فصل: قال صاحب المنار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ففي غزوة خيبر سلّم اليهود للنبىّ والمسلمين من غير قتال، وذلك بعد أن سار إليهم النبي والمسلمون بعد صلح الحديبية، فلما استشعروا الهزيمة والهلاك أعطوا يدهم واستسلموا صاغرين.. وفي هذا نزل قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. وقد اعتبرت مغانم خيبر أنفالا، كلها ليد الرسول، ينفقها فيما أمره اللّه به أن ينفقها فيه.. وفي هذا يقول اللّه تعالى: {وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. ثم يقول سبحانه بعد هذا: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [6- 7: الحشر].
فقد جعل اللّه سبحانه الفيء هنا كلّه للّه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين، ولم يجعل فيه نصيبا مفروضا للمجاهدين، حيث لم تقع حرب، ولم يكن قتال.. نعود بعد هذا إلى شرح الآيات:
فقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} هو بيان لحكم اللّه في الغنائم التي يغنمها المجاهدون بسيوفهم في القتال.. فهى ثمرة عاجلة من ثمرات جهادهم.. ولو كان القتال لحسابهم لكانت هذه المغانم كلها لأيديهم، وأمّا وهم إنما يقاتلون لحساب الإسلام، ولإعلاء كلمة اللّه، فقد وجب أن يكون للّه حقّ في هذه المغانم، بل وجب أن تكون هذه المغانم كلّها حقّا للّه.. ولكن اللّه- سبحانه وتعالى- عاد بفضله على المجاهدين، فعجّل لهم هذه الثمرة من جهادهم، وجعلها حظّا مشاعا بينهم، بعد أن يخرج منها الخمس الذي هو للّه ولرسوله ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
فالمغانم التي يغنمها المجاهدون في القتال تقسمّ هكذا:
الخمس: للّه ولرسول.. ولذى القربى.. واليتامى.. والمساكين.. وابن السبيل..
فهذا الخمس من الغنائم موزع على خمسة أقسام:
قسم للّه.. وما كان للّه فهو لرسول اللّه.. وقسم لذوى القربى من رسول اللّه.. من بنى عبد المطلب وبنى هاشم.. وثلاثة أقسام للفقراء والمساكين وابن السبيل..
أما أربعة الأخماس الباقية من المغانم بعد مخرج هذا الخمس منها، فهى للمجاهدين الذين قاتلوا على تلك الغنائم.. تقسم بالسويّة بينهم.. لكل مقاتل سهم..
وفي التسوية بين المجاهدين، مع اختلافهم في القوة والضعف، حيث يكون فيهم من يرجح بعشرات الأبطال، على حين يكون فيهم من هو دون ذلك بكثير- في هذه التسوية احتفاء بالجهاد من حيث هو جهاد، وتكريم للمجاهدين من حيث هم على نية الجهاد، وفي ميدان القتال، ومعرض الاستشهاد.. فهذا هو الذي يحكم النّاس في هذا المجال.. أما فضل بعض المجاهدين على بعض في البأس والقوة، والنكاية بالعدوّ، فذلك- وإن كان له حسابه وجزاؤه- إلا أنه لا يصحّ أن يكون بالمكان الذي يجعل من المجاهدين درجات، ومنازل.. فهم جميعا على درجة واحدة، مع تلك النيّات التي انعقدت منهم على الجهاد، ومع هذا الموقف الذي واجهوا فيه الاستشهاد في سبيل اللّه..
وقد وقع في نفس بعض المسلمين شيء من هذا، بل ربّما كان ذلك من أقويائهم وضعفائهم على السواء.. حين نظر بعض الأقوياء فرأوا أن في التسوية بينهم وبين الضعفاء في الغنائم غبنا لهم من الجانب المادىّ، الذي ربّما ينسحب على الأجر الأخروى.. على حين نظر الضعفاء إلى حظّهم المادىّ الذي تساووا فيه مع الأقوياء، فوقع في أنفسهم أن ذلك ربّما لا ينسحب على حظهم الأخروى، فلا يكون لهم من الجزاء الأخروى ما لإخوانهم الأقوياء..!
روى أحمد في مسنده عن سعد بن أبى وقاص، قال: قلت: يا رسول اللّه..
الرجل يكون حامية القوم.. سهمه وسهم غيره سواء..؟ فقال: «ثكلتك أمّك ابن أمّ سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟».
ثم كان من عمل الرسول بعد أن اتصل التحام المسلمين بالمشركين أن جعل للفارس سهمين: له سهم، ولفرسه سهم.. أما الراجل فله سهم واحد..
وذلك ليستحثّ المسلمين على اقتناء الخيل، وإعدادها للقتال، لتكون سلاحا عاملا منهم في الجهاد، ولهذا جاء قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}- جاء قوله تعالى هنا منبها إلى قيمة الخيل، وملفتا النظر إلى آثارها في ميدان الحرب، وأنها- وعليها فرسانها- مصدر رهبة، ومثار فزع ورعب للعدوّ، الأمر الذي إن تحقق للمسلمين في عدوّهم كان أول ضربة، يصيبون بها العدوّ في مقاتله.
هذا، وقد اختلف في الخمس الذي كان للرسول، مع الخمس الذي كان لقرابته، مما جعله اللّه لهما في خمس الغنائم الذي توزع إلى خمسة أخماس.. وذلك بعد وفاة الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه.
أما خمس الرسول، فهو خمس اللّه الذي أضافه اللّه سبحانه إلى رسوله..
وعلى هذا يضاف هذا الخمس إلى ثلاثة الأخماس التي لليتامى والمساكين وابن السبيل..
وأما خمس ذوى القربى فقد أباه أبو بكر رضى اللّه عنه عليهم بعد وفاة النبىّ، واعتبره ميراثا.. فقد كان النبي ينفق منه على ذوى قرابته، فلما توفّى- صلوات اللّه وسلامه عليه- لم يكن لذوى قرابته حق فيه، عملا بقول الرسول الكريم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث؛ ما تركناه صدقة».
وقد أخذ عمر بهذا بعد أبى بكر، كما أخذ به عثمان، ثم علىّ.. رضى اللّه عنهم، وأبى علىّ كرم اللّه وجهه أن يخرج على ما سار عليه الخلفاء الراشدون قبله.. وإن كان من رأيه- كاجتهاد له- أن خمس ذوى القربى حقّ لهم بعد الرسول، كما هو حق لهم في حياته. وبهذا الرأى أخذ الإمام الشافعي، وبعض الأئمة، كما أنه هو الرأى المعتمد عند الشيعة.
وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. هو توكيد لتلك الدعوة التي دعى إليها المجاهدون من اللّه سبحانه، بأن يجعلوا مما يغنمون.. خمس هذه الغنائم، للّه وللرسول، ولذى القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل..
فهذا الحكم الذي قضى به اللّه سبحانه، هو دعوة منه سبحانه إلى من آمن به.. فإن من شأن من آمن باللّه أن يتقبل أحكامه راضيا مطمئنا، لا يطوف بنفسه طائف من الضيق أو الحرج..
والإسلام حريص أشدّ الحرص على سلامة نفوس المجاهدين، وتصفيتها من أية شائبة تعلّق بها في هذا الموطن، الذي ينبغى أن يكون المسلم فيه، على ولاء مطلق للقضية التي يقاتل في سبيلها، ويستشهد راضيا قرير العين من أجلها، الأمر الذي لا يتحقق إذا تسرب إلى النفوس شيء من دخان الضيق أو الشك.
ولهذا، فإن من تدبير الحكيم العليم في هذا، أنه بعد أن شدّ المؤمنين إلى الإيمان الذي وصلهم باللّه، وأقامهم على الجهاد في سبيله- ذكّرهم بما يمدّهم به من أمداد عونه ونصره، وهم في مواجهة العدوّ، وفي ملتحم القتال معه، وأنّهم إنما ينتصرون على أعدائهم بتلك الأمداد التي يمدّهم اللّه بها.. فإن نسوا هذا فليذكروا ما أنزل اللّه على عبده {يَوْمَ الْفُرْقانِ} أي يوم بدر، حيث كان يوما فارقا بين الحق والباطل.. بين الإيمان والكفر..
{يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} جمع المسلمين، وجمع الكافرين.. فقد شهد المسلمون في هذا اليوم كيف كانت أمداد السّماء تتنزل عليهم، وكيف كانت آثار هذه الأمداد في عدوّهم، وفي دحره وهزيمته..
{وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لا يعجزه شيء، فإن بيده- سبحانه وتعالى- مقاليد كل شيء: يعزّ من يشاء ويذل من يشاء، وينصر من يشاء، ويهزم من يشاء: {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. فالذى أنزله اللّه على عبده يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، هو هذا المدد السماوي من الملائكة.. وإيمان المسلمين بهذا المدد: هو التصديق بنزول الملائكة ومظاهرتهم لهم في هذا اليوم.، فهذا خبر جاء به القرآن يجب على كل مؤمن أن يؤمن به!. اهـ.

.قال صاحب المنار:

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}
تَقَدَّمَ وَجْهُ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عَوْدٌ إِلَى وَصْفِ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْعِبَرِ وَالْأَحْكَامِ، وَقَدْ بُدِئَ هَذَا السِّيَاقُ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْقِتَالِ وَهُوَ تَخْمِيسُ الْغَنَائِمِ، كَمَا بُدِئَتِ السُّورَةُ بِذِكْرِ الْأَنْفَالِ (الْغَنَائِمِ) الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا وَتَسَاءَلُوا عَنْهَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْآيَةِ هُنَا وَمَا قَبْلَهَا مُبَاشَرَةً ظَاهِرٌ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ الْمُعْتَدِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَوَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ أَخْذَ الْغَنَائِمِ مِنْهُمْ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهُ مَا يُرْضِيهِ سُبْحَانَهُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ، وَإِنَّنَا نَذْكُرُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا أَوْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا، كَالْفَيْءِ وَالنَّفْلِ وَالسَّلَبِ وَالصَّفِيِّ قَبْلَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لِطُولِهِ: حَتَّى لَا يَخْتَلِطَ بِمَدْلُولِ الْأَلْفَاظِ فَنَقُولُ: الْغُنْمُ بِالضَّمِّ وَالْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: مَا يُصِيبُهُ الْإِنْسَانُ وَيَنَالُهُ وَيَظْفَرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَهُوَ قَيْدٌ يُشِيرُ إِلَيْهِ ذَوْقُ اللُّغَةِ أَوْ يَشْتَمُّ مِنْهُ مَا يُقَارِبُهُ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ دَقِيقٍ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كُلُّ كَسْبٍ أَوْ رِبْحٍ أَوْ ظَفَرٍ بِمَطْلُوبٍ غَنِيمَةً، كَمَا أَنَّ الْعَرَبَ أَنْفُسَهُمْ قَدْ سَمَّوْا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْأَعْدَاءِ فِي الْحَرْبِ غَنِيمَةً، وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ مَشَقَّةٍ، فَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْغُنْمَ: مَا يَنَالُهُ الْإِنْسَانُ، وَيَظْفَرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ مَادِّيٍّ يَبْذُلُهُ فِي سَبِيلِهِ (كَالْمَالِ فِي التِّجَارَةِ مَثَلًا)، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ الْغُرْمَ ضِدُّ الْغُنْمِ، وَهُوَ مَا يَحْمِلُهُ الْإِنْسَانُ مَنْ خُسْرٍ وَضَرَرٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُ، وَلَا خِيَانَةٍ يَكُونُ عِقَابًا عَلَيْهِمَا. فَإِنْ جَاءَتِ الْغَنِيمَةُ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا سَعْيٍ مُطْلَقًا سُمِّيَتِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ. وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ: الْغُنْمُ بِالضَّمِّ: الْغَنِيمَةُ، وَغَنِمْتُ الشَّيْءَ: أَصَبْتُهُ غَنِيمَةً وَمَغْنَمًا، وَالْجَمْعُ غَنَائِمُ وَمَغَانِمُ وَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ أَيْ مُقَابَلٌ بِهِ. وَغَرَمْتُ الدِّيَةَ وَالدَّيْنَ: أَدَّيْتُهُ. وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ يُقَالُ: غَرَّمْتُهُ، وَبِالْأَلْفِ (أَغْرَمْتُهُ): جَعَلْتُهُ لِي غَارِمًا. وَالْغَنِيمَةُ أَعَمُّ مِنَ النَّفْلِ، وَالْفَيْءُ أَعَمُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ بَعْدَ مَا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَتَصِيرُ الدَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ. وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُخَمَّسُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ عَنْوَةً بِقِتَالٍ، وَالْفَيْءَ مَا كَانَ عَنْ صُلْحٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ. وَقِيلَ: النَّفْلُ إِذَا اعْتُبِرَ كَوْنُهُ مَظْفُورًا بِهِ يُقَالُ لَهُ غَنِيمَةٌ، وَإِذَا اعْتُبِرَ كَوْنُهُ مِنْحَةً مِنَ اللهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ يُقَالُ لَهُ: نَفْلٌ وَقِيلَ: الْغَنِيمَةُ مَا حَصَلَ مُسْتَغْنَمًا بِتَعَبٍ كَانَ أَوْ بِغَيْرِ تَعَبٍ، وَبِاسْتِحْقَاقٍ كَانَ أَوْ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَقَبْلَ الظَّفَرِ أَوْ بَعْدَهُ. وَالنَّفْلُ مَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ قَبْلَ (قِسْمَةِ) الْغَنِيمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْغَنِيمَةُ وَالْجِزْيَةُ وَمَالُ الصُّلْحِ وَالْخَرَاجُ كُلُّهُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: كُلُّ مَا يَحِلُّ أَخْذُهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ فَيْءٌ. اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي الشَّرْعِ: مَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ عَنْوَةً، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُخَمَّسُ فَخُمُسُهَا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ عِنْدُ الْجُمْهُورِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ بِغَيْرِ قَهْرِ الْحَرْبِ لِقوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [59: 6] الْآيَةَ وَهُوَ لِمَصَالِحِ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ كَالْغَنِيمَةِ.
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ (النَّفْلُ) بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ لِبَعْضِ الْغُزَاةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ مِنَ الْغَنَائِمِ لِمَصْلَحَةٍ اسْتَحَقَّهُ بِهَا قِيلَ: يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ (وَالسَّلَبُ) وَهُوَ مَا يُسْلَبُ مِنَ الْمَقْتُولِ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ سِلَاحٍ وَثِيَابٍ، وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ يُعْطَى لِلْقَاتِلِ قِيلَ: مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه و(الصَّفِيُّ) وَكَانَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصْطَفِيَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ يَكُونُ سَهْمًا لَهُ خَاصًّا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ السَّبْيِ أَوِ الْخَيْلِ أَوِ الْأَسْلِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ النَّفَائِسِ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ إِمَامٌ.
تَفْسِيرُ الْآيَةِ:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} هَذَا عَطْفٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وأَنَّ مَا رُسِمَتْ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ مَوْصُولَةً هَكَذَا: أَنَّمَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ كَانَ بِهَا، وَلَكِنَّ أَهْلَ السَّيْرِ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا شُرِعَتْ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَمْ تُبَيَّنْ بِالصَّرَاحَةِ إِلَّا فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ فِي رَجَبٍ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، قَالَ: ذَكَرَ لِي بَعْضُ آلِ جَحْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللهُ الْخُمُسَ، فَعَزَلَ لَهُ الْخُمُسَ، وَقَسَّمَ سَائِرَ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ (قَالَ): فَوَقَعَ رِضَا اللهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: نَزَلَتِ الْأَنْفَالُ فِي بَدْرٍ وَغَنَائِمِهَا. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ آيَةَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ تَفْرِقَةِ الْغَنَائِمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السِّيَرِ نَقَلُوا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَسَمَهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَعْطَاهَا لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَوْ غَابَ لَعُذْرٍ تَكَرُّمًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كَانَتْ أَوَّلًا بِنَصِّ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَالَ): وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَ: وَأَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ: فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خُمُسٌ اهـ.