فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}
أي: تطلبون منه الغوث، وهو التخلص من الشدة، والعون بالنصر عليهم {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} أي: الدعاء {أَنِّي مُمِدُّكُم} أي: معينكم {بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} بكسر الدال، أي: متتابعين، بعضهم على إثر بعض، أومردفين غيرهم.
وقرئ بفتحها على معنى أن الله أردف المسلمين بهم، أو مردفين بغيرهم، أي: من ملائكة آخرين.
وقرئ {بآلاف} بالجمع، كما يأتي.
روى مسلم عن ابن عباس قال: حدثني عُمَر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا؛ فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يده، فجعل يهتف بربه ويقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف بربه مادًا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}.
وروى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب».
وروى البخاري عن معاذ بن رِفاعة، عن رافع الزرقيّ، عن أبيه- وكان ممن شهد بدرًا- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين- أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
تنبيهات:
الأول: قال الجمشي: تدل الآية على أن الملك يجوز أن يتشبه بالآدمي، ولا يخرج من كونه ملكًا، بأن يغير أطرافهم دون الأجزاء التي صاروا بها أحياء والذي ينكر أن يقدر أحد على تغيير الصور، بل نقول: إن الله هو الذي يقدر على ذلك. انتهى..
الثاني: قال الزمخشري: وعن السدي: {بِآلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ}- على الجمع- ليوافق ما في سورة آل عِمْرَان.
فإن قلت: فيم يُعتذر لمن قرأ على التوحيد، ولم يفسرالمردفين بإرداف الملائكة ملائكة آخرين، والمردفين بارتدافهم غيرهم؟
قلت: بأن المراد بالألف، من قاتل منهم، أو الوجوه منهم، الذين من سواهم أتباع لهم. انتهى.
قال شمس الدين ابن القيم في زاد المعاد في بحث غزوة بدر:
فإن قيل: هاهنا ذكر أنه أمدهم بألف، وفي سورة آل عِمْرَان قال: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ}، فكيف الجمع بينهما؟
قيل: أختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلاف، والذي بخمسة على قولين:
أحدهما: أنه كان يوم أُحد، وكان إمدادًا معلقًا على شرط، فلما فات شرطه، فات الإمداد. وهذا قول الضحاك ومقاتل، وإحدى الروايتين عن عِكْرِمَة.
والثاني: أنه كان يوم بدر، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، والرواية الأخرى عن عِكْرِمَة، واختاره جماعة من المفسرين.
وحجة هؤلاء، أن السياق يدل على ذلك، فإنه سبحانه قال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ}، إلى أن قال: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ} أي: هذا الإمداد: {إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ}.
قال هؤلاء: فلما استغاثوا، أمدهم بألف، ثم أمدهم بتمام ثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف، لما صبروا واتقوا. وكان هذا التدريج، ومتابعة الإمداد، أحسن موقعًا، وأقوى لتقويتهم وأسرّ لها من أي: يأتي مرة واحدة، وهو بمنزلة متابعة الوحي، ونزوله مرة بعد مرة.
وقالت الفرقة الأولى: القصة في سياق أُحُد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضًا في أثنائها، فإنه سبحانه قال: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، ثم قال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فذكره نعمه عليهم، لما نصرهم ببدر وهم أذلة، ثم عاد إلى قصة أُحُد، وأخبر عن قول رسوله لهم: {أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ}
ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف.
فهذا من قول رسوله، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى، وهذا بخمسة آلاف، وإمداد بدر بألف، وهذا معلق على شرط، وذلك مطلق.
والقصة في سورة آل عِمْرَان، هي قصة أُحد مستوفاة مطولة، وبدر ذكرت فيها اعتراضًا.
والقصة في سورة الأنفال قصة بدر مستوفاة مطولة، فالسياق في آل عِمْرَان غير السياق في الأنفال، يوضح هذا أن قوله: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} قد قال مجاهد: هو يوم أُحُد، وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه، فلا يصح قوله إن الإمداد بهذا العدد كان يوم بدر وإتيانهم من فورهم هذا يوم أُحُد، والله أعلم. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}
يتعلق ظرف {إذ تستغيثون ربكم} بفعل {يريد الله} [الأنفال: 7] لأن إرادة الله مستمر تعلقها بأزمنة منها زمانُ استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمينَ ربّهم على عدوهم، حين لقائهم مع عدوهم يومَ بدر، فكانت استجابة الله لهم بإمدادهم بالملائكة، من مظاهر إرادته تحقيقَ الحق فكانت الاستغاثةُ يوم القتال في بدر وإرادة الله أن يُحِق الحق حصلت في المدينة يوم وعَدَهم الله إحدى الطائفتين، ورشح لهم أن تكون إحدى الطائفتين ذات الشوكة، وبيْنَ وقت الإرادة ووقت الاستغاثة مدةَ أيام، ولكن لما كانت الإرادة مستمرة إلى حين النصر يوم بدر صح تعليق ظرف الاستغاثة بفعلها، لأنه اقترن ببعضها في امتدادها، وهذا أحسن من الوجوه التي ذكروها في متعلق هذا الظرف أو موقعه.
وقد أشارت الآية إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، أخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب قال نظر نبيء الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا فاستقبل نبيء الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تَهْلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعَبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادًّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمَه من ورائه فقال يا نبيء الله كفَاك مُناشَدَةُ ربّك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردَفين} أي فأنزل الله في حكاية تلك الحالة.
وعلى هذه الرواية يكون ضمير {تستغيثون} مرادًا به النبي صلى الله عليه وسلم وعبر عنه بضمير الجماعة لأنه كان يدعو لأجلهم، ولأنه كان معلنا بدعائه وهم يسمعونه، فهم بحال من يدعون، وقد جاء في السيرة أن المسلمين لما نزلوا ببدر ورأوا كثرة المشركين استغاثوا الله تعالى فتكون الاستغاثة في جميع الجيش والضمير شاملًا لهم.
والاستغاثة: طلب الغوث، وهو الإعانة على رفع الشدة والمشقة ولما كانوا يومئذ في شدة ودعوا بطلب النصر على العدو القوي كان دعاؤهم استغاثة.
{فاستجاب لكم} أي وعدكم بالإغاثة.
وفعل استجاب يدل على قبول الطلب، والسين والتاء فيه للمبالغة أي تحقيق المطلوب.
وقوله: {أني ممدكم بألف من الملائكة} هو الكلام المستجاب به ولذلك قدره في الكشاف بأن أصله بأني ممدكم أي فحذف الجار وسلط عليه {استجاب} فنصب محله.
وأرى أن حرف أن المفتوحة الهمزة المشددة النون إذا وقعت بعد ما فيه معنى القول دون حروفه أن تكون مفيدة للتفسير مع التأكيد كما كانت تفيد معنى المصدرية مع التأكيد، فمن البيّن أن أن المفتوحة الهمزة مركبة من أنْ المفتوحة الهمزة المخففة النون المصدرية في الغالب، يجوز أن يُعتبر تركيبها من أنْ التفسيرية إذا وقعت بعد ما فيه معنى القول دون حروفه، وذلك مظنة أن التفسيرية، وأعْتضِدُ بما في اللسان من قول الفراء: إذا جاءت أن بعد القول وما تصرف من القول كانت حكاية، فلم يقع عليها أي القول فهي مكسورة، وإن كانت تفسيرًا للقول نصبتَها ومثله: قد قلت لك كلامًا حسنًا أن أباك شريف، فحتَ أن لأنها فسرت الكلام.
قلت: ووقوع أن موقع التفسير كثير: في الكلام.
وفي القرآن، ومنه قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] الآية، ومن تأمل بإنصاف وجد متانة معنى قوله: {أني ممدكم بألف من الملائكة} في كون أن تفسيرية، دون كونها مجرورة بحرف جر محذوف.
مع أن معنى ذلك الحرف غير بين.
والإمداد إعطاء المدد وهو الزيادة من الشيء النافع.
وقرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب: بفتح الدال من {مردَفين} أي يَرِدُ فهم غيرُهم من الملائكة، وقرأ البقية: بكسر الدال أي تكون الألف رادِفًا لغيرهم قبلَهم.
والإرداف الإتباع والإلحاق فيكون الوعد بألف وبغيرها على ما هو متعارف عندهم من إعداد نجدة للجيش عند الحاجة تكون لهم مددًا، وذلك أن الله أمدهم بآلاف من الملائكة بلغوا خمسة آلاف كما تقدم في سورة آل عمران، ويجوز أن يكون المراد بألف هنا مطلق الكثرة فيفسره قوله: {بثلاثة آلافٍ} في سورة آل عمران [124]، وهم مردَفون بألفين، فتلك خمسة آلاف، وكانت عادتهم في الحرب إذا كان الجيش عظيمًا أن يبعثوا طائفة منه ثم يعقبوها بأخرى لأن ذلك أرهب للعدو.
ويوجه سيوفهم، وحلول الملائكة في المسلمين كان بكيفية يعلمها الله تعالى: إما بتجسيم المجردات فيراهم من أكرمه الله برؤيهم، وإما بإراءة الله الناس ما ليس من شأنه أن يُرى عادة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}
ومادة استغاث تفيد طلب الغوث، مثل استسقى أي طلب السقيا، واستفهم أي طلب الفهم، والألف السين والتاء توجد للطلب. واستغاث أي طلب الغوث من قوى عنه قادر على الإغاثة، وأصلها من الغيث وهو المطر، فحين تجدب الأرض لعدم نزول المطر ولا يجدون المياه يقال: طلبنا الغوث، ولأن الماء هو أصل الحياة؛ لذلك استعمل في كل ما فيه غوث، وهو إبقاء الحياة، وفي حالة الحرب قد يفنى فيها المقاتلون؛ لذلك يطلبون الغوث من الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}.
و{تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بضمير الجمع، كأنهم كلهم جميعًا يستغيثون في وقت واحد، وقد استغاث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطف القوم وقال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه واستقبل القبلة وقال: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ائتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض».
ويدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كان يستغيث بالخالق الذي وعد بالنصر، ورد القوم خلفه: آمين، لأن أي إنسان يؤمن على دعاء يقوله إمام أو قائد فهو بتأمينه هذا كأنما يدعو مثلما يقول الإمام أو القائد. فمن يقول: آمين يكون أحد الداعين بنفس الدعاء. والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {وَقَالَ موسى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} [يونس: 88].
وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السلام.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعدها: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: 89].
مع العلم بأن سيدنا موسى عليه السلام هو الذي دعا، وقوله سبحانه من بعد ذلك {أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} دليل على أن موسى دعا وهارون قال: آمين فصار هارون داعيًا أيضًا مثل أخيه موسى.
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ} [الأنفال: 9].
{فاستجاب لَكُمْ} الألف والسين والتاء- كما علمنا- تأتي للطلب، وقول الحق سبحانه وتعالى: {فاستجاب} يعني أنه طلب من جنود الحق في الأرض أن يكونوا مع محمد وأصحابه؛ لأن الله سبحانه وتعالى، خلق الكون، وخلق فيه الأسباب. نراها ظاهرة، ووراءها قوى خفية من الملائكة. والملائكة هم خلق الله الخفي الذي لا نراه ولا نبصره، إلا أن الله أخبرنا أن له ملائكة.