فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

ومن سورة براءة قوله: {بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} مرفوعة، يضمر لها (هذه) ومثله قوله: {سُورَةٌ أَنْزَلْناها} وهكذا كل ما عاينته من اسم معرفة أو نكرة جاز إضمار (هذا) و(هذه) فتقول إذا نظرت إلى رجل: جميل واللّه، تريد: هذا جميل.
والمعنى في قوله (براءة) أن العرب كانوا قد أخذوا ينقضون عهودا كانت بينهم وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت عليه آيات من أوّل براءة، أمر فيها بنبذ عهودهم إليهم، وأن يجعل الأجل بينه وبينهم أربعة أشهر. فمن كانت مدّته أكثر من أربعة أشهر حطّه إلى أربعة. ومن كانت مدّته أقلّ من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة. وبعث في ذلك أبا بكر وعليا رحمهما اللّه، فقرأها علىّ على الناس.
وقوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2)} يقول: تفرقوا آمنين أربعة أشهر مدّتكم.
وقوله: {وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (3)} تابع لقوله (براءة). وجعل لمن لم يكن له عهد خمسين يوما أجلا. وكل ذلك من يوم النحر.
وقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (5) عن الذين أجلهم خمسون ليلة. {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ومعنى الأشهر الحرم: المحرّم وحده. وجاز أن يقول: الأشهر الحرم للمحرم وحده لأنه متّصل بذي الحجة وذى القعدة وهما حرام كأنه قال: فإذا انسلخت الثلاثة.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ (4)} استثناء في موضع نصب. وهم قوم من بنى كنانة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر.
قال اللّه تبارك وتعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ} يقول: لا تحطّوهم إلى الأربعة.
وقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (5)} في الأشهر الحرم وغيرها في الحلّ والحرم.
وقوله: {وَاحْصُرُوهُمْ} وحصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام.
وقوله: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} يقول: على طرقهم إلى البيت فقام رجل من الناس حين قرئت (براءة) فقال: يا ابن أبى طالب، فمن أراد منا أن يلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض الأمر بعد انقضاء الأربعة فليس له عهد؟ قال علىّ: بلى، لأن اللّه تبارك وتعالى قد أنزل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (6)} يقول: ردّه إلى موضعه ومأمنه.
وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ} في موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم بأحد. وذلك سهل في (إن) خاصّة دون حروف الجزاء لأنها شرط وليست باسم، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور في الكلام فلا تعمل، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأما المنصوب فمثل قولك: إن أخاك ضربت ظلمت. والمرفوع مثل قوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} ولو حوّلت (هلك) إلى (إن يهلك) لجزمته، وقال الشاعر:
فان أنت تفعل فللفاعليـ ** ـن أنت المجيزين تلك الغمارا

ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع تقول: إن عبد اللّه يقم يقم أبوه، ولا يجوز أبوه يقم، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء. فخطأ أن تقول: إن تأتنى زيدا تضرب. وكان الكسائىّ يجيز تقدمة النصب في جواب الجزاء، ولا يجوّز تقدمة المرفوع، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد في الفعل راجع ذكر الأول، فلم يستقم إلغاء الأوّل. وأجازه في النصب لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه، فقال: كأن المنصوب لم يكن في الكلام. وليس ذلك كما قال لأن الجزاء له جواب بالفاء. فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يلق باسم، إن تفعل هذه المكارم فأنت منسوب للفاعلين الأجواد. والغمار جمع الغمرة وهى الشدة. والمجيزين وصف من أجاز بمعنى جاز.
إلا أن يضمر في ذلك الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب في منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير. واحتجّ بقول الشاعر:
وللخيل أيّام فمن يصطبر لها ** ويعرف لها أيامها الخير تعقب

فجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب). (والخير) في هذا الموضع نعت للايام كأنه قال: ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب) لرفع (تعقب) لأنه يريد: فالخير تعقبه.
وقوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ (7)} على التعجب كما تقول: كيف يستبقى مثلك أي لا ينبغى أن يستبقى. وهو في قراءة عبد اللّه (كيف يكون للمشركين عهد عند اللّه ولا ذمة) فجاز دخول (لا) مع الواو لأن معنى أوّل الكلمة جحد، وإذا استفهمت بشيء من حروف الاستفهام فلك أن تدعه استفهاما، ولك أن تنوى به الجحد. من ذلك قولك: هل أنت إلّا كواحد منّا؟! ومعناه: ما أنت إلا واحد منا، وكذلك تقول: هل أنت بذاهب؟ فتدخل الباء كما تقول: ما أنت بذاهب. وقال الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ** ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وقال الشاعر:
فاذهب فأىّ فتى في الناس أحرزه ** من يومه ظلم دعج ولا جبل

فقال: ولا جبل، للجحد وأوّله استفهام ونيّته الجحد معناه ليس يحرزه من يومه شيء. وزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: أين كنت لتنجو منى، فهذه اللام إنما تدخل لـ (ما) التي يراد بها الجحد كقوله: {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا}، {وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ}.
وقوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ (8)} اكتفى بـ (كيف) ولا فعل معها لأن المعنى فيها قد تقدّم في قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل كما قال الشاعر:
وخبرتمانى أنما الموت في القرى ** فكيف وهذى هضبة وكثيب

وقال الحطيئة:
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم ** على معظم ولا أديمكم قدّوا

وقال آخر:
فهل إلى عيش يا نصاب

وهل فأفرد الثانية لأنه يريد بها مثل معنى الأوّل.
وقوله: {فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ (11)} ثم قال: {فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} معناه: فهم إخوانكم. يرتفع مثل هذا من الكلام بأن يضمر له اسمه مكنّيا عنه. ومثله {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ} أي فهم إخوانكم. وفي قراءة أبىّ: {إن تعذّبهم فعبادك} أي فهم عبادك.
وقوله: {فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ (12)} يقول: رءوس الكفر {إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ} لا عهود لهم. وقرأ الحسن (لا إيمان لهم) يريد أنهم كفرة لا إسلام لهم. وقد يكون معنى الحسن على: لا أمان لهم، أي لا تؤمنوهم فيكون مصدر قولك: آمنته إيمانا تريد أمانا.
وقوله: {وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (13)} ذلك أن خزاعة كانوا حلفاء للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم، وكانت الديل بن بكر حلفاء لبنى عبد شمس، فاقتتلت الديل وخزاعة، فأعانت قريش الديل على خزاعة، فذلك قوله: {بَدَؤُكُمْ} أي قاتلوا حلفاءكم.
وقوله: {قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (14)} ثم جزم ثلاثة أفاعيل بعده يجوز في كلهن النصب والجزم والرفع.
ورفع قوله: {وَيَتُوبُ اللَّهُ} لأن معناه ليس من شروط الجزاء إنما هو استئناف كقولك للرجل: ايتني أعطك، وأحبّك بعد، وأكرمك، استئناف ليس بشرط للجزاء. ومثله قول اللّه تبارك وتعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ} تمّ الجزاء هاهنا، ثمّ استأنف فقال: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ}
وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ (16)} من الاستفهام الذي يتوسّط في الكلام فيجعل بـ (أم) ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ الذي لم يتّصل بكلام. ولو أريد به الابتداء لكان إمّا بالألف وإما بـ (هل) كقوله: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} وأشباهه.
وقوله: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} والوليجة: البطانة من المشركين يتّخذونهم فيفشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عن ذلك.
وقوله: {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ (17)} وهو يعنى المسجد الحرام وحده. وقرأها مجاهد وعطاء بن أبى رباح: {مسجد اللّه}. وربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع، وبالجمع إلى الواحد ألا ترى الرجل على البرذون فتقول: قد أخذت في ركوب البراذين، وترى الرجل كثير الدراهم.
فتقول: إنه لكثير الدرهم. فأدّى الجماع عن الواحد، والواحد عن الجمع. وكذلك قول العرب: عليه أخلاق نعلين وأخلاق ثوب أنشدنى أبو الجرّاح العقيلىّ:
جاء الشتاء وقميصى أخلاق ** شراذم يضحك منه التوّاق

وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (19)} ولم يقل: سقاة الحاجّ وعامرى كمن آمن، فهذا مثل قوله: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} يكون المصدر يكفى من الأسماء، والأسماء من المصدر إذا كان المعنى مستدلّا عليه بهما أنشدنى الكسائىّ:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ** ولكنما الفتيان كلّ فتى ندى

فجعل خبر الفتيان (أن). وهو كما تقول: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير.
وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا (20)} ثم قال: {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} فموضع الذين رفع بقوله: {أعظم درجة}. ولو لم يكن فيه (أعظم) جاز أن يكون مردودا بالخفض على قوله (كمن آمن). والعرب تردّ الاسم إذا كان معرفة على (من) يريدون التكرير. ولا يكون نعتا لأن (من) قد تكون معرفة، ونكرة، ومجهولة، ولا تكون نعتا كما أن (الذي) قد يكون نعتا للأسماء فتقول: مررت بأخيك الذي قام، ولا تقول: مررت بأخيك من قام.
فلمّا لم تكن نعتا لغيرها من المعرفة لم تكن المعرفة نعتا لها كقول الشاعر:
لسنا كمن جعلت إياد دارها ** تكريت تنظر حبّها أن تحصدا

إنما أراد تكرير الكاف على إياد كأنه قال: لسنا كإياد.
وقوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (25)} نصبت المواطن لأن كلّ جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان فهو لا يجرى مثل صوامع، ومساجد، وقناديل، وتماثيل، ومحاريب. وهذه الياء بعد الألف لا يعتدّ بها لأنها قد تدخل فيما ليست هي منه، وتخرج ممّا هي منه، فلم يعتدّوا بها إذ لم تثبت كما ثبت غيرها. وإنما منعهم من إجرائه أنه مثال لم يأت عليه شيء من الأسماء المفردة، وأنه غاية للجماع إذا انتهى الجماع إليه فينبغى له ألّا يجمع. فذلك أيضا منعه من الانصراف ألا ترى أنك لا تقول: دراهمات، ولا دنانيرات، ولا مساجدات. وربّما اضطرّ إليه الشاعر فجمعه. وليس يوجد في الكلام ما يجوز في الشعر. قال الشاعر:
فهنّ يجمعن حدائداتها

فهذا من المرفوض إلا في الشعر.
ونعت (المواطن) إذا لم يكن معتلّا جرى. فلذلك قال: (كثيرة).
وقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} وحنين واد بين مكة والطائف. وجرى (حنين) لأنه اسم لمذكّر. وإذا سمّيت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكّر لا علّة فيه أجريته.
من ذلك حنين، وبدر، وأحد، وحراء، وثبير، ودابق، وواسط. وإنما سمّى واسطا بالقصر الذي بناه الحجّاج بين الكوفة والبصرة. ولو أراد البلدة أو اسما مؤنّثا لقال: واسطة. وربما جعلت العرب واسط وحنين وبدر، اسما لبلدته التي هو بها فلا يجرونه وأنشدنى بعضهم:
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره ** بحنين يوم تواكل الأبطال

وقال الآخر:
ألسنا أكرم الثّقلين رجلا ** وأعظمه ببطن حراء نارا

فجعل حراء اسما للبلدة التي هو بها، فكان مذكرا يسمى به مؤنّث فلم يجر.
وقال آخر:
لقد ضاع قوم قلّدوك أمورهم ** بدابق إذ قيل العدوّ قريب

رأوا جسدا ضخما فقالوا مقاتل ** ولم يعلموا أن الفؤاد نخيب

ولو أردت ببدر البلدة لجاز أن تقول مررت ببدر يا هذا.
وقوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (28) لا تكاد العرب تقول: نجس إلا وقبلها رجس. فإذا أفردوها قالوا: نجس لا غير ولا يجمع ولا يؤنث. وهو مثل دنف. ولو أنّث هو ومثله كان صوابا كما قالوا: هى: ضيفته وضيفه، وهى أخته سوغه وسوغته، وزوجه وزوجته.
وقوله: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}. قال يومئذ رجل من المسلمين: واللّه لا نغلب، وكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان المسلمون يؤمئذ عشرة آلاف، وقال بعض الناس: اثنى عشر ألفا، فهزموا هزيمة شديدة.
وهوقوله: {وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} والباء هاهنا بمنزلة في كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء، قال: وحدّثنى المفضل عن أبى إسحاق قال قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين؟ قال: نعم واللّه حتى ما بقي معه منا إلا رجلان: أبو سفيان بن الحرث آخذا بلجامه، والعباس بن عبد المطلب عند ركابه آخذا بثفره. قال فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم كما قال لهم يوم بدر: شاهت الوجوه، أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.
قال: فمنحنا اللّه أكتافهم.
وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (28)} يعنى فقرا. وذلك لمّا نزلت: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا} خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل اللّه عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}. فذكروا أن تبالة وجرش أخصبتا، فأغناهم اللّه بهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.