فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (41):

قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان التقدير: فإذا أعانكم مولاكم عليهم وغلبتموهم وغنمتم فيه فلا تنسبوا إلى أنفسكم فعلًا، بل اعلموا أنه هو الفاعل وحده لأن جميع الأفعال متلاشية بالنسبة إلى فعله فلا تتنازعوا في المغنم تنازع من أخذه بقوته وحازه بقدرته، عطف عليه قوله: {واعلموا} ابتداء بهذا الأمر إشارة إلى أن ما بعدها من المهمات ليبذلوا الجهد في تفريغ أذهانهم لوعيه وتنزيله منازله ورعيه {أنَّما} أي الذي {غنمتم} الغنيمة لغة: الفوز بالشيء، وشرعًا ما دخل في أيدي الملسمين من مال الكفار قهرًا بالخيل والركاب، وزاد في التعميم حتى لأقل ما يمكن بقوله: {من شيء} أي حتى الخيط والمخيط فإنه كله له، لأنه الناصر وحده وإنما أنتم آلة لا قدرة لكم على مقاومة الأعداء لأنهم جميع أهل الأرض ولا نسبة لكم منهم في عدد ولا قوة أصلًا، فالجاري على منهاج العدل المتعارف عندكم أن يأخذه كله ولا يمكنكم من شيء منه كما كان فيمن قبلكم، يعزل فتنزل نار من السماء فتأكله، ولكنه سبحانه- علم ضعفكم فمنّ عليكم به ورضي منكم منه بالخمس فسماه لنفسه ورده عليكم، وهو معنى قوله: {فأن لله} أي الذي له كل شيء {خمسه}.
ولما كان من المعلوم أن الله تعالى أجلّ من أن يناله نفع أو ضر، كان من المعلوم أن ذكر اسمه سبحانه إنما هو للإعلام بأن إسلام هذا الخمس والتخلي عنه لا حظ للنفس فيه، وإنما هو لمحض الدين تقربًا إليه سبحانه، فذكر مصرفه بقوله: {وللرسول} أي يصرف إليه خمس هذا الخمس ما دام حيًا ليصرفه في مصالح المسلمين، ويصرف بعده إلى القائم مقامه، يفعل فيه ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله {ولذي القربى} أي من الرسول، وهم الآل الذين تحرم عليهم الزكاة: بنو هاشم وبنو المطلب {واليتامى} أي لضعفهم {والمساكين} لعجزهم {وابن السبيل} أي المسافر لأن الأسفار مظنات الافتقار، فالحاصل أنه سبحانه لم يرزأكم من المغنم شيئًا، فاعرفوا فضله عليكم أولًا بالإنعام بالنصر، وثانيًا بحل المغنم، وثالثًا بالإمكان من الأربعة الأخماس، ورابعًا برد الخمس الخامس فيكم، فاشتعلوا بشكره فضلًا عن أن تغفلوا عن ذلك فضلًا عن أن تتوهموا أن بكم فعلًا تستحقون به شيئًا فضلًا عن أن تفعلوا من المنازعة في المغنم فعل القاطع بالاستحقاق، اعلموا ذلك كله علم المصدق المؤمن المذعن لما علم لتنشأ عنه ثمرة العمل {إن كنتم} صادقين في أنكم {آمنتم بالله} أي الذي لا أمر لأحد معه {وما} أي وبالذي {أنزلنا} أي إنزالًا واحدًا سريعًا لأجل التفريج عنكم من القرآن والجنود والسكينة في قلوبكم وغير ذلك مما تقدم وصفه {على عبدنا} أي الذي يرى دائمًا أن الأفعال كلها لنا فلا ينسب لنفسه شيئًا إلا بنا {يوم الفرقان} أي يوم بدر الذي جعلنا لكم فيه عزًا ينفذ به أقوالكم وأفعالكم في فصل الأمور.
ولما وصفه سبحانه بالفرقان تذكيرًا لهم بالنعمة، بينه بما صور حالهم إتمامًا لذلك- أو أبدل منه- فقال: {يوم التقى} أي عن غير قصد من الفريقين بل بمحض تدبير الله: {الجمعان} أي اللذان أحدهما أنتم وكنتم حين الترائي- لولا فضلنا- قاطعين بالموت، وثانيهما أعداؤكم وكانوا على اليقين بأنكم في قبضتهم، وذلك هو الجاري على مناهج العوائد، ولو قيل: يوم بدر، لم يفد هذه الفوائد.
ولما كان انعكاس الأمر في النصر محل عجب، ختم الآية بقوله: {والله على كل شيء} أي من نصر القليل على الكثير وعكسه وغير ذلك من جميع الأمور {قدير} فكان ختمها بذلك كاشفًا للسر ومزيلًا للعجب ومبينًا أن ما فعل هو الجاري على سنن سنته المطرد في قديم عادته عند من يعلم أيامه الماضية في جميع الأعصر الخالية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما أمر بالمقاتلة في قوله: {وقاتلوهم} وكان من المعلوم أن عند المقاتلة قد تحصل الغنيمة، لا جرم ذكر الله تعالى حكم الغنيمة.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{بالعدوة} بكسر العين في الحرفين: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. الباقون: بالضم.
{من حيي} بياءين: أبو جعفر ونافع وخلف وسهل ويعقوب والبزي ونصير وأبو بكر وحماد. الباقون: بالإدغام {ولا تنازعوا} بالإدغام: البزي وابن فليح {وتذهب} بالجزم للجزاء عن هبيرة {وإذ زين} وبابه مدغمًا: أبو عمرو وعلي وحمزة في رواية خلاد ابن سعدان وهشام {إني أرى}، {إني أخاف} بفتح الياء فيهما: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو.
{تراءت الفئتان} بالإمالة: نصير.

.الوقوف:

{وابن السبيل} ط لتعلق حرف الشرط بمحذوف يدل عليه ما قبلها تقديره: واعلموا واعتقدوا هذه الأقسام إن كنتم.
{الجمعان} ط {قدير} o {أسفل منكم} ط {في الميعاد} لا لعطف لكن {مفعولا} لا لتعلق اللام {من حيَّ عن بينة} ط {عليم} لا لتعلق إذ {قليلًا} ط {منكم} ط {الصدور} o {مفعولا} ط {الأمور} o {تفلحون} o ج للآية وللعطف {واصبروا} ط {الصابرين} o ج لما ذكر {عن سبيل الله} ط {محيط} o {جار لكم} ط {أخاف الله} ط {العقاب} o {دينهم} ط {حكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في معنى الغنم والغنيمة]:

الغنم: الفوز بالشيء، يقال: غنم يغنم غنمًا فهو غانم، والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب.

.المسألة الثانية: [في إعراب قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}]:

قال صاحب الكشاف: {مَا} في قوله: {مَا غَنِمْتُم مّن شيء} موصولة وقوله: {مِن شيء} يعني أي شيء كان حتى الخيط والمخيط {فَأَنَّ للَّهِ} خبر مبتدأ محذوف تقديره: فحق أو فواجب أن لله خمسه، وروى النخعي عن ابن عمر {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} بالكسر، وتقديره: على قراءة النخعي فلله خمسه والمشهور آكد وأثبت للإيجاب، كأنه قيل: فلابد من إثبات الخمس فيه، ولا سبيل إلى الإخلال به، وذلك لأنه إذا حذف الخبر واحتمل وجوهًا كثيرة من المقدرات كقولك ثابت: واجب، حق، لازم، كان أقوى لإيجابه من النص على واحد، وقرئ {خُمُسَهُ} بالسكون.

.المسألة الثالثة: في كيفية قسمة الغنائم:

اعلم أن هذه الآية تقتضي أن يؤخذ خمسها، وفي كيفية قسمة ذلك الخمس قولان:
القول الأول: وهو المشهور أن ذلك الخمس يخمس، فسهم لرسول الله، وسهم لذوي قرباه من بني هاشم وبني المطلب، دون بني عبد شمس وبني نوفل، لما روي عن عثمان وجبير بن مطعم أنهما قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لكونك منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال عليه السلام: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه» وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل، وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعند الشافعي رحمه الله: أنه يقسم على خمسة أسهم، سهم لرسول الله، يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، كعدة الغزاة من الكراع والسلاح، وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي للفرق الثلاثة وهم: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام سهمه ساقط بسبب موته، وكذلك سهم ذوي القربى، وإنما يعطون لفقرهم، فهو أسوة سائر الفقراء، ولا يعطى أغنياؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال مالك: الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام إن رأى قسمته على هؤلاء فعل، وإن رأى إعطاء بعضهم دون بعض، فله ذلك.
واعلم أن ظاهر الآية مطابق لقول الشافعي رحمه الله وصريح فيه، فلا يجوز العدول عنه إلا لدليل منفصل أقوى منها، وكيف وقد قال في آخر الآية: {وَقَالَ موسى يا قوم إِن} يعني: إن كنتم آمنتم بالله فاحكموا بهذه القسمة، وهو يدل على أنه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة، لم يحصل الإيمان بالله.
والقول الثاني: وهو قول أبي العالية: إن خمس الغنيمة يقسم على ستة أقسام، فواحد منها لله، وواحد لرسول الله، والثالث لذوي القربى، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل قالوا: والدليل عليه أنه تعالى جعل خمس الغنيمة لله، ثم للطوائف الخمسة، ثم القائلون بهذا القول منهم من قال: يصرف سهم الله إلى الرسول، ومنهم من قال: يصرف إلى عمارة الكعبة.
وقال بعضهم: إنه عليه السلام كان يضرب يده في هذا الخمس، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، وهو الذي سمى لله تعالى.
والقائلون بالقول الأول أجابوا عنه: بأن قوله: {لِلَّهِ} ليس المقصود منه أثبات نصيب لله.
فإن الأشياء كلها ملك لله، وملكه وإنما المقصود منه افتتاح الكلام بذكر الله على سبيل التعظيم، كما في قوله: {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} واحتج القفال على صحة هذا القول بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال لهم في غنائم خيبر: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم» فقوله: «ما لي إلا الخمس» يدل على أن سهم الله وسهم الرسول واحد، وعلى الإضمام سهمه السدس لا الخمس، وإن قلنا: إن السهمين يكونان للرسول.
صار سهمه أزيد من الخمس، وكلا القولين ينافي ظاهر قوله: «ما لي إلا الخمس» هذا هو الكلام في قسمة خمس الغنيمة، وأما الباقي وهو أربعة أخماس الغنيمة فهي للغانمين.
لأنهم الذين حازوه واكتسبوه كما يكتسب الكلأ بالاحتشاش، والطير بالاصطياد، والفقهاء استنبطوا من هذه الآية مسائل كثيرة مذكورة في كتب الفقه.

.المسألة الرابعة: [فيقسمة الغنائم في دار الحرب]:

دلت الآية على أنه يجوز قسمة الغنائم في دار الحرب، كما هو قول الشافعي رحمه الله، والدليل عليه: أن قوله: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} يقتضي ثبوت الملك لهؤلاء في الغنيمة، وإذا حصل الملك لهم فيه، وجب جواز القسمة لأنه لا معنى للقسمة على هذا التقدير إلا صرف الملك إلى المالك، وذلك جائز بالاتفاق.

.المسألة الخامسة: [في ذوي القربى]:

اختلفوا في ذوي القربى.
قيل: هم بنو هاشم.
وقال الشافعي رحمه الله: هم بنو هاشم وبنو المطلب.
واحتج بالخبر الذي رويناه.
وقيل: آل علي، وجعفر، وعقيل، وآل عباس، وولد الحرث بن عبد المطلب، وهو قول أبي حنيفة.

.المسألة السادسة: [في نزول الآية]:

حكى صاحب الكشاف عن الكلبي: أن هذه الآية نزلت ببدر.
وقال الواقدي رحمه الله: كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرًا من الهجرة.
ثم قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} والمعنى اعلموا أن خمس الغنيمة مصروف إلى هذه الوجوه الخمسة فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بالأخماس الأربعة {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شيء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} يعني: إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل على عبدنا يوم الفرقان، يوم بدر.
والجمعان: الفريقان من المسلمين والكافرين، والمراد منه ما أنزل عليه من الآيات، والملائكة، والفتح في ذلك اليوم {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} أي يقدر على نصركم وأنتم قليلون ذليلون والله أعلم. اهـ.