فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم بَطَرًا وَرِئَاء الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}
قال المفسرون: المراد قريش حين خرجوا من مكة لحفظ العير، فلما وردوا الجحفة بعث الحقاف الكناني كان صديقًا لأبي جهل إليه بهدايا مع ابن له، فلما أتاه قال: إن أبي ينعمك صباحًا ويقول لك إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معي من قرابتي فعلت، فقال أبو جهل: قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرًا، إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس، فوالله إن بنا على الناس لقوة، والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرًا فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا فيها القيان، فإن بدرًا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم حتى تسمع العرب بهذه الواقعة.
قال المفسرون: فوردوا بدرًا وشربوا كئوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
واعلم أنه تعالى وصفهم بثلاثة أشياء: الأول: البطر قال الزجاج: البطر الطغيان في النعمة.
والتحقيق أن النعم إذا كثرت من الله على العبد فإن صرفها إلى مرضاته وعرف أنها من الله تعالى فذاك هو الشكر.
وأما إن توسل بها إلى المفاخرة على الأقران والمكاثرة على أهل الزمان فذاك هو البطر.
والثاني: قوله: {وَرِئَاء الناس} والرئاء عبارة عن القصد إلى إظهار الجميل مع أن باطنه يكون قبيحًا، والفرق بينه وبين النفاق أن النفاق إظهار الإيمان مع إبطان الكفر، والرئاء إظهار الطاعة مع إبطان المعصية.
روي أنه صلى الله عليه وسلم لما رآهم في موقف بدر قال: «اللهم أن قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها لمعارضة دينك ومحاربة رسولك» والثالث: قوله: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} فعل مضارع وعطف الفعل على الاسم غير حسن.
وذكر الواحدي فيه ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون قوله: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} بمنزلة صادين.
والثاني: أن يكون قوله: {بَطَرًا وَرِئَاء} بمنزلة يبطرون ويراؤن، وأقول: إن شيئًا من هذه الوجوه لا يشفي الغليل، لأنه تارة يقيم الفعل مقام الاسم وأخرى يقيم الاسم مقام الفعل، ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها، وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبر عن الأولين بالمصدر، وعن الثالث بالفعل.
وأقول: إن الشيخ عبد القاهر الجرجاني، ذكر أن الاسم يدل على التمكين والاستمرار والفعل على التجدد والحدوث، قال ومثاله في الاسم قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: 18] وذلك يقتضي كون تلك الحالة ثابتة راسخة، ومثال الفعل قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والارض} [يونس: 31] وذلك يدل على أنه تعالى يوصل الرزق إليهم ساعة فساعة، هذا ما ذكره الشيخ عبد القاهر.
إذا عرفت هذا فنقول: إن أبا جهل ورهطه وشيعته كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والعجب، وأما صدهم عن سبيل الله فإنما حصل في الزمان الذي ادعى محمد عليه الصلاة والسلام النبوة.
ولهذا السبب ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم، وذكر الصد عن سبيل الله بصيغة الفعل والله أعلم.
وحاصل الكلام: أنه تعالى أمرهم عند لقاء العدو بالثبات والاشتغال بذكر الله، ومنعهم من أن يكون الحامل لهم على ذلك الثبات؛ البطر والرئاء، بل أوجب عليهم أن يكون الحامل لهم عليه طلب عبودية الله.
واعلم أن حاصل القرآن من أوله إلى آخره دعوة الخلق من الاشتغال بالخلق، وأمرهم بالعناء في طريق عبودية الحق، والمعصية مع الانكسار أقرب إلى الإخلاص من الطاعة مع الافتخار، ثم ختم هذه الآية بقوله: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} والمقصود أن الإنسان ربما أظهر من نفسه أن الحامل له والداعي إلى الفعل المخصوص طلب مرضاة الله تعالى مع أنه لا يكون الأمر كذلك في الحقيقة، فبين تعالى كونه عالمًا بما في دواخل القلوب، وذلك كالتهديد والزجر عن الرئاء والتصنع. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ}
معناه قاتلوا لوجه الله تعالى، ولا تقاتلوا رياءً وسمعةً ولا تكونوا يا أصحاب النبي عليه السلام كالذين خرجوا {مِن ديارهم} وهم أهل مكة {بَطَرًا} يعني أشرًا.
وأصله الطغيان في النعمة.
{وَرِئَاء الناس}، يعني لكي يذكْروا بمسيرهم، ويقولوا: تسامع الناس بمسيرنا.
وقال محمد بن إسحاق: خرجت قريش وهم تسعمائة وخمسون مقاتلًا، ومعهم مائتا فرس يقودونها، وخرجوا ومعهم القينات يضربون بالدفوف ويغنون بهجاء المسلمين.
ثم قال: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}، يعني يصرفون الناس عن دين الإسلام.
{والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، يعني عالم بهم وبأعمالهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا}
فخرا وأشَرًا {وَرِئَاءَ الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} معطوف على قوله: {بطرًا ورئاء الناس} ومعناه ينظرون ويرون، إذ لا يعطف مستقبل على ماض، {والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} وهؤلاء أهل مكّة خرجوا يوم بدر ولهم بغيٌ وفخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهمّ إن قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها ليحادك ورسولك».
قال ابن عباس: لمّا رأى أبو سفيان أنّه أحرز عيره أرسل إلى قريش أنّكم خرجتم لتمنعوا عليكم فقد نجاها الله فارجعوا فوافى الركب الذي فيه أبو سفيان ليأمروا قريشًا بالرجعة إلى مكّة فقال لهم: انصرفوا، فقال أبو جهل: والله لا ننصرف حتّى نرد بدرًا وكان بدر موسمًا من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم بها ثلاثًا وننحر الجزر ونطعِم الطعام ونسقي الخمور ونعزف عليها القيان وتسمع بها العرب. فلا يزالون يهابوننا أبدًا فوافوها فسُقوا كئوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
ونهى الله عباده المؤمنين بأن يكونوا مثلهم وأمرهم بإخلاص النيّة والخشية في نصرة دينه ومؤآزرة نبيه صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}
هم قريش حين خرجوا في حماية العير فنجا بها أبو سفيان، فقال لهم أبو جهل: لا نرجع حتى نرِد بدرًا وننحر جزورًا ونشرب خمرًا وتعزف علينا القيان، فكان من أمر الله فيهم ما كان. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم} الآية.
آية تتضمن الطعن على المشار إليهم وهم كفار قريش، وخرج ذلك على طريق النهي عن سلوك سبيلهم، والإشارة هي إلى كفار قريش بإجماع، والبطر الأشر وغمط النعمة والشغل بالمرح فيها عن شكرها، والرياء المباهاة والتصنع بما يراه غيرك، وهو فعال من راءى يرائي سهلت همزته، وروي أن أبا سفيان لما أحس أنه قد تجاوز بعيره الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بعث إلى قريش فقال: «إن الله قد سلم عيركم التي خرجتم إلى نصرتها فارجعوا سالمين قد بلغتم مرادكم»، فأتى رأي الجماعة على ذلك، فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نأتي بدرًا، وكانت بدر سوقًا من أسواق العرب لها يوم موسم، فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب ويهابنا الناس.
قال القاضي أبو محمد: فهذا معنى قوله تعالى: {ورئاء الناس}، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فاحنها الغداة»، وقال محمد بن كعب القرظي: خرجت قريش بالقيان والدفوف، وقوله: {ويصدون عن سبيل الله}، أي غيرهم.
قال القاضي أبو محمد: لأنهم أحرى بذلك من أن يقتصر صدهم على أنفسهم، وقوله: {والله بما يعملون محيط} آية تتضمن الوعيد والتهديد لمن بقي من الكفار ونفوذ القدر فيمن مضى بالقتل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا}
قال المفسرون: هم أبو جهل ومن خرج معه من مكة، خرجوا ليدفعوا عن عيرهم التي كانت مع أبي سفيان، ومعهم القيان والمعازف، وهم يشربون الخمور.
فلما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز ما معه، كتب إليهم: إني قد أحرزت أموالكم فارجعوا.
فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نَرِدَ بدرًا فنقيم ثلاثًا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابونا.
فساروا إلى بدر، فكانت الوقعة؛ فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
فأما البطر، فهو الطغيان في النعم، وترك شكرها.
والرياء: العمل من أجل رؤية الناس، وسبيل الله هاهنا: دينه. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يعني أبا جهل وأصحابه الخارجين يوم بدر لنُصرة العِير.
خرجوا بالقيَان والمغنياتِ والمعازف؛ فلما وردوا الجحفة بعث خُفافُ الكنانيّ: وكان صديقًا لأبي جهل بهدايا إليه مع ابن له، وقال: إن شئت أمددتك بالرجال، وإن شئت أمددتك بنفسي مع من خفّ من قومي.
فقال أبو جهل: إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد، فوالله ما لنا بالله من طاقة.
وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة، والله لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرًا فنشرب فيها الخمور، وتعزف علينا القِيان؛ فإن بدرًا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم، حتى تسمع العرب بمخرجنا فتهابنا آخر الأبد.
فَورَدُوا بدرًا ولكن جرى ما جرى من هلاكهم.
والبَطَر في اللغة: التقوية بنعم الله عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي.
وهو مصدر في موضع الحال.
أي خرجوا بَطرِين مُراءين صادّين.
وصدُّهم إضلالُ الناس. اهـ.