أحق ذلك حقًا.

.المسألة الثالثة: [هل يجوز للرجل أن يقول أنا مؤمن حقًا أم لا؟]:

اتفقوا على أنه يجوز للمؤمن أن يقول أنا مؤمن، واختلفوا في أنه هل يجوز للرجل أن يقول أنا مؤمن حقًا أم لا؟ فقال أصحاب الشافعي: الأولى أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، ولا يقول أنا مؤمن حقًا.
وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله: الأولى أن يقول أنا مؤمن حقًا، ولا يجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أما الذين قالوا إنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فلهم فيه مقامان:
المقام الأول: أن يكون ذلك لأجل حصول الشك في حصول الإيمان.
المقام الثاني: أن لا يكون الأمر كذلك.
أما المقام الأول، فتقريره: أن الإيمان عند الشافعي رضي الله عنه عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل.
ولا شك أن كون الإنسان آتيًا بالأعمال الصالحة أمر مشكوك فيه، والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في حصول تلك الماهية، فالإنسان وإن كان جازمًا بحصول الاعتقاد والإقرار، إلا أنه لما كان شاكًا في حصول العمل كان هذا القدر يوجب كونه شاكًا في حصول الإيمان، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله، فلما كان الإيمان اسمًا للاعتقاد والقول، وكان العمل خارجًا عن مسمى الإيمان، لم يلزم من الشك في حصول الأعمال الشك في الإيمان.
فثبت أن من قال إن الإيمان عبارة عن مجموع الأمور الثلاثة يلزمه وقوع الشك في الإيمان، ومن قال العمل خارج عن مسمى الإيمان يلزمه نفي الشك عن الإيمان، وعند هذا ظهر أن الخلاف ليس إلا في اللفظ فقط.
وأما المقام الثاني: وهو أن نقول: إن قوله: أنا مؤمن إن شاء الله ليس لأجل الشك، فيه وجوه: الأول: أن كون الرجل مؤمنًا أشرف صفاته وأعرف نعوته وأحواله، فإذا قال أنا مؤمن، فكأنه مدح نفسه بأعظم المدائح.