فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأعجزنا أبو ليلى طفيل ** صحيح الجلد من أثر السلاحِ

وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، كقريش في بدر وغيرهم، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا، وقيل المراد في الآخرة، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل {ولا تِحسبن} بكسر التاء، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس {تَحسَبن} بفتح التاء من فوق وبفتح السين، وقرأ الأعمش {ولا يَحسَب} بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى {ولا يحسِبنّ} بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة {ولا يحسبْنَ} بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد، ويكون {قوله الذين كفروا} مفعولًا أولًا و{سبقوا} مفعولًا ثانيًا، وإما أن يكون {الذين كفروا} هم الفاعلون، ويكون المفعول الأول مضمرًا و{سبقوا} مفعول ثان، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، وإما أن يكون {الذين كفروا} هو الفاعل وتضمر {أن} فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين، قال الفارسي: ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال: {أفغير الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] التقدير أن أعبد.
قال القاضي أبو محمد: ونحوه قول الشاعر: [الطويل]
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

قال أبو علي: وقد حذفت {أن} وهي مع صلتها في موضع الفاعل، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك: [الطويل]
وما راعنا إلا يسير بشرطة ** وعهدي به قينًا يفش بكير

وقرأ ابن عامر وحده من السبعة {أنهم لا يعجزون} بفتح الألف من {أنهم}، ووجهه أن يقدر بمعنى لأنهم لا يعجزون أي لا تحسبن عليهم النجاة لأنهم لا ينجون، وقرأ الجمهور {يعْجزون} بسكون العين، وقرأ بعض الناس فيما ذكر أبو حاتم {يعَجّزون} بفتح العين وشد الجيم، وقرأ ابن محيصن {يعجزونِ} بكسر النون ومنحاها يعجِزوني بإلحاق الضمير، قال الزجّاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على المعنى أنهم لا يعجزونني، وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين، كما قال الشاعر: [الوافر]
تراه كالثغام يعل مسكًا ** يسوء الفاليات إذا فليني

قال القاضي أبو محمد: البيت لعمرو بن معد يكرب وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة: [الكامل]
ولقد علمت ولا محالة أنَّني ** للحادثات فهل تريني أجزع

هذا يجوز على الاضطرار، فقال قوم حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها موضع الإعراب، وقال أبو العباس المبرد: أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية، وهكذا كان يقول في بيت عمرو بن معد يكرب، وفي مصحف عبد الله: {ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون} قال أبو عمرو الداني بالياء من تحت وبغير نون في يحسب.
قال القاضي أبو محمد: وذكرها الطبري بنون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تحسبنَّ الذين كفروا سبقوا}
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {ولا تحسِبن} بالتاء وكسر السين؛ إلا أن عاصمًا فتح السين.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم: بالياء وفتح السين.
وفي الكافرين هاهنا قولان:
أحدهما: جميع الكفار، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم الذين انهزموا يوم بدر، ذكره محمد بن القاسم النحوي وغيره.
و{سبقوا} بمعنى: فاتوا.
قال ابن الأنباري: وذلك أنهم أشفقوا من هلكة تنزل بهم في بعض الأوقات؛ فلما سلموا منها، قيل: لا تحسبنَّ أنهم فاتوا بسلامتهم الآن، فانهم لا يعجزونا، أي: لا يفوتونا فيما يستقبلون من الأوقات.
قوله تعالى: {إنهم لا يُعجزون} قرأ الجمهور: بكسر الألف.
وقرأ ابن عامر: بفتحها؛ وعلى قراءته اعتراض.
لقائل أن يقول: إذا كان قد قرأ {يحسبن} بالياء، وقرأ {أنهم} بالفتح، فقد أقرَّهم على أنهم لا يُعجزون؛ ومتى علموا أنهم لا يعجزون، لم يلاموا.
فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: المعنى: {لا يحسبن الذين كفروا سبقوا} لا يَحسِبُنَّ أنهم يعجزون؛ و{لا} زائدة مؤكدة.
وقال أبو علي: المعنى: لا يحسبنَّ الذين كفروا أنفسَهم سبقوا وآباءَهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون، فهم يُجزَون على كفرهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا} أي من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة.
ثم استأنف فقال: {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} أي في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.
وقيل: يعني في الآخرة.
وهو قول الحسن.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة {يحسبن} بالياء والباقون بالتاء، على أن يكون في الفعل ضمير الفاعل.
و{الَّذِينَ كَفَرُوا} مفعول أوّل.
و{سَبَقُوا} مفعول ثان.
وأما قراءة الياء فزعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن هذا لحن لا تحل القراءة به، ولاتسع لمن عَرَف الإعراب أو عُرِّفه.
قال أبو حاتم: لأنه لم يأت ل {يحسبن} بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين.
قال النحاس: وهذا تحامل شديد، والقراءة تجوز ويكون المعنى: ولا يحسبن مَن خلفهم الذين كفروا سبقوا؛ فيكون الضمير يعود على ما تقدّم، إلا أن القراءة بالتاء أبين.
الْمَهْدوِيّ: ومن قرأ بالياء احتمل أن يكون في الفعل ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون {الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا} المفعولين.
ويجوز أن يكون {الَّذِينَ كَفَرُوا} فاعلًا، والمفعول الأوّل محذوف؛ المعنى: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا.
مَكِّيّ: ويجوز أن يضمر مع سبقوا أنْ، فيسدّ مسدّ المفعولين والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا؛ فهو مثل {أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا} [العنكبوت: 2] في سد أنْ مسدّ المفعولين.
وقرأ ابن عامر {أَنَّهم لا يُعجزون} بفتح الهمزة.
واستبعد هذه القراءةَ أبو حاتم وأبو عُبيد.
قال أبو عبيد: وإنما يجوز على أن يكون المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون.
قال النحاس: الذي ذكره أبو عبيد لا يجوز عند النحويين البصريين، لا يجوز حسبت زيدًا أنه خارج، إلا بكسر الألف، وإنما لم يجز لأنه في موضع المبتدأ؛ كما تقول: حسبت زيدًا أبوه خارج، ولو فتحت لصار المعنى حسبت زيدًا خروجَه.
وهذا محال، وفيه أيضًا من البعد أنه لا وجه لما قاله يصحّ به معنًى؛ إلا أن يجعل {لا} زائدة، ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله عز وجل إلى التطوّل بغير حجة يجب التسليم لها.
والقراءة جيدة على أن يكون المعنى: لأنهم لا يعجزون.
مَكِّيٌّ: فالمعنى لا يحسبن الكفار أنفسهم فاتوا لأنهم لا يعجزون، أي لا يفوتون.
ف {أنّ} في موضع نصب بحذف اللام، أو في موضع خفض على إعمال اللام لكثرة حذفها مع أنّ، وهو يُروَى عن الخليل والكسائِيّ.
وقرأ الباقون بكسر إن على الاستئناف والقطع مما قبله، وهو الاختيار؛ لما فيه من معنى التأكيد، ولأن الجماعة عليه.
ورُوي عن ابن مُحيْصِن أنه قرأ {لا يعجّزونِ} بالتشديد وكسر النون.
النحاس: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما أن معنى عجّزه ضعَّفه وضعَّف أمره.
والآخر أنه كان يجب أن يكون بنونين.
ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولا يحسبن}
قرئ بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى ولا تحسبن يا محمد {الذين كفروا سبقوا} يعني فاتوا وانهزموا يوم بدر وقرئ بالياء على الغيبة ومعناه ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا يعني خلصوا من القتل والأسر يوم بدر {إنهم لا يعجزون} يعني أنهم بهذا السبق لا يعجزون الله من الانتقام منهم إما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة بعذاب النار وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منهم فأعلمهم الله أنهم لا يعجزونه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولا تحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزون} قال الزهري: نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر فالمعنى لا تظنهم ناجين مفلتين فإنهم لا يعجزون طالبهم بل لابد من أخذهم، قيل: وذلك في الدّنيا ولا يفوتون بل يظفرك الله بهم، وقيل: في الآخرة قاله الحسن وقيل: {الذين كفروا} عام قاله ابن عباس وأعجز غلب وفات، قال سويد:
وأعجزنا أبو ليلى طفيل ** صحيح الجلد من أثر السلاح

وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ولا يحسبنّ بالياء أي {ولا يحسبن} الرسول أو حاسب أو المؤمن أو فيه ضمير يعود على من خلفهم فيكون مفعولًا يحسبنّ {الذين كفروا وسبقوا} القراءة باقي السبعة بالتاء خطابًا للرسول أو للسامع وجوّزوا أن يكون في قراءة الياء فاعل {لا يحسبنّ} هو {الذين كفروا} وخرج ذلك على حذف المفعول الأوّل لدلالة المعنى عليه تقديره أنفسهم سبقوا وعلى إضمار أن قبل سبقوا فحذفت وهي مرادة فسدّت مسدّ مفعولي {يحسبنّ} ويؤيّده قراءة عبد الله أنهم سبقوا، وقيل التقدير ولا تحسبنهم {الذين كفروا} فحذف الضمير لكونه مفهومًا وقد ردّدنا هذا القول في أواخر آل عمران، وعلى أنّ الفاعل هو الذين كفروا خرّج الزمخشري قراءة الياء وذكر نقل توجيهها على حذف المفعول إما الضمير وإما أنفسهم وإما حذف أن وإما أنّ الفعل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة وسبقوا في موضع الحال يعني سابقين أو مفلتين هاربين وعلى {ولا تحسبن} قتيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا ثم قال وهذه الأقاويل كلّها متمحلة وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة انتهى، ولم يتفرّد بها حمزة كما ذكر بل قرأ بها ابن عامر وهو من العرب الذين سبقوا اللّحن وقرأ علي وعثمان وحفص عن عاصم وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى والأعمش، وتقدم ذكر توجيهها على غير ما نقل مما هو جيّد في العربية فلا التفات لقوله وليست بنيرة وتقدّم ذكر في فتح السين وكسرها في قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء} وأما قوله: وقيل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة فهذا لا يتأتى على قراءة حمزة لأنه يقرأ بكسر الهمزة ولو كان واقعًا عليه لفتح أن وإنما فتحها من السبعة ابن عامر وحده واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم قراءة ابن عامر ولا استبعاد فيها لأنها تعليل للنهي أي لا تحسبنّهم فائتين لأنهم لا يعجزون أي لا يقع منك حسبان لفوتهم لأنهم لا يعجزون أي لا يفوتون، وقرأ الأعمش ولا يحسب بفتح السين والياء من تحت وحذف النون وينبغي أن يخرج على حذف النون الخفيفة لملاقاة الساكن فيكون كقوله:
لا تهين الفقير علّك أن ** تركع يومًا والدهر قد رفعه

وقرأ ابن محيصن لا تعجزوني بكسر النون وياء بعدها، وقال الزجاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على أن المعنى أنهم لا يعجزونني وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين كما قال الشاعر:
تراه كالثّغام يعل مسكا ** يسوء الغالبات إذا فليني

البيت لعمرو بن معدي كرب، وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة:
ولقد علمت ولا محالة أنّني ** للحادثات فهل تريني أجزع

فهذا يجوز على الاضطرار فقال قوم: حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها في موضع الإعراب، وقال المبرّد أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية وكذا كان يقول في بيت عمرو، وقرأ طلحة بكسر النون من غير تشديد ولا ياء، وعن ابن محيصن تشديد النون وكسرها أدغم نون الإعراب في نون الوقاية وعنه أيضًا بفتح النون وتشديد الجيم وكسر النون، قال النحاس: وهذا خطأ من وجهين أحدهما إنّ معنى عجزه ضعفه وضعف أمره والآخر أنه كان يجب أن يكون بنونين انتهى، أما كونه بنون واحدة فهو جائز لا واجب وقد قرئ به في السبعة وأما عجزني مشدّدًا فذكر صاحب اللوامح أن معناه بطأ وثبط قال وقد يكون بمعنى نسبني إلى العجز والتشديد في هذه القراءة من هذا المعنى فلا تكون القراءة خطأ كما ذكر النحاس. اهـ.