فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن زيد بن علي كذلك قال: ليس لنا أن نبني منه القصور ولا أن نركب منه البراذين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم للنصرة لا للقرابة كما يشير إليه جوابه لعثمان وجبير رضي الله تعالى عنهما وهو يدل على أن المراد بالقربى في النص قرب النصرة لا قرب القرابة، وحيث انتهت النصرة انتهى الإعطاء لأن الحكم ينتهي بانتهاء علته واليتيم صغير لا أب له فيدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم والمسكين منهم في سهم المساكين، وفائدة ذكر اليتيم مع كون استحقاقه بالفقر والمسكنة لا باليتيم دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئًا لأن استحقاقها بالجهاد واليتيم صغير فلا يستحقها.
وفي التأويلات لعلم الهدى الشيخ أبي منصور أن ذوي القربى إنما يستحقون بالفقر أيضًا، وفائدة ذكرهم دفع ما يتوهم أن الفقير منهم لا يستحق لأنه من قبيل الصدقة ولا تحل لهم، وفي الحاوي القدسي عن أبي يوسف أن الخمس يصرف لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ انتهى، وهو يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى ذوي القربى الأغنياء فليحفظ، وفي التحفة أن هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز كما في الصدقات كذا في فتح القدير، ومذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أن الخمس لا يلزم تخميسه وأنه مفوض إلى رأي الإمام كما يشعر به كلام خليل؛ وبه صرح ابن الحاجب فقال: ولا يخمس لزومًا بل يصرف منه لآله عليه الصلاة والسلام بالاجتهاد ومصالح المسلمين ويبدأون استحبابًا كما نقل التتائي عن السنباطي بالصرف على غيرهم، وذكر أنهم بنو هاشم وأنهم يوفر نصيبهم لمنعهم من الزكاة حسبما يرى من قلة المال وكثرته، وكان عمر بن عبد العزيز يخص ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها كل عام باثني عشر ألف دينار سوى ما يعطي غيرهم من ذوي القربى، وقيل: يساوي بين الغني والفقير وهو فعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعطي حسب ما يراه، وقيل: يخير لأن فعل كل من الشيخين حجة.
وقال عبد الوهاب: أن الإمام يبدأ بنفقته ونفقة عياله بغير تقدير، وظاهر كلام الجمهور أنه لا يبدأ بذلك وبه قال ابن عبد الحكم، والمراد بذكر الله سبحانه عند هذا الإمام أن الخمس يصرف في وجوه القربات لله تعالى والمذكور بعد ليس للتخصيص بل لتفضيله على غيره ولا يرفع حكم العموم الأول بل هو قار على حاله وذلك كالعموم الثابت للملائكة وإن خص جبريل وميكائيل عليهما السلام بعد.
ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه في قسمة الغنيمة أن يقدم من أصل المال السلب ثم يخرج منه حيث لا متطوع مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما من المؤن اللازمة للحاجة إليها ثم يخمس الباقي فيجعل خمسة أقسام متساوية ويكتب على رقعة لله تعالى أو للمصالح وعلى رقعة للغانمين وتدرج في بنادق فما خرج لله تعالى قسم على خمس مصالح المسلمين كالثغور والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدين والأئمة والمؤذنين ولو أغنياء وسائر من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين لعموم نفعهم وألحق بهم العاجزون عن الكسب والعطاء إلى رأي الإمام معتبرًا سعة المال وضيقه، وهذا هو السهم الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وكان ينفق منه على نفسه وعياله ويدخر منه مؤنة سنة ويصرف الباقي في المصالح، وهل كان عليه الصلاة والسلام مع هذا التصرف مالكًا لذلك أو غير مالك قولان ذهب إلى الثاني الإمام الرافعي وسبقه إليه جمع متقدمون قال: إنه عليه الصلاة والسلام مع تصرفه في الخمس المذكور لم يكن يملكه ولا ينتقل منه إلى غيره إرثًا.
ورد بأن الصواب المنصوص أنه كان يملكه، وقد غلط الشيخ أبو حامد من قال: لم يكن صلى الله عليه وسلم يملك شيئًا وإن أبيح له ما يحتاج إليه، وقد يؤول كلام الرافعي بأنه لم ينف الملك المطلق بل الملك المقتضي للإرث عنه.
ويؤيد ذلك اقتضاء كلامه في الخصائص أنه يملك وبنو هاشم والمطلب، والعبرة بالانتساب للآباء دون الأمهات ويشترك فيه الغني والفقير لإطلاق الآية، وإعطائه عليه الصلاة والسلام العباس وكان غنيًا والنساء، ويفضل الذكر كالإرث واليتامى، ولا يمنع وجود جد، ويدخل فيهم ولد الزنا والمنفى لا اللقيط على الأوجه؛ ويشترط فقره على المشهور ولابد في ثبوت اليتم والإسلام والفقر هنا من البينة، وكذا في الهاشمي والمطلبي، واشترط جمع فيهما معها استفاضة النسبة والمساكين وابن السبيل ولو بقولهم بلا يمين.
نعم يظهر في مدعي تلف مال له عرف أو عيال أنه يكلف بينة.
ويشترط الإسلام في الكل والفقر في ابن السبيل أيضًا وتمامه في كتبهم.
وتعلق أبو العالية بظاهر الآية الكريمة فقال: يقسم ستة أسهم ويصرف سهم الله تعالى لمصالح الكعبة أي إن كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة وقع فيها الخمس كما قاله ابن الهمام: وقد روى أبو داود في المراسيل وابن جرير عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ منه قبضة فيجعلها لمصالح الكعبة ثم يقسم ما بقي خمسة أسهم، ومذهب الإمامية أنه ينقسم إلى ستة أسهم أيضًا كمذهب أبي العالية إلا أنهم قالوا: إن سهم الله تعالى وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى للإمام القائم مقام الرسول عليه الصلاة والسلام.
وسهم ليتامى آل محمد صلى الله عليه وسلم.
وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم لا يشركهم في ذلك غيرهم ورووا ذلك عن زين العابدين.
ومحمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهم، والظاهر أن الأسهم الثلاثة الأول التي ذكروها اليوم تخبأ في السرداب إذ القائم مقام الرسول قد غاب عندهم فتخبأ له حتى يرجع من غيبته، وقيل: سهم الله تعالى لبيت المال، وقيل: هو مضموم لسهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذا ولم يبين سبحانه حال الأخماس الأربعة الباقية وحيث بين جل شأنه حكم الخمس ولم يبينها دل على أنها ملك الغانمين، وقسمتها عند أبي حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم واحد.
لما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك، والفارس في السفينة يستحق سهمين أيضًا وإن لم يمكنه القتال عليها فيها للتأهل، والمتأهب للشيء كالمباشر كما في المحيط، ولا فرق بين الفرس المملوك والمستأجر والمستعار وكذا المغصوب على تفصيل فيه، وذهب الشافعي.
ومالك إلى أن للفارس ثلاثة أسهم لما روى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ذلك وهو قول الإمامين.
وأجيب بأنه قد روى عن ابن عمر أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس سهمين فإذا تعارضت روايتاه ترجح رواية غيره بسلامتها عن المعارضة فيعمل بها، وهذه الرواية رواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وفي الهداية أنه عليه الصلاة والسلام تعارض فعلاه في الفارس فنرجع إلى قوله عليه الصلاة والسلام وقد قال صلى الله عليه وسلم: «للفارس سهمان وللراجل سهم» وتعقبه في العناية بأن طريقة استدلاله مخالفة لقواعد الأصول فإن الأصل أن الدليلين إذا تعارضا وتعذر التوفيق والترجيح يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله وهو قال: فتعارض فعلاه فنرجع إلى قوله، والمسلك المعهود في مثله أن نستدل بقوله ونقول فعله لا يعارض قوله لأن القول أقوى بالاتفاق، وذهب الإمام إلى أنه لا يسهم إلا لفرس واحد وعند أبي يوسف يسهم لفرسين، وما يستدل به على ذلك محمول على التنفيل عند الإمام كما أعطى عليه الصلاة والسلام سلمة بن الأكوع سهمين وهو راجل ولا يسهم لثلاثة اتفاقًا {وَقَالَ موسى يا قوم إِن} شرط جزاؤه محذوف أي إن كنتم آمنتم بالله تعالى فاعلموا أنه تعالى جعل الخمس لمن جعل فسلموه إليهم واقنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، وليس المراد مجرد العلم بذلك بل العلم المشفوع بالعمل والطاعة لأمره تعالى، ولم يجعل الجزاء ما قبل لأنه لا يصح تقدم الجزاء على الشرط على الصحيح عند أهل العربية، وإنما لم يقدر العمل قصرًا للمسافة كما فعله النسفي لأن المطر في أمثال ذلك أن يقدر ما يدل ما قبله عليه فيقدر من جنسه، وقوله سبحانه: {وَمَا أَنزَلْنَا} عطف على الاسم الجليل و{مَا} موصولة والعائد محذوف أي الذي أنزلناه {على عَبْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم، وفي التعبير عنه بذلك ما لا يخفى من التشريف والتعظيم، وقرئ {عَبْدَنَا} بضمتين جمع عبد، وقيل: اسم جمع له وأريد به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فإن بعض ما نزل نازل عليهم {يَوْمَ الفرقان} هو يوم بدر فالإضافة للعهد، والفرقان بالمعنى اللغوي فإن ذلك اليوم قد فرق فيه بين الحق والباطل، والظرف منصوب بأنزلنا، وجوز أبو البقاء تعلقه بآمنتم، وقوله سبحانه: {يَوْمَ التقى الجمعان} بدل منه أو متعلق بالفرقان، وتعريف الجمعان للعهد، والمراد بهم الفريقان من المؤمنين والكافرين؛ والمراد بما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام من الآيات والملائكة والنصر على أن المراد بالإنزال مجرد الإيصال والتيسير فيشمل الكل شمولًا حقيقيًا فالموصول عام ولا جمع بين الحقيقة والمجاز خلافًا لمن توهم فيه، وجعل الإيمان بهذه الأشياء من موجبات العلم بكون الخمس لله تعالى على الوجه المذكور من حيث أن الوحي ناطق بذلك وأن الملائكة والنصر لما كانا منه تعالى وجب أن يكون ما حصل بسببهما من الغنيمة مصروفًا إلى الجهات التي عينها الله سبحانه: {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} ومن آثار قدرته جل شأنه ما شاهدتموه يوم التقى الجمعان. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ}
أي: قلّ أو كثُر من الكفار {فَأَنَّ لِلّهِ} أي: الذي منه النصر المتفرع عليه الغنيمة {خُمُسَهُ} شكرًا له على نصره وإعطائه الغنيمة {وَلِلرَّسُولِ} أي: الذي هو الأصل في أسباب النصر {وَلِذِي الْقُرْبَى} وهم بنو هاشم والمطلب {وَالْيَتَامَى} أي: من مات آباؤهم ولم يبلغوا، لأنهم ضعفاء، {وَالْمَسَاكِينِ} لأنهم أيضًا ضعفاء كاليتامى {وَابْنِ السَّبِيلِ} وهو المسافر الذي قطع عليه الطريق ويريد الرجوع إلى بلده، ولا يجد ما يتبلغ بهم.
وفي هذه الآية مسائل:
الأولى: قال الفقهاء: الغنيمة المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، أي: ما ظهر عليه المسلمون بالقتال. وهل هي والفيء والنفل شيء واحد أو لا؟ وسنفصله في آخر المسائل.
الثانية: ما في: {أنما} بمعنى الذي والعائد محذوف، وكان حقها، على أصولهم، أن تكتب مفصولة.
قال الشهاب: وقد أجيز في ما هذه أن تكون شرطية.
الثالثة: قوله تعالى: {مِنْ شَيءٍ}، بيان للموصول، محله النصب، على أنه حال من عائد الموصول، قصد به الإعتناء بشأن الغنيمة، وألا يشذّ عنها شيء، أي: ما غنمتموه كائنًا ما كان يقع عليه اسم الشيء، حتى الخيط والمخيط.
الرابعة: الخمس بضم الميم، وسكونها، لغتان قد قرئ بهما.
الخامسة: أفادت الآية أن الواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين بالعدل، للراجل سهم، وللفارس ذي الفرس العربيّ ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه.
هكذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر.
ومن الفقهاء من يقول: للفارس سهمان.
والأول هو الذي دلت عليه السنة الصحيحة، ولأن الفرس يحتاج إلى مؤونة نفسه وسائسه، ومنفعة الفارس به أكثر من منفعة رجلين.
ومنهم من يقول: يسوى بين الفرس العربيّ والهجين في هذا، الهجين يسمى البرذون والأكديش.
ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها.
وفي صحيح البخاري أن سعد بن أبي وقاص رأى أن له فضلًا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ وفي مسند أحمد أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ثكلتك أمك ابن أم سعد وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم. كذا في السياسة الشرعية لابن تيمية.
في زاد المعاد لابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم إذا ظفر بعدوه، أمر مناديًا فجمع الغنائم كلها، فبدأ بالأسلاب فأعطاها لأهلها، ثم أخرج خمس الباقي فوضعه حيث أراه الله وأمره به من مصالح الإسلام، ثم يرضخ من الباقي لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد، ثم قسم الباقي بالسوية بين الجيش: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم، وكان ينفل من صلب الغنيمة بحسب ما يراه من المصلحة.
وقيل: بل كان النفل من الخمس، وجمع لسلمة بن الأكوع، في بعض مغازيه، بين سهم الراجل والفارس، فأعطاه خمسة أسهم، لعظم غنائه في تلك الغزوة.
قال ابن تيمية: وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية وبني العباس، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر.