فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فحدث بها العباس.
فقال أبو جهل: ما ترضى رجالهم بالنبوة حتى ادعى نساؤهم النبوةا فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير، وفي المثل السائر لا في العير ولا في النفير فقيل له: العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع إلى مكة بالناس.
فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدًا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور، وتغني القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بخروجنا، وإن محمدًا لم يصب العير فمضى إلى بدر بالقوم.
وبدر كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يومًا في السنة، فنزل جبريل وقال: يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير من قريش، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: ما تقولون إن القوم خرجوا من مكة على كل صعب وذلول.
فالعير أحب إليكم أم النفير؟ قالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو.
فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال امض إلى ما أمرك الله به فإنا معك حيثما أردت.
فوالله لو سرت إلى عدن لما تخلف عنك رجل من الأنصار.
ثم قال المقداد بن عمرو: يا رسول الله امض إلى ما أمرك الله به، فإنا معك حيثما أردت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
{اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت منا عين تطرف.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «سيروا على بركة الله والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم»، ولما فرغ رسول الله من بدر، قال بعضهم: عليك بالعير.
فناداه العباس وهو في وثاقه، لا يصلح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لم؟ قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك.
إذا عرفت هذه القصة فنقول: كانت كراهية القتال حاصلة لبعضهم لا لكلهم، بدليل قوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين لَكَّرِهُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين لَكَّرِهُونَ}
قال القتبي: معناه كراهتهم فيما فعلته في الغنائم، ككراهتهم الخروج معك.
ويقال: معناه أولئك هم المؤمنون حقًا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإنْ كان فريقًا من المؤمنين لكارهون؛ فكذلك ننفل الغنيمة لمن نشاء، وإنْ كرهوا ذلك.
ويقال: هذا ابتداء القصة، ومعناه امض على وجهك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ}
اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله: {كما}، فإما الذي شبه بإخراج الله نبيّه من بيته {بالحق} قال عكرمة: معنى ذلك {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} فإن ذلك خير لكم كما كان إخراج الله تعالى محمد من بيته بالحق خيرًا لكم وإن كرهه فريق منكم.
وقال مجاهد: كما أخرجك ربّك يا محمد من بيتك بالحق على كره فريق من المؤمنين كذلك يكرهون القتال ويجادلونك فيه، أي أنّهم يكرهون القتال ويجادلونك فيه كما فعلوا ببدر.
وقال بعضهم: أمر الله تعالى رسوله عليه السلام أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون.
وقيل: معناه يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجت العير ولم تعلمنا قتالًا فنسخطه.
وقيل: معناه أُولئك هم المؤمنون حقًّا كما أخرجك ربّك من بيتك بالحق.
وقال بعضهم: الكاف بمعنى على تقديره: أمض على الذي أخرجك ربّك.
قال ابن حيّان: عن الكلبي وقال أبو عبيدة: هي بمعنى القسم مجازها: الذي أخرجك من بيتك بالحق. وقيل: الكاف بمعنى إذ تقديره: وإذ أخرجك ربّك من بيتك بالمدينة إلى بدر بالحق.
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ} لطلب المشركين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}
فيه قولان:
أحدهما: كما أخرجك ربك من مكة إلى المدينة بالحق مع كراهه فريق من المؤمنين كذلك ينجز وعدك في نصرك على أعدائك بالحق.
والثاني: كما أخرجك ربك من بيتك مِن المدينة إلى بدر بالحق كذلك جعل لك غنيمة بدر بالحق.
وفي قوله: {بِالْحَقِّ} وجهان:
أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق.
الثاني: أنه أخرجك بالحق الذي وجب عليك.
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: كارهون خروجك.
الثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم لأنهم لم يعلموا أن الله تعالى قد جعلها لرسوله دونهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}
اختلف الناس في الشيء الذي تتعلق به الكاف من قوله: {كما} حسبما نبين من الأقوال التي أنا ذاكرها بعد بحول الله، والذي يلتئم به المعنى ويحسن سرد الألفاظ قولان، وأنا أبدأ بهما، قال الفراء: التقدير امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك، هذا نص قوله في هداية مكي رحمه الله، والعبارة بقوله: امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله: {يجادلونك} كلامًا مستأنفًا يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الذي ذكرت من أن {يجادلونك} في الكفار منصوص والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما: المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.
قال القاضي أبو محمد: والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش: الكاف نعت ل {حقًا} [الأنفال: 4]، والتقدير هم المؤمنون حقًا كما أخرجك.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير: كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر، وقال أبو عبيدة: هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك، فالكاف في معنى الواو وما بمعنى الذي، وقال الزجّاج: الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتًا كما أخرجك ربك، وقيل: الكاف في موضع التقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك، وقيل المعنى: وأصحلوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف، وقيل التقدير: قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك، وهذا نحو أول قول ذكرته، وقال عكرمة: التقدير وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيرًا لكم، وقوله: {من بيتك} يريد من المدينة يثرب، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير: المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة، وقرأ عبد الله بن مسعود: {في الحق بعدما بُين} بضم الباء من غير تاء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ}
في متعلَّق هذه الكاف خمسة أقوال:
أحدها: أنها متعلقة بالأنفال.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أن تأويله: امض لأمر الله في الغنائم وإن كرهوا، كما مضيت في خروجك من بيتك وهم كارهون، قاله الفراء.
والثاني: أن الانفال لله والرسول صلى الله عليه وسلم بالحق الواجب، كما أخرجك ربك بالحق، وإن كرهوا ذلك، قاله الزجاج.
والثالث: أن المعنى: يسألوك عن الأنفال مجادلة، كما جادلوك في خروجك، حكاه جماعة من المفسرين.
والثاني: أنها متعلقة بقوله: {فاتقوا الله وأصلحوا}، والمعنى: إن التقوى والاصلاح خير لكم، كما كان إخراج الله نبيه محمدًا خيرًا لكم وإن كرهه بعضكم، هذا قول عكرمة.
والثالث: أنها متعلقة بقوله: {يجادلونك} فالمعنى: مجادلتهم إياك في الغنائم كاخراج الله إياك إلى بدر وهم كارهون، قاله الكسائي.
والرابع: أنها متعلقة بقوله: {أولئك هم المؤمنون} والمعنى: وهم المؤمنون حقًا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، ذكره بعض ناقلي التفسير.
والخامس: أن {كما} في موضع قَسَم، معناها: والذي أخرجك من بيتك، قاله أبو عبيدة، واحتج بأن {ما} في موضع الذي ومنه قوله: {وما خلقَ الذكرَ والأنثى} [الليل: 3] قال ابن الأنباري: وفي هذا القول بُعْد، لأن الكاف ليست من حروف الاقسام.
وفي هذا الخروج قولان:
أحدهما: أنه خروجه إلى بدر، وكره ذلك طائفة من أصحابه، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالغنيمة إلا بالقتال.
والثاني: أنه خروجه من مكة إلى المدينة للهجرة.
وفي معنى قوله: {بالحق} قولان:
أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق.
والثاني: أنك خرجت بالحق الذي وجب عليك.
وفي قوله: {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} قولان:
أحدهما: كارهون خروجك.
والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم، وهذه كراهة الطبع لمشقة السفر والقتال، وليست كراهةً لأمر الله تعالى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق}
قال الزجاج: الكاف في موضع نصب؛ أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق.
أي مثل إخراجك ربك من بيتك بالحق.
والمعنى: امضِ لأمرك في الغنائم ونَفِّل من شئت وإن كرهوا؛ لأن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئًا قال: يبقى أكثر الناس بغير شيء.
فموضع الكاف في {كما} نَصْبٌ كما ذكرنا.
وقاله الفرّاء أيضًا.
قال أبو عبيدة: هو قَسَم، أي والذي أخرجك؛ فالكاف بمعنى الواو، وما بمعنى الذي.