فصل: المسألة الخامسة: في تحقيق المقام فيما للإمام أن ينفله من الغنيمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخبر من كان أعلم بشأن مكة منه عن جريان الإرث، والبيع فيها.
وعن حديث: «منى مناخ من سبق» بأنه محمول على مواتها، ومواضع نزول الحجيج منها. قاله النووي. اهـ.
واعلم أن تضعيف البيهقي لحديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وحديث عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة تعقبه عليه محشيه صاحب (الجوهر النقي)، بما نصه ذكر فيه حديثًا في سنده إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، فضعف إسماعيل، وقال عن أبيه غير قوي ثم اسنده من وجه آخر، ثم قال: رفعه وهم، والصحيح موقوف قلت: أخرج الحاكم في (المستدرك) هذا الحديث من الوجهين اللذين ذكرهما البيهقي، ثم صحح الأول، وجعل الثاني شاهدًا عليه، ثم ذكر البيهقي في آخره حديثًا عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة. ثم قال: هذا منقطع.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه بسند على شرط مسلم، وأخرجه الدارقطني وغيره، وعلقمة هذا صحابي. كذا ذكره علماء هذا الشأن، وإذا قال الصحابي مثل هذا الكلام. كان مرفوعًا على ما عرف به، وفيه تصريح عثمان بالسماع عن علقمة، فمن أين الانقطعا؟ اه كلام صاحب (الجوهر النقي).
قال مقيده- عفا الله عنه- لا يخفى سقوط اعتراض ابن التركماني هذا على الحافظ البيهقي. في تضعيفه الحديثين المذكورين.
أما في الأول: فلأن تصحيح الحاكم- رحمه الله- لحديث ضعيف لا يصيره صحيحًا.
وكم من حديث ضعيف صححه الحاكم- رحمه الله- وتساهله- رحمه الله- في التصحيح معروف عند علماء الحديث، وإبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي قد يكون للمناقشة في تضعيف الحديث به وجه. لأن بعض العلماء بالرجال وثقه وهو من رجال مسلم.
وقال فيه ابن حجر، في التقريب: صدوق لين الحفظ، أما ابنه إسماعيل فلم يختلف في أنه ضعيف.
وتضعيف الحديث به ظهر لا مطعن فيه.
وقال فيه ابن حجر في التقريب. ضعيف، فتصحيح هذا الحديث لا وجه له.
وأما قوله في اعتراضه تضعيف البيهقي لحديث الثاني. فمن أين الانقطاع فجوابه: أن الانقطاع من حيث إن علقمة بن نصلة تابعي صغير، وزعم الشيخ ابن التركماني، أنه صحابي غير صحيح، وقد قال فيه ابن حجر في (التقريب). علقمة بن نضلة- بفتح النون وسكون المعجمة- المكي، كناني.
وقيل: كندي تابعي صغير مقبول، أخطأ من عده في الصحابة، وإذن فوجه انقطاعه ظاهر، فظهر أن الصواب مع الحافظ البيهقي، والنووي وغيرهما في تضعيف الحديثين المذكورين.
ولا شك أن من تورع عن بيع رباع مكة، وإيجارها خروجًا من الخلاف، أن ذلك خير له، لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
تنبيه:
أجمع جميع المسلمين على أن مواضع النسك من الحرم كموضع السعي، وموضع رمي الجمار حكمها حكم المساجد، والمسلمون كلهم سواء فيها.
والظاهر أن ما يحتاج إليه الحجيج من منى، ومزدلفة كذلك، فلا يجوز لأحد أن يضيقهما بالبناء المملوك حتى تضيقا بالحجيج، ويبقى بعضهم لم يجد منزلًا، لأن المبيت بمزدلفة ليلة النحر، وبمنى ليالي أيام التشريق، من مناسك الحج.
فلا يجوز لأحد أن يضيق محل المناسك على المسلمين، حتى لا يبقى ما يسع الحجيج كله، ويدل له حديث: منى مناخ لمن سبق كما تقدم.

.المسألة الخامسة: في تحقيق المقام فيما للإمام أن ينفله من الغنيمة:

وسنذكر أقوال العلماء في ذلك، وأدلتهم، وما يقتضي الدليل رجحانه.
اعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة، كما أشرنا له في أول هذه السورة الكريمة، ووعدنا بإيضاحه هنا فذهب الإمام مالك- رحمه الله- إلى أن الإمام لا يجوز له أن ينفل أحدًا شيئًا إلا من الخمس، وهو قول سعيد بن المسيب، لأن الأخماس الأربعة. ملك للغانمين الموجفين عليها بالخيل، والركاب. هذا مشهور مذهبه، وعنه قول آخر: أنها من خمس الخمس.
ووجه هذا القول: أن اخماس الخمس الأربعة، غير خمس الرسول صلى الله عليه وسلم لمصارف معينة في قوله: {وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41] وأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين.
وأصح الأقوال عن الشافعي: أن الإمام لا ينفل إلا من خمس الخمس، ودليله: ما ذكرنا آنفًا.
وعن عمرو بن شعيب أنه قال. لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن قدامة في (المغني): ولعله يحتج بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} [الأنفال: 1].
وذهب الإمام أحمد في طائفة من أهل العلم: إلى أن للإمام أن ينفل الربع بعد الخمس في بدأته، والثلث بعد الخمس في رجعته.
ومذهب أبي حنيفة: أن للإمام قبل إحراز الغنيمة أن ينفل الربع، أو الثلث، أو أكثر، أو أقل بعد الخمس، وبعد إحراز الغنيمة لا يجوز له التنفيل إلا من الخمس.
وقد قدمنا جملة الخلاف في هذه المسألة في أول هذه السورة الكريمة، ونحن الآن نذكر إن شاء الله ما يقتضي الدليل رجحانه.
اعلم أولًا، أن التنفيل الذي اقتضى الدليل جوازه أقسام:
الأول: أن يقول الإمام لطائفة من الجيش: إن غنمتم من الكفار شيئًا، فلكم منه كذا بعد إخراج خمسه، فهذا جائز، وله أن ينفلهم في حالة إقبال جيش المسلمين إلى الكفار الربع، وفي حالة رجوع جيش المسلمين إلى أوطانهم الثلث بعد أخراج الخمس.
ومالك وأصحابه يقولون. إن هذا لا يجوز. لأنه تسبب في إفساد نيات المجاهدين، لأنهم يصيرون مقاتلين من أجل المال الذي وعدهم الإمام تنفيله.
والدليل على جواز ذلك. ما رواه حبيب بن مسلمة بن مالك القرشي الفهري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن الجارود.
واعلم أن التحقيق في حبيب المذكور. أنه صحابي، وقال فيه ابن حجر في التقريب مختلف في صحبته، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرًا، وله ذكر في الصحيح في حديث ابن عمر مع معاوية. اهـ.
وقد روى عنه أبو داود هذا الحديث من ثلاثة أوجه.
منها: عن مكحول بن عبد الله الشامي، قال: كنت عبدًا بمصر لامرأة من بني هذيل، فأعتقتني فما رجت من مصروبها علم إلا حويت عليه، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق، فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليها فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، كل ذلك: أسال عن النفل فلم أجد أحدًا يخبرني فيه بشيء، حتى لقيت شيخًا يقال له: زياد بن جارية التميمي. فقلت له: هل سمعت في النفل شيئًا؟ قال: نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: شهدت النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة-. اهـ.
وقد علمت أن الصحيح أنه صحابي، وقد صرح في هذه الرواية بأنه شهد النَّبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع إلى آخر الحديث.
ومما يدل على ذلك أيضًا: ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
وفي رواية عند الإمام أحمد: كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعًا- وكل الناس- نفل الثلث، وكان يكره الأنفال، ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم.
وهذه النصوص تدل على ثبوت التنفيل من غير الخمس.
ويدل لذلك أيضًا: ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن معن بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس»، قال الشوكاني: في نيل الأوطار: هذا الحديث صححه الطحاوي. اهـ.
والفرق بين البدأة والرجعة. أن المسلمين في البدأة: متوجهون إلى بلاد العدو، والعدو في غفلة. وأما في الرجعة: فالمسلمون راجعون إلى أوطانهم من أرض العدو، والعدو في حذر ويقظة، وبين الأمرين فرق ظاهر.
والأحاديث المذكورة تدل على أن السرية من العسكر إذا خرجت، فغنمت، أن سائر الجيش شركاؤهم، ولا خلاف في ذلك بين العلماء، كما قاله القرطبي.
الثاني: من الأقسام التي اقتضى الدليل جوازها: تنفيل بعض الجيش، لشدة بأسه، وغنائه، وتحمله ما لم يتحمله غيره، والدليل على ذلك ما ثبت في (صحيح مسلم)، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، في قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري، على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنقاذه منه. قال سلمة: فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا اليوم، أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل فجمعهما لي جميعًا. الحديث. هذا لفظ مسلم في صحيحه من حديث طويل.
وقد قدمنا أن هذه غزوة ذي قرد في سورة النساء، ويدل لهذا أيضًا: حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم في أول السورة، فإن فيه: أن سعدًا رضي الله عنه قال: لعله يعطى هذا السيف لرجل لم يبل بلائي، ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه لحسن بلائه وقتله صاحب السيف كما تقدم.
الثالث: من أقسام التنفيل التي اقتضى الدليل جوازها: أن يقول الإمام: «من قتل قتيلًا فله سلبه».
ومن الأدلة على ذلك: ما رواه الشيخان في صحيحيهما، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه. وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتل قتيلًا له عليه بيِّنة فله سلبه» قال: فقمت، ثم قلت: من يشهد لي؟، ثم جلست، ثم قال مثل ذلك، قال فقمت فقلت من يشهد لي؟، ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك يا ابا قتادة؟» فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم، صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي. فأرضه من حقه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا ها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق فأعطه إياه» فأعطاني، قال: فبعت الدرع فابتعت بها مخرفًا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. والأحاديث بذلك كثيرة.
وروى أبو داود، وأحمد، عن أنس. أن ابا طلحة يوم حنين قتل عشرين رجلًا، وأخذ اسلابهم، وفي رواية عنه عند أحمد، أحد وعشرين، وذكر أصحاب المغازي: أن أبا طلحة قال في قتله من ذكر:
أنا أبو طلحة واسمي زيد ** وكل يوم في سلاحي صيد

والحق أنه لا يشترط في ذلك أن يكون في مبارزة، ولا أن يكون الكافر المقتول مقبلًا.
أما الدليل على عدم اشتراط المبارزة: فحديث أبي قتادة هذا المتفق عليه.
وأما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلًا إليه: فحديث سلمة بن الأكوع، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقًا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مُشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله، فأطلق قيده ثم أناخه، وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه ردل على ناقة ورقاء. قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس معه. فقال: «من قتل الرجل؟» قالوا: ابن الأكوع، قال: «له سلبه أجمع» متفق عليه، واللفظ المذكور لمسلم في كتاب الجهاد والسير في باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وأخرجه البخاري بمعناه في كتاب الجهاد في باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلًا لا مدبرًا كما ترى.