فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الخامس عشر: أنّضها في محل رفع أيضًا عى خبر ابتداء مضمر، والمعنى: أنَّه شبَّه كراهية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخروجه من المدينة، حين تحققوا خروج قريشٍ للدفع عن أبي سفيان وحفظ غيره بكراهيتهم لنزع الغنائم من أيديهم، وجعلها للَّه ورسوله، يحكم فيها ما يشاء.
واختار الزمخشري هذا الوجه وحسَّنه.
فقال: يرتفع محلُّ الكاف على أنه خبر ابتداء محذوف تقديره: هذه الحالُ كحالِ إخراجك، يعني أنَّ حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب.
وهذا الذي حسَّنه الزمخشريُّ هو قول الفرَّاءِ- وقد شرحه ابنُ عطيَّة بنحو ما تقدَّم من الألفاظ- فإنَّ الفرَّاء قال: هذه الكاف شبَّهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصَّة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال.
السادس عشر: أنَّها صفةٌ لخبر مبتدأ أيضًا، وقد حذف المبتدأ وخبره، والتقديرُ: قسمتك الغنائم حق كما كان إخراجك حقًا.
السابع عشر: أنَّ التَّشبيه وقع بين إخراجين، أي: إخراج ربك إيَّاك من بيتك، وهو مكَّة وأنت كارهٌ لخروجك، وكان عاقبة ذلك الإخراج النَّصر والظفر كإخراجه إيَّاك من المدينة وبعضُ المؤمنين كارهٌ، يكون عقيب ذلك الخروج الظفرُ والنصرُ والخيرُ، كما كان عقيب ذلك الخروج الأول.
الثامن عشر: أن تتعلَّق الكافُ بقوله: {فاضْربُوا}، وبسْطُ هذا على ما قالهُ صاحب هذا الوجه أن تكون الكاف للتشبيه على سبيل المجاز كقول القائل لعبده: كما رجعتك إلى أعدائي فاستضعفوك، وسألت مددًا فأمددتُكَ، وأزحت عللك، فخذهم الآن وعاقبهم، كما أحْسنْتُ إليك وأجريتث عليك الرزق، فاعملْ كذا، واشكرني عليه، فتقدير الآية: كما أخرجك ربُّك من بيتك بالحق وغشَّاكم النُّعاسَ أمَنَةً منه، وأنزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وأنزل عليكم من السَّماء ملائكة مردفين فاضربوا فوق الأعناق، واضربوا منهم كُلَّ بنان.
كأنه يقولُ: قد أزَحْتُ عللكم، وأمددتكم بالملائكة، فاضربُوا منهم هذه المواضع وهو القتل، لتبلغوا مراد الله في إحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ، وهذا الوجه بعد طوله لا طائل تحته لبُعدِه من المعنى وكثرة الفواصل.
التاسع عشر: التقدير: كما أخرجك ربك من بيتك بالحقِّ، أي: بسبب إظهار دين اللَّهِ، وإعزاز شريعته، وقد كرهوا خروجك تَهَيُّبًا للقتال وخَوْفًا من الموت إذ كان أمر النبي- عليه الصَّلاة والسَّلام- بخروجهم بغتةً، ولم يكونُوا مُسَْعِدِّين للخروج، وجادلوك في الحقِّ بعد وضوحه نصرك اللَّهُ وأمدَّك بملائكته ودلَّ على هذا المحذوفِ الكلامُ الذي بعده، وهو قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9] الآيات.
وهذا الوجهُ استحسنه أبو حيَّان، وزعم أنه لمْ يُسْبَق به.
ثم قال: ويظهرُ أنَّ الكاف ليست لمحضِ التَّشبيه، بل فيها معنى التَّعليل.
وقد نصَّ النحويُّون على أنَّها للتعليلِ وخرَّجُوا عليه قوله تعالى: {واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ}.
وأنشدوا: [الرجز]
لا تَشْتُمِ النَّاسَ كَمَا لا تُشْتَمُ

أي: لانتفاءِ شتم النَّاس لك لا تشتمهم.
ومن الكلام الشَّائِعِ: كما تطيع اللَّه يدخلك الجنَّة، أي: لأجل طاعتك الله يدخلك الجنَّة، فكذا الآية، والمعنى: لأنْ خرجت لإعزاز دين اللَّهِ، وقتل أعدائه ونصرك وأمدَّك بالملائكة.
العشرون: تقديره: وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما إخراجُك في الطَّاعة خيرٌ لكم كما كان إخراجك خيرًا لهم، وهذه الأقوالُ ضعيفة كما بينا.
قوله: {بالحَقِّ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلَّق بالفعل، أي: بسبب الحقِّ، أي: إنَّه إخراجٌ بسبب حق يظهر وهو علوُّ كلمة الإسلام، والنَّصرُ على أعداء اللَّهِ.
والثاني: أن يتعلق بمحذوفٍ على أنَّهُ حال من مفعول: {أخْرَجَكَ} أي: ملتبسًا بالحقِّ.
قوله: وإن فريقًا الواو للحال، والجملة في محلِّ نصب، ولذلك كُسرت {إنَّ} ومفعول {كَارِهُونَ} محذوفٌ، أي: لكارهون الخروج، وسببُ الكراهية: إمَّا نفرة الطبع ممَّا يتوقَّع من القتال، وإمَّا لعدم الاستعداد.
والمراد ببيته بيته بالمدينة، أو المدينة نفسها. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}
بَيَّنَ- سبحانه- أن الجِدَالَ منهم عادةٌ وسَجِيَّة، ففي كل شيء لهم جدال واختيار؛ فكرهُوا خروجَه إلى بَدْرٍ، كما جادلوا في حديث الغنيمة، قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} وما يكون من خصال العبد غير متكرر ويكون على وجه الندرة كان أقربَ إلى الصفح عنه والتجاوز، فأمَّا إذا صار ذلك عادةً فهو أصعب.
ويقال ما لم تباشر خلاصةُ الإيمان القلبَ يوجد كمالُ التسليم وترك الاختيار، وما دام يتحرك من العبد عِرْقٌ في الاختيار فهو بعيدٌ عن راحة الإيمان.
ولقد أجرى الله سُنَّتَه مع أنبيائه ألا يفتح لهم كمالَ النُّعْمى إلا بعد مفارقة مألوفات الأوطان، والتجرد عن مساكنة ما فيه حظ ونصيب مِنْ كل معهود.
ويقال إن في هجرة الأنبياء- عليهم السلام- عن أوطانهم أمانًا لهم من عادية الأعادي، وإحياءً لقلوب قوم تقاصرت أقْدَامُهم عن المسير إليهم.
وكذلك هجرة الأولياء من خواصه؛ فيها لهم خلاصٌ من البلايا، واستخلاصٌ للكثيرين من البلايا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم ذكر دليل كراهتهم فقال: {يجادلونك} أي يكررون ذلك إرادة أن يفتلوك عن اللقاء للجيش إلى الرجوع عنه.
ولما كان الجيش امرًا قد حتمه الله فلابد من وقوعه مع أنه يرضيه، قال: {في الحق} أي الذي هو إيثار الجهاد {بعد ما تبين} أي وضح وضوحًا عظيمًا سهلًا من غير كلفة نظر بقرائن الأحوال بفوات العير وتيسير أمر النفير وبإعلام الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تارة صريحًا وتارة تلويحًا كقوله: «والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان وذلك مصرع فلان».
ولما كان سبحانه قد حكم باللقاء والنصرة تأييدًا لوليه وإعلاء لكلمته مع شدة كراهتهم لذلك، شبه سوقه لهم إلى مراده.
فقال بانيًا للمفعول لأن المكروه إليهم السوق لا كونه من معين: {كأنما يساقون} أي يسوقهم سائق لا قدرة لهم على ممانعته {إلى الموت وهم ينظرون} لأنها كانت أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيها لقاء، وكانوا غير متأهبين للقتال غاية التأهب، إنما خرجوا للقاء العير، هذا مع أنهم عدد يسير، وعدد أهل النفير كثير، وكانوا في غاية الهيبة للقائهم والرعب من قتالهم، وكل هذا تذكير لهم بأنه لم ينصرهم إلا الله بلا صنع منهم، بل كانوا في يد قدرته كالآلة في يد أحدهم، لينتج ذلك أنه ليس لهم أن ينازعوا في الأنفال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى النفير لإيثارهم العير.
وقوله: {بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} المراد منه: إعلام رسول الله بأنهم ينصرون.
وجدالهم قولهم: ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا؟ لنستعد ونتأهب للقتال، وذلك لأنهم كانوا يكرهون القتال، ثم إنه تعالى شبه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم بحال من يجر إلى القتل ويساق إلى الموت، وهو شاهد لأسبابه ناظر إلى موجباته، وبالجملة فقوله: {وَهُمْ يَنظُرُونَ} كناية عن الجزم والقطع.
ومنه قوله عليه السلام: «من نفى ابنه وهو ينطر إليه» أي يعلم أنه ابنه.
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: 40] أي يعلم.
واعلم أنه كان خوفهم لأمور: أحدها: قلة العدد.
وثانيها: أنهم كانوا رجالة.
روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان.
وثالثها: قلة السلاح.
المسألة الثالثة:
روي أنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج من بيته باختيار نفسه، ثم إنه تعالى أضاف ذلك الخروج إلى نفسه فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} وهذا يدل على أن فعل العبد بخلق الله تعالى إما ابتداء أو بواسطة القدرة والداعية اللذين مجموعهما يوجب الفعل كما هو قولنا.
قال القاضي معناه: أنه حصل ذلك الخروج بأمر الله تعالى وإلزامه، فأضيف إليه.
قلنا: لا شك أن ما ذكرتموه مجاز، والأصل حمل الكلام على حقيقته. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {يجادلونك فِي الحق}
وكان هذا بعد خروجه إلى بدر، وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
وفي تلك السنة، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، وكانت غزوة بدر في شهر رمضان، وكانت قصته أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن عير قريش خرجت من الشام، فيهم أبو سفيان بن حرب ومخرمة بن نوفل في أربعين رجلًا من تجار قريش، ويقال أكثر من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «هذه عِيرُ قُرَيْشٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاخْرُجُوا إلَيْهَا، فَلَعَلَّ الله أنْ يُنَفِّلَكُمُوهَا، وَتَتَقَوُّوا بِهَا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ».
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من جهينة، حليفين من الأنصار بأن ينظرا ويأتيا بخبر العير، فخرجا وأتيا وادي الصفراء، وهي منزل على طريق الشام، فقالا لأهل الصفراء: هل أحسستم من أحد؟ قالوا: لا.
فخرجا فمرا بجاريتين متلازمتين، فقالت إحداهما للأخرى: اقضيني درهمًا لي عليك.
فقالت: لا والله ما عندي اليوم، ولكن عير قريش نزلت بموضع كذا، يقدمون غدًا فأعمل لهم، وأقضيك درهمك.
فسمع الرجلان ما قالت الجاريتان فرجعا.
فجاء أبو سفيان بن حرب حين أمسى الصفراء، فقال لأهل الصفراء: هل أحسستم من أحد؟ قالوا: لا إلاَّ رجلين نزلا عند هذا الكثيب، ثم ركبا.
فرجع أبو سفيان إلى ذلك الموضع، فرأى هناك بعر الإبل فأخذ بعرة ففتها، فوجد فيها النوى فقال: علائق أهل يثرب واللات والعزى؛ فأرسل من الطريق ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، يخبرهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد اعترض لعيركم فأدركوه.
وكانت عاتكة بنت عبد المطلب، رأت قبل أن يقدم ضمضم بن عمرو بثلاثة أيام في منامها، كأنّ راكبًا أقبل على بعير أورق ومعه راية سوداء، فدخل المسجد الحرام، ثم نادى بأعلى صوته: يا آل فلان ويا آل فلان، انفروا إلى مصارعكم إلى ثلاث، ثم ارتقى على أبي قبيس ونادى ثلاث مرات.
ثم قلع صخرة من أبي قبيس فرماها على أهل مكة، فتكسرت فلم يبق أحد من قريش إلا أصابته فلقة منها.
فلما أصبحت، قصت رؤياها على أخيها العباس وقالت: إني اخاف أن يصيب قومك سوء.
فاغتم العباس لما سمع منها، وذكر العباس ذلك للوليد بن عتبة، وكان صديقًا له، فذكر الوليد ذلك لأبيه عتبة بن ربيعة، فذكر ذلك عتبة لأبي جهل بن هشام.
وفشا ذلك الحديث في قريش، فخرج العباس إلى المسجد وقد اجتمع فيه صناديد قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل، متى حدثت فيكم هذه النبية؟ أما رضيتم أن قلتم: منا نبي، حتى قلتم: منا نبية؟ فوالله لننتظرن بكم ثلاثًا، فإن جاء تأويل رؤياها؛ وإلا كتبنا عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
فقال له العباس: يا كذاب، يا مصفر الاست، بالله أنت أولى بالكذب واللؤم منا.
فلما كان اليوم الثالث، جاء ضمضم، وقد شق قميصه، وجزع أذن ناقته، وجعل التراب على رأسه، وهو ينادي: يا معشر قريش، الغوث الغوث، أدركوا عيركم، فقد عرض لها أهل محمد.