فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
إذن رأى المؤمنون الكفار قليلًا، ولو كثَّر الله الكفار في أعين المؤمنين، أو كثّر المؤمنين في أعين الكفار ما حدثت المعركة. ولكنه سبحانه وتعالى شاء أن يقلل كل فريق في نظر الآخر ليبدأ القتال، ويحكي سيدنا عبد الله بن مسعود: لقد قلت لجار لي أظنهم سبعين، فقال: لا بل مائة.
وهكذا كان عدد الكافرين قليلًا في نظر المؤمنين، وكان عدد المؤمنين بالفعل قليلًا في عيون الكافرين.
وأيضًا شاء الحق سبحانه أن يجعل في ذلك بلاغًا من إعلامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى النبي عدد الكافرين في المنام وهم قليل، وأخبر صلى الله عليه وسلم قومه بذلك. ودار القتال الذي أراده الله تعالى: {لِيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} [الأنفال: 44].
والأمر الحاسم هو التقاء الفئتين المتقاتلتين في معركة بدر ليفصل الله بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر؛ حتى ترجع الأمور إلى الله، فلكل واحد من جنود المعركة جزاءٌ من عند الله سبحانه وتعالى؛ المؤمنون لهم جزاء على قدر نياتهم وإخلاصهم في الجهاد، الكافرون عليهم غضب من الله تعالى. والغضب منازل، كل منزلة من الغضب حسب أحوال صاحبها.
وقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} نجد فيه كلمة {الأمور} وهي جمع أمر، وفي المعارك ألوان مختلفة من الأوامر؛ فلكل جندي أمر، وهناك أمر عام تنتهي إليه المعارك وهو انتصار طرف وانهزام طرف آخر. ولكي يتم النصر للمؤمنين فإن الله يطلب منهم أن يثبتوا في المعركة؛ فيقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا...}. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيتين:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}
{إذ} منصوب بفعل مقدّر، أي اذكر أو هو بدل ثان من يوم الفرقان.
والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في منامه قليلًا، فقصّ ذلك على أصحابه، فكان ذلك سببًا لثباتهم.
ولو رآهم في منامه كثيرًا، لفشلوا وجبنوا عن قتالهم وتنازعوا في الأمر، هل يلاقونهم أم لا؟ {ولكن الله سَلَّمَ} أي سلمهم وعصمهم من الفشل والتنازع، فقللهم في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام.
وقيل عني بالمنام: محل النوم، وهو العين، أي في موضع منامك وهو عينك، روي ذلك عن الحسن.
قال الزجاج: هذا مذهب حسن، ولكنّ الأوّل أسوغ في العربية لقوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} فدلّ بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم.
قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأوّل، أي واذكروا وقت إراءتكم إياهم حال كونهم قليلًا، حتى قال القائل من المسلمين لآخر: أتراهم سبعين؟ قال: هم نحو المائة.
وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم: إنما هم أكلة جزور، وكان هذا قبل القتال، فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين، كما قال في آل عمران: {يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ العين} [آل عمران: 13]، ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلًا أقدموا على القتال غير خائفين، ثم يرونهم كثيرًا فيفشلون، وتكون الدائرة عليهم، ويحلّ بهم عذاب الله وسوط عقابه.
واللام في {لّيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريبًا.
وإنما كرره لاختلاف المعلل به {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} كلها يفعل فيها ما يريد ويقضي في شأنها ما يشاء.
وقد أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ الله في مَنَامِكَ قَلِيلًا} قال: أراه الله إياهم في منامه قليلًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتًا لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ} يقول: لجبنتم {ولتنازعتم في الأمر} قال: لاختلفتم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {ولكن الله سَلَّمَ} أي: أتمّ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عنه {ولكن الله سَلَّمَ} يقول: سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن مسعود، في قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} الآية قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا بل هم مائة، حتى أخذنا رجلًا منهم، فسألناه قال: كنا ألفًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة، في الآية قال: حضض بعضهم على بعض.
قال ابن كثير: إسناده صحيح.
وأخرج ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله: {لّيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أي ليلقي بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد النعمة عليه من أهل ولايته. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قللوا في أعيينا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا، بل مائة، حتى أخذنا رجلًا منهم فسألناه؟ قال: كنا ألفًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقللكم في أعينهم} قال: حضض بعضهم على بعض. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
قيل أراه إياهم في نومه صلى الله عليه وسلم- بوصف القِلَّة، وأخبر أصحابه بذلك فازدادوا جسارة عليهم.
وقيل أراه في منامه أي في محل نومه أي في عينيه، فمعناه قلَّلَهم في عينيه؛ لأنهم لو استكثروهم لفشلوا في قتالهم، ولانكسرت بذلك قلوبُ المسلمين.
وفي الجملة أراد اللهُ جريانَ ما حصل بينهم من القتال يومَ بدر، وإنَّ اللهَ إذا أراد أمرًا هَيَّأ أسبابَه؛ فقلَّلَ الكفارَ في أعين المسلمين فزادوا جسارةً، وقلَّلَ المسلمين في أعين الكفار فازدادوا- عند نشاطهم إلى القتال- صغرًا في حكم الله وخسارةً.
{واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]: وكيف لا؟ ومنه تصدُرُ المقاديرُ، وإليه تُرْجَع الأمور.
ويقال إذا أراد الله نصرة عبدٍ فلو كَادَ له جميعُ البشر، وأراده الكافةُ بكل ضَرَرٍ، لا ينفع مَنْ شاءَ مَضَرَّتَه كَدٌّ، ويحصل بينه وبين متاح لطفه به سَدٌّ.
وإذا أراد بعبدٍ سوءًا فليس له رَدٌّ، ولا ينفعه كَدٌّ، ولا ينعشه بعد ما سقط في حكمه جَهْدٌ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (45):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تقرر ذلك وتم على هذا السبيل الأحكم والمنهاج الأقوم، كان علة لمضمون قوله: {يا أيها الذين آمنوا} الآيتين، فكانتا نتيجته، لأنه إذا علم أن الأمر كله له ولا أثر لقلة ولا كثرة أثمر لمن هو في أدنى درجات الإيمان فضلًا عن غيره قلة المبالاة بالظالمين وإن تجاوزت قواهم الحد، وزادوا كثرة على العد، والآيتان تذكّرانهم بحالتهم التي أوجبت نصرهم ليلزموها في كل معترك ولا يتنازعوا كما تنازعوا في المغنم {إذا لقيتم} أي قاتلتم لأن اللقاء اسم للقتال غالب {فئة} أي طائفة مستحقة للقتال كما أغنى عن وصفها بذلك وصفهم بالإيمان {فاثبتوا} أي في لقائها بقتالها كما ثبتم في بدر ولا تحدثوا أنفسكم بفرار {واذكروا الله} أي الذي له كل كمال فكل شيء يطلب فهو عنده يوجد {كثيرًا} أي كما صنعتم ثَمَّ، لأن ذلك أمارة الصدق في الاعتماد عليه وحده، وذلك موجب للنصر لا محالة كما في الحديث القدسي: «إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني عند لقاء قرنه».
ولما أمر بذلك، علله بأداة الترجي، ليكون أدل على أنه سبحانه لا يجب عليه شيء فيكون للإيمان فقال: {لعلكم تفلحون} أي لتكونوا على رجاء من الفلاح وهو الظفر بالمراد من النصر والأجر وكما كنتم إذ ذاك. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواع نعمه على الرسول وعلى المؤمنين يوم بدر علمهم إذا التقوا بالفئة وهي الجماعة من المحاربين نوعين من الأدب: الأول: الثبات وهو أن يوطنوا أنفسهم على اللقاء ولا يحدثوها بالتولي.
والثاني: أن يذكروا الله كثيرًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي تفسير هذا الذكر قولان:
القول الأول: أن يكونوا بقلوبهم ذاكرين الله وبألسنتهم ذاكرين الله.
قال ابن عباس: أمر الله أولياءه بذكره في أشد أحوالهم، تنبيهًا على أن الإنسان لا يجوز أن يخلى قلبه ولسانه عن ذكر الله، ولو أن رجلًا أقبل من المغرب إلى المشرق ينفق الأموال سخاء، والآخر من المشرق إلى المغرب يضرب بسيفه في سبيل الله، كان الذاكر لله أعظم أجرًا.
والقول الثاني: أن المراد من هذا الذكر الدعاء بالنصر والظفر، لأن ذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وذلك لأن مقاتلة الكافر إن كانت لأجل طاعة الله تعالى كان ذلك جاريًا مجرى بذل الروح في طلب مرضاة الله تعالى، وهذا هو أعظم مقامات العبودية، فإن غلب الخصم فاز بالثواب والغنيمة، وإن صار مغلوبًا فاز بالشهادة والدرجات العالية، أما إن كانت المقاتلة لا لله بل لأجل الثناء في الدنيا وطلب المال لم يكن ذلك وسيلة إلى الفلاح والنجاح.
فإن قيل: فهذه الآية توجب الثبات على كل حال، وهذا يوهم أنها ناسخة لآية التحرف والتحيز.
قلنا: هذه الآية توجب الثبات في الجملة، والمراد من الثبات الجد في المحاربة.
وآية التحرف والتحيز لا تقدح في حصول الثبات في المحاربة بل كان الثبات في هذا المقصود، لا يحصل إلا بذلك التحرف والتحيز. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم حرّض المؤمنين على القتال فقال تبارك وتعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا}، يعني جماعة من الكفار فاثبتوا لهم وقاتلوهم مع نبيكم، {واذكروا الله كَثِيرًا}؛ يعني في الحرب، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ يعني تفوزون به. اهـ.