فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} فيه قولان:
أحدهما: إن تستنصروا الله، فالفتح النصر، فقد جاءكم فضل الله بنصرنا، حكاه ابن الأنباري.
والثاني: معناه إن تستنصروا الله، والفتح النصر، فقد جاءكم نصر الله لنا عليكم، وفي هذا الخطاب قولان:
أحدهما: أنه خطاب للمشركين لأنهم استنصروا يوم بدر بأن قالوا: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصره عليه، فنصر الله تعالى نبيه والمسلمين عليهم.
ثم قال: {وَإن تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ} لأن الاستنصار كان عليهم لا لهم.
{وَإن تَعُودُواْ نَعُدْ} فيه وجهان:
أحدهما: وإن تعودوا إلى مثل هذا التكذيب نعد إلى مثل هذا التصديق.
والثاني: وإن تعودوا إلى مثل هذا الاستفتاح نعد إلى مثل هذا النصر.
والقول الثاني: أنه خطاب للمؤمنين نصرهم الله تعالى يوم بدر حين استنصروه {وَإن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني عما فعلتموه في الأسرى والغنيمة.
{وإن تَعودوا نعد} فيه وجهان:
أحدهما: وإن تعودوا إلى الطمع نعد إلى المؤاخذة.
الثاني: وإن تعودوا إلى مثل ما كان منكم في الأسرى والغنيمة نعد إلى الإنكار عليكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}
قال بعض المتأولين: هذه الآية مخاطبة للمؤمنين الحاضرين بوم بدر، قال الله لهم: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} وهو الحكم بينكم وبين الكافرين فقد جاءكم، وقد حكم الله لكم، {وإن تنتهوا} عما فعلتم من الكلام في أمر الغنائم وما شجر بينكم فيها وعن تفاخركم بأفعالكم من قتل وغيره فهو خير لكم {وإن تعودوا} لهذه الأفعال نعد لتوبيخكم، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله تعالى ومعونته، ثم أنسهم بقوله وإيجابه، أنه مع المؤمنين، وقال أكثر المتأولين: هذه الآية مخاطبة للكفار أهل مكة، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يدعو أبدًا في محافل قريش، ويقول اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأهلكه واجعله المغلوب، يريد محمدًا صلى الله عليه وسلم وإياهم، وروي أن قريشًا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر: اللهم انصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك، اللهم أقطعنا للرحم فاحنه الغداة، ونحو هذا فقال لهم الله، إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا توبيخ، ثم قال لهم: {وإن تنتهوا} عن كفركم وغيكم {فهو خير لكم} ثم أخبرهم أنهم إن عادوا للاستفتاح عاد بمثل الوقعة يوم بدر عليهم، ثم أعلمهم أن فئتهم لا تعني شيئًا وإن كانت كثيرة، ثم أعلمهم أنه مع المؤمنين.
وقالت فرقة من المتأولين: قوله: {وإن تستفتحوا فقد جائكم الفتح}، هي مخاطبة للمؤمنين، وسائر الآية مخاطبة للمشركين، كأنه قال وأنتم إن تنتهوا فهو خير لكم، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وأبي عمرو وحمزة والكسائي {وإن الله} بكسر الهمزة على القطع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص وأن بفتح الألف، فإما أن يكون في موضع رفع على خبر ابتداء محتمل المعنى، وفي قراءة ابن مسعود: {ولو كثرت والله مع المؤمنين}. وهذا يقوي قراءة من كسر الألف، من إن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن تستفتحوا}
في سبب نزولها خمسة أقوال:
أحدها: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصروا الله وسألوه الفتح، فنزلت هذه الآية؛ وهذا المعنى مروي عن أبي بن كعب، وعطاء الخراساني.
والثاني: أن أبا جهل قال: اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أن المشركين أخذوا بأستار الكعبة قبل خروجهم إلى بدر، فقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم القبيلتين؛ فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والرابع: أن المشركين قالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه بالحق؛ فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.
والخامس: أنهم قالوا بمكة: {اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] الآية فعذِّبوا يوم بدر، قاله ابن زيد.
فخرج من هذه الأقوال أن في المخاطَبين بقوله: {إن تستفتحوا} قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون.
والثاني: المشركون؛ وهو الأشهر.
وفي الاستفتاح قولان:
أحدهما: انه الاستنصار، قاله ابن عباس، والزجاج في آخرين.
فإن قلنا: إنهم المسلمون، كان المعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر بالملائكة؛ وإن قلنا: إنهم المشركون؛ احتمل وجهين.
أحدهما: إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم.
والثاني: إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله، فقد جاء النصر لأحب الفريقين.
والثاني: أن الاستفتاح: طلب الحكم، والمعنى: إن تسألوا الحكم بينكم وبين المسلمين، فقد جاءكم الحكم؛ وإلى هذا المعنى ذهب عكرمة، ومجاهد، وقتادة.
فأما قوله: {وإن تنتهوا فهو خير لكم} فهو خطاب للمشركين على قول الجماعة.
وفي معناه قولان:
أحدهما: إن تنتهوا عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم والكفر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: إن تنتهوا عن استفتاحكم، فهو خير لكم، لأنه كان عليهم، لا لهم، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وإن تعودوا نعد} قولان:
أحدهما: وإن تعودوا إلى القتال، نَعُدْ إلى هزيمتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: وإن تعودوا إلى الاستفتاح، نَعُدْ إلى الفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
قوله تعالى: {ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا} أي: جماعتكم وإن كثرت، {وأن الله مع المؤمنين} بالعون والنصر.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم: {وإِن الله} بكسر الألف.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: {وأَن} بفتح الألف.
فمن قرأ بكسر {أن} استأنف.
قال الفراء: وهو أحب إليَّ من فتحها.
ومن فتحها أراد: ولأن الله مع المؤمنين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح}
شرطٌ وجوابه.
وفيه ثلاثة أقوال: يكون خطابًا للكفار؛ لأنهم استفتحوا فقالوا: اللَّهُمّ أقطعُنا للرّحم وأظلَمُنا لصاحبه فانصره عليه.
قاله الحسن ومجاهد وغيرهما.
وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنُصرة العير.
وقيل: قاله أبو جهل وقت القتال.
وقال النّضر بن الحارث؛ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
وهو ممن قتل ببدر.
والاستفتاح: طلب النصر؛ أي قد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم.
أي فقد جاءكم ما بان به الأمر، وانكشف لكم الحق.
{وَإِن تَنتَهُواْ} أي عن الكفر {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
{وَإِن تَعُودُواْ} أي إلى هذا القول وقتال محمد.
{نَعُدْ} إلى نصر المؤمنين.
{وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} أي عن جماعتكم {شَيْئًا}.
{وَلَوْ كَثُرَتْ} أي في العدد.
الثاني: يكون خطابًا للمؤمنين؛ أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
وإن {تَنْتَهُوا} أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن؛ {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
{وَإنْ تَعُودُوا} أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم.
كما قال: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} الآية.
والقول الثالث: أن يكون {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح} خطابًا للمؤمنين؛ وما بعده للكفار.
أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر.
القشيري: والصحيح أنه خطاب للكفار؛ فإنهم لما نَفَرُوا إلى نصرة العير تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أهدى الطائفتين، وأفضل الدِّينين.
المهدوِيّ: وروي أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها، أي يستنصرون.
قلت: ولا تعارض لاحتمال أن يكونوا فعلوا الحالتين.
{وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين} بكسر الألف على الاستئناف، وبفتحها عطف على قوله: {وَأَنَّ اللَّهُ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}.
أو على قوله: {أَنِّي مَعَكُمْ}.
والمعنى: ولأن الله؛ والتقدير لكثرتها وأن الله.
أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}
هذا خطاب مع المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر، لما التقى الجمعان: اللهم أينا كان أفخر يعني نفسه ومحمدًا صلى الله عليه وسلم قاطعًا للرحم فأحنه اليوم.
وقيل: إنه قال: اللهم أينا كان خيرًا عندك فانصره.
وقيل: قال: اللهم انصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان أفخر وأقطع لرحمه فأحنه اليوم فأنزل الله: {إن تستفتحوا} ومعنى الآية إن تستحكموا الله على أقطع الفريقين للحرم وأظلم الفئتين فينصر المظلوم على الظالم والمحق على المبطل والمقطوع على القاطع (ق).
عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف في الصف يوم بدر.
فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال أي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي.
قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجب لذلك قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته.
فقال: هل مسحتما سيفكما؟ فقالا: لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لهما والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء (ق).
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل» فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل وفي كتاب البخاري أنت أبو جهل هكذا قاله أنس فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وفي رواية فقال أبو جهل فلو غير أكار قتلني عن عبد الله بن مسعود قال: مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال: ولا أهابه عند ذلك فقال أعمد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئًا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد أخرجه أبو داود وأخرجه البخاري مختصرًا.