فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{ثُمَّ استوى إِلَى السماء} أي قصَدَ إليها بإرادته ومشيئته قصدًا سويًا بلا صارف يَلويه ولا عاطفٍ يَثنيه من إرادة خلقِ شيءٍ آخَرَ في تضاعيف خلقِها أو غير ذلك، مأخوذ من قولهم: استوى إليه كالسهم المُرْسل، وتخصيصُه بالذكر هاهنا إما لعدم تحققِه في خلق السُفليات، لما رُوي مِنْ تخلّل خلقِ السموات بين خلقِ الأرضِ ودَحْوِها. عن الحسن رضي الله عنه: خلق الله تعالى الأرضَ في موضع بيتِ المقدس كهيئة الفِهْرِ عليها دخان يلتزقُ بها، ثم أصعدَ الدخانَ وخلق منه السمواتِ، وأمسك الفِهْرَ في موضعها، وبسَط منها الأرَضين. وذلك قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما} وإما لإظهار كمالِ العنايةِ بإبداع العُلويات، وقيل: استوى: استولى وملك، والأولُ هو الظاهر، وكلمةُ {ثم} للإيذان بما فيه من المزِية والفضل على خلق السفليات لا للتراخي الزماني، فإن تقدّمَه على خلق ما في الأرض المتأخرِ عن دَحْوها مما لا مِريةَ فيه لقوله تعالى: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} ولما رُوي عن الحسن، والمرادُ بالسماء إما الأجرامُ العلوية فإن القصدَ إليها بالإرادة لا يستدعي سابقةَ الوجود وإما جهاتُ العلو.
{فَسَوَّاهُنَّ} أي أتمهنّ وقوَّمهن وخلقهنّ ابتداءً مصونةً عن العِوَج والفُطورِ، لا أنه تعالى سواهن بعد أن لم يكن كذلك ولا يخفى ما في مقارنة التسوية والاستواءِ من حُسن الموقع، وفيه إشارة إلى ألا تغيُّرَ فيهن بالنمو والذُّبول كما في السُفليات، والضميرُ على الوجه الأولِ للسماء لأنها في معنى الجنس، وقيل هي جمعُ سماءةٍ أو سماوة، وعلى الوجه الثاني مُبهمٌ يفسّره قولُه تعالى: {سَبْعَ سموات} كما في قولهم: رُبَّه رجلًا، وهو على الوجه الأول بدلٌ من الضمير، وتأخيرُ ذكرِ هذا الصُنع البديعِ عن ذكر خلقِ ما في الأرض مع كونه أقوى منه في الدلالة على كمال القدرةِ القاهرةِ كما نُبه عليه لما أن المنافعَ المنوطةَ بما في الأرض أكثرُ، وتعلقَ مصالحِ الناسِ بذلك أظهر، وإن كان في إبداع العلوياتِ أيضًا من المنافع الدينيةِ والدنيويةِ ما لا يُحصى. هذا ما قالوا، وسيأتي في حم السجدة مزيدُ تحقيقٍ وتفصيلٍ بإذن الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا ثُمَّ استوى إِلَى السماء} مفسر بقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذى خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9، 10] بمعنى تقدير الأرض في يومين وتقدير الأقوات في يومين آخرين كما يقول القائل من الكوفة إلى المدينة عشرون يومًا، وإلى مكة ثلاثون يومًا يريد أن جميع ذلك هو هذا القدر ثم استوى إلى السماء في يومين آخرين ومجموع ذلك ستة أيام على ما قال: {خُلِقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]. اهـ.
قال الفخر:
قال بعض الملحدة هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل خلق السماء وكذا قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذى خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ} إلى قوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} [فصلت: 9- 10] وقال في سورة النازعات: {أَءنتُمْ خَلْقًا أَمِ السماء بناها رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضحاها والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} [النازعات: 27 30] وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهًا: أحدها: يجوز أن يكون خلق الأرض قبل خلق السماء إلا أنه ما دحاها حتى خلق السماء لأن التدحية هي البسط ولقائل أن يقول هذا أمر مشكل من وجهين: الأول: أن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية وإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها أيضًا لا محالة متأخرًا عن خلق السماء.
الثاني: أن قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا ثُمَّ استوى إِلَى السماء} يدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء لكن خلق الأشياء في الأرض لا يمكن إلا إذا كانت مدحوة فهذه الآية تقتضي تقدم كونها مدحوة قبل خلق السماء وحينئذٍ يتحقق التناقض.
والجواب: أن قوله تعالى: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} [النازعات: 30] يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدمة على خلق الأرض، وعلى هذا التقدير يزول التناقض، ولقائل أن يقول: قوله تعالى: {أأنتم أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بناها رَفَعَ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: 27 28] يقتضي أن يكون خلق السماء وتسويتها مقدم على تدحية الأرض ولكن تدحية الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض فإن ذات السماء وتسويتها متقدمة على ذات الأرض وحينئذٍ يعود السؤال، وثالثها: وهو الجواب الصحيح أن قوله: {ثم} ليس للترتيب هاهنا وإنما هو على جهة تعديد النعم، مثاله قول الرجل لغيره: أليس قد أعطيتك النعم العظيمة ثم رفعت قدرك ثم دفعت الخصوم عنك، ولعل بعض ما أخره في الذكر قد تقدم فكذا هاهنا والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقد اختلف أهل العلم في أيهما خلق قبل، فمنهم من قال: السماء خلقت قبل الأرض، ومنهم من قال: الأرض خلقت قبل السماء، وكل تعلق في الاستدلال بظواهر آيات يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
والذي تدل عليه هذه الآية أن خلق ما في الأرض لنا متقدم على تسوية السماء سبعًا لا غير، والمختار أن جرم الأرض خلق قبل السماء، وخلقت السماء بعدها، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا يحتمل الجمع بين الآيات.
وقال بعضهم: وإنما خلق السموات سبعًا، لأن السبعة والسبعين فيه دلالة على تضاعيف القوة والشدة، كأنه ضوعف سبع مرات.
ومن شأن العرب أن يبالغوا بالسبعة والسبعين من العدد، لما في ذكرها من دليل المضاعفة.
قال تعالى: {ذرعها سبعون ذراعًا} {إن تستغفر لهم سبعين مرة} والسبعة تذكر في جلائل الأمور: الأيام سبعة، والسموات سبع، والأرض سبع، والنجوم التي هي أعلام يستدل بها سبعة: زُحل، والمشتري، وعطارد، والمريخ، والزهرة، والشمس، والقمر، والبحار سبعة، وأبواب جهنم. اهـ.
وذكر القاسمي أن قوله: {بعد} في قوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} بمعنى مع كما في قوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13] أي مع ذلك- وعليه فلا إشكال. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

الضمير في {فسواهن} ضمير مبهم، و{سبع سموات} تفسير له كقوله ربة رجلًا وفائدته أن المبهم إذا تبين كان أفخم وأعظم من أن يبين أولًا لأنه إذا أبهم تشوفت النفوس إلى الاطلاع عليه وفي البيان بعد ذلك شفاء لها بعد التشوف، وقيل الضمير راجع إلى السماء، والسماء في معنى الجنس وقيل جمع سماءة، والوجه العربي هو الأول ومعنى تسويتهن تعديل خلقهن وإخلاؤه من العوج والفطور وإتمام خلقهن. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن القرآن هاهنا قد دل على وجود سبع سموات، وقال أصحاب الهيئة أقربها إلينا كرة القمر، وفوقها كرة عطارد، ثم كرة الزهرة، ثم كرة الشمس.
ثم كرة المريخ، ثم كرة المشتري، ثم كرة زحل، قالوا ولا طريق إلى معرفة هذا الترتيب إلا من وجهين: الأول: الستر وذلك أن الكوكب الأسفل إذا مر بين أبصارنا وبين الكوكب الأعلى فإنهما يصيران ككوكب واحد ويتميز الساتر عن المستور بكونه الغالب كحمرة المريخ وصفرة عطارد، وبياض الزهرة، وزرقة المشتري، وكدورة زحل كما أن القدماء وجدوا القمر يكسف الكواكب الستة.
وكوكب عطارد يكسف الزهرة، والزهرة تكسف المريخ، وهذا الترتيب على هذا الطريق يدل على كون الشمس فوق القمر لانكسافها به ولكن لا يدل على كونها تحت سائر الكواكب أو فوقها لأنها لا تنكسف بشيء منها لاضمحلال سائر الكواكب عند طلوعها فعند هذا ذكروا طريقين: أحدهما: ذكر بعضهم أنه رأى الزهرة كشامة في صحيفة الشمس، وهذا ضعيف لأن منهم من زعم أن في وجه الشمس شامة كما أن حصل في وجه القمر المحو.
الثاني: اختلاف المنظر فإنه محسوس للقمر وعطارد والزهرة وغير محسوس للمريخ والمشتري وزحل، وأما في حق الشمس فإنه قليل جدًا فوجب أن تكون الشمس متوسطة بين القسمين هذا ما قاله الأكثرون إلا أن أبا الريحان قال في تلخيصه لفصول الفرغاني: إن اختلاف المنظر لا يحس إلا في القمر فبطلت هذه الوجوه وبقي موضع الشمس مشكوكًا.
واعلم أن أصحاب الأرصاد وأرباب الهيئة زعموا أن الأفلاك تسعة، فالسبعة هي هذه التي ذكرناها والفلك الثامن هو الذي حصلت هذه الكواكب الثابتة فيه، وأما الفلك التاسع فهو الفلك الأعظم وهو يتحرك في كل يوم وليلة دورة واحدة بالتقريب، واحتجوا على إثبات الفلك الثامن بأنا وجدنا لهذه الكواكب الثابتة حركات بطيئة وثبت أن الكواكب لا تتحرك إلا بحركة فلكها والأَفلاك الحاملة لهذه السيارات تتحرك حركات سريعة فلابد من جسم آخر يتحرك حركة بطيئة ويكون هو الحامل لهذه الثوابت، وهذه الدلالة ضعيفة من وجوه: أولها: لم لا يجوز أن يقال الكواكب تتحرك بأنفسها من غير أن تكون مركوزة في جسم آخر وهذا الاحتمال لا يفسد إلا بإفساد المختار ودونه خرط القتاد.
وثانيها: سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يقال إن هذه الكواكب مركوزة في ممثلات السيارات والسيارات مركوزة في حواملها، وعند ذلك لا يحتاج إلى إثبات الفلك الثامن.
وثالثها: لم لا يجوز أن يكون ذلك الفلك تحت فلك القمر فيكون تحت كرات السيارات لا فوقها فإن قيل إنا نرى هذه السيارات تكسف هذه الثوابت والكاسف تحت المكسوف لا محالة قلنا هذه السيارات إنما تكسف الثوابت القريبة من المنطقة فأما الثوابت القريبة من القطبين فلا، فلم لا يجوز أن يقال هذه الثوابت القريبة من المنطقة مركوزة في الفلك الثامن الذي هو فوق كرة زحل وهذه الثوابت القريبة من القطبين التي لا يمكن انكسافها بالسيارات مركوزة في كرة أخرى تحت كرة القمر وهذا الاحتمال لا دافع له، ثم نقول هب أنكم أثبتم هذه الأفلاك التسعة فما الذي دلكم على نفي الفلك العاشر، أقصى ما في الباب أن الرصد ما دل إلا على هذا القدر إلا أن عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول، والذي يحقق ذلك أنه قال بعض المحققين منهم: إنه ما تبين لي إلى الآن أن كرة الثوابت كرة واحدة أو كرات منطو بعضها على بعض وأقول هذا الاحتمال واقع، لأن الذي يستدل به على وحدة كرة الثوابت ليس إلا أن يقال إن حركاتها متشابهة ومتى كان الأمر كذلك كانت مركوزة في كرة واحدة وكلتا المقدمتين غير يقينيتين.
أما الأولى: فلأن حركاتها وإن كانت في الحس واحدة ولكن لعلها لا تكون في الحقيقة واحدة، لأنا لو قدرنا أن واحدًا منها يتمم الدورة في ستة وثلاثين ألف سنة.
والآخر يتمم الدورة في مثل هذه المدة بنقصان سنة واحدة فإذا وزعنا ذلك النقصان على هذه السنين كان الذي هو حصة السنة الواحدة ثلاثة عشر جزءًا من ألف ومائتي جزء من واحد، وهذا القدر مما لا يحس به بل العشر سنين والمائة والألف مما لا يحس به ألبتة، وإذا كان ذلك محتملًا سقط القطع ألبتة عن استواء حركات الثوابت.
وأما الثانية: فلأن استواء حركات الثوابت في مقادير حركاتها لا يوجب كونها بأسرها مركوزة في كرة واحدة لاحتمال كونها مركوزة في كرات متباينة وإن كانت مشتركة في مقادير حركاتها وهذا كما يقولون في ممثلات أكثر الكواكب فإنها في حركاتها مساوية لفلك الثوابت فكذا هاهنا.
وأقول إن هذا الاحتمال الذي ذكره هذا القائل غير مختص بفلك الثوابت فلعل الجرم المتحرك بالحركة اليومية ليس جرمًا واحدًا بل أجرامًا كثيرة إما مختلفة الحركات لكن بتفاوت قليل لا تفي بإدراكها أعمارنا وأرصادنا وإما متساوية على الإطلاق ولكن تساويها لا يوجب وحدتها، ومن أصحاب الهيئة من قطع بإثبات أفلاك أخر غير هذه التسعة فإن من الناس من أثبت كرة فوق كرة الثوابت وتحت الفلك الأعظم واستدل عليه من وجوه:
الأول: أن الراصدين للميل الأعظم وجدوه مختلف المقدار فكل من كان رصده أقدم وجد مقدار الميل أعظم فإن بطليموس وجده لح يا ثم وجد في زمان المأمون كح له ثم وجد بعد المأمون قد تناقص بدقيقة وذلك يقتضي أن من شأن المنطقتين أن يقل ميلهما تارة ويكثر أخرى وهذا إنما يمكن إذا كان بين كرة الكل وكرة الثوابت كرة أخرى يدور قطباها حول قطبي كرة الكل وتكون كرة الثوابت يدور قطباها حول قطبي تلك الكرة فيعرض لقطبها تارة أن يصير إلى جانب الشمال منخفضًا وتارة إلى جانب الجنوب مرتفعًا فيلزم من ذلك أن ينطبق معدل النهار على منطقة البروج، وأن ينفصل عنه تارة أخرى إلى الجنوب عندما يرتفع قطب فلك الثوابت إلى الجنوب، وتارة إلى الشمال.
كما هو الآن.
الثاني: أن أصحاب الأرصاد اضطربوا اضطرابًا شديدًا في مقدار سير الشمس على ما هو مشروح في كتب النجوم حتى أن بطليموس حكى عن أبرخيس أنه كان شاكًا في أن هذه العودة تكون في أزمنة متساوية أو مختلفة وأنه يقول في بعض أقاويله: إنها مختلفة، وفي بعضها: إنها متساوية في أن الناس ذكروا في سبب اختلافه قولين: أحدهما: قول من يجعل أوج الشمس متحركًا فإنه زعم أن الاختلاف الذي يلحق حركة الشمس من هذه الجهة يختلف عند نقطة الاعتدال لاختلاف بعدها عن الأوج فيختلف زمان سير الشمس من أجله.
الثاني: قول أهل الهند والصين وبابل وأكثر قدماء الروم ومصر والشام: إن السبب فيه انتقال فلك البروج وارتفاع قطبه وانحطاطه، وحكي عن أبرخيس أنه كان يعتقد هذا الرأي وذكر بارياء الإسكندراني أن أصحاب الطلسمات كانوا يعتقدون ذلك وأن نقطة فلك البروج تتقدم عن موضعها وتتأخر ثمان درجات وقالوا إن ابتداء الحركة من كب درجة من الحوت إلى أول الحمل واعلم أن هذا الخبط مما ينبهك على أنه لا سبيل للعقول البشرية إلى إدراك هذه الأشياء وأنه لا يحيط بها إلا علم فاطرها وخالقها فوجب الاقتصار فيه على الدلائل السمعية، فإن قال قائل فهل يدل التنصيص على سبع سموات على نفي العدد الزائد؟ قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد. اهـ.
قال الفخر:
قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلّ شيء عَلِيمٌ} يدل على أنه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون خالقًا للأرض وما فيها وللسموات وما فيها من العجائب والغرائب إلا إذا كان عالمًا بها محيطًا بجزئياتها وكلياتها، وذلك يدل على أمور: أحدها: فساد قول الفلاسفة الذين قالوا إنه لا يعلم الجزئيات وصحة قول المتكلمين، وذلك لأن المتكلمين استدلوا على علم الله تعالى بالجزئيات بأن قالوا: إن الله تعالى فاعل لهذه الأجسام على سبيل الإحكام والإتقان وكل فاعل على هذا الوجه فإن لابد وأن يكون عالمًا بما فعله وهذه الدلالة بعينها ذكرها الله تعالى في هذا الموضع لأنه ذكر خلق السموات والأرض ثم فرع على ذلك كونه عالمًا، فثبت بهذا أن قول المتكلمين في هذا المذهب وفي هذا الاستدلال مطابق للقرآن.
وثانيها: فساد قول المعتزلة وذلك لأنه سبحانه وتعالى بين أن الخالق للشيء على سبيل التقدير والتحديد لابد وأن يكون عالمًا به وبتفاصيله لأن خالقه قد خصه بقدر دون قدر والتخصيص بقدر معين لابد وأن يكون بإرادة وإلا فقد حصل الرجحان من غير مرجح والإرادة مشروطة بالعلم فثبت أن خالق الشيء لابد وأن يكون عالمًا به على سبيل التفصيل.
فلو كان العبد موجدًا لأفعال نفسه لكان عالمًا بها وبتفاصيلها في العدد والكمية والكيفية فلما لم يحصل هذا العلم علمنا أنه غير موجد نفسه.
وثالثها: قالت المعتزلة: إذا جمعت بين هذه الآية وبين قوله: {وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] ظهر أنه تعالى عالم بذاته، والجواب: قوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] عام وقوله: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] خاص والخاص مقدم على العام. والله تعالى أعلم. اهـ.