فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قاله الزجاج: والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقونا، وحذف أن الموصولة في القرآن، وفي كلام العرب كثير، فأمَّا القرآن فكالآيات، ومن كلام العربِ: تسمعُ بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه؛ وقوله: [الطويل]
ألاَ أيُّهذا الزَّاجِرِي أحضرُ الوغَى

ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد الله: {أنهم سبقوا}.
وقال قومٌ: بل {سَبَقُوا} في محلِّ نصب على الحال، والسادُّ مسدَّ المفعولين: {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ}، وتكون {لا} مزيدةً ليصح المعنى.
قال الزمخشري- بعد ذكره هذه الأوجه- وليست هذه القراءةُ التي تفرَّد بها حمزةُ بنيِّرة وقد ردَّ عليه جماعةٌ هذا القول، وقالوا: لم ينفرد بها حمزةُ، بل وافقه عليها من قُرَّاء السبعة ابنُ عامر أسنُّ القراءة وأعلاهُم إسنادًا، وعاصمُ في رواية حفص ثم هي قراءة أبي جعفر المدني شيخ نافع، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن محيصن وعيسى، والأعمش، والحسن البصرين، وأبي رجاء، وطلحة، وابن أبي ليلى.
وقد ردَّ عليه أبو حيان أيضًا أنَّ {لا يحْسبَنَّ} واقع على {أنهم لا يُعْجِزون} وتكون لا صلة، بأنَّهُ لا يتأتَّى على قراءة حمزة، فإنَّهُ يقرأ بكسر الهمزة، يعني فكيف تلتئم قراءةُ حمزة على هذا التخريج.
قال شهابُ الدِّين: هو لم يلتزم التخريج على قراءة حمزة في الموضعين، أعني: {لا يَحْسبنَّ} وقوله: {أنهم لا يعجزون}، حتى نلزمه ما ذكر وأما قراءةُ الخطاب فواضحةٌ، أي: لا تحسبنَّ يا محمدُ، أو يا سامعُ، و{الذين كفرُوا} مفعول أول، والثاني: {سبقوا}، وقد تقدَّم في آل عمران وجهُ أنه يجوز أن يكون الفاعل الموصول، وإنَّما أتى بتاءِ التأنيث، لأنه بمعنى القوم، كقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [الشعراء: 105].
وقرأ الأعمش {ولا يَحْسبَ الذينَ كَفَرُوا} بفتح الباء.
وتخريجها على أن الفعل مؤكدٌ بنون التَّوكيد الخفيفة، فحذفها؛ لالتقاء الساكنين، كما يحذفُ له التنوين؛ فهو كقوله: [المنسرح]
لا تُهِينَ الفَقيرَ علَّكَ أنْ ** تَرْكعَ يومًا والدَّهْرُ قد رفعهْ

أي: لا تُهينن، ونقل بعضهم: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين} من غير توكيدٍ ألبتَّة، وهذه القراءةُ بكسر الباءن على أصل التقاء الساكنين.
قوله: {سَبَقُوا} أي: فاتوا.
نزلت في الذين انهزموا يوم بدرٍ من المشركين، فمن قرأ بالياء، يقول لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا، ومن قرأ بالتَّاءِ فعلى الخطاب.
قوله: {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} قرأ ابن عامر بالفتح، والباقون بالكسر.
فالفتح إمَّا على حذفِ لام العلة، أي: لأنهم.
واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم قراءة ابن عامر، ووجهُ الاستبعادِ أنَّها تعليلٌ للنَّهْي، أي: لا تحسبنَّهم فائتينح لأنَّهم لا يعجزون، أي: لا يقع منك حُسبانٌ لفوتهم؛ لأنَّهم لا يعجزون، وإمَّا على أنَّها بدلٌ من مفعولي الحسبان.
وقال أبُو البقاء: إنَّه متعلقٌ بـ حسب، إمَّا مفعولٌ، أو بدلٌ من سَبَقُوا.
وعلى كلا الوجهين تكون لا زائدة وهو ضعيفٌ، لوجهين:
أحدهما: زيادة لا.
والثاني: أن مفعول حسبن إذا كان جملة، وكان مفعولًا ثانيًا كانت إنَّ فيه مكسورة؛ لأنَّه موضع ابتداء وخبر.
وقرأ العامة: {لا يُعْجِزُونَ} بنون واحدة خفيفةٍ مفتوحةٍ، وهي نونُ الرفع.
وقرأ ابن مُحَيْصِن {يُعْجِزُوني} بنون واحدة، بعدها ياء المتكلم، وهي نون الوقاية، أو نون الرفع، وقد تقدَّم الخلافُ في ذلك في سورة الأنعام في: {أتحاجُّوني}.
قال الزجاج: ألاختيارُ الفتحُ في النُّونِ، ويجوزُ كسرها، على أنَّ المعنى: لا يُعجزُونَنِي وتحذف النون الأولى، لاجتماع النونين؛ كما قال عمر بن أبي ربيعة: [الوافر]
تَراهُ كالثَّغَامِ يعلُّ مِسْكًا ** يسُوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْنِي

وقال متمم بنُ نُويرَةَ: [الكامل]
ولقَدْ علمْتِ ولا مَحَالَة أنَّنِي ** للحَادِثاتِ فَهَلْ تَرَيْنِي أجْزَعُ

قال الأخفشُ: فهذا البيتُ يجوز على الاضطرار.
وقرأ ابنُ محيصن أيضًا {يُعجزُونِّ} بنون مشددة مكسورةٍ، أدغم نون الرفع في نون الوقاية، وحذف ياء الإضافة مُجْتَزِئًا عنها بالكسرة، وعنه أيضًا فتحُ العين وتشديدُ الجيم وكسر النون، مِنْ عَجَّزَ مشددًا.
قال أبو جعفرٍ: وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: أنَّ معنى عَجّضزه ضعَّفه وضعَّف أمره.
والآخر: كان يجب أن يكون بنونين.
قال شهابُ الدِّين: أمَّا تخطئة النَّحاس لهُ فخطأٌ؛ لأن الإتيان بالنُّونين ليس بواجب بل هو جائز، وقد قرئ به في مواضع في المتواتر، سيأتي بعضها، وأمَّا عجَّز بالتشديد فليس معناه مقتصرًا على ما ذكر، بل نقل غيره من أهل اللغة أن معناه نسبني إلى العجز، أو معناه: بَطَّأ، وثبَّط، والقراءة معناها لائقٌ بأحد المعنيين.
قرأ طلحة بكسر النون خفيفة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}
كيف يعارِضُ الحقَّ أو ينازعه مَنْ في قَبْضَتِه تَقَلُّبُه، وبقدرته تَصرُّفه، وبتصريفه إياه عَدَمه وثبوتُه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (60):

قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان هذا ربما أدى إلى ترك المناصبة والمحاربة والمغالبة اعتمادًا على الوعد الصادق المؤيد بما وقع لهم في بدر من عظيم النصر مع نقص دعوى العِدة والعُدة، أتبعه ما يبين أن اللازم ربط الأسباب بمسبباتها، وليتبين الصادق في دعوى الإيمان من غيره فقال: {وأعدوا لهم} أي للأعداء {ما استطعتم} أي دخل في طاعتكم وكان بقوة جهدكم تحت مقدروكم وطاقتكم {من قوة} أيّ قوة كانت، وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي إشارة إلى أنه أعظم عدده على نحو: «الحج عرفة» وفي أمرهم بقوله: {ومن رباط الخيل} إيماء إلى باب من الامتنان بالنصر في بدر لأنهم لم يكن معهم فيه غير فرسين، والرباط هو الخيل التي تربط في سبيل الله الخمس منها فما فوقها، وخصها مع دخولها فيما قبل إشارة إلى عظيم غنائها، والرباط أيضًا ملازمة تغر العدو وربط الخيل به إعدادًا للعدو؛ ثم أجاب من كأنه قال: لم نفعل ذلك وما النصر إلا بيدك؟ بقوله: {ترهبون} أي تخافون تخويفًا عظيمًا باهرًا يؤدي إلى الهرب على ما أجريت من العوائد {به} أي بذلك الذي أمرتكم به من المستطاع أو من الرباط {عدو الله} أي الذي له العظمة كلها لأنه الملك الأعلى {وعدوكم} أي المجاهدين، والأليق بقوله-: {وآخرين} أي وترهبون بذلك آخرين {من دونهم}- أي يحمل على المنافقين لوصفهم بقوله: {لا تعلمونهم} كما قال تعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم} [التوبة: 101] ولأنهم لا يكونون دونهم إلا إذا لم يكونوا في العدواة مثلهم، وكل من فرض غير المنافقين مظهرون للعدواة، وأما المنافقون فإنهم مدعون بإظهار الإسلام أنهم أولياء لا أعداء {الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {يعلمهم} أي فهو يكفيكم ما يظن من أمرهم، وليس عليكم إلا الجهد بحسب ما تعلمون، والآية بالنسبة إلى ما تقدمها من باب: «اعقلها وتوكل» والمعنى لا تظنوا أن الكفار فاتونا وأفلتوا من عذابنا بامتناعهم منكم فإنهم في قبضتنا أينما توجهوا وحيثما حلوا فسوف نهلكهم ولا يعجزوننا، ومع ذلك فلا يحملنكم الاتكال على قوتنا على ترك أسباب مغالبتهم بما أعطيناكم من القوى بل ابذلوا جهدكم وطاقتكم في إعداد مكايد الحرب وما يتعلق بالرمي من القوة وبالخيل من الطعن والضرب والفروسية لنلقي بذلك رعبكم في قلوب عدوكم القريب والبعيد من تعلمونه منهم ومن لا تعلمونه.
ولما كان أغلب معاني هذه الأية الإنفاق، لأن مبنى إعداد القوة عليه، رغب فيه بقوله: {وما تنفقوا من شيء} أي من الأشاء وإن قلَّ {في سبيل الله} أي طريق من له صفات الكمال من الجهاد وغيره {يوف إليكم} أي أجره كاملًا في الدنيا والآخرة أوفى ما يكون مضاعفًا أحوج ما تكونون إليه {وأنتم}.
ولما كان المخوف مطلق النقص، بنى للمفعول قوله: {لا تظلمون} أي لا تنقصون شيئًا منه، وأما الزيادة فلابد منها وهي على قدر النية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما أوجب على رسوله أن يشرد من صدر منه نقض العهد، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النقض، أمره في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قيل: إنه لما اتفق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بدر أن قصدوا الكفار بلا آلة ولا عدة أمرهم الله أن لا يعودوا لمثله وأن يعدوا للكفار ما يمكنهم من آلة وعدة وقوة، والمراد بالقوة ههنا: ما يكون سببًا لحصول القوة وذكروا فيه وجوهًا: الأول: المراد من القوة أنواع الأسلحة.
الثاني: روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر وقال: «ألا إن القوة الرمي» قالها ثلاثًا.
الثالث: قال بعضهم: القوة هي الحصون.
الرابع: قال أصحاب المعاني الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «القوة هي الرمي» لا ينفي كون غير الرمي معتبرًا، كما أن قوله عليه الصلاة والسلام: «الحج عرفة» و«الندم توبة» لا ينفي اعتبار غيره، بل يدل على أن هذا المذكور جزء شريف من المقصود فكذا ههنا، وهذه الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بالنبل والسلاح وتعليم الفروسية والرمي فريضة، إلا أنه من فروض الكفايات.
وقوله: {ومن رباط الخيل} الربا ط المرابطة أو جمع ربيط، كفصال وفصيل، ولا شك أن ربط الخيل من أقوى آلات الجهاد.
روي أن رجلًا قال لابن سيرين: إن فلانًا أوصى بثلث ماله للحصون.
فقال ابن سيرين: يشتري به الخيل فتربط في سبيل الله ويغزى عليها، فقال الرجل إنما أوصى للحصون، فقال هي الخيل ألم تسمع قول الشاعر:
ولقد علمت على تجنبي الردى ** إن الحصون الخيل لا مدر القرى

قال عكرمة: ومن رباط الخيل الأناث وهو قول الفراء، ووجه هذا القول أن العرب تسمي الخيل إذا ربطت في الأفنية وعلفت ربطًا واحدها ربيط، ويجمع ربط على رباط وهو جمع الجمع، فمعنى الرباط ههنا، الخيل المربوط في سبيل الله، وفسر بالإناث لأنها أولى ما يربط لتناسلها ونمائها بأولادها، فارتباطها أولى من ارتباط الفحول، هذا ما ذكره الواحدي.
ولقائل أن يقول: بل حمل هذا اللفظ على الفحول أولى، لأن المقصود من رباط الخيل المحاربة عليها، ولا شك أن الفحول أقوى على الكر والفر والعدو، فكانت المحاربة عليها أسهل، فوجب تخصيص هذا اللفظ بها، ولما وقع التعارض بين هذين الوجهين وجب حمل اللفظ على مفهومه الأصلي، وهو كونه خيلًا مربوطًا، سواء كان من الفحول أو من الإناث، ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء.
فقال: {ترهبون به عدو الله وعدوكم} وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم، وذلك الخوف يفيد أمورًا كثيرة: أولها: أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.
وثانيها: أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم جزية.
وثالثها: أنه ربما صار ذلك داعيًا لهم إلى الإيمان.
ورابعها: أنهم لا يعينون سائر الكفار.
وخامسها: أن يصير ذلك سببًا لمزيد الزينة في دار الإسلام.