فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}
أخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت الشجرة حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه في قوله: {إذ يغشاكم النعاس أمنة منه} قال: بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أمنة} قال: أمنا من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: النعاس في الرأس، والنوم في القلب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين. نعاس يوم بدر، ونعاس يوم أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: طس كان يوم بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} قال: المطر: أنزله عليهم قبل النعاس فاطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهسًا، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال: أتزعمون أن فيكم نبيًا وإنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {رجز الشيطان} قال: وسوسته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وليربط على قلوبكم} قال: بالصبر {ويثبت به الأقدام} قال: كان ببطن الوادي دهاس، فلما مطر اشتد الرملة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {ويثبت به الأقدام} قال: حتى يشتد على الرمل، وهو وجه الأرض.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ليلة بدر، ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد، وأصابهم تلك الليلة مطر شديد، فذلك قوله: {ويثبت به الأقدام}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إذْ يُغَشِّيكمُ}
في {إذ} وجوه:
أحدها: أنَّهُ بدلٌ من {إذ} في قوله: {وإذْ يَعِدُكُم} قال الزمخشريُّ: {إذْ يغشاكُمُ} بدلٌ ثانٍ من {إذ يعدكُم}.
قوله: ثَانٍ؛ لأنه أبدل منه: {إذْ} في قوله: {إذْ تستغيثُونَ} ووافقه على هذا ابنُ عطيَّة، وأبو البقاء.
الثاني: أنَّهُ منصوبٌ بالنصر.
الثالث: بما في عند الله من معنى الفعل.
الرابع: بـ {ما جعله اللَّهُ}.
الخامس: بإضمار اذكُر ذكر ذلك الزمخشريُّ.
وقد سبقه إلى الرابع: الحُوفِيُّ.
وقد ضعَّف أبو حيان الوجه الثَّاني بثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنَ فيه إعمال المصدر المقرون بـ أل قال: وفيه خلاف: ذهب الكوفيُّون إلى أنَّه لا يعمل.
الثاني: أنَّ فيه فصلًا بين المصدر ومعموله بالخير، وهو قوله: {إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} [الأنفال: 10] [آل عمران: 126] ولو قلت: ضَرْب زيدٍ شديدٌ عمرًا لَمْ يَجُرْ.
الثالث: أنه عمل ما قبل إلاَّ فيما بعدها، وليس أحد الثلاثة الجائز ذلك فيها؛ لأنَّه لا يعملُ ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى، أو مستثنى منه أو صفة له.
وقد جوَّز الكسائيُّ والأخفش: إعمال ما قبل إلاَّ فيما بعدها مطلقًا، وليس في هذه الأوجه أحسنُ من أنَّهُ أخبر عن الموصول قبل تمام صلته، وضعَّف الثَّالث بأنَّهُ يلزم منه أن يكون استقرارُ النَّصْرِ مُقَيَّدًا بهذا الظَّرفِ، والمنَّصرُ من عند اللَّه لا يتقيَّدُ بوقت دون وقت وهذا لا يضعفُ به؛ لأنَّ المراد بهذا النَّصر نصرٌ خاص، وهذا النصرُ الخاصُّ كان مقيَّدًا بذلك الظرف.
وضعَّف الرابع بطولِ الفصلِ، ويكون معمولًا لما قبل إلاَّ.
السادي: أنَّهُ منصوبٌ بقوله: {ولتَطْمئنَّ بِهِ} قاله الطَّبريُّ.
السابع: أنَّهُ منصوبٌ بما دلَّ عليه: {عزيزٌ حكيمٌ} قاله أبُو البقاءِ ونحا إليه ابن عطيَّة قبله.
وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو: {يغْشاكُمُ النُّعاس}، ونافع {يُغشِيكُمُ} بضمِّ الياءِ، وكسر الشِّين خفيفة {النَّعاسَ} نصبًا والباقون {يُغَشِّكُمُ} كالذي قبله، إلاَّ أنه بتشديد الشِّين.
فالقراءة الأولى من: غَشِيَ يَغْشَى، و{النَّعاسُ} فاعل، وفي الثانية من: أغْشَى وفاعله ضميرُ الباري تعالى، وكذا في الثالثة من: غَشَّى بالتشديدن و{النُّعاس} فيهما مفعول به.
وأغْشَى وغَشَّى لغتان.
قال الواحديُّ: من قرأ {يَغْشَاكم} فلقوله: {أَمَنَةً نُّعَاسًا يغشى} [آل عمران: 154] فكما أنسد الفعل هناك إلى {النُّعاس}، والأمَنَة التي هي سبب النُّعاس كذلك ههنا، ومن قرأ {يُغشيكم}، أو {يُغشِّيكم} فالمعنى واحدٌ، وقد جاء التَّنْزِيلُ بهما في قوله: {فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس: 8] وقال: {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54].
قوله: {أمَنَةً} في نصبها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّه مصدرٌ لفعلٍ مقدر، أي: فأمِنْتُم أمَنَةً.
الثاني: أنَّها منصوبةٌ على أنَّها واقعةٌ موقع الحال إمَّا من الفاعل، وإمَّا من المفعول، فإن كان الفاعل ُ {النعاس} فنسبةُ الأمنة إليه مجازٌ، وإن كان الباري تعالى كما هو في القراءتين الأخيرتين فالنسبةُ حقيقيةٌ، وإن كان من المفعولِ فعلى المبالغةِ، أي: جعلهم نفس الأمنة، أو على حذف مضاف، أي: ذوي أمنة.
الثالث: أنَّه مفعولٌ من أجله، وذلك إمّضا أن يكون على القراءتين الأخريين أو على الأولى، فعلى القراءتين الأخريين أمرها واضحٌ، وذلك أن التَّغشية، أو الإغشاء من اللَّهِ تعالى، والأمنةُ منه أيضًا، فقد اتَّحد الفاعل فصحَّ النَّصْبُ على المفعول له، وأمَّا على القراءة الأولى ففاعل {يَغْشَى} النُّعاس وفاعل الأمنةالباري تعالى، ومع اختلافِ الفاعل يمتنع النَّصْبُ على المفعولِ له على المشهُورِ، وفيه خلاف اللَّهُمَّ إلاَّ أن يتجوَّز فيجوز.
وقد أوضح ذلك الزمخشريُّ فقال: و{أمَنَةً} مفعولٌ له.
فإن قلت: أما وجب أن يكون فاعلُ الفعل المُعَلَّلِ والعلَّة واحدًا؟ قلتُ: بلى، ولكن لمَّا كان معنى: {يَغْشَاكُمُ النعاسُ} تنعسون، انتصب {أمَنَةً} على معنى أنَّ النُّعَاس والأمَنَةَ لهم، والمعنى: إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنًا.
ثم قال: فإن قلت: هل يجوز أن ينتصب على أنَّ الأمنة للنُّعاسِ الذي هو فاعل يَغْشَاكُم؟ أي: يغشاكم النُّعاسُ لأمنة على أنَّ إسنادَ الأمْن على النعاس إسنادٌ مجازي، وهو لأصحاب النُّعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقتٍ كان من حق النعاس في ذلك الوقتِ المخوف أن لا يقدم على غشيانكم، وإنَّما غشَّاكم أمنةً حاصلةً له من اللَّهِ لولاها لم يغشكم على طريقة التَّمثيل، والتخييل.
قال شهابُ الدين: لا تبعد فصاحة القرآن عن مثله، وله فيه نظائرُ، ولقد ألمَّ به بعضهم؛ فقال: [الوافر]
يَهَابُ النَّوْمُ أنْ يَغْشَى عُيُونًا ** تَهَابُكَ فهو نفَّارٌ شَرُودُ

قوله: {مِنْهُ} في محلِّ نصب لـ {أمَنَةً} والضميرُ في: {منهُ} يجوز ان يعود على الباري تعالى، وأن يعود على {النُّعاسِ} بالمجازِ المذكور آنفًا، وقرأ ابنُ محيصن، والنَّخعي، ويحيى بنُ يعمُر: {أمْنَةً} بسكون الميم، ونظير: أمِنَ أمَنَةً بالتحريك: حَيِيَ حياة، ونظير: أمِنَ أمْنَة بالسُّكُون: رَحِمَ رَحْمَةً.
قوله: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}
العامَّةُ على {ماءً}، و{ليطُهِّركُم} متعلقٌ بـ: {يُنَزّل}.
وقرأ الشعبيُّ: {مَا ليُطهركُم} بألفٍ مقصورة، وفيها تخريجان، أشهرهما وهو الذي ذكره ابن جني وغيره- أنَّ مَا بمعنى الَّذي و{لِيُطهِّركُم} صلتها.
قال بعضهم: تقديره: الذي هو ليطهركم.
فقدَّر الجار خبرًا لمبتدأ محذوف، والجملة صلة لـ مَا وقد ردَّ أبو حيانهذين التخريجين بأنَّ لامَ كَيْ لا تقعُ صلةً.
والثاني: أن ما هو ماء بالمدّ، ولكن العرب قد حذفتْ همزته فقالوا: شَرِبْتُ مًا بميم منونة حكاه ابن مقسم.
وهذا لا نظير له، إذ لا يجُوزُ أن يُنتهك اسمٌ معربٌ بالحذفِ حتَّى يبقى على حرفٍ واحدٍ، إذا عرف هذا؛ فيجُوزُ أن يكون قصر ماء، وإنَّما لم يُنونهُ إجراء للوصل مجرى الوقف، ثم هذه الألفُ تحتملُ أن تكون عين الكلمة، وأنَّ الهمزة محذوفةٌ، وهذه األفُ بدلٌ من الواوِ التي في مَوَهَ في الأصل، ويجوزُ أن تكون المبدلة من التَّنوين، وأجرى الوصل مُجْرَى الوقف، والأوَّلُ أوْلَى، لأنَّهم يُرَاعُونَ في الوقف ألاَّ يتركُوا الموقوف عليه على حرفٍ واحدٍ نحو: مُرٍ اسم فاعل من: أرَى يُري.
قوله: {ويُذْهِبُ عنكُمْ}
نسق على {لِيُطَهِّركُم} وقرأ عيسى بنُ عُمَرَ: {ويذْهِبْ} بسكون الباء وهو تخفيف سمَّاهُ أبُو حيَّان: جَزْمًا.
والعامة على {رِجْزَ} بكسر الرَّاءِ وبالزاي.
وقرأ ابنُ محيصن: بضمِّ الراءِ، وابنُ أبي عبلة بالسِّين، وقد تقدَّم الكلامُ على كلِّ واحد منهم.
ومعنى: رجز الشيطانِ ههنا: ما ينشأ عن وسوسته، وقيل: الاحتلام، وقيل: إن الكفار لمَّا نزلوا على الماءِ وسوس الشَّيطانُ للمسلمينِ وخوَّفَهُم من الهلاكِ، فلمَّا نزل زالت تلك الوسوسة. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ}.
غَشيَهم النُّعاسُ تلك الليلة فأزال عن ظواهرهم ونفوسهم كَدَّ الأغيار والكلال، وأنزل على قلوبهم رَوْحَ الأمن، وأمطرت السماءُ فاغتسلوا بعدما لزمتهم الطهارة الكبرى بسبب الاحتلام، واشتدت الأرض بالمطر فلم ترسب الأقدام في رَملِها، وانتفى عن قلوبهم ما كانت الشياطين توسوس به إليهم أنه سيصيبهم العناءُ بسلوك رَمْلِها وبالانتفاء عن الغُسْل، فلمَّا (...) الإحساسِ، واستمكن منهم النُّعاس، وتداركتهم الكفاية والنصرة استيقنوا بأن الإعانة من قِبَل الله لا بسكونهم وحركتهم، وأشهدهم صرف التأييد وإتمام الكفاية.
وكما طَهَّرَ ظواهرهم بماء المساء طهَّر سرائرهم بماء التحقيق عن شهود كلِّ غير وكلِّ عِلَّة، وصان أسرارهم عن الإصغاء إلى الوساوس، وربط على قلوبهم بشهودهم جريان التقدير على حسب ما يجري الحقُّ من فنون التصريف.
قوله جلّ ذكره: {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}.
أقدامَ الظاهر في مَشَاهِدِ القتال، وأقدامَ السرائر على نهج الاستقامة بشهود مجاري التقدير. اهـ.