فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمعنى على القراءة الأولى: أنه جعل بعضهم تابعًا لبعض.
وعلى القراءة الثانية: أنهم جعلوا بعضهم تابعًا لبعض وقيل: إن {مردفين} على القراءتين نعت لألف.
وقيل: إنه على القراءة الأولى، حال من الضمير المنصوب في {ممدكم}: أي ممددكم في حال إردافكم بألف من الملائكة.
وقد قيل: إن ردف وأردف بمعنى واحد.
وأنكره أبو عبيدة قال: لقوله تعالى: {تَتْبَعُهَا الرادفة} [النازعات: 7] ولم يقل المردفة.
قال سيبويه: وفي الآية قراءة ثالثة وهي {مردّفين} بضم الراء وكسر الدال مشدّدة.
وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال.
وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري {بآلاف} جمع ألف، وهو الموافق لما تقدّم في آل عمران.
والضمير في {وما جعله الله} راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} {إِلاَّ بشرى} أي إلا بشارة لكم بنصره، وهو استثناء مفرّغ، أي ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر.
{وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} أي بالإمداد قلوبكم.
وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا، بل أمدّ الله المسلمين بهم للبشرى لهم، وتطمين قلوبهم وتثبيتها.
واللام في {لتطمئن} متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخرًا، أي ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر.
{وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} لا من عند غيره، ليس للملائكة في ذلك أثر، فهو الناصر على الحقيقة، وليسوا إلا سببًا من أسباب النصر التي سببها الله لكم، وأمدكم بها.
{إِنَّ الله عَزِيزٌ} لا يغالب {حَكِيمٌ} في كل أفعاله.
وقد أخرج ابن جرير، عن عليّ رضي الله عنه، قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أبو بكر، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة.
وأخرج سنيد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: ما أمدّ النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله في الأنفال، وما ذكر الثلاثة الآلاف، والخمسة الآلاف إلا بشرى.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {مُرْدِفِينَ} قال: متتابعين.
وأخرج ابن جرير، عنه، في قوله: {مُرْدِفِينَ} يقول: المدد.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبو الشيخ عنه، أيضًا في الآية قال: وراء كل ملك ملك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الشعبي، قال: كان ألف مردفين، وثلاثة آلاف منزلين، فكانوا أربعة آلاف، وهم مدد المسلمين في ثغورهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {مُرْدِفِينَ} قال: مجدّين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة قال: متتابعين، أمدّهم الله بألف ثم بثلاثة، ثم أكملهم خمسة آلاف.
{وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى} لكم {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} قال: يعني نزول الملائكة.
قال: وذكر لنا أن عمر قال: أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة كانوا معنا.
وأما بعد ذلك فالله أعلم.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن زيد {مُرْدِفِينَ} قال: بعضهم على أثر بعض. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)} إلى قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
التفسير: روى عكرمة عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا فله كذا، فذهب شبان الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات فلما كانت القسمة جاء الشبان يطلبون نفلهم وقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتهم كنا ردأ لكم فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} فقسمها بينهم بالسواء. وعن عبادة بن الصامت قال: لم هزم العدوّ يوم بدر واتبعتهم طائفة يقتلونهم، أحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة بالعكسر والنهب، فلما نفى الله العدوّ رجع الذين طلبوهم وقالوا: لنا النفل نحن طلبنا العدوّ وبنا قفاهم الله وهزمهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق به منا نحن أحدقنا برسول الله لا ينال العدوّ منه صلى الله عليه وسلم غرة. وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا فنزلت الآية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بالسواء. وعن سعد بن أبي وقاص لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص فأخذت سيفه فأعجبني فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف. فقال: ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض أي في المقبوض من الغنائم، فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلًا حتى جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزلت سورة الأنفال عليه فقال: «يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وإنه الآن قد صار لي فاذهب فخذه» والنفل بالتحريك الغنيمة وجمعه الأنفال وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهرًا. قال الأزهري: هو ما كان زيادة على الأصل فسميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل الغنائم لهم.
وصلاة التطوّع نافلة لأنها زائدة على الفرض وقال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} [الأنبياء: 72] أي زيادة على ما سأل. والضمير في {يسألونك} عائد إلى جامع معينين من الصحابة لهم تعلق بالغنائم كما قررنا. وحسن العود وإن لم يجر لهم ذكر في اللفظ لدلالة الحال عليهم، ولفظ السؤال وإن كان مبهمًا إلا أن تعيين الجواب يدل على أن المراد أنهم سألوا عن الأنفال كيف مصرفها ومن المستحق لها. قال الزجاج: إنما سألوا عنها لأنها كانت حرامًا على من كان قبلهم. وضعف بأن الآية دلت على أنها مسبوقة بالتنازع والتنافس فسألوا عن كيفية قسمتها لا عن حلها وحرمتها. وعن عكرمة أن المراد من هذا السؤال الاستعطاء أي يطلبون منك الغنائم وقال في الكشاف: النفل ما ينفله الغازي أي يعطاه زائدًا على سهمه من المغنم وهو أن يقول الإمام تحريضًا على البلاء في الحرب. من قتل قتيلًا فله سلبه. أو قال السرية ما أصبتم فهو لكم أو فلكم نصفه أو ربعه. ولا يخمس النفل ويلزم الإمام الوفاء بما وعد به. وهذا التفسير يناسب خبر سعد بن أبي وقاص في إعطاء السيف إياه.
وعن ابن عباس في بعض الروايات أن المراد بالأنفال ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال من دابة أو عبد أو متاع فهو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء. وعن مجاهد: إن الأنفال الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس. وعلى هذا فالقوم إنما سألوا عن الخمس فنزلت الآية. ثم أمر بالشروع في الجواب فقال: {قل الأنفال لله والرسول} أي حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوّضًا إلى رأي أحد. قال مجاهد وعكرمة والسدي: إنها منسوخه بقوله: {واعلموا أن ما غنمتم} [الأنفال: 41] الآية. وضعف بأن جعل أربعة أخماسها ملكًا للغانمين لا ينافي كون الحكم فيها لله والرسول، ولو فسر الأنفال بالخمس أو بالسلب فلا إشكال.
ثم حثهم على ترك المنازعة وعلى المؤاخاة والمصافاة فقال: {فاتقوا الله} أي عقابه ولا تقدموا على معصيته واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأموال {وأصلحوا ذات بينكم} أي التي هي بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومودة وموافقة. لما كانت الأحوال واقعة في البين قيل لها ذات البين كما أن الأسرار لما كانت مضمرة في الصدور قيل لها ذات الصدور. ثم ختم الآية بقوله: {إن كنتم مؤمنين} أي كاملي الإيمان تنبيهًا على أن كمال الإيمان موقوف وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله. ثم وصف المؤمنين الكاملين فقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} أي فزعت لذكره استعظامًا لجلاله وحذرًا من أليم عقابه.
وقد يطمئن القلب بعد ذلك إذا تذكر كمال رأفته وجزيل ثوابه كقوله: {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] وقيل: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم لمعصية فيقال له اتق الله فينزع {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا} قالت العلماء: زيادة الإيمان تكون على ثلاثة أنحاء الأوّل: بقوّة الدليل وبكثرته، فإن كل دليل مركب لا محالة من مقدمات. ولا شك في أن النفوس مختلفة في الأشراق والإنارة، والأذهان متفاوته بالذكاء والغباوة، فكل من كان جزمه بالمقدمات أكثر وأدوم كان علمه بالنتيجة أكمل وأتم، وكذا من سنح له على المطلوب دليلان كان علمه أتم ممن لا يجد على المطلوب دليل واحد ولذا يورد العلماء دلائل متعددة على مدلول واحد ولله در القائل: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. الثاني: بتعدد التصديق وتجدده؛ فمن المعلوم أن من صدق إنسانًا في شيئين كان تصديقه أزيد من تصديق من صدقه في شيء واحد، فمعنى الآية أنهم كلما سمعوا آية متجددة أتوا بإقرار جديد. الثالث: أن يقال: الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل كما ينبئ عنه ظاهر الآية لأنه لما ذكر الأمور الخمسة قال: {أولئك هم المؤمنون} فدل ذلك على أن كل تلك الخصال داخلة في مسمى الإيمان ويؤيده ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» وإذا كان الإيمان عبارة عن مجموع الأركان الثلاثة فبسبب التفاوت في العمل يظهر التفاوت في الإيمان، وإن لم يكن التفاوت في الإقرار والاعتقاد متصورًا. أما قوله: {وعلى ربهم يتوكلون} فيفيد الحصر أي لا يتوكلون إلا على ربهم وهذه الصفات مرتبة على أحسن جهات الترتيب؛ فأولى الفزع من عقاب الله، والثانية الانقياد لتكاليفه، والثالثة الانقطاع بالكلية عما سواه.
ثم لما فرغ من أعمال القلوب وهي الخشية والتسليم والتوكل شرع في وصفهم بأعمال الجوارح وذكر منها رأسها وسنامها وهما الصلاة والصدقة، ثم عظمهم بقوله: {أولئك هم المؤمنون حقًا} وفي {أولئك} وفي توسيط الفصل وتعريف الخبر وإيراد {حقًا} من المبالغات ما لا يخفى و{حقًا} صفة مصدر محذوف أي إيمانًا حقًا وهو مصدر مؤكد للجملة قبله، وقال الفراء: معناه أخبركم بذلك إخبارًا حقًا، وقيل: إنه منوط بما بعده أي حقًا لهم درجات. واعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الرجل المؤمن يجوز له أن يقول أنا مؤمن، ثم اختلفوا في أنه هل يجوز له أن يضيف إليه حقًا أو لا بل يستثني فيقول إن شاء الله. والأوّل مذهب أصحاب أبي حنيفة لما ورد في الآية، ولأن الشك في الإيمان لا يجوز لأن التصديق والإقرار كلاهما محقق.
والثاني مذهب أصحاب الشافعي، وأجابوا عن الآية بأنه لا نزاع في أن الموصوف بالصفات المذكورة مؤمن حقًا إنما النزاع من أن القائل أنا مؤمن هل هو موصوف بتلك الصفات جزمًا أم لا. وأما حديث الشك فمبني على أن الإيمان عبارة عن الأركان الثلاثة، ولا ريب أن كون الإنسان آتيًا بالأعمال الصالحة أمر مشكوك فيه، والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في حصول تلك الماهية، فإن النزاع لفظي على أنا لا نسلم أن الاستثناء لأجل الشك وإنما هو لزوال العجب أو لعدم القطع بحسن الخاتمة، أو لنوع من الأدب ففيه تفويض بالأمر إلى علم الله وحكمه كقوله: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27] وإنه تعالى منزه عن الشك والريب. عن الحسن أن رجلًا سأله أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله: {إنما المؤمنون} فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا. وعن الثوري: من زعم أنه مؤمن بالله حقًا ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية. وهذا إلزام منه يعني كما لا يقع بأنه من أهل الجنة حقًا فلا يقطع بأنه مؤمن حقًا. ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال لقتادة: لم تستثني في إيمانك؟ فقال: اتباعًا لإبراهيم في قوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي} [الشعراء: 82] فقال له: هلا اقتديت به في قوله: {أو لم تؤمن قال بلى} [البقرة: 260] قيل: وكان لقتادة أن يقول: {ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260] وفيه ما فيه. ثم أخبر عن مآل حالهم فقال: {هم درجات عند ربهم} أي سعادات روحانية متفاوتة في الصعود والارتفاع، ولكن استغراق كل واحد في سعادته الخاصة به يمنعه عن التألم من حال من فوقه كما قال سبحانه: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، {ومغفرة} [الحجر: 47] وتجاوز عن سيئاتهم {ورزق كريم} هو نعيم الجنة المقرون بالدوام والتعظيم. والكرم اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن في بابه نقله الواحدي عن أهل اللغة. فالله سبحانه موصوف بأنه كريم لأنه محمود في كل ما يحتاج إليه، والقرآن كريم لأنه يوجد فيه بيان كل شيء {وقال إني ألقي إليّ كتاب كريم} [النمل: 29] وقال: {من كل زوج كريم} [لقمان: 10] وقال: {وقل لهما قولًا كريمًا} [الإسراء: 23] قال بعض العارفين: المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله. والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته.