فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولذلك جعلها الله في رؤيا النوم دون الوحي، لأنّ صور المَرائي المنامية تكَون رموزًا لمعان فلا تُعَدُّ صورتها الظاهرية خلفًا، بخلاف الوحي بالكلام.
وقد حكاها النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين، فأخذوها على ظاهرها، لعلمهم أنّ رؤيا النبي وحي، وقد يكون النبي قد أطلعه الله على تعبيرها الصائِب، وقد يكون صرفه عن ذلك فظنّ كالمسلمين ظاهرها، وكلّ ذلك للحكمة.
فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لم تخطئ ولكنها أوهمتهم قلّة العَدد، لأنّ ذلك مرغوبهم والمقصود منه حاصل، وهو تحقّق النصْر، ولو أخبروا بعدد المشركين كما هو لجبنُوا عن اللقاء فضعفت أسباب النصر الظاهرة المعتادة التي تكسبهم حسن الأحدوثة.
ورؤيا النبي لا تخطئ، ولكنها قد تكون جارية على الصورة الحاصلة في الخارج، كما ورد في حديث عائشة في بدء الوحي: أنّه كان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فَلَق الصبح، وهذا هو الغالب، وخاصّة قبل ابتداء نزول المَلك بالوحي، وقد تكون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم رمزية وكناية كما في حديث رؤياه بَقَرًا تُذبح، ويُقال له: الله خير، فلم يعْلَم المراد حتّى تبيّن له أنّهم المؤمنون الذين قُتلوا يوم أُحد.
فلمّا أراد الله خذل المشركين وهزمهم أرى نبيئه المشركين قليلًا كناية بأحد أسباب الانهزام، فإنّ الانهزام يجيء من قلّة العدد.
وقد يُمسك النبي عليه الصلاة والسلام عن بيان التعبير الصحيح لحكمة، كما في حديث تعْبير أبي بكر رؤيا الرجل الذي قصّ رؤياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول النبي له: «أصبتَ بعضًا وأخطأت بعضًا» وأبى أن يبيّن له ما أصاب منها وما أخطأ.
ولو أخبر الله رسوله ليُخبر المؤمنين بأنّهم غالبون المشركون لآمنوا بذلك إيمانًا عقليًا لا يحصل منه ما يحصل من التصوير بالمحسوس، ولو لم يخبره ولم يُرِه تلك الرؤيا لكان المسلمون يحسبون للمشركين حسابًا كبيرًا.
لأنّهم معروفون عندهم بأنّهم أقوى من المسلمين بكثير.
وهذه الرؤيا قد مضت بالنسبة لزمن نزول الآية، فالتعبير بالفعل المضارع لاستحضار حالة الرؤيا العجيبة.
والقليل هنا قليل العَدد بقرينة قوله: {كثيرا}.
أراه إيّاهم قليلي العدد، وجعل ذلك في المكاشفة النومية كناية عن الوهن والضعف.
فإنّ لغة العقول والأرواح أوسع من لغة التخاطب، لأنّ طريق الاستفادة عندها عقلي مستند إلى محسوس، فهو واسطة بين الاستدلال العقلي المحض وبين الاستفادة اللغوية.
وأخبر بـ قليل وكثير وكلاهما مفرد عن ضمير الجمع لما تقدّم عند قوله تعالى: {معه ربيون كثير} [آل عمران: 146].
ومعنى: {ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم} أنّه لو أراكهم رؤيا مماثلة للحالة التي تبصرها الأعين؛ لدخل قلوبَ المسلمين الفشلُ، أي إذا حدثهم النبي بما رأى، فأراد الله إكرام المسلمين بأن لا يدخل نفوسهم هلع، وإن كان النصر مضمونًا لهم.
فإن قلت: هذا يقتضي أنّ الإراءة كانت متعيّنة ولِمَ لَمْ يَتْرُك الله إراءتَه جيش العدوّ فلا تكونَ حاجة إلى تمثيلهم بعَدد قليل، قلتُ: يظهر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رجا أن يرى رؤيا تكشف له عن حال العدوّ، فحقّق الله رجاءه، وجنّبه ما قد يفضي إلى كدر المسلمين، أو لعلّ المسلمين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعلم ربّه عن حال العدوّ.
والفشل: الجبن والوهن.
والتنازع: الاختلاف.
والمراد بالأمر الخطة التي يجب اتباعها في قتال العدوّ من ثبات أو انجلاء عن القتال.
والتعريف في {الأمر} للعهد وهو أمر القتال وما يقتضيه.
والاستدراك في قوله: {ولكن الله سلم} راجع إلى ما في جملة: {ولو أراكهم كثيرًا} من الإشعار بأنّ العدوّ كثير في نفس الأمر، وأنّ الرؤيا قد تحاكي الصورة التي في نفس الأمر، وهو الأكثر في مرائي الأنبياء، وقد تحاكي المعنى الرمزيَّ وهو الغالب في مرائي غير الأنبياء، مثل رؤيا مَلِك مصر سبعَ بقرات، ورؤيا صاحبي يوسف في السِّجْن، وهو القليل في مرائي الأنبياء مثل رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنّه هَزَّ سيفًا فانكسر في يده، فمعنى الاستدْراك رفع ما فرض في قوله: {ولو أراكهم كثيرًا}.
فمفعول {سلم} ومتعلِّقه محذوفان إيجازًا إذ دلّ عليه قوله: {لفشلتم ولتنازعتم} والتقدير: سَلَّمكم من الفَشَل والتنازع بأن سلمكم من سببهما، وهو إراءتكم واقِع عدد المشركين، لأنّ الاطّلاع على كثرة العدوّ يلقي في النفوس تهيّبًا له وتخوّفًا منه، وذلك ينقص شجاعة المسلمين الذين أراد الله أن يوفّر لهم منتهى الشجاعة.
ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {ولكن الله سلم} دون أن يقول: ولكنّه سلّم، لقصد زيادة إسناد ذلك إلى الله، وأنّه بعنايته، واهتمامًا بهذا الحادث.
وجملة: {إنه عليم بذات الصدور} تذييل للمنة، أي: أوحى إلى رسوله بتلك الرؤيا الرمزية، لعلمه بما في الصدور البشرية من تأثّر النفوس بالمشاهدات والمحسوسات أكثر ممّا تتأثّر بالاعتقادات، فعَلِم أنّه لو أخبركم بأنّ المشركين ينهزمون، واعتقدتم ذلك لصِدْق إيمانكم، لم يكن ذلك الاعتقاد مثيرًا في نفوسكم من الشجاعة والإقدام ما يثيره إعتقادي أنّ عددهم قليل، لأنّ الاعتقاد بأنّهم ينهزمون لا ينافي توقّع شدّة تَنْزِل بالمسلمين، من موت وجراح قبل الانتصار، فأمّا اعتقاد قلّة العدوّ فإنّها تثير في النفوس إقدامًا واطمئنان بال، فلعلمه بذلك أراكهم الله في منامك قليلًا.
ومعنى {ذات الصدور} الأحوال المصاحبة لضمائر النفوس، فالصدور أطلقت على ما حلّ فيها من النوايا والمضمرات، فكلمة {ذَات} بمعنى صاحبة، وهي مؤنث (ذو) أحدِ الأسماء الخمسة، فأصل ألفها الواو ووزنها (ذَوَت) انقلبت واوها ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، قال في الكشاف في تفسير سورة [فاطر: 38] في قوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} هي تأنيث ذُو، وذُو موضوع لمعنى الصحبة من قوله:
لتَغْنِيَ عَنّي ذَا إنائِك أجمَعا

يعني أنّ ذات الصدور الحالةُ التي قرارتها الصدور فهي صاحبتها وساكنتُها، فذات الصدور النوايا والخواطر وما يهمّ به المرء وما يدبّره ويكيده. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)}
والحق سبحانه وتعالى إذا أراد معركة فاصلة، يجعل الخواطر في كل قوم مهيجة على الحرب؛ لأنه سبحانه وتعالى يريد للفئتين أن يشتبكوا، ويفصل الحق في المسألة، وهذا الاشتباك لو حدث بالمقاييس العادية ربما جَبُنَتْ الفئة القليلة عن أن تواجه الفئة الكثيرة. ولكي تتم المعركة لابد أن يكون كل من الفريقين المتحاربين واثقا من النصر؛ لأنه لو أيقن أحدهما أنه سيهزم لما دخل إلى المعركة.
والله سبحانه وتعالى يُعلم رسوله والمؤمنين كيف أعد الله الإعداد النفسي للمعركة، فأرى النبي في الرؤيا أن عدد الكفار قليل حتى يؤمن أن المؤمنين سينتصرون عليهم بسهولة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه رؤيا توضح أن عدد الكفار قليل في أعين المؤمنين، وأخبر قومه بذلك وقد قلل عدد المؤمنين في أعين الكفار، ليتم اللقاء وتحدث المعركة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلًا} قال: أراه الله إياهم في منامه قليلًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان تثبيتًا لهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ورجع إلى العريش، فدخله ومعنا أبو بكر رضي الله عنه، وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله. هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} قال: لاختلفتم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولكن الله سلم} أي أتم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولكن الله سلم} يقول: سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا}
النَّاصب لـ {إذْ} يجوزُ أن يكون مضمرًا، أي: اذكُرْ، ويجوزُ أن يكون {عليم}، وفيه بعدٌ من حيث تقييدُ هذه الصفةِ بهذا الوقتِ، ويجوزُ أن تكون {إذْ} هذه بدلًا من {إذْ} قبلها، والإراءة هنا حُلُمية.
واختلف فيها النُّحاةُ: هل تتعدَّى في الأصل لواحدٍ كالبصريَّةِ، أو لاثنين، كالظَّنِّيَة؟.
فالجمهورْ على الأوَّلِ.
فإذا دخلت همزةُ النَّقْلِ أكسبتْهَا ثانيًا، أو ثالثًا على حسب القولين فعلى الأوَّلِ تكون الكافُ مفعولًا أول، وهُمْ مفعولٌ ثان، و{قَلِيلًا} حال، وعلى الثَّاني يكون {قَلِيلًا} نصبًا على المفعول الثالث، وهذا يَبْطُلُ بجواز حذف الثالث في هذا الباب اقتصارًا، أي: من غير دليل تقول: أراني الله زيدًا في مَنَامِي، ورأيتك في النوم، ولو كانت تتعدَّى لثلاثةٍ، لما حُذفَ اقتصارًا؛ لأنه خبر في الأصل.
قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ} الإراءةُ- هنا- بَصرية، والإتيان هنا بصلة ميم الجمع واجبٌ، لاتصالها بضمير، ولا يجوزُ التَّسكينُ، ولا الضَّمُّ من غير واوٍ، وقد جوَّز يونس ذلك فيقول: أنْتُم ضرَبْتُمهُ بتسكين الميم وضمها، وقد يتقوَّى بما روي عن عثمان: أراهُمُنِي الباطِلُ شَيْطَانًا وفي هذا الكلام شذوذ من وجهٍ آخر، وهو تقديمُ الضمير غير الأخصِّ على الأخصِّ مع الاتصال. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (44):

قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين ما نشأ عن رؤيته صلى الله عليه والسلم من قلتهم وما كان ينشأ عن رؤيته الكثرة لو وقعت، لأنه صلى الله عليه وسلم- لما هو عليه من النصيحة والشفقة- كان يخبرهم بما رأى كما أخبرهم في غزوة أحد بالبقر المذبحة؛ أتبعه ما فعل من اللطف في رؤيتهم بأنفسهم يقظة فقال: {وإذ} أي واذكروا أيضًا إذ {يريكموهم} أي يبصركم أياهم {إذ} أي حين {التقيتم} ونبه على أن الرؤية ليست على حقيقة ما هم عليه بقوله: {في أعينكم} أي لا في نفس الأمر حال كونهم {قليلًا} أي عددهم يسيرًا أمرهم مصدقًا لما أخبركم به النبي صلى الله عليه وسلم عن رؤياه لتجترئوا عليهم؛ روي عن ابن مسعود- رضى الله عنهم- أنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا، قال الحرالي في آل عمران: فجعل القليل وصفًا لهم لازمًا ثابتًا دائمًا عليهم بما أوجب فيهم من نقص ذواتهم بخفاء فطرتهم وما وراء خلق الفطرة من الذوات، قال تعالى: {ويقللكم} صيغة فعل واقع وقت لا وصفًا لهم من حيث إنه لو أراهم أياهم على الإراءة الحقيقية لزادهم مضاعفين بالعشر، فكانوا يرونهم ثلاثة آلاف ومائتين وثلاثين- انتهى.
{في أعينهم} قبل اللقاء ليجترئوا على مصادمتكم حتى قال أبو جهل: إنما هم أكلة جزور، ثم كثركم في أعينهم حين المصادفة حتى انهزموا حين فاجأتهم الكثرة فظنوا الظنون؛ قال الحرالي: قللهم حين لم يرهم أياهم على الإراءة- الحقيقية العشرية، ولا أراهم أياهم على الصورة الحسية؛ فكان ذلك أية للمؤمنين على قراءة ياء الغائب- أي في آل عمران- وكانت آية للكفار على قراءة {ترونهم}- بتاء الخطاب، فكان في ذلك في إظهار الإراءة في اعين الفئتين نحو مما كان من الإراءتين الواقعة بين موسى عليه السلام والسحرة في أن موسى عليه السلام ومن معه خيل إليهم من سحرهم أنها تسعى وأن فرعون ومن معه رأوا ثعبانًا مبينًا يلقف ما يأفكون رؤية حقيقة، فتناسب ما بين الأيات الماضية القائمة لهذه الآية بوجه ما، وكان هذه الآية أشرف وألطف بما هي في مدافعة بغير آلة من عصى ولا حبل في ذوات الفئتين وإحساسهم. انتهى.
ولما ذكر ما أحاله سبحانه من إحساس الفئتين، علله بقوله: {ليقضي الله} أي الذي له العزة البالغة والحكمة الباهرة من نصركم وخذلانهم بأن تفاجئهم كثرتكم بعد رؤيتكم قليلًا فيشجعهم ذلك، ويهزمهم {أمرًا كان مفعولًا} أي من إعجالهم- بما فجعهم من الكثرة بعد القلة- عن الحذر والاستعداد لذلك وبما فعل بأيديكم في هذه الغزوة من القتل والأسر والهزيمة المثمر لذل جميع أهل الكفر، كان مقدرًا في الأزل فلابد من وقوعه على ما حده لأنه لا راد لأمره ولا يبدل القول لديه، فعل ذلك كله وحده.
ولما كان التقدير: فبيده سبحانه ابتداء الأمور بتقديره أياها في الأزل لا بيد أحد غيره، عطف عليه قوله: {وإلى الله} أي الملك الأعلى الذي بيده وحده كل أمر {ترجع الأمور} أي كلها فلا ينفذ إلا ما يريد إنفاذه، فلا تجري الأمور على ما يظنه العباد، وهو من قولك: هذا الأمر راجع إليك، أي مهما أردته فيه مضى، ولو فرض أن غيرك عالجه لم يؤثر فيه؛ ولا يزال كذلك حتى يرجع إليك فيمضي، فالحاصل أن فيه قوة الرجوع بهذا الاعتبار وإن لم يكن هناك رجوع بالفعل، وفي هذا تنبيه على أن أمور الدنيا غير مقصودة لذواتها، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زادًا ليوم المعاد. اهـ.