فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ}
حتّى الخيط والمخيط.
واختلف العلماء في معنى الغنيمة والفي، ففرّق قوم بينهما:
قال الحسن بن صالح: سألت عطاء بن السائب عن الفي والغنيمة فقال: إذا ظهر المسلمون على المشركين على أرضهم فأخذوه عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة. وأمّا الأرض فهو في سواد هذا الفيء.
وقال سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، والفي ما كان من صلح بغير قتال.
وقال قتادة: هما بمعنى واحد ومصرفهما واحد وهو قوله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ}.
اختلاف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم قوله: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} مفتاح الكلام. ولله الدنيا والآخرة فإنّما معنى الكلام: فأنّ للرسول خُمسه وهو قول الحسن وقتادة وعطاء، فإنّهم جعلوا سهم الله وسهم الرسول واحدًا، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس. قالوا: كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، وقسّم الخمس الباقي على خمسة أخماس: خمس للنبيّ صلى الله عليه وسلم كان له ويصنع فيه ما شاء وسهم لذوي القربى، وخمس اليتامى وخمس للمساكين وخُمس لابن السبيل. فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس.
وقال بعضهم: معنى قوله: (فأن لله) فإن لبيت الله خمسه. وهو قول الربيع وأبي العالية قالا: كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فجعل أربعة لمن شهد القتال ويعزل أسهمًا فيضرب يده في جميع ذلك فما قبض من شيء جعله للكعبة وهو الذي سُميّ لله ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهم: سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى، وسهم اليتامى، وسهم للمساكين، وخمس لابن السبيل، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس.
وقال ابن عباس: سهم الله وسهم رسوله جميعًا لذوي القربى وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
وكانت الغنيمة تُقسّم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد تقسّم على أربعة، فربع لله والرسول ولذي القربى. فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبيّ من الخمس شيئًا. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل.
وأمّا قوله: {ولذي القربي} فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس مكان الصدقة واختلفوا فيهم.
فقال مجاهد وعليّ بن الحسين وعبد الله بن الحسن: هم بنو هاشم.
وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب خاصّة. واحتج في ذلك بما روى الزهري عن سعيد بن جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمًا لذوي القربى من خيبر على بني هاشم والمطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوانك بنو هاشم لا تنكر فضلهم مكانك الذي حملك الله منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام. إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» ثمّ أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى يديه بالأُخرى.
وقال بعضهم: هم قريش كلّها.
كتب نجدة إلى ابن عباس وسأله عن ذوي القربى فكتب إليه ابن عباس: قد كنا نقول: إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلّها ذو قربى.
واختلفوا في حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ابن عباس والحسن يجعلانه في الخيل والسلاح، والعدّة في سبيل الله ومعونة الإسلام وأهله.
وروى الأعمش عن إبراهيم. قال: كان أبو بكر رضي الله عنه وعمر يجعلان سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان لعليّ رضي الله عنه قول فيه. قال: كان أشدهم فيه.
قال الزهري: إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر الصديق يطلبان ميراثهم من فدك وخيبر.
فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا صدقة» فانصرفا.
وقال قتادة: كان سهم ذي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا. فلمّا توفي جعل لولي الأمر بعده.
وقال عليّ كرم الله وجهه: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس لا يعطى غيره، ويلي الإمام سهم الله ورسوله.
وقال بعضهم: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود بعده في الخمس. والخمس بعده مقسوم على ثلاث أسهم: على اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو قول جماعة من أهل العراق.
وقال عمرو عن عيينة: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم فلمّا فرغ أخد وبره من جسد البعير فقال: «إنّه لا يحلّ لي من هذا المغنم مثل هذا إلاّ الخمس، والخمس مردود فيكم».
وقال آخرون: الخمس كلّه لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال المنهال ابن عمرو: سألت عبد الله بن محمد بن عليّ وعليّ بن الحسين عن الخمس فقالا: هو لنا، فقلت لعلي رضي الله عنه: إن الله تعالى يقول: {واليتامى والمساكين وابن السبيل} فقال: يتامانا ومساكيننا.
وأمّا اليتامى فهم أطفال المسلمين الذين هلك أباؤهم، والمساكين أهل الفاقة والحاجة من المسلمين، وابن السبيل المسافر المنقطع.
وقال ابن عباس: هو الفتى الضعيف الذي ترك المسلمين {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ الفرقان} يوم فرق فيه بين الحق والباطل ببدر {يَوْمَ التقى الجمعان} جمع المسلمين وجمع المشركين وهو يوم بدر وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة وكان يوم الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ}
ذكر الله تعالى الفيء في سورة الحشر والغنيمة في هذه السورة.
واختلفوا في الفيء والغنيمة على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الغنيمة ما ظهر عليه من أموال المشركين والفيء ما ظهر عليه من الأرض، قاله عطاء بن السائب.
والثاني: أن الغنيمة ما أخذ عنوة، والفيء ما أخذ عن صلح، قاله الشافعي وسفيان الثوري.
والثالث: أن الفيء والغنيمة سواء وهو كل مال أخذ من المشركين، وآية الفيء التي هي في سور الحشر منسوخة بآية الغنيمة التي في سورة الأنفال، قاله قتادة.
وقوله تعالى: {مِّن شَيْءٍ} يريد جميع ما وقع عليه اسم شيء مباح حواه المسلمون من أموال المشركين.
{فإن لِلَه خُمُسَهُ}
أحدهما: أنه استفتاح كلام، فلله الدنيا والآخرة وما فيهما، ومعنى الكلام فأن للرسول خمسه، قاله الحسن وعطاء وقتادة وإبراهيم والشافعي، وروى نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرّية فغنموا خمّس الغنيمة فصرف ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ {وَاعلَمُواْ أَنَّمَا مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} وإنما قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسهُ} مفتاح كلام، ولله ما في السموات وما في الأرض فجعل سهم الله وسهم الرسول واحد.
والثاني: أن سهم الله مستحق لبيته، ومعناه فإن لبيت الله خمسه وللرسول وقد روى الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل.
وقوله تعالى: {وَلِلرَّسُولِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه مفتاح كلام اقترن بذكر الله وليس للرسول من ذلك شيء كما لم يكن لله من ذلك شيء، وأن الخمس مقسوم على أربعة أسهم، وهذا قول ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة.
والثاني: أن ذلك للرسول وهو قول الجمهور.
واختلفوا في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه للخليفة بعده، قاله قتادة.
والثاني: أنه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم إرثًا، وهذا قول من جعل النبي موروثًا.
والثالث: أن سهم الرسول صلى الله عليه وسلم مردود على السهام الباقية ويقسم الخمس على أربعة.
والرابع: أنه مصروف في مصالح المسلمين العامة، قاله الشافعي. والخامس: أن ذلك مصروف في الكراع والسلاح، وروي أن ذلك فعل أبي بكر وعمر، رواه النخعي.
أما قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} فاختلف فيه على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم بنو هاشم، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم قريش كلها، روى سعيد المقري قال: كتب نجدة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن ذي القربى، قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: كنا نقول إننا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.
الثالث: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، قاله الشافعي والطبري.
واختلفوا في سهمهم اليوم على أربعة أقاويل:
أحدها: أنه لهم أبدًا كما كان لهم من قبل، قاله الشافعي.
والثاني: أنه لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة.
والثالث: أنه إلى الإمام يضعه حيث شاء.
والرابع: أن سهمهم وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود على باقي السهام وهي ثلاثة، قاله أبو حنيفة.
وأما {وَالْيَتَامَى} فهم من اجتمعت فيهم أربعة شروط:
أحدها: موت الأب وإن كانت الأم باقية، لأن يتم الآدميين بموت الآباء دون الأمهات ويتم البهائم بموت الأمهات دون الآباء.
والثاني: الصغر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ».
والثالث: الإسلام لأنه مال المسلمين.
والرابع: الحاجة لأنه معد للمصالح.
ثم فيهم قولان:
أحدهما: أنه لأيتام أهل الفيء خاصة.
والثاني: أنه لجميع الأيتام.
وأما {الْمَسَاكِينِ} فهم الذين لا يجدون ما يكفيهم.
وأما أبناء السبيل فهم المسافرون من ذوي الحاجات، والإٍسلام فيهم معتبر. وهل يختص بأله الفيء؟ على القولين. وقال مالك: الخمس موقوف على رأي الإمام فيمن يراه أحق به، وإنما ذكرت هذه الأصناف لصدق حاجتها في وقتها.
قوله عز وجل: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَومَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وهو يوم بدر فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}
موضع أن الثانية رفع، التقدير فحكمه أن فهي في موضع خبر الابتداء، والغنمية في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر امرؤ القيس: [الوافر]
وقد طفت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب

وقال آخر: [البسيط]
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ** أنّى توجَّهَ والمحروم محروم

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن: «له غنمه وعليه حرمه» وقوله: «الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة» فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفًا له، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا.