فصل: والمسألة الرابعة: (في تكليف الأنبياء بالجهاد):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و

.المسألة الرابعة: [في تكليف الأنبياء بالجهاد]:

قَالَ بَعْضُهُمْ: يَدُلُّ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} عَلَى تَكْلِيفِ الْجِهَادِ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ.
قُلْنَا: كَانَ الْجِهَادُ وَاجِبًا عَلَى أَنْبِيَاءٍ قَبْلَ مُحَمَّدٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَسْرَى وَلَا غَنِيمَةٌ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} مَا كَانَ لَك يَا مُحَمَّدُ أَنْ يَكُونَ لَك أَسْرَى حَتَّى يَغْلُظَ قَتْلُك فِي الْأَرْضِ، وَتَثْبُتَ هَيْبَتُك فِي النُّفُوسِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طَيّبًا}.
روى الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لم تحل الغنيمة لقوم سود الرءوس قبلكم، كان تنزل نار من السماء فتأكلها، حتى كان يوم بدر، فرفعوا في الغنائم فأحلت لهم فأنزل الله تعالى: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَها أَحَدٌ قَبْلِي، بُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَجُعِلَتْ لِي شَفَاعَةٌ لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ».
وروى الضحاك في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى} قال: إنه لما كان يوم بدر ووقعت الهزيمة على المشركين، أسرع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ أسلاب المشركين ممن قتل منهم، وأخذ الغنائم وفداء الأسرى وشغلوا أنفسهم بذلك عن القتال، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ألا ترى إلى ما يصنع أصحابك؟ تركوا قتال العدو، وأقبلوا على أسلابهم.
وإني أخاف أن تعطف عليهم خيل من خيل المشركين فنزل: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا}، يعني أتطلبون الغنائم وتتركون القتال {والله يُرِيدُ الآخرة}، يعني قهر المشركين وإظهار الإسلام، {والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ}؛ لولا ما سبق في الكتاب، يعني أن الغنائم تحلّ لهذه الأمة، لأصابكم عذاب عظيم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ، مَا نَجَا أَحَدٌ غَيْرُ عُمَرَ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ القِتَالَ».
وروى مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} قال: سبقت من الله الرحمة لهذه الأمة قبل أن يعملوا بالمعصية؛ وقال الحسن: سبقت المغفرة لأهل بدر.
وعن الحسن أنه قال: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} قال في الكتاب السابق من الله تعالى أن لا يعذب قومًا إلا بعد قيام الحجة عليهم.
وقال سعيد بن جبير: لَوْلاَ ما سبق لأهل بدر من السعادة، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء {عَذَابٌ عظِيمٌ}، ويقال: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} أن لا يعذب قومًا، حتى يبين لهم ما يتقون.
ثم قال: {واتقوا الله} فيما أمركم به ولا تعصوه.
{إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، أي متجاوز، يعني ذو تجارة فيما أخذتم من الغنيمة قبل حلها وحين إذ أحلها لكم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
همام بن منبه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن محمد قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لم تحل الغنائم لمن كان قبلنا» ذلك أن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا.
عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعُطيت خمسًا لم يُعطهنَّ نبي قبلي من الأنبياء وجُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا ولم يكن نبي من الأنبياء يصلي حتى بلغ محرابه وأُعطيت الرعب مسيرة شهر يكون بيني وبين المشركين شهر فيقذف الله الرعب في قلوبهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى خاصة قومه، وبعثت إلى الجن والإنس، وكان الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله، وأمرت أن أقاسمها في فقراء أمتي ولم يبقَ نبي إلا قد أُعطي سؤله وأُخّرت شفاعتي لأمتي». اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم} الآية، نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم تحليلها، قوله: {حلالًا طيبًا} حال في قوله، ويصح أن يكونا من الضمير الذي في {غنمتم} ويحتمل أن يكون {حلالًا} مفعولًا ب {كلوا}، {واتقوا الله} معناه في التشرع حسب إرادة البشر وشهوته في نازلة، أخرى، وجاء قوله: {واتقوا الله} اعتراضًا فصيحًا في أثناء الكلام، لأن قوله: {إن الله غفور رحيم} هو متصل بالمعنى بقوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا}. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)}
يقتضي ظاهره أن تكون الغنيمة كلها للغانمين، وأن يكونوا مشتركين فيها على السواء؛ إلا أن قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} بيّن وجوب إخراج الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة.
وقد تقدّم القول في هذا مستوفىً. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} يعني قد أحلت لكم الغنائم وأخذ الفداء فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا.
روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} فأحل الله الغنائم بهذه الآية لهذه الأمة وكانت قبل ذلك حرامًا على جميع الأمم الماضية صح من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي».
(ق) عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم وذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا».
وقوله سبحانه وتعالى: {واتقوا الله إن الله غفور رحيم} يعني وخافوا الله أن تعودوا وإن لم تفعلوا شيئًا من قبل أنفسكم قبل أن تؤمروا به واعلموا أن الله قد غفر لكم ما أقدمتم عليه من هذا الذنب ورحمكم وقيل في قوله واتقوا الله إشارة إلى المستقبل وقوله إن الله غفور رحيم إشارة إلى الحالة الماضية. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} أي مما غنمتم ومنه ما حصل بالفداء الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق وليس هذا الأمر منشأً لإباحة الغنائم إذ قد سبق تحليلها قبل يوم بدر ولكنه أمر يفيد التوكيد واندراج مال الفداء في عموم ما غنمتم إذ كان قد وقع العتاب في الميل للفداء ثم أقرّه الرسول وانتصب {حلالًا} على الحال من ما إن كانت موصولة أو من ضميره المحذوف أو على أنه نعت لمصدر محذوف أي أكلًا حلالًا وجوّزوا في ما إن تكون مصدرية وروي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدّوا أيديهم إليها فنزلت، وجعل الزمخشري قوله: {فكلوا} متسبّبًا عن جملة محذوفة هي سبب وأفادت ذلك الفاء وقدّرها قد أبحت لكم الغنائم فكلوا، وقال الزجاج الفاء للجزاء والمعنى قد أحللت لكم الفداء فلكوا وأمر تعالى بتقواه لأن التقوى حاملة على امتثال أمر الله وعدم الإقدام على ما لم يتقدّم فيه إذن ففيه تحريض على التقوى من مال إلى الفداء ثم جاءت الصفتان مشعرتين بغفران الله ورحمته عن الذين مالوا إلى الفداء قبل الإذن، وقال الزمخشري: معناه إذا اتقيتموه بعدما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم، وقال ابن عطية: وجاء قوله: {واتقوا الله} اعتراضًا فصيحًا في أثناء القول لأن قوله: {إن الله غفور رحيم} هو متصل بقوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا}، وقيل غفور لما أتيتم رحيم بإحلال ما غنمتم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ}
رُوي أنهم أمسكوا عن الغنائم فنزلت قالوا: الفاء لترتيب ما بعدها على سبب محذوفٍ أي قد أبحت لكم الغنائمَ فكلوا ما غنمتم والأظهر أنها للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ أي دعوه فكلوا مما غنمتم وقيل: ما عبارة عن الفدية فإنها من جملة الغنائم ويأباه سباقُ النظمِ الكريم وسياقُه {حلالا} حال من المغنوم أو صفةٌ للمصدر أي أكلًا حلالًا وفائدتهُ الترغيبُ في أكلها وقوله تعالى: {طَيّبًا} صفةٌ لحلالًا مفيدةٌ لتأكيد الترغيبِ {واتقوا الله} أي في مخالفة أمرِه ونهيِه {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيغفرُ لكم ما فرَط منكم من استباحة الفداءِ قبل ورود الإذنِ فيه ويرحمُكم ويتوبُ عليكم إذا اتقيتموه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ}
قال محيي السنة: روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت هذه الآية، فالمراد {مما غنمتم} إما الفدية وإما مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية وإلا فحل الغنيمة مما عداها قد علم سابقًا من قوله سبحانه: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم} [الأنفال: 41] إلخ بل قال بعضهم: إن الحل معلوم قبل ذلك بناءً على ما في كتاب الأحكام أن أول غنيمة في الإسلام حين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه لبدر الأولى ومعه ثمانية رهط من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم فأخذوا عيرًا لقريش وقدموا بها على النبي صلى الله عليه وسلم فاقتسموها وأقرهم على ذلك.
ويؤيد القول بأن هذه الآية محللة للفدية ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مما هو نص في ذلك، وقيل: المراد بما غنمتم الغنائم من غير اندراج الفدية فيها لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهدًا منهم لا ظنًا لحرمتها إذ يبعده أن الحل معلوم لهم مما مر وليس بالبعيد والقول بأن القول الأول مما يأباه سباق النظم الكريم وسياقه ممنوع ودون إثباته الموت الأحمر.
والفاء للعطف على سبب مقدر، أي قد أحبت لكم الغنائم فكلوا مثلًا، وقيل: قد يستغني عن العطف على السبب المقدر بعطفه على ما قبله لأنه بمعناه، أي لا أؤاخذكم بما أخذتم من الفداء فكلوه، وزعم بعضهم أن الأظهر تقدير دعوا والعطف عليه، أي دعوا ما أخذتم فكلوا مما غنمتم وهو مبني على ما ذهب إليه من الإباء، وبنحو هذه الآية تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة، وضعف بأن الإباحة ثبتت هنا بقرينة أن الأكل إنما أمر به لمنفعتهم فلا ينبغي أن تثبت على وجه المضرة والمشقة، وقوله تعالى: {حلالا} حال من {مَا} الموصولة أو من عائدها المحذوف أو صفة للمصدر أي أكلًا حلالًا، وفائدة ذكره وكذا ذكر قوله تعالى: {طَيّبًا} تأكيد الإباحة لما في العتاب من الشدة {واتقوا الله} في مخالفته {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ولذا غفر لكم ذنبكم وأباح لكم ما أخذتموه، وقيل: فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الإذن ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا}
أي: كلوا بعضه بعد إخراج الخمس حلالًا، أي: مطلقًا عن العتاب والعقاب، من حل العقال.
{طَيِّبًا} أي: لذيذًا هنيئًا، أو حلالًا بالشرع، طيبًا بالطبع.
قيل: هذا الأمر تأكيد لحل المغنم، لأنه علم مما تقدم من قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية، وإشارة لاندراج مال الفداء في عمومها، فما غنمتم هنا، إما الفدية، لأنها غنيمة، أو مطلق الغنائم.
والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية وجعل الفاء عاطفة على سبب مقدر، أي: أبحت لكم الغنائم، فكلوا قد يستغنى عنه بعطفه على ما قبله بمعناه، أي: لا أؤاخذكم بما أخذ من الفداء فكلوه. كذا في العناية.
قال أبو السعود: والأظهر أنها للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أي: دعوه فكلوا مما غنمتم. ثم قال: وقيل: ما عبارة عن الفدية، فإنها من جملة الغنائم، ويأباه اتساق النظم الكريم وسياقه. انتهى. وهو متجه.
{وَاتَّقُواْ اللّهَ} أي: في مخالفة أمره ونهيه {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيغفر لكم ويرحمكم إذا اتقيتموه. اهـ.