فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38)}
وأخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال لما جعل الله الإِسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك. فبسط يمينه فقبضت يدي. قال: مالك...؟! قلت: أردت أن اشترط. قال: قال: تشترط قلت: ان يغفر لي. قال: أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: لا يؤخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم، وذلك أن الله تعالى يقول: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقد مضت سنة الأوّلين} قال: في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{قُل لِلَّذِينَ كفروا}.
وفي هذه اللاَّم الوجهان المشهوران:
الأول: أنَّها للتبليغ، أمر أن يُبلِّعَهُم معنى هذه الجملة المحكيةِ بالقول، وسواء اوردها بهذا اللفظ أم بلفظٍ آخرَ مؤدٍّ لمعناها.
والثاني: أنها للتعليل، وبه قال الزمخشريُّ.
ومنع أن تكون للتبليغ، فقال: أي قل لأجلهم هذا القول: {إن ينتَهُوا} ن ولو كان بمعنى خاطبهم به، لقيل: إن تَنْتَهُوا يغفر لكم وهي قراءةُ ابن مسعود، ونحو: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا} [الأحقاف: 11] خاطبوا به غيرهم لِيسمْعَوهُ وقرئ {يَغْفره} مبنيًا للفاعل، وهو ضمير يعود على الله تعالى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38)}
إنْ كبحوا لجام التمرد، وأقلعوا عن الركض في ميدان العناد والتَّجَبُّر أَزَلْنا عنهم صَغَارَ الهوان، وأَوْجَبْنا لهم رَوْحَ الأمان.
ويقال إن حلُّوا نطاق العناد أطلقنا عنهم عقال البعاد.
ويقال إن أبصروا قُبْحَ فِعالهم جُدْنا عليهم بإصلاح أحوالهم.
ويقال إنْ جنحوا للاعتذار ألقينا عليهم حالة الاغتفار.
ويقال إن عادوا إلى التَّنّصُّل أبحنا لهم حُسْنَ التَّفَضُّل:
أناسٌ أعرضوا عنّا ** بلا جُرْمٍ ولا معنى

أساءوا ظَنَّهم فينا ** فهلاَّ أحسنوا الظنَّا

فإن كانوا لنا كُنَّا ** وإنْ عادوا لنا عُدْنا

وإن كانوا قد اسْتَغْنَوْا ** فإنَّا عنهمُ أغنى

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (39):

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أشار ختم الآية قتالهم إن أصروا، وكان التقدير: فأقدموا عليهم حيثما عادوكم إقدام الليوث الجريئة غير هائبين كثرتهم ولا قوتهم فإن الله خاذلهم، عطف عليه قوله مصرحًا بالمقصود: {وقاتلوهم} أي دائمًا {حتى لا تكون فتنة} أي سبب يوجب ميلًا عن الدين أصلًا {ويكون الدين}.
ولما كانت هذه الوقعة قد سرت كتائب هيبتها في القلوب فوجبت أيما وجبت، فضاقت وضعفت صدور الكافرين، وانشرحت وقويت قلوب المؤمنين؛ اقتضى هذا السياق التأكيد فقال: {كله لله} أي الملك الأعظم خالصًا غير مشوب بنوع خوف أو إغضاء على قذى، وأصل الفتن: الخلطة المحيلة، ويلزم ذلك أن يكون السبب عظيمًا لأن الشيء لا يحول عن حاله إلا لأمرعظيم لأن مخالفة المألوف عسرة، ومنه النتف، وكذا نفت القدر، وهو أن يغلي المرق فيلزق بجوانبها، والتنوفة: القفر، لأنه موضع ذلك، ويلزمه الإخلاص، من فتنت الذهب- إذا أذبته فتميز جيده من رديئه، وتارة يكون الميل إلى جهة الرديء وهو الأغلب، وتارة إلى الجيد، ومنه: {وفتناك فتونًا} [طه: 40].
ولما كان لهم حال اللقاء حالان: إسلام وإقبال، وكفر وإعراض وإخلال، قال مبينًا لحكم القسمين: {فإن انتهوا} أي عن قتالكم بالمواجهة بالإسلام فاقبلوا منهم وانتهوا عن مسهم بسوء ولا تقولوا: أنتم متعوذون بذلك غير مخلصين، تمسكًا بالتأكيد بكله، فأنه ليس عليكم إلا ردهم عن المخالفة الظاهرة، وأما الباطن فإلى الله: {فإن الله} أي المحيط علمًا وقدرة، وقدم المجرور اهتمامًا به إفهامًا لأن العلم به كالمختص به فقال: {بما يعملون} أي وإن دقَّ {بصير} فيجاريهم عليه، وأما أنتم فلستم عالمين بالظاهر والباطن معًا فعليكم قبول الظاهر، والله بما تعملون أنتم أيضًا- من كف عنهم وقتل لله أو لحظّ نفس- بصير، فيجازيكم على حقائق الأمور وبواطنها وإن أظهرتم للناس ما يقيم عذركم، ويكمل لكل منكم أجر ما كان عزم على مباشرته من قتالهم لو لم ينتهوا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين أن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن كفرهم حصل لهم الغفران، وإن عادوا فهم متوعدون بسنة الأولين، أتبعه بأن أمر بقتالهم إذا أصروا فقال: {وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال عروة بن الزبير: كان المؤمنون في مبدأ الدعوة يفتنون عن دين الله، فافتتن من المسلمين بعضهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة، وفتنة ثانية وهو أنه لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، توامرت قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكة عن دينهم، فأصاب المؤمنين جهد شديد، فهذا هو المراد من الفتنة، فأمر الله تعالى بقتالهم حتى تزول هذه الفتنة.
وفيه وجه آخر، وهو أن مبالغة الناس في حبهم أديانهم أشد من مبالغتهم في حبهم أرواحهم، فالكافر أبدًا يسعى بأعظم وجوه السعي في إيذاء المؤمنين وفي إلقاء الشبهات في قلوبهم وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقة، وإذا وقعت المقاتلة زال الكفر والمشقة، وخلص الإسلام وزالت تلك الفتن بالكلية.
قال القاضي: إنه تعالى أمر بقتالهم ثم بين العلة التي بها أوجب قتالهم، فقال: {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ويخلص الدين الذي هو دين الله من سائر الأديان، وإنما يحصل هذا المقصود إذا زال الكفر بالكلية.
إذا عرفت هذا فنقول: إما أن يكون المراد من الآية: {وقاتلوهم} لأجل أن يحصل هذا المعنى أو يكون المراد {وقاتلوهم} لغرض أن يحصل هذا المعنى فإن كان المراد من الآية هو الأول وجب أن يحصل هذا المعنى من القتال فوجب أن يكون المراد {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} في أرض مكة وما حواليها، لأن المقصود حصل هنا، قال عليه السلام: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ولا يمكن حمله على جميع البلاد، إذ لوكان ذلك مرادًا لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الذي أمر الله به، وأما إذا كان المراد من الآية هو الثاني، وهو قوله: {قاتلوهم} لغرض أن يكون الدين كله لله، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم لأنه ليس كل ما كان غرضًا للإنسان، فإنه يحصل، فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل.
ثم قال: {فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} والمعنى {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر وسائر المعاصي بالتوبة والإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْلَمُونَ بَصِيرٌ}.
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ كُفْرٌ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يُفْتَنَ أَحَدٌ عَنْ دِينِهِ.
وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَهَذِهِ الْغَايَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِنُزُولِ عِيسَى.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا.
قَالَ: فَبَادَرَنَا إلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْنَا عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ ثَكِلَتْك أُمُّك، إنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ بِقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم حثَّ المؤمنين على قتال الكفار فقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}، يعني لا يكون الشرك بمكة، ويقال: حتى لا يتخذوا شركاء ويوحدوا ربهم، {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ}؛ يعني يظهر دين الإسلام ولا يكون دين غير دين الإسلام.
{فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الشرك وعن عبادة الأوثان وقتال المسلمين، {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}؛ فينبئهم بأعمالهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي شرك، وقال أبو العالية: بلاء، وقال الربيع: حتّى لا يفتن مؤمن عن دينه {وَيَكُونَ الدِّينُ} التوحيد خالصًا {كُلُّهُ لله} عزّ وجلّ ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد.
وقال قتادة: حتّى يقال: لا إله إلاّ الله، عليها قاتل نبي الله وإليها دعا.
وقيل: حتّى تكون الطاعة والعبادة لله خالصة دون غيره {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر والقتال {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} الآية.
أمر من الله عز وجل فرض به على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار، والفتنة قال ابن عباس وغيره معناها الشرك، وقال ابن إسحاق: معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كما كانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم كبلال وغيره، وهو مقتضى قول عروة بن الزبير في جوابه لعبد الملك بن مروان حين سأله عن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرًا، وقوله: {ويكون الدين كله لله} أي لا يشرك معه صنم ولا وثن ولا يعبد غيره، وقال قتادة حتى تستوسق كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذه المعاني تتلازم كلها، وقال الحسن: حتى لا يكون بلاء، وهذا يلزم عليه القتال في فتن المسلمين الفئة الباغية، على سائر ما ذكرناه من الأقوال يكون المعتزل في فسحة، وعلى هذا جاء قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه أما نحن فقد قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وأما أنت وأصحابك فتزيدون أن نقاتل حتى تكون فتنة.
قال القاضي أبو محمد: فمذهب عمر أن الفتنة الشرك في هذه الآية وهو الظاهر، وفسر هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، ومن قال المعنى حتى لا يكون شرك فالآية عنده يريد بها الخصوص فيمن لا يقبل منه جزية، قال ابن سلام: وهي في مشركي العرب، ثم قال الله تعالى: {فإن انتهوا} أي عن الكفر فإن الله بصير بعملهم مجاز عليه، عنده ثوابه وجميل المعاوضة عليه وقرأ يعقوب بن إسحاق وسلام بن سليمان {بما تعملون} بالتاء أي في قتالكم وجدكم وجلادكم عن دينه. اهـ.