فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله} يعني بطاعته وترك معاصيه {يجعل لكم فرقانًا} يعني يجعل لكم نورًا وتوفيقًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل والفرقان أصله الفرق بين الشيئين لكنه أبلغ من أصله لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة.
قال مجاهد: يجعل لكم مخرجًا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: مخرجًا في الدين من الشبهات وقال عكرمة: نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال محمد بن إسحاق: فصلًا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم وقيل يفرق بينكم وبين الكفار بأن يظهر دينكم ويعليه ويبطل الكفر ويوهنه {ويكفر عنكم سيئاتكم} يعني ويمح عنكم ما سلف من ذنوبكم {ويغفر لكم} يعني ويستر عليكم بأن لا يفضحكم في الدنيا ولا في الآخرة {والله ذو الفضل العظيم} لأنه هو الذي يفعل ذلك بكم فله الفضل العظيم وعلى غيركم من خلقه ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به قيل إنه يتفضل على الطائعين بقبول الطاعات ويتفضل على العاصين بغفران السيئات وقيل: معناه أن بيده الفضل العظيم فلا يطلب من عند غيره. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا}
فرقانًا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدّي وابن قتيبة ومالك فيما روي عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب مخرجًا، وقرأ مالك {ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجًا} والمعنى مخرجًا في الدّين من الضلال، وقال مزرد بن ضرار:
بادر الأفق أن يغيب فلما ** أظلم الليل لم يجد فرقانا

وقال الآخر:
ما لك من طول الأسى فرقان ** بعد قطين رحلوا وبانوا

وقال الآخر:
وكيف أرجى الخلد والموت طالبي ** وما لي من كأس المنية فرقان

وقال ابن زيد وابن إسحاق فصلًا بين الحق والباطل، وقال قتادة وغيره: نجاة، وقال الفرّاء فتحًا ونصرًا وهو في الآخرة يدخلكم الجنة والكفار النار، وقال ابن عطية: فرقًا بين حقّكم وباطل من ينازعكم أي بالنصر والتأييد عليهم والفرقان مصدر من فرق بين الشيئين حال بينهما، وقال الزمخشري: نصرًا لأنه يفرّق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ومنه قوله تعالى: {يوم الفرقان} أو بيانًا وظهورًا يشهد أمركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض تقول بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي طلع الفجر أو مخرجًا من الشبهات وتوفيقًا وشرحًا للصدور أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلًا ومزية في الدنيا والآخرة انتهى، ولفظ {فرقانًا} مطلق فيصلح لما يقع به فرق بين المؤمنين والكافرين في أمور الدنيا والآخرة والتقوى هنا إن كانت من اتقاء الكبائر كانت السيئات الصغائر ليتغاير الشرط والجواز وتكفيرها في الدنيا ومغفرتها إزالتها في القيامة وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار، وتقدّم تفسير والله ذو الفضل العظيم في البقرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
تكريرُ الخطابِ والوصفِ بالإيمان لإظهار كمالِ العنايةِ بما بعده والإيذانِ بأنه مما يقتضي الإيمان يقتضي الإيمانُ مراعاتَه والمحافظةَ عليه كما في الخطابين السابقين {إَن تَتَّقُواْ الله} أي في كل ما تأتون وما تذرون {يَجْعَل لَّكُمْ} بسبب ذلك {فُرْقَانًا} هدايةً في قلوبكم تفرِّقون بها بين الحقِّ والباطل أو نصرًا يفرّق بين المُحِقِ والمُبطل بإعزاز المؤمنين وإذلالِ الكافرين، أو مخرجًا من الشبهات أو نجاةً عما تحذرون في الدارين أو ظهورًا يشهَرُ أمرَكم وينشرُ صِيتَكم، من قولهم بتّ أفعلُ كذا حتى سطَع الفُرقانُ أي الصبح {وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} أي يسترها {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبَكم بالعفو والتجاوزِ عنها، وقيل: السيئاتُ الصغائرُ والذنوبُ الكبائرُ، وقيل: المرادُ ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرها الله تعالى لهم وقوله تعالى: {والله ذُو الفضل العظيم} تعليلٌ لما قبله وتنبيهٌ على أن ما وعده الله تعالى لهم على التقوى تفضّلٌ منه وإحسانٌ لا أنه مما يوجبه التقوى كما إذا وعد السيدُ عبدَه إنعامًا على عمل. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله} في كل ما تأتون وما تذرون {يَجْعَل لَّكُمْ} بسبب ذلك الاتقاء {فُرْقَانًا} أي هداية ونورًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل كما روي عن ابن جريج وابن زيد، أو نصرًا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين كما قال الفراء، أو نجاة في الدارن كما هو ظاهر كلام السدي، أو مخرجًا من الشبهات كما جاء عن مقاتل، أو ظهورًا يشهر أمركم وينشر صتكم كما يشعر به كلام محمد بن إسحاق من بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح، وكل المعان ترجع إلى الفرق بن أمرن، وجوز بعض المحققين الجمع بينهما {وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} أي يسترها في الدنيا {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بالتجاوز عنها في الأخرى فلا تكرار، وقد يقال: مفعول يغفر الذنوب وتفسر بالكبائر وتفسر السيئات بالصغائر، أو يقال: المراد ما تقدم وما تأخر لأن الآية ف أهل بدر وقد غفر لهم.
ففي الخبر لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم {والله ذُو الفضل العظيم} تعليل لما قبله وتنبيه على أن ما وعد لهم على التقوى تفضل منه سبحانه وإحسان وأنها بمعزل عن أن توجب عليه جل شأنه شيئًا، قيل: ومن عظيم فضله تعالى أنه يتفضل من غير واسطة وبدون التماس عوض ولا كذلك غيره سبحانه. اهـ.

.قال الشوكاني:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}
جعل سبحانه التقوى شرطًا في الجعل المذكور، مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريًا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضًا.
والتقوى: اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه.
والفرقان: ما يفرق به بين الحق والباطل، والمعنى: أنه يجعل لهم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس.
وقيل: الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه، ومنه قول الشاعر:
مالك من طول الأسى فرقان ** بعد قطين رحلوا وبانوا

ومنه قول الآخر:
وكيف أرجو الخلد والموت طالبي ** وما لي من كأس المنية فرقان

وقال الفراء: المراد بالفرقان الفتح والنصر.
قال ابن إسحاق: الفرقان الفصل بين الحق والباطل، وبمثله قال ابن زيد، وقال السديّ: الفرقان النجاة، ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة.
قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وبه قال مجاهد ومالك بن أنس.
{وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} أي: يسترها حتى تكون غير ظاهرة {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ما اقترفتم من الذنوب.
وقد قيل إن المراد بالسيئات: الصغائر، وبالذنوب التي تغفر: الكبائر.
وقيل المعنى: أنه يغفر لهم ما تقدّم من الذنوب وما تأخر {والله ذُو الفضل العظيم} فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} قال: هو المخرج.
وأخرج ابن جرير عنه، قال: هو: النجاة.
وأخرج ابن جرير، عن عكرمة، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: هو النصر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}
استيناف ابتدائي متصل بالآيات السابقة ابتداء من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه} [الأنفال: 20] الآية وما بعده من الآيات إلى هُنا.
وافتتح بالنداء للاهتمام، كما تقدم آنفًا.
وخوطب المؤمنون بوصف الإيمان تذكيرًا لهم بعهد الإيمان وما يقتضيه كما تقدم آنفًا في نظائِره، وعقب التحذير من العصيان والتنبيه على سوء عواقبه، بالترغيب في التقوى وبيان حسن عاقبتها وبالوعد بدوام النصر واستقامة الأحوال إن هم داموا على التقوى.
ففعل الشرط مراد به الدوام، فإنهم كانوا متقين، ولكنهم لما حُذروا من المخالفة والخيانة ناسب أن تفرض لهم الطاعة في مقابل ذلك.
ولقد بَدَا حُسنُ المناسبة إذ رُتبتتِ على المنهيات تحذيراتٌ من شرور وأضرار من قوله: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم} [الأنفال: 22] وقوله: {واتقوا فتنة} [الأنفال: 25] الآية، ورتب على التقوى: الوعد بالنصر ومغفرة الذنوب وسعة الفضل.
والفرقان أصله مصدر كالشكران والغُفران والبُتان، وهو ما يَفرِق أي يميَز بين شيئين متشابهين، وقد أطلق بالخصوص على أنواع من التفرقة فأطلق على النصر، لأنه يفرق بين حاليْن كانا محتَمَلَيْن قبلَ ظهور النصر، ولُقب القرآنُ بالفرقان؛ لأنه فَرّقَ بين الحق والباطل، قال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} [الفرقان: 1] ولعل اختياره هنا لقصد شموله ما يصلح للمقام من معانيه، فقد فُسّر بالنصر، وعن السدي، والضحاك، ومجاهد، الفرقانُ المَخْرَج، وفي أحكام ابن العربيعن ابن وهب وابن القاسم وأشهب أنهم سألوا مالكًا عن قوله تعالى: {يجعل لكم فرقانًا} قال مَخَرجًا ثم قرأ: {ومن يَتَققِ الله يَجْعَلْ له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]، وفسر بالتمييز بينهم وبين الكفار في الأحوال التي يُستحب فيها التمايز في أحوال الدنيا، فيشمل ذلك أحوالَ النفس: من الهداية، والمعرفة، والرضى، وانشراح القلب، وإزالةِ الحِقد والغل والحسد بينهم، والمكرِ والخداععِ وذميممِ الخلائق.
وقد أشعر قوله: {لكم} أن الفرقان شيء نافع لهم فالظاهر أن المراد منه كل ما فيه مخرج لهم ونجاة من التباس الأحوال وارتباك الأمور وانبهام المقاصد، فيؤول إلى استقامة أحوال الحياة، حتى يكونوا مطمئني الباللِ منشرحي الخاطر وذلك يستدعي أن يكونوا: منصورين، غالبين، بُصراء بالأمور، كَمَلة الأخلاق سائرين في طريق الحق والرشد، وذلك هو ملاك استقامة الأمم، فاختيار الفرقان هنا، لأنه اللفظ الذي لا يؤدي غيرُه مُؤداه في هذا الغرض وذلك من تمَام الفصاحة.
والتقوى تشمل التوبة، فتكفير السيئات يصح أن يكون المراد به تكفير السيئات الفارطة التي تعقبها التقوى.
ومفعول {يغفر لكم}، محذوف وهو ما يستحق الغفران وذلك هو الذنب، ويتعين أن يحمل على نوع من الذنوب.
وهو الصغائر التي عبر عنها باللمم، ويجوز العكس بأن يراد بالسيئات الصغائِر وبالمغفرة مغفرة الكبائر بالتوبة المعقبَة لها، وقيل التكفير الستر في الدنيا، والغفران عدم المؤاخذة بها في الآخرة، والحاصل أن الإجمال مقصود للحث على التقوى وتحقق فائِدتها والتعريض بالتحذير من التفريط فيها، فلا يحصل التكفير ولا المغفرة بأي احتمال.
وقوله: {والله ذو الفضل العظيم} تذييل وتكميل وهو كناية عن حصول منافع أخرى لهم من جراء التقوى. اهـ.