فصل: المسألة الثالثة: (في وجوه النصر):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثانية: {يغشاكم} بالألف وفتح الياء وسكون العين {يُغَشّيكُمُ النعاس} بالرفع وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير.
الثالثة: قرأ الباقون {يُغَشّيكُمُ} بتشديد الشين وضم الياء من التغشية {النعاس} بالنصب، أي يلبسكم النوم.
قال الواحدي: القراءة الأولى من أغشى، والثانية من غشي، والثالثة من غشي فمن قرأ {يغشاكم} فحجته قوله: {الغم أَمَنَةً نُّعَاسًا} يعني: فكما أسند الفعل هناك إلى النعاس والأمنة التي هي سبب النعاس كذلك في هذه الآية ومن قرأ {يُغَشّيكُمُ} أو {يُغَشّيكُمُ} فالمعنى واحد وقد جاء التنزيل بهما في قوله تعالى: {فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [ياس: 9] وقال: {فغشاها مَا غشى} [النجم: 54] وقال: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} [يونس: 27] وعلى هذا فالفعل مسند إلى الله.

.المسألة الثالثة: [في وجوه النصر]:

أنه تعالى لما ذكر أنه استجاب دعاءهم ووعدهم بالنصر فقال: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} ذكر عقيبه وجوه النصر وهي ستة أنواع: الأول: قوله: {إِذ يُغَشّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مّنْهُ} أي من قبل الله، واعلم أن كل نوم ونعاس فإنه لا يحصل إلا من قبل الله تعالى فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله تعالى لابد فيه من مزيد فائدة وذكروا فيه وجوهًا: أحدها: أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يؤخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن.
وثانيها: أنهم خافوا من جهات كثيرة.
أحدها: قلة المسلمين وكثرة الكفار.
وثانيها: الأهبة والآلة والعدة للكافرين وقلتها للمؤمنين.
وثالثها: العطش الشديد فلولا حصول هذا النعاس وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر.
والوجه الثالث: في بيان كون ذلك النعاس نعمة في حقهم، أنهم ما ناموا نومًا غرقًا يتمكن العدو من معاقصتهم بل كان ذلك نعاسًا يحصل لهم زوال الأعياء والكلال مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله ولقدروا على دفعه.
والوجه الرابع: أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة.
فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز.
فإن قيل: فإن كان الأمر كما ذكرتم فلو خافوا بعد ذلك النعاس؟
قلنا: لأن المعلوم أن الله تعالى يجعل جند الإسلام مظفرًا منصورًا وذلك لا يمنع من صيرورة قوم منهم مقتولين.
فإن قيل: إذا قرئ {يُغَشّيكُمُ} بالتخفيف والتشديد ونصب {النعاس} فالمضير لله عز وجل: {وأمنة} مفعول له.
أما إذا قرئ {يُغَشّيكُمُ النعاس} فكيف يمكن جعل قوله: {ءامِنَةً} مفعولًا له، مع أن المفعول له يجب أن يكون فعلًا لفاعل الفعل المعلل؟
قلنا: قوله: {يغشاكم} وإن كان في الظاهر مسندًا إلى النعاس، إلا أنه في الحقيقة مسند إلى الله تعالى، فصح هذا التعليل نظرًا إلى المعنى.
قال صاحب الكشاف: وقرئ {كَانَتْ ءامِنَةً} بسكون الميم، ونظير أمن أمنة، حي حياة، ونظير أمن أمنة، رحم رحمة.
قال ابن عباس: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان.
النوع الثاني: من أنواع نعم الله تعالى المذكورة في هذا الموضع قوله تعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} ولا شبهة أن المراد منه المطر، وفي الخبر أن القوم سبقوا إلى موضع الماء، واستولوا عليه، وطمعوا لهذا السبب أن تكون لهم الغلبة، وعطش المؤمنون وخافوا، وأعوزهم الماء للشرب والطهارة، وأكثرهم احتلموا وأجنبوا، وانضاف إلى ذلك أن ذلك الموضع كان رملًا تغوص فيه الأرجل ويرتفع منه الغبار الكثير، وكان الخوف حاصلًا في قلوبهم، بسبب كثرة العدو وسبب كثرة آلاتهم وأدواتهم، فلما أنزل الله تعالى ذلك المطر صار ذلك دليلًا على حصول النصرة والظفر، وعظمت النعمة به من جهات: أحدها: زوال العطش، فقد روي أنهم حفروا موضعًا في الرمل، فصار كالحوض الكبير، واجتمع فيه الماء حتى شربوا منه وتطهروا وتزودوا.
وثانيها: أنهم اغتسلوا من ذلك الماء، وزالت الجنابة عنهم، وقد علم بالعادة أن المؤمن يكاد يستقذر نفسه إذا كان جنبًا، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال ويضطرب قلبه لأجل هذا السبب فلا جرم عد تعالى وتقدس تمكينهم من الطهارة من جملة نعمه.
وثالثها: أنهم لما عطشوا ولم يجدوا الماء ثم ناموا واحتلموا تضاعفت حاجتهم إلى الماء ثم إن المطر نزل فزالت عنهم تلك البلية والمحنة وحصل المقصود.
وفي هذه الحالة ما قد يستدل به على زوال العسر وحصول اليسر والمسرة.
أما قوله: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} ففيه وجوه: الأول: أن المراد منه الاحتلام لأن ذلك من وساوس الشيطان.
الثاني: أن الكفار لما نزلوا على الماء، وسوس الشيطان إليهم وخوفهم من الهلاك، فلما نزل المطر زالت تلك الوسوسة، روى أنهم لما ناموا واحتلم أكثرهم، تمثل لهم إبليس وقال أنتم تزعمون أنكم على الحق وأنتم تصلون على الجنابة، وقد عطشتم ولو كنتم على الحق لما غلبوكم على الماء فأنزل الله تعالى المطر حتى جرى الوادي واتخذ المسلمون حياضًا واغتسلوا وتلبد الرمل حتى ثبتت عليه الأقدام.
الثالث: أن المراد من رجز الشيطان سائر ما يدعو الشيطان إليه من معصية وفساد.
فإن قيل: فأي هذه الوجوه الثلاثة أولى؟
قلنا: قوله: {لّيُطَهّرَكُمْ} معناه ليزيل الجنابة عنكم، فلو حملنا قوله: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} على الجنابة لزم منه التكرير وأنه خلاف الأصل، ويمكن أن يجاب عنه فيقال المراد من قوله: {لّيُطَهّرَكُمْ} حصول الطهارة الشرعية.
والمراد من قوله: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} إزالة جوهر المني عن أعضائهم فإنه شيء مستخبث، ثم تقول: حمله على إزالة أثر الاحتلام أولى من حمله على إزالة الوسوسة وذلك لأن تأثير الماء في إزالة العين عن العضو تأثير حقيقي أما تأثيره في إزالة الوسوسة عن القلب فتأثير مجازي وحمل اللفظ على الحقيقة أولى من حمله على المجاز، واعلم أنا إذا حملنا الآية على هذا الوجه لزم القطع بأن المني رجز الشيطان، وذلك يوجب الحكم بكونه نجسًا مطلقًا لقوله تعالى: {والرجز فاهجر} [المدثر: 5].
النوع الثالث: من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} والمراد أن بسبب نزول هذا المطر قويت قلوبهم وزال الخوف والفزع عنهم، ومعنى الربط في اللغة الشد، وقد ذكرنا ذلك في قوله تعالى: {وَرَابِطُواْ} [آل عمران: 200] ويقال لكل من صبر على أمر، ربط قلبه عليه كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب يقال: رجل رابط أي حابس.
قال الواحدي: ويشبه أن يكون {على} هاهنا صلة والمعنى وليربط قلوبكم بالنصر وما وقع من تفسيره يشبه أن لا يكون صلة لأن كلمة {على} تفيد الاستعلاء.
فالمعنى أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها.
والنوع الرابع: من النعم المذكورة هاهنا قوله تعالى: {وَيُثَبّتَ بِهِ الاقدام} وذكروا فيه وجوهًا: أحدها: أن ذلك المطر لبد ذلك الرمل وصيره بحيث لا تغوص أرجلهم فيه، فقدروا على المشي عليه كيف أرادوا، ولولا هذا المطر لما قدروا عليه، وعلى هذا التقدير، فالضمير في قوله: {بِهِ} عائد إلى المطر.
وثانيها: أن المراد أن ربط قلوبهم أوجب ثبات أقدامهم، لأن من كان قلبه ضعيفًا فر ولم يقف، فلما قوى الله تعالى قلوبهم لا جرم ثبت أقدامهم، وعلى هذا التقدير فالضمير في قوله: {بِهِ} عائد إلى الربط.
وثالثها: روى أنه لما نزل المطر حصل للكافرين ضد ما حصل للمؤمنين، وذلك لأن الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التراب والوحل، فلما نزل المطر عظم الوحل، فصار ذلك مانعًا لهم من المشي كيفما أرادوا فقوله: {وَيُثَبّتَ بِهِ الأقدام} يدل دلالة المفهوم على أن حال الأعداء كانت بخلاف ذلك. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاسَ}، يقول: ألقى عليكم النوم {أَمَنَةً مّنْهُ}، يعني أمنًا من عند الله.
وروى عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: النعاس عند القتال أمنة من الله، وهو في الصلاة من الشيطان.
قرأ نافع {يُغَشّيكُمُ النعاس} بضم الياء وجزم الغين ونصب النعاس؛ ومعناه يُغْشِيكُمْ الله النُّعَاسَ.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يُغَشّيكُمُ النعاس} بالألف ونصب الياء وضم النعاسُ، يعني أخذكم النعاسُ وقرأ الباقون بضم الياء وتشديد الشين ونصب النعاس {يُغَشّيكُمُ النعاس} ومعناه يغشيكم الله النعاسَ أمنةً منه والتشديد للمبالغة.
ثم قال: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ}، يعني بالماء من الأحداث والجنابة.
{وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان}، يعني وسوسة الشيطان وكيده.
وقال القتبي: أصل الرجز العذاب، كقوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] ثم سمي كيد الشيطان رجزًا، لأنه سبب العذاب.
ثم قال: {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ}، يعني يشدد قلوبكم بالنصرة منه عند القتال؛ {وَيُثَبّتَ بِهِ الاقدام}، يعني لتستقر الرجل على الرمل، حتى أمكنكم الوقوف عليه.
ويقال: ويثبت به الأقدام في الحرب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ}
قرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو: {يغشيكم} بفتح الياء النعاس رفع على أن الفعل له واحتجّوا بقوله في سورة آل عمران {أَمَنَةً نُّعَاسًا يغشى طَائِفَةً مِّنْكُمْ} [آل عمران: 154] فجعل الفعل له.
وقرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء مخففة على أن الفعل لله عزّ وجلّ ليكون موافقًا لقوله: {وينزل وليطهركم} واحتجّوا بقوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} [يونس: 27].
وقرأ عروة بن الزبير والحسن وأبو رجاء وعكرمة والجحدري وعيسى وأهل الكوفة: {يُغشّيكم} بضمّ الياء مشدّدًا.
فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم: لقوله: {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54] والنعاس النوم تخفيف. وقال أبو عبيدة: هو ابتداء القوم: أمنة بفتح الميم قراءة العامّة، وقرأ أبو حياة وابن محيصن: أمنة بسكون الميم وهو مصدر قولك: أمنت من كذا أمنًا وأمنة وأمانة وكلّها بمعنى واحد فلذلك نصب.
قال عبد الله بن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله عزّ وجلّ وفي الصلاة من الشيطان {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً} وذلك أن المسلمين نزلوا كثيبًا أخضر ببدر يسوخ فيه الأقدم وحوافر الدواب وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمى وغلبوهم عليه وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس لهم الشيطان فقال تزعمون أن فيكم نبي الله وأنّكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تُصلّون مجنبين ومحدثين فكيف ترجون أن يظفركم عليهم.
قال: فأرسل الله عزّ وجلّ مطرًا سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الركاب وملئوا الأسقية وأطفى الغبار ولبّد الأرض حتّى ثبّت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم فذلك قوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} من الأحداث والجنابة.
وقرأ سعيد بن المسيب: ليُطهركم بطاء ساكنة من أطهره الله: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} أي وسوسة الشيطان.
وقرأ ابن محيصن: رجز بضم الراء. وقرأ أبو العالية: رجس بالسين والعرب تعاقب بين السين والزاء فيقول بزق وبسق.
والسراط والزراط والأسد والأزد {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} اليقين والصبر {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام} حتّى لا يسرح في الرمل بتلبيد الأرض.
وقيل: بالصبر وقوّة القلب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ}
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرًا من أصحابه غشيهم النعاس ببدر.
قال سهل بن عبد الله: النعاس يحل في الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل في القلب بعد نزول من الرأس، فهوَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ناموا فبشر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر فأخبر به أبا بكر.