فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّْ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حَجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
في هذا القول وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا ذلك عنادًا للحق وبغضًا للرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنهم قالوا ذلك اعتقادًا أنه ليس بحق. وفيهم نزل قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] وفيهم نزل قوله تعالى: {رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} [ص: 16]. قال عطاء: لقد نزلت في النضر بضع عشرة آية من كتاب الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} الآية، روي عن مجاهد وابن جبير وعطاء والسدي أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث الذي تقدم ذكره، وفيه نزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وترتب أن يقول النضر بن الحارث مقالة وينسبها القرآن إلى جميعهم، لأن النضر كان فيهم موسومًا بالنبل والفهم مسكونًا إلى قوله، فكان إذا قال قولًا قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسبما يفعله الناس أبدًا بعلمائهم وفقهائهم، والمشار إليه بهذا هو القرآن وشرع محمد صلى الله عليه وسلم، والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد، وذلك أنهم استبعدوا أن يكرم الله عليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم هذه الكرامة، وعميت بصائرهم عن الهدى، وصمموا على أن هذا ليس بحق، فقالوا هذه المقالة كما يقول الإنسان لأمر قد تحقق بزعمه إنه لم يكن، إن كان كذا وكذا ففعل الله بي وصنع، وحكى ابن فورك أن هذه المقالة خرجت مخرج العناد مع علمهم بأنه حق، وكذلك ألزم بعض أهل اليمن معاوية بن أبي سفيان القصة المشهورة في باب الأجوبة، وحكاه الطبري عن محمد بن قيس ويزيد بن رومان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل، ويجوز في العربية رفع {الحق} على أنه خبر {هو} والجملة خبر {كان}، قال الزّجاج: ولا أعلم أحدًا قرأ بهذا الجائز وقراءة الناس إنما هي بنصب {الحقَّ} على أن يكون خبر {كان} ويكون هو فصلًا، فهو حينئذ اسم وفيه معنى الإعلام بان الذي بعده خبر ليس بصفة. و{أمطر} إنما يستعمل في المكروه ومطر في الرحمة كذا قال أبو عبيدة.
قال القاضي أبو محمد: ويعارض هذه قوله: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24] لأنهم ظنوها سحابة رحمة، وقولهم: {من السماء} مبالغة وإغراق وهذان النوعان اللذان اقترحوهما هما السالفان في الأمم عافانا الله وعفا عنا ولا أضلنا بمنّة ويمنه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك}
اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في النضر أيضًا، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، والسدي.
والثاني: أنها نزلت في أبي جهل، فهو القائل لهذا؛ قاله أنس بن مالك، وهو مخرج في الصحيحين.
والثالث: أنها نزلت في قريش، قالوا: هذا، ثم ندموا فقالوا غفرانك اللهم، فأنزل الله: {وما كان اللهُ معذِّبهم وهم يستغفرون}، رواه أبو معشر عن يزيد ابن رومان، ومحمد بن قيس.
وفي المشار إليه بقوله: {إن كان هذا} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن.
والثاني: كل ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوحيد وغيره.
والثالث: أنه إكرام محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من بين قريش. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)}
القراء على نصب {الحَقّ} على خبر {كان}.
ودخلت {هو} للفصل.
ويجوز {هو الحق} بالرفع.
{مِنْ عِندِكَ} قال الزجاج: ولا أعلم أحدًا قرأ بها، ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سنة، لا يقرأ فيها إلا بقراءة مرضية.
واختلف فيمن قال هذه المقالة؛ فقال مجاهد وابن جُبير: قائل هذا هو النضر بن الحارث.
أنس بن مالك: قائله أبو جهل؛ رواه البخاريّ ومسلم.
ثم يجوز أن يقال: قالوه لشبهة كانت في صدورهم، أو على وجه العناد والإبهام على الناس أنهم على بصيرة، ثم حلّ بهم يوم بدر ما سألوا.
حُكي أن ابن عباس لقِيَه رجل من اليهود؛ فقال اليهوديّ: ممن أنت؟ قال: من قريش.
فقال: أنت من القوم الذين قالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} الآية.
فهلاّ عليهم أن يقولوا: إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فاهدنا له! إنّ هؤلاء قوم يجهلون.
قال ابن عباس: وأنت يا إسرائيليّ، من القوم الذين لم تَجِفّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه، وأنجى موسى وقومه؛ حتى قالوا: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] فقال لهم موسى: {إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فأطرق اليهوديّ مفحمًا.
{فَأَمْطِرْ} أمطر في العذاب.
ومطر في الرحمة؛ عن أبي عبيدة. وقد تقدّم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}
نزلت في النضر بن الحرث أيضًا.
قال ابن عباس: لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية، قال النضر بن الحرث: لو شئت لقلت مثل هذا فقال له عثمان بن مظعون: اتق الله فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول الحق قال وأنا أقول الحق.
قال: فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول لا إله إلا الله.
قال: وأنا أقول لا إله إلا الله.
ولكن هذه بنات الله، يعني الأصنام، ثم قال: اللهم إن كان هذا هو الحق يعني القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: يعني إن كان الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم من أمر التوحيد وادعاء النبوة وغير ذلك هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء يعني كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم: يعني مثل ما عذبت به الأمم الماضية، في النضر بن الحرث نزل سأل سائل بعذاب واقع.
قال عطاء: لقد نزل في النضر بن الحرث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قال سعيد بن جبير: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وروى أنس بن مالك أن الذي قال ذلك أبو جهل.
(ق) عن أنس قال: قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية فلما أخرجوه نزلت وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدونهم عن المسجد الحرام. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذ قالوا اللهّم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} قائل ذلك النضر، وقيل أبو جهل رواه البخاريّ ومسلم، وقال الجمهور: قائل ذلك كفار قريش والإشارة في قوله إن كان هذا إلى القرآن أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد وغيره أو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر قريش أقوال وتقدّم الكلام على اللهم، وقرأ الجمهور هو الحقّ بالنصب جعلوا هو فصلًا، وقرأ الأعمش وزيد بن عليّ بالرفع وهي جائزة في العربية فالجملة خبر كان وهي لغة تميم يرفعون بعد هو التي هي فصل في لغة غيرهم كما قال:
وكنت عليها بالملا أنت أقدر

وتقدّم الكلام على الفصل وفائدته في أول البقرة، وقال ابن عطية ويجوز في العربيّة رفع الحقّ على أنه خبر والجملة خبر {كان}.
قال الزجاج ولا أعلم أحدًا قرأ بهذا الجائز، وقراءة الناس إنما هي بنصب {الحق} انتهى، وقد ذكر من قرأ بالرفع وهذه الجملة الشرطيّة فيها مبالغة في إنكار الحق عظيمة أي إن كان حقًّا فعاقبنا على إنكاره بأمطار الحجارة علينا أم بعذاب آخر، قال الزمخشري ومراده نفي كونه حقًّا فإذا انتفى كونه حقًّا لم يستوجب منكره عذابًا فكان تعليق العذاب بكونه حقًا مع اعتقاد أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قوله إن كان الباطل حقًّا مع اعتقاده أنه ليس بحق وقوله: {هو الحق} تهكّم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين هذا هو الحق ويقال أمطرت كأنجمت وأسبلت ومطرت كهتفت وكثر الأمطار في معنى العذاب، (فإن قلت): فما فائدة قوله: {من السماء} والأمطار لا تكون إلا منها، (قلت): كأنه أراد أن يقال فأمطر علينا السجّيل وهي الحجارة المسوّمة للعذاب موضع حجارة من السماء موضع السجّيل، كما يقال صبّ عليه مسرودة من حديد يريد درعًا انتهى، ومعنى جوابه أن قوله: {من السماء} جاء على سبيل التأكيد كما أن قوله من حديد معناه التأكيد لأنّ المسرودة لا تكون إلا من حديد كما أنّ الأمطار لا تكون إلا من السماء.
وقال ابن عطية: وقولهم: {من السماء} مبالغة وإغراق انتهى.
والذي يظهر لي أن حكمة قولهم: {من السماء} هي مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر صلى الله عليه وسلم أنه يأتيه الوحي من جهتها أي إنك تذكر أنه يأتيك الوحي من السماء فأتنا بعذاب من الجهة التي يأتيك منها الوحي إذ كان يحسن أن يعبّر عن إرسال الحجارة عليهم من غير جهة السماء بقولهم: {فأمطر علينا حجارة}، وقالوا ذلك على سبيل الاستبعاد والاعتقاد أن ما أتي به ليس بحق، وقيل على سبيل الحسد والعناد مع علمهم أنه حق واستبعد هذا الثاني ابن فورك قال: ولا يقول هذا على وجه العناد عاقل انتهى، وكأنه لم يقرأ {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} وقصّة أمية بن أبي الصلت وأحبار اليهود الذين قال الله تعالى فيهم: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهم: «والله إنكم لتعلمون أني رسول الله» أو كلام يقاربه واقتراحهم هذين النوعين هو على ما جرى عليه اقتراح الأمم السالفة، وسأل يهودي ابن عباس ممن أنت قال من قريش فقال أنت من الذين قالوا {إن كان هذا هو الحق من عندك} الآية، فهلا قالوا فاهدنا إليه، فقال ابن عباس فأنت يا إسرائيلي من الذين لم تجفَّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه ونجا موسى وقومه حتى قالوا اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة فقال له موسى {إنكم قوم تجهلون} فأطرق اليهودي مفحمًا، وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة فقال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الحقّ إن كان هذا هو الحق الآية، ولم يقولوا: فاهدنا له. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هذا أيضًا من أباطيل ذلك اللعين. روي أنه لما قال: إنْ هذا إلا أساطيرُ الأولين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلَك إنه كلامُ الله تعالى» فقال ذلك والمعنى أن القرآن إن كان حقًا منزلًا من عندك فأمطِرْ علينا الحجارةَ عقوبةً على إنكارنا أو ائتنا بعذاب أليم سواه، والمرادُ منه التهكمُ وإظهارُ اليقينِ والجزمِ التامِّ على أنه ليس كذلك وحاشاه، وقرئ الحقُّ بالرفع على أن هو مبتدأٌ لا فصلٌ، وفائدةُ التعريفِ فيه الدِلالةُ على أن المعلق به كونُه حقًا على الوجه الذي يدّعيه صلى الله عليه وسلم وهو تنزيلُه لا الحقُّ مطلقًا لتجويزهم أن يكون مطابقًا للواقع غيرَ منزلٍ كالأساطير. اهـ.