فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{والذين ءامَنُواْ مِن بَعْدُ} يعني من بعد المهاجرين، {وَهَاجَرُواْ}؛ يعني من بعد المهاجرين، {وجاهدوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ}؛ يعني على دينكم.
{وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ}، يعني في الميراث من المهاجرين والأنصار.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة وبالمؤاخاة التي آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتوارثون بالإسلام وبالهجرة؛ وكان الرجل يسلم ولا يهاجر فلا يرثه أخاه، فنسخ بقوله: {وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} وروى الحسن بن صالح، عن ابن عباس أنه قال: هيهات هيهات، أين ذهب عبد الله بن مسعود؟ إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب فنزل: {أُوْلُو الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} ثم قال: {فِى كتاب الله}، يعني في حكم الله، كقوله تعالى: {كَتَبَ الله لاّغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلى إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] يعني حكم الله تعالى.
ويقال: {فِى كتاب الله} أي مبين في القرآن، ويقال: {فِى كتاب الله} يعني في اللوح المحفوظ.
{أَنَّ الله بِكُلّ شيء عَلِيمٌ} من قسمة المواريث وبما فرض عليكم من المواريث؛ والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {من بعد} يريد به من بعد الحديبية وبيعة الرضوان وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك، وكان يقال لها الهجرة الثانية، لأن الحرب وضعت أوزارها نحو عامين، ثم كان فتح مكة وبه قال صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح»، وقال الطبري: المعنى من بعد ما بينت لكم حكم الولاية.
قال القاضي أبو محمد: فكان الحاجز بين الهجرتين نزول الآية، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بأنهم من الأولين في المؤازرة وسائر وأحكام الإسلام، وقوله تعالى: {وجاهدوا معكم} لفظ يقتضي أنهم تبع لا صدر، قوله: {فأولئك منكم} كذلك، ونحوه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم وابن أخت القوم منهم»، وقوله: {وأولو الأرحام} إلى آخر السورة، قال من تقدم ذكره هي في المواريث وهي ناسخة للحكم المتقدم ذكره من أن يرث المهاجري الأنصاري، ووجب بهذه الآية الأخيرة أن يرث الرجل قريبه وإن لم يكن مهاجرًا معه، وقالت فرقة منها مالك بن أنس رحمه الله: إن الآية ليست في المواريث، وهذا فرار عن توريث الخال والعمة ونحو ذلك، وقالت فرقة: هي في المواريث إلا أنها نسخت بآية المواريث المبينة، وقوله: {في كتاب الله}، معناه القرآن أي ذلك مثبت في كتاب الله، وقيل المعنى في كتاب الله السابق في اللوح المحفوظ، و{عليم} صفة مناسبة لنفوذ هذه الأحكام. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والذين آمنوا من بعدُ}
أي: من بعد المهاجرين الأولين.
قال ابن عباس: هم الذين هاجروا بعد الحديبية.
قوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} أي: في المواريث بالهجرة.
قال ابن عباس: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء حتى نزلت هذه الآية، فتوارثوا بالنسب.
قوله تعالى: {في كتاب الله} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اللوح المحفوظ.
والثاني: أنه القرآن وقد بيَّن لهم قسمة الميراث في سورة [النساء: 11، 12].
والثالث: أنه حكم الله، ذكره الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ}
يريد من بعد الحُدَيْبِية وبيعة الرضوان.
وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقلّ رتبة من الهجرة الأُولى.
والهجرة الثانية هي التي وقع فيها الصلح، ووضعت الحرب أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة.
ولهذا قال عليه السلام: «لا هجرة بعد الفتح» فبيّن أن من آمن وهاجر من بعدُ يلتحق بهم.
ومعنى منكم أي مثلكم في النّصر والموالاة.
السادسة قوله تعالى: {وَأْوْلُواْ الأرحام} ابتداء.
والواحد ذو، والرّحِم مؤنثة، والجمع أرحام.
والمراد بها هاهنا العصبات دون المولود بالرحم.
ومما يبيّن أن المراد بالرحِم العصبات قول العرب: وَصَلَتْك رَحِم.
لا يريدون قرابة الأُمّ.
قالت قُتيلة بنت الحارث أُخت النضر بن الحارث كذا قال ابن هشام.
قال السهيليّ: الصحيح أنها بنت النضر لا أُخته، كذا وقع في كتاب الدلائل ترثي أباها حين قتله النبيّ صلى الله عليه وسلم صَبْرًا بالصفراء:
يا راكبًا إن الأُثيل مِظنّةٌ ** من صُبح خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ

أبلِغ بها مَيْتًا بأن تحيّة ** ما إن تزال بها النجائب تخفِقُ

منّي إليك وعبرةٌ مسفوحةٌ ** جادت بواكفِها وأُخرى تخنقُ

هل يسمَعني النّضُر إن ناديتُه ** أم كيف يسمع ميّت لا ينطق

أمحمدٌ يا خيرَ ضِنْءِ كريمةٍ ** في قومها والفحلُ فحلٌ مُعرِق

ما كان ضرّك لو مننْتَ وربّما ** مَنّ الفتى وهو المَغِيظ المُحْنَق

لو كنتَ قابلَ فدية لفديتُه ** بأعزَّ ما يُفْدى به ما يُنْفِق

فالنّضرُ أقربُ مَن أسَرْتَ قرابةً ** وأحقُّهم إن كان عِتق يُعتَق

ظلّت سيوفُ بني أبيه تَنوشُه ** للَّه أرحام هناك تُشقَّق

صَبْرًا يُقاد إلى المنّية مُتْعَبًا ** رَسْفَ المُقَيَّد وهو عانٍ مُوثَق

السابعة واختلف السلف ومَن بعدهم في توريث ذوي الأرحام وهو من لا سهم له في الكتاب من قرابة الميت وليس بعصبة؛ كأولاد البنات، وأولاد الأخوات، وبنات الأخ، والعمة والخالة، والعمِّ أخ الأب للأُم، والجدِّ أبي الأُم، والجدَّة أُمّ الأُم، ومن أدْلَى بهم.
فقال قوم: لا يرث من لا فرض له من ذوي الأرحام.
ورُوي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر، ورواية عن عليّ، وهو قول أهل المدينة، ورُوي عن مكحول والأُوزاعي، وبه قال الشافعيّ رضي الله عنه.
وقال بتوريثهم: عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدَّرْدَاء وعائشة وعليّ في رواية عنه، وهو قول الكوفيين وأحمد وإسحاق.
واحتجّوا بالآية، وقالوا: وقد اجتمع في ذوي الأرحام سببان القرابة والإسلام؛ فهم أوْلى ممن له سبب واحد وهو الإسلام.
أجاب الأوّلون فقالوا: هذه آية مجملة جامعة، والظاهر بكل رحم قَرُب أو بَعُد، وآيات المواريث مفسِّرة والمفسّر قاضٍ على المجمل ومبيّن.
قالوا: وقد جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم الوَلاء سببًا ثابتًا، أقام المَوْلَى فيه مُقام العصبة فقال: «الولاء لمن أعتق» ونهى عن بيع الولاء وعن هبته.
احتج الآخرون بما روى أبو داود والدَّارَقُطْنِيّ عن المِقدام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك كَلًا فإليّ وربما قال فإلى الله وإلى رسوله ومن ترك مالًا فلورثته فأنا وارث من لا وارث له أعقِل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يَعقِل عنه ويرثه» وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن طاوس قال قالت عائشة رضي الله عنها: «الله مَوْلَى من لا مَوْلَى له، والخال وارث من لا وارث له». موقوفٌ.
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخال وارث» ورُوي عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة فقال: «لا أدري حتى يأتيني جبريل» ثم قال: «أين السائل عن ميراث العمة والخالة»؟ قال: فأتى الرجل فقال: «سارّني جبريل أنه لا شيء لهما» قال الدّارَقطنيّ: لم يسنده غير مَسعدة عن محمد بن عمرو وهو ضعيف، والصواب مرسل.
ورُوي عن الشّعبي قال قال زياد بن أبي سفيان لجليسه: هل تدري كيف قضى عمر في العمة والخالة؟ قال لا.
قال: إني لأعلم خلقِ الله كيف قضى فيهما عمر، جعل الخالة بمنزلة الأُم، والعمة بمنزلة الأب. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم}
اختلفوا في قوله من بعد فقيل من بعد صلح الحديبية وهي الهجرة الثانية وقيل من نزول هذه الآية وقيل من بعد غزوة بدر والأصح أن المراد به أهل الهجرة الثانية لأنها بعد الهجرة الأولى لأن الهجرة انقطعت بعد فتح مكة لأنها صارت دار إسلام بعد الفتح ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية». أخرجاه في الصحيحين وقال الحسن الهجرة غير منقطعة.
ويجاب عن هذا بأن المراد منه الهجرة المخصوصة من مكة إلى المدينة فأما من كان من المؤمنين في بلد يخاف على إظهار دينه في كثرة الكفار وجب عليه أن يهاجر إلى بلد لا يخاف على إظهار دينه وقوله تعالى: {فأولئك منكم} يعني أنهم منكم وأنتم منهم لكن فيه دليل على أن مرتبة المهاجرين الأولين أشرف وأعظم من مرتبة المهاجرين المتأخرين بالهجرة لأن الله سبحانه وتعالى ألحق المهاجرين المتأخرين بالمهاجرين السابقين وجعلهم منهم وذلك معرض المدح والشرف ولولا أن المهاجرين الأولين أفضل وأشرف لما صح هذا الإلحاق.
وقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} قال ابن عباس: كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} أي في الميراث أي فبين بهذه الآية أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء ونسخ بهذه الآية ذلك التوارث وقوله في كتاب الله يعني في حكم الله وقيل أراد به في اللوح المحفوظ وقيل أراد به القرآن وهو أن قسمة المواريث مذكورة في سورة النساء من كتاب الله وهو القرآن وتمسك أصحاب الإمام أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام.
وأجاب عنه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بأنه لما قال في كتاب الله كان معناه في حكم الله الذي بينه في سورة النساء فصارت هذه الآية مقيدة بالأحكام التي ذكرها في سورة النساء من قسمة المواريث وإعطاء أهل الفروض فروضهم وما بقي فللعصبات.
وقوله سبحانه وتعالى: {إن الله بكل شيء عليم} يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم}.
يعني الذين لحقوا بالهجرة من سبق إليها فحكم تعالى بأنهم من المؤمنين السابقين في الثواب والأجر وإن كان للسابقين شفوف السّبق وتقدّم الإيمان والهجرة والجهاد ومعنى {من بعد} من بعد الهجرة الأولى وذلك بعد الحديبية قاله ابن عباس، وزاد ابن عطية وبيعة الرضوان وذلك أنّ الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك وكان يقال لها الهجرة الثانية لأن الحرب وضعت أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة.
وبه قال عليه السلام: «لا هجرة بعد الفتح».
وقال الطبري: {من بعد} ما بينت حكم الولاية فكان الحاجز بين الهجرتين نزول الآية فأخبر تعالى في هذه الآية أنهم من الأولين في الموازرة وسائر أحكام الإسلام، وقيل: من بعد يوم بدر، وقال الأصمّ: من بعد الفتح وفي قوله: {معكم} إشعار أنهم تبع لا صدر كما قال فأولئك مع المؤمنين وكذلك فأولئك منكم كما جاء مولى القوم منهم وابن أخت القوم منهم.
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إنّ الله بكل شيء عليم}.
أي وأصحاب القرابات ومن قال: إنّ قوله في المؤمنين المهاجرين والأنصار {بعضهم أولياء بعض} في المواريث بالأخوّة التي كانت بينهم، قال: هذه في المواريث وهي نسخ للميراث بتلك الأخوة وإيجاب أن يرث الإنسان قريبة المؤمن وإن لم يكن مهاجرًا واستدلّ بها أصحاب أبي حنيفة على توريث ذوي الأرحام، وقالت فرقة منهم: مالك ليست في المواريث وهذا فرار عن توريث الخال والعمّة ونحو ذلك، وقالت فرقة: هي في المواريث إلا أنها نسختها آية المواريث المبيّنة، والظاهر أنّ {كتاب الله} هو القرآن المنزّل وذلك في آية المواريث، وقيل: في كتاب الله السابق، اللوح المحفوظ، وقيل: في كتاب الله في هذه الآية المنزلة، وقال الزجاج: في حكمه، وتبعه الزمخشري، فقال في حكمه وقسمته وختم السورة بقوله: {إنّ الله بكلّ شيء عليم}، في غاية البراعة إذ قد تضمنت أحكامًا كثيرة في مهمّات الدين وقوامه وتفصيلًا لأحوال، فصفة العلم تجمع ذلك كله وتحيط بمبادئه وغاياته. اهـ.