فصل: مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أقلني أقالك من لم يزل ** يقيك ويصرف عنك الرّدى

وأمثال هذا كثير.
قال تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إيمانا خالصا معتذرين من {أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} لأنهم يتقون سوء العاقبة {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [44] أمثالهم الّذين يخافون غضب اللّه ورسوله وتنقيد المؤمنين {إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ} ليتخلف عن الجهاد معك ويقعد مع النّساء والمرضى {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إيمانا حقيقيا {وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ} فشكوا في دينهم ونصرة نبيهم من قبل الله: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [45] يتحيرون لأن إيمانهم صوري يظهرونه لكم خشية الوقوع بهم قتلا وأسرا ويبطنون الكفر، فهم أسوا حالا من الكفار {وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ} معكم إلى الغزو عن صدق {لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} تهيأوا له وهيأوا أدوات السّفر وآلات الجهاد مبدئيا {وَلكِنْ} لم يريدوه ولهذا {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ} معكم لكراهتهم الخروج {فَثَبَّطَهُمْ} وقفهم وأخرهم عنه لزهدهم في ثوابه وكسلهم عنه لضعف رغبتهم فرغب اللّه عنهم ومنعهم عنه لا لقصدهم ذلك، بل لما كان في علمه من وقوع المفسدة منهم في الغزو وإيقاع الرّعب في قلوب غيرهم لما هم عليه من الجبن {وَقِيلَ} لهم من قبل الرّسول حينما طلبوا التخلف عنه {اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ} [46] النساء والصّبيان والمعذورين وإنما أمرهم بالقعود على سبيل الغضب عليهم، إذ ليس لهم طلب التخلف والإعراض عن الغزو ساعة الحاجة، إلا أنه وافق ما في علم اللّه، لأن عدم خروجهم أحسن لقوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا} اضطرابا يؤثر في عقولكم بتهويلهم إلى النّاس مشقة السّفر وقوة العدو وجدب الزمن وحاجة المسلمين إلى عدد أكثر وعدد أقوى تضاهي ما عند الرّوم، فضلا عن قلة الزاد والرّاحلة للنقل والحمل وإظهار التضجر لعدم كفايتها بما يسبب للبعض الجبن والخوف، والتكلم بطرق الفساد والإفساد بما يؤدي إلى الغلب والفشل، والمستثنى منه غير مذكور، وعليه فيكون الاستثناء متصلا من الشّيء المتصور، والخبال بعضه الذي يصدق على الشر والمكر والبغي والغدر، أي ما زادوكم شيئا إلّا خبالا بإيقاع الفتنة بينكم وبث النّميمة الموجبة لها، ولهذا فإن القول بكون الاستثناء منقطعا ضعيف، إذ يشترط فيه أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، وعليه يجب أن يكون المعنى ما زادوكم خيرا إلّا خبالا، تدبر {وَلَأَوْضَعُوا} أوقعوا {خِلالَكُمْ} بينكم الأحاديث الكاذبة لإفساد ذات بينكم {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} بإيقاع الخلاف بينكم وتحريض بعضكم على بعض ويكرهوكم لهذه الغزوة، إذ يقول بعضهم لبعض لا طاقة لكم بالروم، فإنهم سيظهرون عليكم إذا غزوتموهم {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي منكم عيون وجواسيس لهم يوصلون أخباركم إليهم، لأنهم ميالون لطاعتهم وقبول شبهاتهم وتصديق تسويلاتهم لقلة يقينهم وضعف دينهم، أو أنهم يتلقون أقوالهم بالقبول، لأنهم مغفّلون بلّه لا يميزون بين العدو والصّديق، فيظلمون أنفسهم وغيرهم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [47] الّذين يفعلون ذلك ويخدعون غيرهم فيجازيهم على إغرارهم وإفسادهم في الدّنيا والآخرة، وهؤلاء وأمثالهم قبل هذه الغزوة {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ} بأصحابك يا سيد الرّسل وأرادوا صدهم عن دينك وردهم إلى الكفر وتخذيل النّاس عنك وعن أصحابك {مِنْ قَبْلُ} طلبهم التخلف عنك الآن، وانتحالهم الأعذار الكاذبة كما فعل عبد اللّه بن سلول يوم أحد، إذ انخذل هو وأصحابه عنك، ورجعوا من الطّريق بقصد تخذيل أصحابك وإرادتهم الفتك بك ليلة العقبة حينما أرادوا أن يلقوا الحجر عليك ليقتلوك وغير ذلك مما ألمعنا إليه في [الآية 67] من سورة المائدة المارة {وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ} ظهر البطن بقصد إبطال حقك الذي جئتهم به وأجالوا آراءهم فيها، ودبروا الحيل، وصوّروا المكايد، لتشتيت أمرك وإقصاء النّاس عنك، وأداموا على أفعالهم القبيحة معك، ولم ينفكوا عنها {حَتَّى جاءَ الْحَقُّ} بنصرك عليهم وظفرك بهم، فأبطل اللّه مكايدهم ومحق تدبيرهم، فاضمحلّ أمرهم {وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} بتأييدك {وَهُمْ كارِهُونَ} [48] له رغم أنوفهم {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} بالتخلف عن هذه الغزوة {وَلا تَفْتِنِّي} فتوقعني بالإثم إن تخلفت دون إذنك، فأفتتن، وذلك لما تجهز صلّى اللّه عليه وسلم إلى هذه الغزوة، قال للجد بن قيس المنافق يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء؟
فقال لقد عرف قومي أني مغرم بالنساء، فأخشى إذا رأيت بناتهم أن لا أصبر عنهن فائذن لي بالقعود ولا تفتني بهن، وأعينك بمالي، فأعرض عنه صلّى اللّه عليه وسلم، وقال أذنت، فأنزل اللّه تعالى: {أَلا} إن المستأذنين لهذه الحجة الواهية {فِي الْفِتْنَةِ} العظيمة المحققة وهي مخالفتك يا محمد والتخلف عنك {سَقَطُوا} وقعوا فيها لعدم تلبية أمرك فيما لا يظنون ولا يتصورون من مهاوي الكفر {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ} [49] أمثال هؤلاء يوم القيامة يوم يظهر لهم ما كانوا يبطنون ويحيق بهم جزاؤه، ثم طفق يعدد بعض مساوئ المنافقين عدا ما بينه في الآية 9 فما بعدها المارات وغير ما بينه عن مثالبهم في الآية السّادسة فما بعدها من سورة البقرة المارة وفي غيرها، بما فضحهم اللّه وأظهر دخائلهم، وزاد فضحهم في هذه السّورة، إذ بين فيها أجل مثالبهم، فقال جل قوله: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} نصرتك وظفرتك بعدوك واغتنامك منه: {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} من خذلان وانكسار وهزيمة {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا} الذي توسمنا به وهو اختيارنا القعود {مِنْ قَبْلُ} أن نصاب بما أصيبوا لو خرجنا معهم لهذه الغزوة {وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [50] بذلك فيا أكمل الرّسل {قُلْ} لهؤلاء المنافقين الّذين راق لهم التخلف عنك {لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا} من خير أو غيره سواء قعدنا أو خرجنا، فلا مانع لقضاء ربنا ولا راد لقدره {هُوَ مَوْلانا} حافظنا وناصرنا ومتولي أمورنا أحسن من أنفسنا، وهو أولى بها منا وإليه وكلنا أمرنا {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [51] في أمورهم كلها لا على غيره لما في التوكل على غيره من الخببة والهلاك {قُلْ} يا أيها المنافقون {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} النصر والغنيمة أو الشّهادة والمغفرة، فلا تنتظروا أن يصيبنا غيرهما، روي عن أبي هريرة أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: تكفل اللّه أو تضمن اللّه لمن خرج في سبيل اللّه لا يخرجه إلّا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي، فهو علي ضامن أني أدخله الجنّة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، أخرجاه في الصّحيحين {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} إحدى السّوأتين {أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ} فيهلككم ويكفينا مؤنة قتالكم {أَوْ بِأَيْدِينا} فيسلطنا عليكم ونظفر بكم فنقتلكم ونفعل ما يريده اللّه بكم {فَتَرَبَّصُوا} بنا إحدى تلك الحسنيين {إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [52] بكم إحدى تلك السّوأتين، فابقوا على غيظكم إن اللّه ناصرنا عليكم {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا} من تلقاء أنفسكم مختارين {أَوْ كَرْهًا} رغم أنوفكم بإلزام اللّه تعالى إياكم الإنفاق مقسورين، وهذا ردّ على المنافق جد بن قيس المار ذكره {لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} لكونه ليس عن طيب قلب ولم يرد به وجه اللّه.
وتعم هذه الآية كلّ من لم يطلب وجه اللّه بصدقته ولم تكن عن طيب نفس.
ثم بين اللّه تعالى سبب عدم قبول نفقتهم بقوله عز قوله: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ} ولا تزالون إلى نزول هذه الآية: {قَوْمًا فاسِقِينَ} [53] خارجين عن الطّاعة، والخارج عن طاعة اللّه لا يقبل منه صرفا ولا عدلا، قالوا وبأثناء الطّريق ضلت ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال بعض المنافقين يزعم أنه نبي ولا يدري أين ناقته، فأطلع اللّه نبيه على قوله فقال عليه الصّلاة والسّلام اني واللّه لا أعلم الغيب ولا أعلم الا ما علمني ربي، وقد دلني عليها وهي الآن في الوادي في شعب كذا وكذا، وقد حبستها شجرة بزمامها، فذهبوا فوجدوها كما ذكر صلّى اللّه عليه وسلم، وأتوا بها وهذا من معجزاته صلّى اللّه عليه وسلم كغيرها لأنها في الاطلاع على الغيب والإخبار به، قال تعالى: {وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} لجحودهم طاعتهما فكان جحودهما لذلك كفرا، والكفر مانع من قبول الصّدقات، لأنها لا تكون خالصة للّه تعالى لأن الصّدقة من نوع العبادة، ولا تقبل العبادة إلّا إذا كانت خالصة للّه، راجع الآية الأخيرة من سورة الكهف ج2.
وهؤلاء المنافقون لا يخلصون صدقاتهم للّه {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى} لأنهم لا يرجون ثوابها ولا يخافون عقاب اللّه على تركها {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ} [54] لأنهم يعتقدون الصدقة غرامة ومنعها مغنما، ولذلك ذمهم اللّه تعالى بقوله عز قوله: {فَلا تُعْجِبْكَ} يا حبيبي {أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} التي استدرجناهم بها ليبطروا فإنها من متاع الدّنيا الفاني، وما كان كذلك فلا يستحق ان يتعجب منه، وما أعطاهم اللّه تعالى إياه لتكون نعمة يستقيدون ثوابها، بل نقمة {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} لما فيها من المشاق في تحصيلها وحفظها والغم بما يقع عليها من المصائب والهمّ بمعيشتها وجمعها وعدم الثواب بما يقع عليها من المحن لصاحبها، لأنه لا يعتقد بوجود الآخرة ولا أنه مخلوق لها، بخلاف المؤمن فإنه يعتقد ذلك، فيثاب على ما يصيبه فيها، وأولئك يحرمون منها {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ} متحسرين على ما فاتهم منها وما خلفوه فيها، وما جمعوه لها بكدّ يمينهم وعرق جبينهم وتركوه لغيرهم ولم يتمتعوا به فماتوا {وَهُمْ كافِرُونَ} [55] باللّه والكافر لا ينتفع بما يورثه ولا بما يوصي به، لأن عاقبته النّار، فلهذا تكون نعمهم في الدّنيا نقما عليهم في الآخرة، ومن مثالبهم وكذبهم طفقوا يتقولون على أثر مصاب أهل الكتاب والكافرين مما أوقع فيهم المسلمون {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} وانهم آمنوا بربكم وكتابكم ورسولكم أيها المؤمنون يضرهم شركم ويسرهم خيركم {وَما هُمْ} في الحقيقة {مِنْكُمْ} وأن حلفهم كذب ولا زالوا كما كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان صورة تقية ليغرّوكم، فلا تقبلوا منهم ولا تصدقوهم في شيء من ذلك، وإن حلفوا {وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [56] يخافون منكم أن تطلعوا على نفاقهم، فتفعلوا بهم فعلكم بالكفرة أو بأهل الكتاب، ولهذا يبادرونكم بالإيمان ويحلفون على ذلك لتصدقوهم كي يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم.
ثم بين تعالى بيانه ما يحوك في صدورهم بقوله: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} يلجأون إليه {أَوْ مَغاراتٍ} يختفون بها عنكم {أَوْ مُدَّخَلًا} نفقا وسربا في الأرض يندسون فيه، أو شيئا آخر يتحصنون به منكم أو يتغيبون عن وجوهكم {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} سراعا وتحرزوا به وتركوكم {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [57] يقفزون هربا للتخلص من رؤيتكم لا يردهم شيء كالفرس الجموح العزوم لشدة بغضهم إيّاكم، ولكنهم لم يجدوا شيئا من ذلك، فاضطروا إلى البقاء معكم، وشرعوا يختلفون الطّرق التي تقنعكم بأنهم صاروا مثلكم في الإيمان، ويؤكدوه لكم ذلك بما يرضيكم من صنوف التملق والتودد لكم بأيمانهم الكاذبة وتقاتهم تقية لكم ومنكم، وفي الحقيقة هم أشد النّاس كراهة لكم {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ} يا حبيبي {فِي الصَّدَقاتِ} يعيبك ويطغى عليك في قسمتها وإعطائها أناسا دون أناس، ويسخرون فيما بينهم عليك في ذلك كأنك لم تعدل بها ولم تعطها لمستحقيها، ولكنهم {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا}
وسكتوا، فلم يحمدون، ولم يذكروك بسوء {وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ} [58] فيتفوهون عليك لما لا يرضي بقصد تنفير النّاس عنك.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو يقسم فيئا، أتاه ذو الخويصرة (حرخوص بن زهير التميمي) فقال يا رسول اللّه اعدل، فقال صلّى اللّه عليه وسلم ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟ وفي رواية قد خبت وخسرت إن لم أعدل، فقال عمر رضي اللّه عنه وأرضاه ائذن لي لأضرب عنقه، فقال صلّى اللّه عليه وسلم دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم.
وقيل إن القائل أبو الجواض المنافق أو رجل من البادية.
وقيل إن المنافقين قالوا ما يعط محمد الصّدقة إلّا من يحب.
والكل جائز، لأنهم أهل لأن يصدر منهم كلّ سوء، ولأن تعدد أسباب النّزول جائز أيضا، راجع الآية 8 من سورة المنافقين المارة تجد ما يتعلق بهذا ومروءة سيدنا عمر وانتدابه كلّ ما فيه ذبّ عن حضرة الرّسول ودفع عن كرامته ورفع لما يسوءه، فأنزل اللّه هذه {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا} أي هؤلاء العيّابون المنتقدون المنافقون {ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} من هذه الصّدقات ولم يعترضوا على حضرة الرّسول {وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} هو كافينا {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ما يسد حاجتنا {وَرَسُولُهُ} يتفضل علينا بما يراه من هذه الصّدقات، وإنه لا يعطي إلّا بحق ولا يمنع إلا بحق، وقالوا {إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ 59} بأن يوسع علينا ويغنينا عن الصّدقة وغيرها، بأن يفتح لنا طريقا آخر يكفينا به عنها لكان خيرا لهم من اعتراضهم هذا وقولهم رجما بالغيب في حق الرّسول الذي لا يفعل إلّا حقا، ولا يقول إلا حقا، وان أقواله وأفعاله عن حكمة يعلمها، إذ يتلقاها عن ربه عز وجل وهم عنها غافلون لكان أجمل لهم وأحسن، ألا فليتق اللّه الّذين يهرفون بما لا يعرفون ويقولون ما لا يعلمون، فإن الاعتراض على رسول اللّه اعتراض على اللّه، والاعتراض على اللّه كفر، لأنه لا يسأل عما يفعل.
ثم بين جل بيانه أصحاب الاستحقاق في الصّدقات:

.مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

قال جل قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها} السعاة الّذين يفوض الإمام إليهم قبضها من الواجبة عليهم {وَفِي الرِّقابِ} العبيد المكاتبين إعانة لهم على دفع ما عليهم لأسيادهم ليتخلصوا من الرّق {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الحديثي عهد بالإسلام بقصد ترغيبهم فيه، فإنهم يعطون من هذه الصّدقة ليزداد نشاطهم للتمسك بأصول الإسلام، فيأتلفون عليه {وَالْغارِمِينَ} الّذين استغرقتهم الدّيون لأنفسهم لغير معصية، أو أنهم استدانوا للمعروف كمنع فتنة بين المسلمين، أو الموجود قتيل بينهم لم يعرف قالته، فاستدانوا لأداء ديته، وإن كانوا أغنياء، فإنهم يعطون من الصّدقة، لأنهم استدانوا ذلك وأعطوه من أنفسهم لإصلاح ذات البين ورفع الشّقاق بين المسلمين.