فصل: المستمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المستمر:

الاسم السادس: المستمر، وهذا بناء الاستفعال، وأصله المرور والذهاب، ولما كان بقاء الزمان بسبب مرور أجزائه بعضها عقيب البعض لا جرم أطلقوا المستمر، إلا أن هذا إنما يصدق في حق الزمان، أما في حق الله فهو محال؛ لأنه باقٍ بحسب ذاته المعينة لا بحسب تلاحق أبعاضه وأجزائه.
الاسم السابع: الممتد وسميت المدة مدة لأنها تمتد بحسب تلاحق أجزائها وتعاقب أبعاضها فيكون قولنا في الشيء، إنه امتد وجوده إنما يصح في حق الزمان والزمانيات، أما في حق الله تعالى فعلى المجاز.

.اسمه تعالى الباقي:

الاسم الثامن: لفظ الباقي، قال تعالى: {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} [الرحمن: 27] واعلم أن كل ما كان أزليًا كان باقيًا ولا ينعكس، فقد يكون باقيًا ولا يكون أزليًا ولا أبديًا كما في الأجسام والأعراض الباقية، ومن الناس من قال: لفظ الباقي يفيد الدوام، وعلى هذا ألا يصح وصف الأجسام بالباقي، وليس الأمر كذلك، لإطباق أهل العرف على قول بعضهم لبعض أبقاك الله.

.الدائم:

الاسم التاسع: الدائم، قال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِم} [الرعد: 35] ولما كان أحق الأشياء بالدوام هو الله كان الدائم هو الله.

.واجب الوجود:

الاسم العاشر: قولنا: واجب الوجود لذاته ومعناه أن ماهيته وحقيقته هي الموجبة لوجوده، وكل ما كان كذلك فإنه يكون ممتنع العدم والفناء، واعلم أن ما كان واجب الوجود لذاته وجب أن يكون قديمًا أزليًا، ولا ينعكس؛ فليس كل ما كان قديمًا أزليًا كان واجب الوجود لذاته، لأنه لا يبعد أن يكون الشيء معللًا بعلة أزلية أبدية، فحينئذٍ يجب كونه أزليًا أبديًا بسبب كون علته كذلك، فهذا الشيء يكون أزليًا أبديًا مع أنه لا يكون واجب الوجود لذاته، وقولهم بالفارسية: خداي معناه أنه واجب الوجود لذاته لأن قولنا: خداي كلمة مركبة من لفظتين في الفارسية: إحداهما: خود، ومعناه ذات الشيء ونفسه وحقيقته والثانية قولنا: آي ومعناه جاء، فقولنا: خداي معناه أنه بنفسه جاء، وهو إشارة إلى أنه بنفسه وذاته جاء إلى الوجود لا بغيره، وعلى هذا الوجه فيصير تفسير قولهم: خداي أنه لذاته كان موجودًا.

.الكائن:

الاسم الحادي عشر: الكائن، واعلم أن هذا اللفظ كثير الورود في القرآن بحسب صفات الله تعالى، قال الله تعالى: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45] وقال إن الله: {كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 24] وأما ورود هذا اللفظ بحسب ذات الله تعالى فهو غير وارد في القرآن، لكنه وارد في بعض الأخبار، روي في الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يا كائنًا قبل كل كون، ويا حاضرًا مع كل كون، ويا باقيًا بعد انقضاء كل كون». أو لفظ يقرب معناه مما ذكرناه ويناسبه من بعض الوجوه واعلم أن هاهنا بحثًا لطيفًا نحويًا: وذلك أن النحويين أطبقوا على أن لفظ كان على قسمين: أحدهما: الذي يكون تامًا، وهو بمعنى حدث ووجد وحصل، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] أي حدثتم ووجدتم خير أمة.
والثاني: الذي يكون ناقصًا كقولك كان الله عليمًا حكيمًا، فإن لفظ كان بهذا التفسير لابد له من مرفوع ومنصوب، واتفقوا على أن كان على كلا التقديرين فعل، إلا أنهم قالوا: إنه على الوجه الأول فعل تام، وعلى الثاني فعل ناقص، فقلت للقوم: لو كانت هذه اللفظة فعلًا لكان دالًا على حصول حدث في زمان معين ولو كان كذلك لكنا إذا أسندناه إلى اسم واحد لكان حينئذٍ قد دل على حصول حدث لذلك الشيء، وحينئذٍ يتم الكلام، فكان يجب أن يستغنى عن ذكر المنصوب، وعلى هذا التقدير يصير فعلًا تامًا.
فثبت أن القول بأن بهذه الكلمة الناقصة فعل يوجب كونها تامة غير ناقصة، وما أفضى ثوبته إلى نفيه كان باطلًا، فكان القول بأن هذه الكلمة ناقصة كلامًا باطلًا، ولما أوردت هذا السؤال عليهم بقي الأذكياء من النحويين والفضلاء منهم متحيرين فيه زمانًا طويلًا، وما أفلحوا في الجواب، ثم لما تأملت فيه وجدت الجواب الحقيقي الذي يزيل الشبهة، وتقريره أن نقول: لفظ كان لا يفيد إلا الحدوث والحصول والوجود، إلا أن هذا على قسمين: منه ما يفيد حدوث الشيء في نفسه، ومنه ما يفيد موصوفية شي بشيء آخر.
أما القسم الأول: فإن لفظ كان يتم بإسناده إلى ذلك الشيء الواحد لأنه يفيد أن ذلك الشيء قد حدث وحصل، وأما القسم الثاني فإنه لا تتم فائدته إلا بذكر الاسمين، فإنه إذا ذكر كان معناه حصول موصوفية زيد بالعلم ولا يمكن ذكر موصوفية هذا بذاك إلا عند ذكرهما جميعًا، فلا جرم لا يتم المقصود إلا بذكرهما، فقولنا: كان زيد عالمًا، معناه أنه حدث وحصل موصوفية زيد بالعلم، فثبت بما ذكرنا أن لفظ الكون يفيد الحصول والوجود فقط، إلا أنه في القسم الأول يكفيه إسناده إلى اسم واحد، وفي القسم الثاني: لابد من ذكر الاسمين، وهذا من اللطائف النفيسة في علم النحو، إذا عرفت هذا فنقول: فعلى هذا التقدير لا فرق بين الكائن والموجود فوجب جواز إطلاقه على الله تعالى.

.القسم الثالث: من أقسام الصفات الحقيقية:

.الصفة المغايرة للوجود مذهب نفاة الصفات:

الصفة التي تكون مغايرة للوجود ولكيفيات الوجود.
اعلم أن هذا البحث مبني على أنه هل يجوز قيام هذه الصفات ذات الله تعالى؟ فالمعتزلة والفلاسفة ينكرونه أشد الإنكار، ويحتجون عليه بوجوه:
الأول: أن تلك الصفة إما أن تكون واجبة لذاتها أو ممكنة لذاتها، والقسمان باطلان، فبطل القول بالصفات، وإنما قلنا أن يمتنع كونها واجبة لذاتها لوجهين: الأول: أنه ثبت في الحكمة أن واجب الوجود لذاته لا يكون إلا واحدًا.
الثاني: أن الواجب لذاته هو الذي يكون غنيًا عما سواه، والصفة هي التي تكون مفتقرة إلى الموصوف، فالجمع بين الوجوب الذاتي وبين كونه صفة للغير محال، وإنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون ممكنًا لذاته لوجهين: الأول: أن الممكن لذاته لابد له من سبب، وسببه لا يجوز أن يكون غير ذات الله، لأن تلك الذات لما امتنع خلوها عن تلك الصفة، وتلك الصفة مفتقرة إلى الغير لزم كون تلك الذات مفتقرة إلى الغير.
وما كان كذلك كان ممكنًا لذاته فيلزم أن يكون الواجب لذاته ممكنًا لذاته، وهو محال، ولا يجوز أن يكون هو ذات الله تعالى؛ لأنها قابلة لتلك الصفة فلو كانت مؤثرة فيها لزم كون الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد فاعلًا وقابلًا معًا، وهو محال؛ لما ثبت أن الشيء الواحد لا يصدر عنه إلا أثر واحد، والفعل والقبول أثران مختلفان: الثاني: أن الأثر مفتقر إلى المؤثر، فافتقاره إليه إما أن يكون بعد حدوثه، أو حال حدوثه، أو حال عدمه، والأول باطل.
وإلا لكان تأثير ذلك المؤثر في إيجاده تحصيلًا للحاصل، وهو محال، فبقي القسمان الأخيران، وذلك يقتضي أن يكون كلما كان الشيء أثرًا لغيره كان حادثًا، فوجب أن يقال: الشيء الذي لا يكون حادثًا فإنه لا يكون أثرًا للغير، فثبت أن القول بالصفات باطل.
الحجة الثانية: على نفي الصفات: قالوا: إن تلك الصفات إما أن تكون قديمة أو حادثة والأول باطل لأن القدم صفة ثبوتية على ما بيناه، فلو كانت الصفات قديمة لكانت الذات مساوية للصفات في القدم، ويكون كل واحد منهما مخالفًا للآخر بخصوصية ماهيته المعينة وما به المشاركة غير ما به المخالفة، فيكون كل واحد من تلك الأشياء القديمة مركبًا من جزأين ثم نقول: ويجب أن يكون كل واحد من ذينك الجزأين قديمًا لأن جزء ماهية القديم يجب أن يكون قديمًا، وحينئذٍ يكون ذانك الجزآن يتشاركان في القدم ويختلفان بالخصوصية، فيلزم كون كل واحد منهما مركبًا من جزأين، وذلك محال لأنه يلزم أن يكون حقيقة الذات وحقيقة كل واحدة من تلك الصفات مركبة من أجزاء غير متناهية وذلك محال، وإنما قلنا إنه يمتنع كون تلك الصفات حادثة لوجوه: الأول: أن قيام الحوادث بذات الله محال، لأن تلك الذات إن كانت كافية في وجود تلك الصفة أو دوام عدمها لزم دوام وجود تلك الصفة أو دوام عدمها بدوام تلك الذات، وإن لم تكن كافية فيه فحينئذٍ تكون تلك الذات واجبة الاتصاف بوجود تلك الصفة أو عدمها، وذلك الوجود والعدم يكونان موقوفين على شيء منفصل، والموقوف على الموقوف على الغير موقوف على الغير، والموقوف على الغير ممكن لذاته، ينتج أن الواجب لذاته ممكن لذاته، وهو محال.
والثاني: أن ذاته لو كانت قابلة للحوادث لكانت قابلية تلك الحوادث من لوازم ذاته، فحينئذٍ يلزم كون تلك القابلية أزلية لأجل كون تلك الذات أزلية، لكن يمتنع كون قابلية الحوادث أزلية؛ لأن قابلية الحوادث مشروط بإمكان وجود الحوادث، وإمكان وجود الحوادث في الأزل محال، فكان وجود قابليتها في الأزل محالًا.
الثالث: أن تلك الصفات لما كانت حادثة الإله الموصوف بصفات الإلهية موجودًا قبل حدوث هذه الصفات، فحينئذٍ تكون هذه الصفات مستغنى عنها في ثبوت الإلهية، فوجب نفيها، فثبت أن تلك الصفات إما أن تكون حادثة أو قديمة، وثبت فسادهما فثبت امتناع وجود الصفة.
الحجة الثالثة: أن تلك الصفات إما أن تكون بحيث تتم الإلهية بدونها أو لا تتم، فإن كان الأول كان وجودها فضلًا زائدًا، فوجب نفيها، وإن كان الثاني كان الإله مفتقرًا في تحصيل صفة الإلهية إلى شيء آخر، والمحتاج لا يكون إلهًا.
الحجة الرابعة: ذاته تعالى إما أن تكون كاملة في جميع الصفات المعتبرة في المدائح والكمالات، وإما أن لا تكون، فإن كان الأول فلا حاجة إلى هذه الصفات، وإن كان الثاني كانت تلك الذات ناقصة في ذاتها مستكملة بغيرها، وهذه الذات لا يليق بها صفة الإلهية.
الحجة الخامسة: لما كان الإله هو مجموع الذات والصفات فحينئذٍ يكون الإله مجزأ مبعضًا منقسمًا، وذلك بعيد عن العقل؛ لأن كل مركب ممكن لا واجب.
الحجة السادسة: أن الله تعالى كفر النصارى في التثليث، فلا يخلو إما أن يكون لأنهم قالوا بإثبات ذوات ثلاثة، أو لأنهم قالوا بالذات مع الصفات، والأول لا يقوله النصارى، فيمتنع أن يقال إن الله كفرهم بسبب مقالة هم لا يقولون بها، فبقي الثاني، وذلك يوجب أن يكون القول بالصفات كفرًا.
فهذه الوجوه يتمسك بها نفاة الصفات، وإذا كان الأمر كذلك فعلى هذا التقدير يمتنع أن يحصل الله تعالى اسم بسبب قيام الصفة الحقيقية به.

.المسألة الثانية: في دلائل مثبتي القول بالصفات:

اعلم أنه ثبت أن إله العالم يجب أن يكون عالمًا قادرًا حيًا، فنقول يمتنع أن يكون علمه وقدرته نفس تلك الذات، ويدل عليه وجوه: الأول: أنا ندرك تفرقة ضرورية بديهية بين قولنا: ذات الله ذات، وبين قولنا: ذات الله عالمة قادرة، وذلك يدل على أن كونه عالمًا قادرًا ليس نفس تلك الذات.
الثاني: أنه يمكن العلم بكونه موجودًا مع الذهول عن كونه قادرًا وعالمًا، وكذلك يمكن أن يعلم كونه قادرًا مع الذهول عن كونه عالمًا، وبالعكس، وذلك يدل على أن كونه عالمًا قادرًا ليس نفس تلك الذات، الثالث: أن كونه عالمًا عام التعلق بالنسبة إلى الواجب والممتنع والممكن، وكونه قادرًا ليس عام التعلق بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة، بل هو مختص بالجائز فقط، ولولا الفرق بين العلم وبين القدرة وإلا لما كان كذلك، الرابع: أن كونه تعالى قادرًا يؤثر في وجود المقدور، وكونه عالمًا لا يؤثر، ولولا المغايرة وإلا لما كان كذلك، الخامس: أن قولنا: موجود، يناقضه قولنا: ليس بموجود، ولا يناقضه قولنا: ليس بعالم، وذلك يدل على أن المنفي بقولنا: ليس بموجود مغاير للمنفي بقولنا: ليس بعالم، وكذا القول في كونه قادرًا.
فهذه دلائل واضحة على أنه لابد من الإقرار بوجود الصفات لله تعالى، إلا أنه بقي أن يقال: لم لا يجوز أن تكون هذه الصفات صفات نسبية وإضافية فالمعنى من كونه قادرًا كونه بحيث يصح منه الإيجاد، وتلك الصحة معللة بذاته، وكونه عالمًا معناه الشعور والإدراك، وذلك حالة نسبية إضافية، وتلك النسبية الحاصلة معللة بذاته المخصوصة، وهذا تمام الكلام في هذا الباب.

.المسألة الثالثة: إثبات الصفات الحقيقية:

أنا إذا قلنا بإثبات الصفات الحقيقية فنقول: الصفة الحقيقية إما أن تكون صفة يلزمها حصول النسبة والإضافة، وهي مثل العلم والقدرة، فإن العلم صفة يلزمها كونها متعلقة بالمعلوم، والقدرة صفة يلزمها صحة تعلقها بإيجاد المقدور، فهذه الصفات وإن كانت حقيقية إلا أنه يلزمها لوازم من باب النسب والإضافات.
أما الصفة الحقيقية العارية عن النسبة والإضافة في حق الله تعالى فليست إلا صفة الحياة فلنبحث عن هذه الصفة فنقول: قالت الفلاسفة: الحي هو الدراك الفعال، إلا أن الدراكية صفة نسبية والفعالية أيضًا كذلك، وحينئذٍ لا تكون الحياة صفة مغايرة للعلم والقدرة على هذا القول، وقال المتكلمون إنها صفة باعتبارها يصح أن يكون عالمًا قادرًا، واحتجوا عليه بأن الذوات متساوية في الذاتية ومختلفة في هذه الصحة، فلابد وأن تكون تلك الذوات مختلف في قبول صفة الحياة، فوجب أن تكون صحيحة لأجل صفة زائدة، فيقال لهم: قد دللنا على أن ذات الله تعالى مخالفة لسائر الذوات لذاته المخصوصة، فسقط هذا الدليل، وأيضًا الذوات مختلفة في قبول صفة الحياة، فوجب أن يكون صحة قبول الحياة لصفة أخرى، ولزم التسلسل، ولا جواب عنه إلا أن يقال: إن تلك الصحة من لوازم الذات المخصوصة فاذكروا هذا الكلام في صحة العالمية، وقال قوم ثالث: معنى كونه حيًا أنه لا يمتنع أن يقدر ويعلم، فهذا عبارة عن نفي الامتناع، ولكن الامتناع عدم، فنفيه يكون عدمًا للعدم، فيكون ثبوتًا، فيقال لهم: هذا مسلم، لكن لم لا يجوز أن يكون هذا الثبوت هو تلك الذات المخصوصة؟ فإن قالوا: الدليل عليه أن نعقل تلك الذات مع الشك في كونها حية، فوجب أن يكون كونها حية مغايرًا لتلك الذات، فيقال لهم: قد دللنا على أنا لا نعقل ذات الله تعالى تعقلًا ذاتيًا، وإنما نتعقل تلك الذات تعقلًا عرضيًا، وعند هذا يسقط هذا الدليل، فهذا تمام الكلام في هذا الباب.