فصل: الباب السابع: في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الباب السابع: في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في الأسماء الحاصلة بسبب القدرة:

الأسماء الدالة على صفة القدرة:
والأسماء الدالة على صفة القدرة كثيرة: الأول: القادر، قال تعالى: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] وقال في أول سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بلى قادرين على أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4] وقال في آخر السورة: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بقادر على أَن يُحْيِىَ الموتى} [القيامة: 40] الثاني: القدير، قال تعالى: {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلّ شيء قَدِير} [الملك: 1] وهذا اللفظ يفيد المبالغة في وصفه بكونه قادرًا، الثالث: المقتدر، قال تعالى: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45] وقال: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55] الرابع: عبر عن ذاته بصيغة الجمع في هذه الصفة قال تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون} [المرسلات: 23] واعلم أن لفظ الملك يفيد القدرة أيضًا بشرط خاص، ثم إن هذا اللفظ جاء في القرآن على وجوه مختلفة: فالأول: المالك، قال الله تعالى: {مالك يَوْمِ الدين}.
الثاني: الملك، قال تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} [طه: 114] وقال: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس} [الحشر: 23] وقال: {مَلِكِ الناس}.
واعلم أن ورود لفظ الملك في القرآن أكثر من ورود لفظ المالك، والسبب فيه أن الملك أعلى شأنًا من المالك، الثالث: مالك الملك، قال تعالى: {قُلِ اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26] الرابع: المليك قال تعالى: {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55] الخامس: لفظ الملك، قال تعالى: {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} [الفرقان: 26] وقال تعالى: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} [البقرة: 107] واعلم أن لفظ القوة يقرب من لفظ القدرة، وقد جاء هذا اللفظ في القرآن على وجوه مختلفة: الأول: القوي، قال تعالى: {إِنَّ الله لَقَوِىّ عَزِيز} [الحج: 40] الثاني: ذو القوة، قال تعالى: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} [الذاريات: 58].

.الفصل الثاني: في الأسماء الحاصلة بسبب العلم:

وفيه ألفاظ:
الأول: العلم وما يشتق منه، وفيه وجوه:
الأول: إثبات العلم لله تعالى، قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] وقال تعالى: {وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} [فصلت: 47] وقال تعالى: {قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شيء عِلْمًا} [الطلاق: 12] وقال تعالى: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] الاسم الثاني: العالم، قال تعالى: {عالم الغيب والشهادة} [الزمر: 46] الثالث: العليم، وهو كثير في القرآن، الرابع: العلام، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} [المائدة: 116] الخامس: الأعلم، قال تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] السادس: صيغة الماضي، قال تعالى: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: 187] السابع: صيغة المستقبل، قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله} [البقرة: 197] وقال: {والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 19] الثامن: لفظ علم من باب التفعيل، قال تعالى: {وَعَلَّمَ ءادَمَ الأسماء كُلَّهَا} [البقرة: 31] وقال في حق الملائكة: {سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] وقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113] وقال: {الرحمن عَلَّمَ القرءان} [الرحمن: 1، 2].
واعلم أنه لا يجوز أن يقال إن الله معلم مع كثرة هذه الألفاظ لأن لفظ المعلم مشعر بنوع نقيصة، التاسع: لا يجوز إطلاق لفظ العلامة على الله تعالى؛ لأنها وإن أفادت المبالغة لكنها تفيد أن هذه المبالغة إنما حصلت بالكد والعناء، وذلك في حق الله تعالى محال.
اللفظ الثاني: من ألفاظ هذا الباب لفظ الخبر والخبرة، وهو كالمرادف للعلم، حتى قال بعضهم في حد العلم: إنه الخبر، إذا عرفت هذا فنقول: ورد لفظ الخبير في حق الله تعالى في حد العلم: إنه الخبر، إذا عرفت هذا فنقول: ورد لفظ الخبير في حق الله تعالى كثيرًا في القرآن، وذلك أيضًا يدل، على العلم.
النوع الثالث من الألفاظ: الشهود والمشاهدة:
ومنه الشهيد في حق الله تعالى، إذا فسرناه بكونه مشاهدًا لها عالمًا بها، أما إذا فسرناه بالشهادة كان من صفة الكلام.
النوع الرابع: الحكمة:
وهذه اللفظة قد يراد بها العلم، وقد يراد بها أيضًا ترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي.
النوع الخامس: اللطيف:
وقد يراد به العلم بالدقائق، وقد يراد به إيصال المنافع إلى العباد بطريق خفية عجيبة.

.الفصل الثالث: في الأسماء الحاصلة بسبب صفة الكلام، وما يجري مجراه:

اللفظ الأول: الكلام، وفيه وجوه: الأول: لفظ الكلام، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَد مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} [التوبة: 6] الثاني: صيغة الماضي من هذا اللفظ، قال تعالى: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقال: {وَلَمَّا جَاء موسى لميقاتنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] الثالث: صيغة المستقبل، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} [الشورى: 51].
اللفظ الثاني: القول، وفيه وجوه: الأول: صيغة الماضي، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة} [البقرة: 30] ونظائره كثيرة في القرآن، الثاني: صيغة المستقبل، قال تعالى: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَة} [البقرة: 68] الثالث: القيل والقول، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا} [النساء: 122] وقال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ} [ق: 29].
اللفظ الثالث: الأمر، قال تعالى: {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الروم: 4] وقال: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} [الأعراف: 54] وقال حكاية عن موسى عليه السلام: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67].
اللفظ الرابع: الوعد، قال تعالى: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التوراة والإنجيل والقرءان} [التوبة: 111] وقال تعالى: {وَعْدَ الله حَقّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يونس: 4].
اللفظ الخامس: الوحي، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} [الشورى: 51] وقال: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَا أوحى} [النجم: 10].
اللفظ السادس: كونه تعالى شاكرًا لعباده، قال تعالى: {فأولئك كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [لإسرء: 19]: {وَكَانَ الله شاكرا عَلِيمًا} [النساء: 147].

.الفصل الرابع: في الإرادة وما يقرب منها:

فاللفظ الأول: الإرادة، قال تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: 185].
اللفظ الثاني: الرضا، قال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] وقال: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} [الزمر: 7] وقال: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} [الفتح: 18] وقال في صفة السابقين الأولين: {رضي الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [المائدة: 119] وقال حكاية عن موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} [طه: 84].
اللفظ الثالث: المحبة، قال: {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] وقال: {ويحب المتطهرين} [البقرة: 222].
اللفظ الرابع: الكراهة، قال تعالى: {كُلُّ ذلك كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] وقال: {ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46] قالت الأشعرية: الكراهة عبارة عن أن يريد أن لا يفعل وقالت المعتزلة: بل هي صفة أخرى سوى الإرادة، والله أعلم.

.الفصل الخامس: في السمع والبصر:

قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] وقال تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} [الإسراء: 1] وقال تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى} [طه: 46] وقال: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ} [مريم: 42] وقال تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} [الأنعام: 103].
فهذا جملة الكلام في الصفات الحقيقية مع الإضافية.

.الفصل السادس: في الصفات الإضافية مع السلبية:

اعلم أن الأول هو الذي يكون سابقًا على غيره، ولا يسبقه غيره، فكونه سابقًا على غيره إضافة، وقولنا أنه لا يسبقه غيره فهو سلب، فلفظ الأول يفيد حالة متركبة من إضافة وسلب، والآخر هو الذي يبقى بعد غيره، ولا يبقى بعده غيره، والحال فيه كما قدم، أما لفظ الظاهر فهو إضافة محضة، لأن معناه كونه ظاهرًا بحسب الدلائل، وأما لفظ الباطن فهو سلب محض، لأن معناه كونه خفيًا بحسب الماهية.
ومن الأسماء الدالة على مجموع إضافة وسلب القيوم لأن هذا اللفظ يدل على المبالغة في هذا المعنى، وهذه المبالغة تحصل عند اجتماع أمرين: أحدهما: أن لا يكون محتاجًا إلى شيء سواه ألبتة، وذلك لا يحصل إلا إذا كان واجب الوجود في ذاته وفي جملة صفاته، والثاني: أن يكون كل ما سواه محتاجًا إليه في ذواتها وفي جملة صفاتها، وذلك بأن يكون مبدأ لكل ما سواه، فالأول سلب، والثاني إضافة ومجموعهما هو القيوم.

.الفصل السابع: في الأسماء الدالة على الذات والصفات الحقيقية والإضافية والسلبية:

فمنها قولنا: الإله وهذا الاسم يفيد الكل؛ لأنه يدل على كونه موجودًا، وعلى كيفيات ذلك الوجود، أعني كونه أزليًا أبديًا واجب الوجود لذاته، وعلى الصفات السلبية الدالة على التنزيه، وعلى الصفات الإضافية الدالة على الإيجاد والتكوين، واختلفوا في أن هذا اللفظ هل يطلق على غير الله تعالى؟ أما كفار قريش فكانوا يطلقونه في حق الأصنام، وهل يجوز ذلك في دين الإسلام؟ المشهور أنه لا يجوز، وقال بعضهم: إنه يجوز لأنه ورد في بعض الأذكار: يا إله الآلهة، وهو بعيد، وأما قولنا: الله فسيأتي بيان أنه اسم علم لله تعالى، فهل يدل هذا الاسم على هذه الصفات؟ فنقول: لا شك أن أسماء الأعلام قائمة مقام الإشارات، والمعنى أنه تعالى لو كان بحيث يصح أن يشار إليه لكان هذا الاسم قائمًا مقام تلك الإشارة، ثم اختلفوا في أن الإشارة إلى الذات المخصوصة هل تتناول الصفات القائمة بتلك الذات؟ فإن قلنا إنها تتناول الصفات كان قولنا: الله دليلًا على جملة الصفات، فإن قالوا: الإشارة لا تتناول الصفات السلبية فوجب أن لا يدل عليها لفظ الله قلنا: الإشارة في حق الله إشارة عقلية منزهة عن العلائق الحسية، والإشارة العقلية قد تتناول السلوب.

.الفصل الثامن: في الأسماء التي اختلف العقلاء فيها أنها هل هي من أسماء الذات أو من أسماء الصفات:

الأسماء المختلف في مرجعها:
هذا البحث إنما ظهر من المنازعة القائمة بين أهل التشبيه وأهل التنزيه، وذلك لأن أهل التشبيه يقولون: الموجود إما أن يكون متحيزًا، وإما أن يكون حالًا في المتحيز أما الذي لا يكون متحيزًا ولا حالًا في المتحيز فكان خارجًا عن القسمين فذاك محض العدم، وأما أهل التوحيد والتقديس فيقولون: أما المتحيز فهو منقسم، وكل منقسم فهو محتاج، فكل متحيز هو محتاج، فما لا يكون محتاجًا امتنع أن يكون متحيزًا، وأما الحال في المتحيز فهو أولى بالاحتياج، فواجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون متحيزًا أو حالًا في المتحيز.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول: هاهنا ألفاظ ظواهرها مشعرة بالجسمية والحصول في الحيز والمكان: فمنها العظيم وذلك لأن أهل التشبيه قالوا: معناه أن ذاته أعظم في الحجمية والمقدار من العرش ومن كل ما تحت العرش، ومنها الكبير وما يشتق منه، وهو لفظ الأكبر ولفظ الكبرياء ولفظ المتكبر.
واعلم أني ما رأيت أحدًا من المحققين بيَّن الفرق بينهما، إلا أن الفرق حاصل في التحقيق من وجوه: الأول: أنه جاء في الأخبار الإلهية أنه تعالى يقول: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فجعل الكبرياء قائمًا مقام الرداء، والعظمة قائمة مقام الإزار.
ومعلوم أن الرداء أرفع درجة من الإزار، فوجب أن يكون صفة الكبرياء أرفع حالًا من صفة العظمة.
والثاني: أن الشريعة فرقت بين الحالين، فإن المعتاد في دين الإسلام أن يقال في تحريمه الصلاة الله أكبر ولم يقل أحد الله أعظم ولولا التفاوت لما حصلت هذه التفرقة.
الثالث: أن الألفاظ المشتقة من الكبير مذكورة في حق الله تعالى كالأكبر والمتكبر بخلاف العظيم فإن لفظ المتعظم غير مذكور في حق الله.
واعلم أن الله تعالى أقام كل واحدة من هاتين اللفظتين مقام الأخرى، فقال: {وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العلى العظيم} [البقرة: 255] وقال في آية أخرى: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلى الكبير} [سبأ: 23] إذا عرفت هذا فالمباحث السابقة مشعرة بالفرق بين العظيم وبين الكبير، وهاتان الآيتان مشعرتان بأنه لا فرق بينهما، فهذه العقدة يجب البحث عنها فنقول ومن الله الإرشاد والتعليم: يشبه أن يكون الكبير في ذاته كبيرًا سواء استكبره غيره أم لا، وسواء عرف هذه الصفة أحد أو لا، وأما العظمة فهي عبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره، وإذا كان كذلك كانت الصفة الأولى ذاتية والثانية عرضية والذاتي أعلى وأشرف من العرضي، فهذا هو الممكن في هذا المقام والعلم عند الله.
ومن الأسماء المشعرة بالجسمية والجهة الألفاظ المشتقة من العلو فمنها قوله تعالى: {العلى}.
ومنها قوله: {سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] ومنها المتعالي ومنها اللفظ المذكور عند الكل على سبيل الأطباق وهو أنهم كلما ذكروه أردفوا ذلك الذكر بقولهم: تعالى لقوله تعالى في أول سورة النحل: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1] إذا عرفت هذا فالقائلون بأنه في الجهة والمكان قالوا: معنى علوه وتعاليه كونه موجودًا في جهة فوق، ثم هؤلاء منهم من قال إنه جالس فوق العرش، ومنهم من قال: إنه مباين للعرش ببعد متناه، ومنهم من قال: إنه مباين للعرش ببعد غير متناه، وكيف كان فإن المشبهة حملوا لفظ العظيم والكبير على الجسمية والمقدار وحملوا لفظ العلي على العلو في المكان والجهة، وأما أهل التنزيه والتقديس فإنهم حملوا العظيم والكبير على وجوه لا تفيد الجسمية والمقدار: فأحدها: أنه عظيم بحسب مدة الوجود، وذلك لأنه أزلي أبدي، وذلك هو نهاية العظمة والكبرياء في الوجود والبقاء والدوام، وثانيها: أنه عظيم في العلم والعمل، وثالثها: أنه عظيم في الرحمة والحكمة، ورابعها: أنه عظيم في كمال القدرة، وأما العلو فأهل التنزيه يحملون هذا اللفظ على كونه منزهًا عن صفات النقائص والحاجات.
إذا عرفت هذا فلفظ العظيم والكبير عند المشبهة من أسماء الذات، وعند أهل التوحيد من أسماء الصفات، وأما لفظ العلي فعند الكل من أسماء الصفات، إلا أنه عند المشبهة يفيد الحصول في الحيز الذي هو العلو الأعلى، وعند أهل التوحيد يفيد كونه منزهًا عن كل ما لا يليق بالإلهية، فهذا تمام البحث في هذا الباب.