فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ} أي تتولوا، وقرئ بتشديد التاء {عَنْهُ} أي عن الرسول وأعيد الضمير إليه عليه الصلاة والسلام ون المقصود طاعته صلى الله عليه وسلم، وذكر طاعة الله تعالى توطئة لطاعته وهي مستلزمة لطاعة الله تعالى لأنه مبلغ عنه فكان الراجع إليه كالراجع إلى الله تعالى ورسوله وقيل: الضمير للجهاد، وقيل: للأمر الذي دل عليه الطاعة؛ والتولي مجاز، وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} جملة حالة واردة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولي مطلقًا لا لتقييد النهي عنه بحال السماع: أي لا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع تفهم واذعان، وقد يراد بالسماع التصديق، وقد يبقى الكلام على ظاهره من غير ارتكاب تجوز أصلًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}
لما أراهم الله آيات لطفه وعنايته بهم، ورأوا فوائِد امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى بدر، وقد كانوا كارهين الخروج، أعقب ذلك بأنْ أمَرَهم بطاعة الله ورسوله شكرًا على نعمة النصر، واعتبارًا بأن ما يأمرهم به خيرٌ عواقبه، وحذرهم من مخالفة أمر الله ورسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا رجوع إلى الأمر بالطاعة الذي افتتحت به السورة في قوله: {وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} [الأنفال: 1] رجوع الخطيب إلى مقدمة كلامه ودليلهِ ليأخذها بعد الاستدلال في صورة نتيجة أسفر عنها احتجاجُه، لأن مطلوب القياس هو عين النتيجة، فإنه لما ابتدأ فأمرهم بطاعة الله ورسوله بقوله: {وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} [الأنفال: 1] في سياق ترجيح ما أمرهم به الرسول عليه الصلاة والسلام على ما تهواه أنفسهم، وضرب لهم مثلًا لذلك بحادثة كراهتهم الخروج إلى بدر في بدء الأمر ومجادلتهم للرغبة في عدمه، ثم حادثة اختيارهم لقاء العير دون لقاء النفير خشية الهزيمة، وما نجم عن طاعتهم الرسول عليه الصلاة والسلام ومخالفتهم هواهم ذلك من النصر العظيم والغُنم الوفير لهم مع نزارة الرزء، ومن التأييد المبين للرسول صلى الله عليه وسلم والتأسيسسِ لإقرار دينه {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل} [الأنفال: 7، 8] وكيف أمدهم الله بالنصر العجيب لمّا أطاعوه وانخلعوا عن هواهم، وكيف هزَم المشركين؛ لأنهم شاقوا الله ورسوله، والمشاقة ضد الطاعة تعريضًا للمسلمين بوجوب التبرؤ مما فيه شائبة عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أمرهم بأمر شديد على النفوس ألا وهو {إِذَا لقيتم الذين كفروا زحْفًا فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال: 15] وأظهر لهم ما كان من عجيب النصر لما ثبتوا كما أمرهم الله: {فلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم} [الأنفال: 17]، وضمن لهم النصر إن هم أطاعوا الله ورسوله وطلبوا من الله النصر، أعقب ذلك بإعادة أمرهم بأن يطيعوا الله ورسوله ولا يتولوا عنه، فذلكة للمقصود من الموعظة الواقعة بطولها عقب قوله: {وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} [الأنفال: 1] وذلك كله يقتضي فصل الجملة عما قبلها، ولذلك افتتحت بـ {يا أيها الذين آمنوا}.
وافتتاح الخطاب بالنداء للاهتمام بما سيُلقى إلى المخاطبين قصدًا لإحضار الذهن لوعي ما سيقال لهم، فنزّل الحاضر منزلة البعيد، فطلب حضوره بحرف النداء الموضوع لطلب الإقبال.
والتعريف بالموصولية في قوله: {يا أيها الذين آمنوا} للتنبيه على أن الموصوفين بهذه الصلة من شأنهم أن يتقبلوا ما سيؤمرون به، وأنه كما كان الشرك مسببًا لمشاقة لله ورسوله في قوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} [الأنفال: 13]، فخليق بالإيمان أن يكون باعثًا على طاعة الله ورسوله، فقوله هنا: {يا أيها الذين آمنوا} يساوي قوله في الآية المردود إليها:
{إن كنتم مؤمنين} [الأنفال: 1]، مع الإشارة هنا إلى تحقق وصف الإيمان فيهم وأن إفراغه في صورة الشرط في الآية السابقة ما قصد منه إلاّ شحذ العزائم، وبذلك انتظم هذا الأسلوب البديع في المحاورة من أول السورة إلى هنا انتظامًا بديعًا معجزًا.
والطاعة امتثال الأمر والنهي.
والتولي الانصراف، وتقدم آنفًا، وهو مستعار هنا للمخالفة والعصيان.
وإفرادُ الضمير المجرور بـ(عن) لأنه راجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هذا المناسب للتولي بحسب الحقيقة.
فإفراد الضمير هنا يشبه ترشيح الاستعارة، وقد علم أن النهي عن التولي عن الرسول نهي عن الإعراض عن أمر الله لقوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [الأعراف: 80] وأصل {تَولوا} تَتَولوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا.
وجملة: {وأنتم تسمعون} في موضع الحال من ضمير {تولوا} والمقصود من هذه الحال تشويه التولي المنهي عنه، فإن العصيان مع توفر أسباب الطاعة أشد منه في حين انخرَام بعضها.
فالمراد بالسمع هنا حقيقته أي في حال لا يعوزكم ترك التولي بمعنى الإعراض وذلك لأن فائدة السمع العمل بالمسموع، فمن سمع الحق ولم يعمل به فهو الذي لا يسمع سواء في عدم الانتفاع بذلك المسموع، ولما كان الأمر بالطاعة كلام يطاع ظهر موقع {وأنتم تسمعون} فلما كان الكلام الصادر من الله ورسوله من شأنه أن يقبله أهل العقول كان مجرد سماعه مقتضيًا عدم التولي عنه، ضمن تولى عنه بعد أن سمعه فأمر عجب ثم زاد في تشويه التولي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من التشبه بفئة ذميمة يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: سمعنا، وهم لا يصدقونه ولا يعملون بما يأمرهم وينهاهم.
و(إن) للتمثيل والتنظير في الحسَن والقبيح أثرًا عظيمًا في حث النفس على التشبه أو التجنب، وهذا كقوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا} [الأنفال: 47] وسيأتي وأصحاب هذه الصلة معروفون عند المؤمنين بمشاهدتهم، وبإخبار القرآن عنهم، فقد عرفوا ذلك من المشركين من قبل، قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آيتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا} [الأنفال: 31] وقال: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة} [الأنعام: 25]، وعن ابن عباس أن المراد بهم نفر من قريش، وهم بنو عبد الدار بن قصي، كانوا يقولون: نحن صم بكم عما جاء به محمد، فلم يسلم منهم إلاّ رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة، وبقيتهم قتلوا جميعًا في أُحُد، وكانوا أصحاب اللواء في الجاهلية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}
وهذا نداء واضح من الله عز وجل للمؤمنين، وأمر محدد منه بطاعة الله والرسول؛ لأن الإيمان هو الاعتقاد الجازم القلبي بالله وبملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وعلى المؤمنين أن يؤدوا مطلوب الإيمان. ومطلوب الإيمان- أيها المؤمنون- أن تنفذوا التكاليف التي يأتي بها المنهج من الله عز وجل، ومن المبلغ عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأوامر وفي النواهي.
وقد فصلنا من قبل مسألة الطاعة، الطاعة لله تكون في الأمر الإجمالي، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون في اتباع الحكم التفصيلي التطبيقي الذي يأتي به رسول الله للأمر الإجمالي. وكذلك تكون طاعة الرسول واجبة في أي أمر أو حكم؛ لأن الله قد فوض رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80].
ويتمثل التفويض من الحق سبحانه وتعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
وهنا في الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الملحظ الجميل في الأداء القرآني: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20].
والتولي- كما نعلم- هو الإعراض، والأمر هنا بعدم الإعراض، وما دمتم قد آمنتم فلا إعراض عما تؤمنون به. والملحظ الجميل أنه سبحانه لم يقل: ولا تولوا عنهما. قياسًا بالأسلوب البشري. لكنه قال: {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} أي أنه سبحانه وتعالى قد وحد الكلام في أمرين اثنين؛ طاعة الله وطاعة الرسول، ولأن الرسول مبلغ عن الله فلا تقسيم بين الطاعتين؛ لأن طاعة الرسول هي طاعة لله تعالى.
أو نقول: إن التولي لا يكون أبدًا بالنسبة إلى الله، فلا أحد بقادر على أن يتولى عن الله؛ لأن الله لاحقه ومدركه في أي وقت.
لذلك نجد الحق تبارك وتعالى يقول في آية ثانية: {يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 62].
وهو سبحانه وتعالى في هذا القول يوحد بين رضاء الله والرسول فيجعله رضاءً واحدًا، فالواحد من هؤلاء يقسم أنه لم يفعل الفعل المخالف للإيمان إرضاءً للمؤمنين، وليبرئ نفسه عند البشر، لكن هناك رضاء أعلى هو رضاء مراعاة تطبيق المنهج الذي أنزله الله عز وجل وجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك قيوم أعلى يرقب كل سلوك، ويعلم ما ظهر وما بطن. فلو كنا متروكين لبعضنا البعض لكان لأي إنسان أن يواجه الآخر، كل بقوته، لكن نحن في الإيمان نعلم أننا تحت رقابة المقتدر القيوم، فمن ظلم أخاه؛ وغفر المظلوم لظالمه، فالله سبحانه وتعالى رب الظالم ورب المظلوم- لا يغفر للظالم بل يؤاخذه.
وسبحانه وحد أيضًا في هذه الآية بين رضاء الله ورضاء الرسول ولم يقل: والله ورسوله أحق أن يرضوهما بظاهر الأسلوب في لغة البشر، لكنه شاء أن يوحد الرضاء؛ لأنه يدور حول أمر واحد بطاعة واحدة، وحول نهي واحد بانتهاء واحد.
{يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20].
وهذا الأمر بطاعة الله تعالى والرسول بلاغ من الله، والبلاغ أول وسيلة له الأُذن، لأن الأُذن أول وسيلة للإدراكات، ولذلك فإنّ الرسول يبلغ الأوامر بالقول للناس، ولم يبلغهم بالكتابة؛ لأن كل الناس لا تقرأ، فأبلغ صلى الله عليه وسلم الناس قولًا كما أمر أن يكتب القرآن ليظل محفوظا.
ونعلم أن السماع هو الأصل في القراءة. وأنت لا تقرأ مكتوبًا، ولا تكتب مسموعًا إلا إذا عرفت القواعد، وعرفت كيفية نطق الحروف.
والمعلم يعلم طالب المعرفة القراءة والكتابة عن طريق السماع أولًا، إذن فالسماع مقدم في كل شيء، ولن يستطيع واحد أن يقول في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تبلغني الدعوة؛ لأن الدعوة أبلغت للناس بالسماع، وقوله: {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} تعطينا أن الإنسان إن لم تبلغه الدعوة، فليس مناطًا للتكليف، لأن ربنا سبحانه وتعالى هو القائل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
والمجتمعات التي تعيش في غفلة وليس عندهم رسول ولم يبلغهم المنهج، لن يعذبهم الله، وهذا أمر وارد الآن في البلاد النائية البعيدة عن الالتقاء بالإسلام وبمنهج الإسلام، وبالسماع عن الإسلام؛ لأنهم ما سمعوا شيئًا عن الدين ولم يعرفوا منهجه. وهؤلاء ناجون من العذاب طبقًا لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
فثمرة بعث الرسول أن يبلغ الناس، ولذلك أخذنا حكما هامًا من الأحكام من قول الحق تبارك وتعالى: {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20].
أخذنا من هذا القول أن من لم يبلغهم المنهج لا يحاسبون. ولكن أيكفي السماع في أن نعلم المنهج. لا، لا يكفي في السماع أن نعلم أن هناك رسولًا جاء ليعقب على رسول سبق، ولكن عليك أن تبحث أنت. فإن كان في الأرض من لم يبلغه هذا فهو ناجٍ، وإن كان قد بلغه خبر رسول ولم يبلغه المنهج الكامل فعليه أن يبحث بنفسه، بدليل أن الإنسان يبحث عن أهون الأشياء بمجرد أن يسمع عنها، ويشغل نفسه بالبحث.
ولنفرض أن إنسانًا قال في قرية: إن الدولة ستغير بطاقة التموين، ألا يتجه كل فرد في القرية ليسأل عن هذا الأمر ويهتم به كل الاهتمام؟. إذن كان يكفي في وصول البلاغ أن يسمع الإنسان رسولًا في العرب قد جاء للناس كافة برسالة عامة، وأن هذه الرسالة تعقب الرسالات السابقة، ومن سمع هذا السماع كان عليه أن يعامل هذا الخبر معاملة المصالح الدنيوية الأساسية لأنه اذا كان أمر الدنيا هامًا فما بالنا بأمر صلاح الدنيا والآخرة؟.
وجزء من التبعة في ذلك يقع على المسلمين الذين لم يجدُّوا ويبلغوا منهج الله ودين الله إلى غيرهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلاَ تَوَلَّوْا}
الأصلُ: تتولُّوا فحذف إحدى التَّاءين، وقد تقدَّم الخلافُ في أيتهما المحذوفة.
وقوله: {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}
جملةٌ حالية، والضميرُ في {عَنْهُ} يعود على الرَّسول؛ لأنَّ طاعته من طاعة الله.
وقيل: يعودُ على الله، وهذا كقوله تعالى: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وقيل: يعودُ على الأمر بالطَّاعةِ. اهـ.