فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} يعني أبوا وأعرضوا عن الإيمان، يا معشر المسلمين، {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ}؛ يعني حافظكم وناصركم.
ثم قال: {نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير}، يعني الحفيظ والمانع. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإن تولوا} الآية، معادل لقوله: {فإن انتهوا}، والمعنى انتهوا عن الكفر فالله مجازيهم أو مجازيكم على قراءة {تعملون}، وإن تولوا ولم ينتهوا فاعلموا أن الله ينصركم عليهم، وهذا وعد محض بالنصر والظفر، أي فجدوا، و{المولى} هاهنا الموالي والمعين، والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها، والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإن تولَّوا} أي: أعرضوا عن الإيمان وعادوا إلى القتال {فاعلموا أن الله مولاكم} أي: وليكم وناصركم.
قال ابن قتيبة: {نعم المولى} أي: نعم الولي {ونعم النصير} أي: الناصر، مثل قدير وقادر، وسميع وسامع. اهـ.

.قال الخازن:

{وإن تولوا} يعني وإن أعرضوا عن الإيمان وأصروا على الكفر وعادوا إلى قتال المؤمنين وإيذائهم {فاعلموا} يعني أيها المؤمنون {أن الله مولاكم} يعني أن الله وليكم وناصركم عليها وحافظكم {نعم المولى ونعم النصير} يعني أن الله سبحانه وتعالى هو نعم المولى فمن كان في حفظه ونصره وكفايته وكلاءته فهو له نعم المولى ونعم النصير. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإن تولّوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير}.
أي مواليكم ومعينكم وهذا وعد صريح بالظّفر والنصر والأعرق في الفصاحة أن يكون {مولاكم} خبر {أنّ} ويجوز أن يكون عطف بيان والجملة بعده خبر أنّ والمخصوص بالمدح محذوف أي الله أو هو والمعنى فثقوا بموالاته ونصرته واستدلّ بقوله: {وقاتلوهم} على وجوب قتال أصناف أهل الكفر إلا ما خصّه الدليل وهم أهل الكتاب والمجوس فإنهم يقرّون بالجزية وإنه لا يقرّ سائر الكفار على دينهم بالذّمة إلا هؤلاء الثلاثة لقيام الدليل على واز إقرارها بالجزية. اهـ.

.قال ابن كثير:

قوله: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} أي: وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم، {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ} سيدكم وناصركم على أعدائكم، فنعم المولى ونعم النصير.
وقال محمد بن جرير: حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا أبان العطار، حدثنا هشام بن عروة، عن عُرْوَة: أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء، فكتب إليه عروة: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، أن الله أعطاه النبوة، فَنِعْم النَّبِيُّ، ونعم السيد، ونعم العشيرة، فجزاه الله خيرًا، وعرّفنا وجهه في الجنة، وأحيانا على ملته، وأماتنا عليها، وبعثنا عليه وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه، وكادوا يسمعون منه، حتى ذكر طواغيتهم، وقدم ناس من الطائف من قريش، لهم أموال، أنكر ذلك عليه الناس واشتدوا عليه وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رءوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم، وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال، فافتُتِن من افتتن، وعصم الله من شاء منهم، فلما فُعِل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة.
وكان بالحبشة ملك صالح يقال له: النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يُثْنَى عليه مع ذلك، وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش، يتجرون فيها، وكانت مَسْكَنًا لتجارهم، يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا، فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن. ومكث هو فلم يبرح. فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم. فلما رأوا ذلك. استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل أرض الحبشة مخافتها، وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال، فلما استرخى عنهم ودخل في الإسلام من دخل منهم، تحدث باسترخائهم عنهم، فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه: قد استرخي عمن كان منهم بمكة، وأنهم لا يفتنون، فرجعوا إلى مكة، وكادوا يأمنون بها، وجعلوا يزدادون ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الإسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما رأت قريش ذلك، تآمرت على أن يفتنوهم ويشتدوا، فأخذوهم، فحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد، فكانت الفتنة الأخيرة، فكانت فتنتان: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها، وأذن لهم في الخروج إليها- وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبًا، رءوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا، وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فاشتدت عليهم قريش عند ذلك، فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخرج هو، وهي التي أنزل الله، عز وجل، فيها: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
ثم رواه عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير: أنه كتب إلى الوليد- يعني ابن عبد الملك بن مروان- بهذا، فذكر مثله وهذا صحيح إلى عروة، رحمه الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِن تَوَلَّوْاْ} ولم ينتهوا عن ذلك {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} ناصرُكم فثِقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم {نِعْمَ المولى} لا يَضيعُ مَنْ تولاه {وَنِعْمَ النصير} لا يُغلب مَنْ نصره. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
{وَإِن تَوَلَّوْا} ولم ينتهوا عن كفرهم {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} أي ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم {نِعْمَ المولى} لا يضيع من تولاه {وَنِعْمَ النصير} لا يغلب من نصره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ}
التولي: الإعراض وقد تقدم عند قوله تعالى: {فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} في [سورة العقود: 92].
والمَوْلى الذي يتولى أمر غيره ويدفع عنه وفيه معنى النصر.
والمعنى وإن تولوا عن هاته الدعوة فالله مغن لكم عن وَلائهم، أي لا يضركم توليهم فقوله: {أن الله مولاكم} يؤذن بجواب محذوف تقديره: فلا تخافوا تَوليهم فإن الله مولاكم وهو يقدر لكم ما فيه نفعكم حتى لا تكون فتنة.
وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة الكذاب ولئن توليتَ ليعْفِرنك الله وإنما الخسارة عليهم إذْ حُرِموا السلامة والكرامة.
وافتتاح جملة جواب الشرط بـ {اعلموا} لقصد الاهتمام بهذا الخبر وتحقيقه، أي لا تغفلوا عن ذلك، كما مر آنفًا عند قوله تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24].
وجملة: {نعم المولى ونعم النصير} مستأنفة لأنها إنشاء ثناء على الله فكانت بمنزلة التذييل.
وعطف على {نعم المولى} قوله: {ونعم النصير} لما في المولى من معنى النصر كما تقدم وقد تقدم بيان عطف قوله تعالى: {ونعم الوكيل} على قوله: {حسبنا الله} [سورة آل عمران: 173]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
والله سبحانه وتعالى يرغب الناس حتى يؤمنوا، ولكنه في ذات الوقت يبين لهم أن كثرة عدد المؤمنين ليست هي التي تعلي راية الإسلام وتصنع النصر للإيمان، فيقول سبحانه: {وَإِن تَوَلَّوْاْ}.
وهنا شبهة في أن الله تعالى يحنن هؤلاء على أن يؤمنوا، وأن يسلموا، وأن يعودوا إلى حظيرة الحق، وربما ظن ظان أن الإسلام يريد أن يقوى بهم، ولذلك قال الحق: {وَإِن تَوَلَّوْاْ} أي إياكم أن يفت ذلك في عضدكم، أو أن يقلل هذا الأمر من همتكم وشجاعتكم؛ لأنكم إنما تنتصرون بمدد من الله العلي القدير، فهم إن لم يؤمنوا، فاعلموا أن الإسلام لا ينتصر بهم، وانتشاره ليس بكثرة المسلمين أو قلتهم؛ لأن النصر من عند الله، وسبحانه ليس محتاجًا لخلقه، وكثرة جنود الإسلام لا تصنع النصر؛ لأن نصر الله للمسلمين إن اتبعوا منهجه يتحقق سواء قلوا أم كثروا. ولذلك يلفت نظرهم وينبههم إلى أنه إن تولى هؤلاء ولم يؤمنوا، فإياكم أن يؤثر ذلك على شجاعتكم؛ لأنكم لا تنتصرون بمدد من هؤلاء الذين رفضوا الإيمان، ولكن بمدد من الله سبحانه وتعالى، فالله هو مولاكم. وإذا كان الله مولى لكم أي ناصرًا ومؤيدًا فهو سبحانه وتعالى: {نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} [الأنفال: 40].
لماذا؟ لأن المولى إذا كان غير الله فهو من الأغيار، قد يكون اليوم قويًّا قادرًا على أن يأخذ بيدنا وينصرنا، ولكنه قد يموت غدًا؛ لذلك فهو لا يصلح مولى. وقد يسقط عنه سلطانه وقوته ويصبح ضعيفًا محتاجًا لمن ينصره فلا ينفع وليا ولا معينًا لأحد. والمولى الحق الذي يجب أن نتمسك به هو الذي لا تصيبه الأغيار لأنه دائم الوجود لا ينتهي بالموت وهو دائم القوة والقدرة لا يضعف أبدًا، هذا هو المولى الذي تضع فيه ثقتك وتتوكل عليه. ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا أننا يجب ألا نضع ثقتنا وأملنا إلا فيه وتوكلنا إلا عليه سبحانه وتعالى فيقول: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
أي إذا أردت فعلًا أن تتوكل، فتوكل على من هو موجود دائما قوي دائمًا، فتوكل على الله. وقوله تعالى: {نِعْمَ المولى} يؤكد أن الله قوي قادر دائم الوجود، وقوله تعالى: {وَنِعْمَ النصير}.
يؤكد أنه سبحانه وتعالى محيط بكل ما يدبره لك أعداؤك، فلا يغيب عنه شيء. أنت تحاربهم بما تعرفه من الحيل وفنون القتال وهم يفعلون ذلك. ولكن الله سبحانه وتعالى يعلم حيلهم فيبطلها، ويحقق لكم النصر بأن يلهمكم من الحيل ما لا يستطيعون مواجهته.، يعطيكم مددا من السماء وهذا المدد هو الذي يحقق لكم النصر. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأنفال الآيات 20- 23]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}
{وَلا تَوَلَّوْا} قرئ بطرح إحدى التاءين وإدغامها، والضمير في {عَنْهُ} لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنّ المعنى: وأطيعوا رسول اللّه كقوله: {اللّه ورسوله أحق أن يرضوه}، ولأنّ طاعة الرسول وطاعة اللّه شيء واحد {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ} فكأن رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما، كقولك: الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان. ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة، أى: ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه. أو ولا تتولوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا تخالفوه {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا} أي ادّعوا السماع {وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} لأنهم ليسوا بمصدّقين فكأنهم غير سامعين. والمعنى: أنكم تصدّقون بالقرآن والنبوّة، فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها، كان تصديقكم كلا تصديق، وأشبه سماعكم سماع من لا يؤمن. ثم قال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ} أي إنّ شر من يدب على وجه الأرض. أو إنّ شرّ البهائم الذين هم صمّ عن الحق لا يعقلونه، جعلهم من جنس البهائم، ثم جعلهم شرّها {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ} في هؤلاء الصم البكم {خَيْرًا} أي انتفاعا باللطف {لَأَسْمَعَهُمْ} للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين، ثم قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا عنه}.
يعنى: ولو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف، فلذلك منعهم ألطافه. أو ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا، وقيل: هم بنو عبد الدار بن قصى لم يسلم منهم إلا رجلان: مصعب بن عمير، وسويد بن حرملة: كانوا يقولون: نحن صم بُكم عُمى عما جاء به محمد، لا نسمعه ولا نجيبه، فقتلوا جميعا بأحد، وكانوا أصحاب اللواء. وعن ابن جريج: هم المنافقون.
وعن الحسن: أهل الكتاب.