فصل: فصل (في قسمة الخمس):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل [في قسمة الخمس]:

أجمع العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة، فأما الخمس الخامس، فكيف يقسم؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يقسم منه لله وللرسول ولمن ذكر في الآية.
وقد ذكرنا أن هذا مما انفرد به أبو العالية، وهو يقتضي أن يقسم على ستة أسهم.
والثاني: أنه مقسوم على خمسة أسهم: سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، على ظاهر الآية، وبه قال الجمهور.
والثالث: أنه يقسم على أربعة أسهم.
فسهم الله عز وجل وسهم رسوله عائد على ذوي القربى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ منه شيئًا، وهذا المعنى رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

.فصل [في سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم]:

فأما سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه كان يصنع فيه ما بيَّنَّا.
وهل سقط بموته، أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: لم يسقط بموته، وبه قال أحمد، والشافعي في آخرين.
وفيما يُصنَع به قولان:
أحدهما: أنه للخليفة بعده، قاله قتادة.
والثاني: أنه يُصْرَفُ في المصالح، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثاني: أنه يسقط بموته كما يسقط الصفيُّ، فيرجع إلى جملة الغنيمة، وبه قال أبو حنيفة.
وأما ذوو القربى، ففيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم جميع قريش.
قال ابن عباس: كنا نقول: نحن هم؛ فأبى علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.
والثاني: بنو هاشم، وبنو المطلب، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثالث: أنهم بنو هاشم فقط، قاله أبو حنفية.
وبماذا يستحقون؟ فيه قولان:
أحدهما: بالقرابة، وإن كانوا أغنياء، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثاني: بالفقر، لا بالاسم، وبه قال أبو حنيفة.
وقد سبق في [البقرة: 177] معنى اليتامى والمساكين، وابن السبيل.
وينبغي أن تُعتبر في اليتيم أربعة أوصاف: موت الأب، وإن كانت الأم باقية، والصِّغَر لقوله عليه السلام: «لا يُتْمَ بعد حُلُم» والإِسلام، لأنه مال للمسلمين.
والحاجة، لأنه مُعَدٌّ للمصالح.
قوله تعالى: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} هو يوم بدر، فُرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين.
والذي أُنزل عليه يومئذ قوله: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] نزلت حين اختلفوا فيها، فالمعنى: إن كنتم آمنتم بذلك، فاصدروا عن أمر الرسول في هذا أيضًا. اهـ.

.قال ابن جزي:

{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ}
لفظه عام يراد به الخصوص، لأن الأموال التي تؤخذ من الكفار منها ما يخمس: وهو ما أخذ على وجه الغلبة بعد القتال، ومنها: ما لا يخمس بل يكون جميعه لمن أخذه، وهو ما أخذه من كان ببلاد الحرب من غير إيجاف، وما طرحه العدو خوف الغرق، ومنها: ما يكون جميعه للإمام يأخذ منه حاجته، ويصرف سائره في مصالح المسلمين وهي الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} الآية: اختلف في قسم الخمس على هذه الأصناف فقال قوم: يصرف على ستة أسهم سهم لله في عمارة الكعبة، وسهم للنبي صلى الله عليه وسلم في مصالح المسلمين، وقيل: للوالي بعده: وسهم لذوي القربى الذين لا تحل لهم الصدقة، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وقال الشافعي: على خمسة أسهم، ولا يجعل لله سهمًا مختصًا، وإنما بدأ عنده بالله، لأن الكل ملكه، وقال أبو حنيفة على ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وقال مالك الخمس إلى اجتهاد الإمام يأخذ منه كفايته ويصرف الباقي في المصالح {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله} راجع إلى ما تقدم، والمعنى: إن كنتم مؤمنين فاعلموا ما ذكر الله لكم من قسمة الخمس، واعملوا بحسب ذلك ولا تخالفوه {وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليه القرآن والنصر {يَوْمَ الفرقان} أي التفرقة بين الحق والباطل وهو يوم بدر {التقى الجمعان} يعني المسلمين والكفار. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله}.
فيه ست وعشرون مسألة:
الأولى قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسَعْيٍ؛ ومن ذلك قول الشاعر:
وقد طوّفت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب

وقال آخر:
ومُطْعَم الغُنْم يوم الغنم مُطْعَمُه ** أنَّى توجّه والمحروم محروم

والمغنم والغنيمة بمعنىً؛ يقال غُنَم القوم غُنْمًا.
واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} مال الكفار إذا ظفِر به المسلمون على وجه الغلبة والقَهْر.
ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيّناه، ولكن عُرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع.
وسَمّى الشرعُ الواصلَ من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئًا.
فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوّهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يُسَمى غنيمة.
ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عُرفًا.
والفَيْء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف.
كخراج الأرضين وجزية الجماجم وخمس الغنائم.
ونحو هذا قال سفيان الثَّوْرِيّ وعطاء بن السائب.
وقيل: إنهما واحد، وفيهما الخمس؛ قاله قتادة.
وقيل: الفيء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر.
والمعنى متقارب.
الثانية هذه الآية ناسخة لأوّل السورة؛ عند الجمهور.
وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومةٌ على الغانمين؛ على ما يأتي بيانه.
وأن قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر؛ على ما تقدّم أوّل السورة.
قلت: ومما يدلّ على صحة هذا ما ذكره إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا محمد بن كثير قال حدّثنا سفيان قال حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلًا فله كذا ومن أسَر أسيرًا فله كذا» وكانوا قتلوا سبعين، وأسروا سبعين، فجاء أبو اليَسَر بن عمرو بأسيرين؛ فقال: يا رسول الله، إنك وعدتنا من قتل قتيلًا فله كذا، وقد جئتُ بأسيرين.
فقام سعد فقال: يا رسول الله، إنا لم يمنعنا زيادةٌ في الأجر ولا جُبن عن العدوّ ولكنا قمنا هذا المُقام خشية أن يعطِف المشركون؛ فإنك إن تُعطي هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء.
قال: وجعل هؤلاء يقولون: فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} فَسَلَّموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزلت: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} الآية.
وقد قيل: إنها مُحكَمة غيرُ منسوخة، وأن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست مقسومة بين الغانمين؛ وكذلك لمن بعده من الأئمة.
كذا حكاه المازَرِيّ عن كثير من أصحابنا، رضي الله عنهم، وأن للإمام أن يخرجها عنهم.
واحتجّوا بفتح مكة وقصة حُنين.
وكان أبو عبيد يقول: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عَنْوَةً ومنّ على أهلها فردّها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها عليهم فَيْئًا.
ورأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده.
قلت: وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} والأربعة الأخماس للإمام، إن شاء حبسها وإن شاء قسمها بين الغانمين.
وهذا ليس بشيء؛ لما ذكرناه، ولأن الله سبحانه أضاف الغنيمة للغانمين فقال: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} ثم عين الخمس لمن سَمَّى في كتابه، وسكت عن الأربعة الأخماس؛ كما سكت عن الثلثين في قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث} [النساء: 11] فكان للأب الثلثان اتفاقًا.
وكذا الأربعة الأخماس للغانمين إجماعًا؛ على ما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر والدّاوُدِيّ والمازَريّ أيضًا والقاضي عِياض وابن العربيّ.
والأخبار بهذا المعنى متظاهرة، سيأتي بعضها.
ويكون معنى قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية، ما ينفّله الإمام لمن شاء لما يراه من المصلحة قبل القسمة.
وقال عطاء والحسن: هي مخصوصة بما شذّ من المشركين إلى المسلمين، من عبد أو أَمَة أو دابة؛ يقضي فيها الإمام بما أحب.
وقيل: المراد بها أنفال السرايا أي غنائمها، إن شاء خمّسها الإمام، وإن شاء نفّلها كلها.
وقال إبراهيم النَّخعِيّ في الإمام يبعث السّرِية فيصيبون المغنم: إن شاء الإمام نفله كله.
وإن شاء خَمّسه.
وحكاه أبو عمر عن مكحول وعطاء.
قال عليّ بن ثابت: سألت مكحولًا وعطاء عن الإمام ينفّل القوم ما أصابوا؛ قال: ذلك لهم: قال أبو عمر: من ذهب إلى هذا تأوّل قول الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} أن ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء.
ولم ير أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ}.
وقيل: غير هذا مما قد أتينا عليه في كتاب (القبس في شرح مُوطّأ مالك بن أنس).
ولم يقل أحد من العلماء فيما أعلم أن قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية، ناسخ لقوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} بل قال الجمهور على ما ذكرنا: إن قوله: {مَا غَنِمْتُمْ} ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله تعالى.
وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها.
وقد قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلدان من جهتين: إحداهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد خصّه من الأنفال والغنائم ما لم يجعله لغيره؛ وذلك لقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية؛ فنرى أن هذا كان خاصًّا له.
والجهة الأخرى أنه سنّ لمكة سُنَنًا ليست لشيء من البلاد.
وأما قصة حُنين فقد عوّض الأنصار لمّا قالوا: يُعطي الغنائم قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال لهم: «أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم». خرّجه مسلم وغيره.