فصل: مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا} هؤلاء المنافقون الجلاس وأضرابه {أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بمخالفة أمرهما أو بمجانبتهما أو بمعاداتهما أو يعاون أعداءهما على ذلك {فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدًا فِيها ذلِكَ} استمراره في النّار ودوامه في العذاب {الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [63] في الآخرة والفضيحة التي ما بعدها فضيحة، والعار الذي ما وراءه عار.
واعلم أن لفظ ألم تعلم وألم يعلم وما تصرف منهما خطاب لمن علم شيئا أو نسيه أو أنكره كما ذكره العلماء البيانيّون أي أنسيتم أو أنكرتم ذلك.
قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ} من النّفاق وما تحركه أنفسهم به في الاستخفاف بحضرة الرّسول {قُلِ} يا سيد الرّسل {اسْتَهْزِؤُا} واسخروا ما شئتم بحق حضرة الرّسول {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ} [64] ومظهره للناس ليفضحكم به ويظهر لهم كذبكم وحلفكم الخاطئ.
واعلم أنما خاطبهم اللّه بهذا على لسان رسوله، لأن ما وقع منهم مجرد استهزاء وسخرية، ولهذا ختم اللّه هذه الآية بما يدل على التهديد العظيم والوعيد الوخيم الدّالين على التعذيب البالغ.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} عما يقولونه فيك فيما بينهم {لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} الخوض الدّخول في المائع كالماء والطّين، ثم استعمل لكل دخول فيه تلويث مادة أو معنى ولم يكفهم الخوض الذي قد يؤتى لغير ظاهره حتى وضحوا المراد منه باللعب، فيا سيد الرّسل {قُلْ} لهؤلاء الجاحدين بما لا يليق {أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} [65] استفهام إنكاري لما لا ينبغي ذكره، وذلك أن حضرة الرّسول حين كان في غزوته المذكورة آنفا قال رهط من المنافقين أيرجو هذا الرّجل أن يفتح له قصور الشّام وحصونها هيهات هيهات، فأطلعه اللّه تعالى عليه، فقال احبسوا على هذا الرّكب فأتوا بهم، فقال إنكم قلتم كذا وكذا، ولما لم يروا بدا من الاعتراف إذ أخبرهم حضرة الرّسول بلفظ ما قالوا بعد أن قالوا يا نبي اللّه إنما كنا نخوض ونلعب، أي نتحدث في الرّكب ونلهو فيما بيننا، وقال المنافق وديعة بن ثابت أخو أمية ابن زيد لعوف بن مالك ما لقى أمنا أر عينا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللّقاء.

.مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم:

وروى ابن عمر أن رجلا من المنافقين قال في غزوة تبوك ما رأيت مثل هؤلاء القوم أرعب قلوبا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللّقاء.
قاتله اللّه يريد حضرة الرسول وأصحابه المؤمنين، فذهب عوف ليخبر حضرة الرّسول بقولهما، فوجد القرآن قد سبقه، ونزلت هذه الآيات.
قال عوف فتعلق المنافق بعقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم والحجارة تنكبه من القوم حيث صاروا يرجمونه لقبح ما سمعوا منه وهو يقول يا رسول اللّه إنا كنا نخوض ونلعب.
وقال ابن كيسان: كمن رجال منافقون في العقبة عند رجوع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من تبوك ليفتكوا به فأخبره جبريل عليه السّلام بمكانهم وما أضمروه له فقال لحذيفة اذهب إلى هؤلاء واضرب وجوه رواحلهم، ففعل حتى نحاهم عن الطّريق وقال هلا عرفتهم قال لا يا رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه وسلم انهم فلان وفلان حتى عدهم اثني عشر رجلا، فقال حذيفة هلا بعثت من يقتلهم يا رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه وسلم أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل بقتلهم بل يكفيناهم اللّه، فلما أتى بهم طفقوا يعتذرون.
قال تعالى قل يا سيد الرسل لهم: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} بأفعالكم هذه واستهزائكم وأقوالكم القبيحة هذه، وطعنكم لحضرة الرّسول وأصحابه المؤمنين المبرأين عما وصمتموهم به، المنزهين عما ألصقتموه بساحتهم الطّاهرة، مما أوجب كفركم {بَعْدَ إِيمانِكُمْ} الذي كنتم تحتجون به ظاهرا وقد ظهر أمركم للخاص والعام فلا محل لقبول أعذاركم الواهية حيث أكذبها اللّه، ولما رأوا أنه قد سقط في أيديهم وعلموا أنه قد فضح أمرهم شرعوا يطلبون العفو عما سلف منهم، فقال تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ} تابت عما بدر منها وأقلعت عن نفاقها وأحسنت إيمانها {نُعَذِّبْ طائِفَةً} أصرت على النّفاق ومباشرتهم له.
واعلم أن لفظ الطّائفة عند العرب كلفظ النّاس يطلق على الواحد والجماعة.
قال محمد ابن اسحق إن الذي عفا عنه اسمه مخاشن بن حمير الأشجعي لأنه تاب فرر نزول هذه الآية، وقال اللّهم إني لا أزال أسمع آية تقرأ أعنى بها تقشعر منها الجلود وتجبّ منها القلوب، اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت فأجيب يوم اليمامة ولم يعرف مصرعه واسمه عبد الرّحمن، أي سمي بذلك، رحمه الملك الدّيان.
قال تعالى: {الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ} قيل كان الرّجال المنافقون ثلاثمائة والنّساء المنافقات مئة وسبعين، وكلهم تشابهت قلوبهم بالنفاق والبعد عن الإيمان كأنهم نفس واحدة، كما يشير إلى قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ} بعضهم وأنفسهم {بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ} أنفسهم وبعضهم {عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} عن الإنفاق في سبيل اللّه وعلى الفقراء وعلى أقاربهم أيضا بخلا بما أعطاهم اللّه، فكأنهم {نَسُوا اللَّهَ} الذي من عليهم حال الضّيق فلم يذكروه عند الرّخاء {فَنَسِيَهُمْ} من رحمته عند الشّدة، لأنهم لما تركوا أمر اللّه تعالى جاءوا بمنزلة النّاسين له، لأن مطلق النّسيان لا يعد عيبا، إذ لا يخلو منه أحد، فجازاهم اللّه تعالى بأن صيّرهم بمنزلة الشّيء المتروك، فحرمهم من ثوابه وهذا هو نص النّسيان بالنسبة للّه تعالى.
أما معناه الذي هو عليه بالنسبة فمحال بحقه تعالى القائل: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ} [67] الخارجون عن طاعة اللّه ورسوله {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ} في الإيلام والانتقام، ولهم زيادة على هذا أنه تعالى غضب عليهم {وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ} [68] لا يحول عنهم ولا يتحولون عنه، فهو ملازمهم أبدا.
واعلم أن فعل وعد إذا أريد به الشّر كما هنا كان مصدره وعيدا، وإذا صرف إلى الخير يكون مصدره وعدا، واستعماله غالبا يكون في الخير، وأوعد في الشّر، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب، والالتفات من أنواع البديع المستحسنة، وقد اقتبسه علماء هذا الفن من كلام اللّه ورسوله وسموه بهذه الاسم، كما سموا علم المعاني وغيره من العلوم التي أحدثت تسميتها بعد عهد الرّسول، لأنها لم تكن معروفة ولا مبدية.
فقال فعلتم أيها المنافقون أفعالا قبيحة كثيره {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي الكفار إذ كانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويبخلون بمالهم عن طرق الخير مثل فعلكم هذا وأنهم {كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} حظوظهم وأنصبائهم من الدّنيا وشهوتها، وآثروها على الآخرة ورضوا بها، ولم ينظروا إلى العاقبة.
وسمي النّصيب خلاقا لأنه مما يخلقه اللّه للانسان ويقدره له مثل القسم {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} أيها المنافقون الفجرة والكافرون الفسقة {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ} في الباطل والكذب على اللّه ورسوله وعلى النّاس أجمع {كَالَّذِي خاضُوا} من الاستهزاء والسّخرية بهم وبأتباعهم وتعديتم عليهم بأنواع المنكرات، والذي هنا واقع صفة لموصوف محذوف مصدر دل عليه الفعل المذكور قبله، أي كالخوض الذي خاضوه {أُولئِكَ} الّذين هذه صفتهم من أولئك الفجار {حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} [69] في الدّارين.
واعلم أن تأويل لفظ الذي على ما مشينا عليه أحسن وأولى من قول من قال بإسقاط الذي أي أصله الّذين، وعليه فيكون المعنى وخضتم كالّذين خاضوا، لأن التشبيه هنا للخوض لا للحائض، تدبر.
وأليق وأرضى من قول من قدر لفظ فوج أي كالفوج الذي خاضوا، إذ لا ذكر له تأمل.
واعلم أن ما وقع في هذه الآية من تكرار بعض الألفاظ قد وقع تأكيدا للقول وتبكيتا بالمخاطبين به، وتقبيحا لأعمالهم وأعمال من شبهوا بهم، وتقريعا بأفعالهما.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: لتتبعنّ سنن الّذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم.
قلنا يا رسول اللّه اليهود والنّصارى؟ قال فمن دونهم.
أي الكفار والمجوس كما مر في الخبر آنفا أو ممن غيرهم، ثم التفت من الخطاب إلى الغيبة تفننا في القول ليعلم عباده ذلك فقال جل شأنه {أَلَمْ يَأْتِهِمْ} أي هؤلاء المنافقين {نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم الماضية {قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ} قوم هود {وَثَمُودَ} قوم صالح {وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ} قوم شعيب {وَالْمُؤْتَفِكاتِ} قوم لوط عليهم السّلام حين {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} وكذبوا بها فأهلكناهم بالغرق والرّيح العقيم والرّجفة والصّيحة والبعوضة والظّلمة والقلب والرّحم، وإنما خص اللّه تعالى هذه الأقوام دون غيرهم الكثيرين لأن آثارهم باقية في بلادهم الشّام والعراق واليمن، ولأنهم يمرون عليها ذهابا وإيابا عند أسفارهم للميرة والتجارة وغيرها، ويعرفون أخبارهم المتناقلة عن أسلافهم، وكيفية إيقاع العذاب بهم واستئصالهم من وجه الأرض على حين غفلة وبسرعة لم يقدروها.
قال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بما أوقعه فيهم من العقوبات القاسية {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [70] فاستحقوها جزاء وفاقا، فاحذروا أيها السّامعون أن يصيبكم ما أصابهم إن فعلتم فعلهم أو أصررتم عليه، ولم تتوبوا في زمن تقبل فيه التوبة، راجع الآيتين 27 و28 من سورة النّساء المارة قال تعالى بمقابل الآية السّالفة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} والفرق بين هذه الجملة والجملة المصدرة به الآية السّالفة هو أن اتفاق المؤمنين كان على تقوى من اللّه ورضوان بتوفيق اللّه وهدايته، لا بمقتضى هوى النفس والطّبيعة الخبيثة كالمنافقين والكافرين المشار إليهم فيها، الّذين كانت موافقتهم بعضهم لبعض بتقليد رؤسائهم، فلهذا قال بحقهم بعضهم من بعض، وبحق المؤمنين أولياء بعض {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فيما بينهم أنفسهم وبين غيرهم راجع [الآية 113] الآتية {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ} الّذين هذا شأنهم {سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [71] في تدبير أمور عباده، لا بشوب تدبيره نقص ولا خلل، ومن عزته أنه لا يمتنع عليه من أراده، فلا يغالب ولا يتابل {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} وهذه بمقابل الآية السّابقة عد [67] {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} زيادة على مساكنهم في جناتهم، لأن عدن دار الأصفياء عند اللّه تعالى، وهؤلاء بلا تشبيه كالمترفين من أهل الدّنيا عندهم تصور في بلادهم وقصور في مصايفهم.
واعلم أن مرجع العطف في هذه الآية إلى تعدد الوعود لكل واحد أو للجميع على سبيل التوزيع، أو إلى تغاير وصفه، أولا بأنه من جنس ما هو أبهى الأماكن التي يعرفونها، فتميل إليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم، وصفه بأنه محفوف بطيب عار عن شوائب الكسورات التي لا تخلو عنها أماكن الدّنيا، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار رب العالمين لا يقربهم فيها فناء ولا تغير، ثم وعدهم بما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو الزيادة الأخرى المبينة بقوله عند قوله: {وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} من ذلك كله ومن كلّ شيء، لأنه غاية المقصود ونهاية المطلوب {ذلِكَ} العطاء الجزيل والعطف الجليل {هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [72] في الآخرة لا فوز أعظم منه، والخير الكثير الذي لا أفضل منه.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال إن اللّه تبارك وتعالى يقول لأهل الجنّة يا أهل الجنّة، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول هل رضيتم، فيقولون وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول ألا (أداة لاستفتاح الكلام وتختص بالمستقبل وتكون للطلب بلين ورفق وضدها هلا الكائنة للعنف والشّدّة وتدخل على الماضي والمستقبل) أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط بعده عليكم أبدا.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ} وشدّد بالجهاد والإرهاب {عَلَيْهِمْ} في الدّنيا أنت وأصحابك بمعونتنا ونصرنا {وَمَأْواهُمْ} عندنا في الآخرة {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [73] هي لأهلها قال ابن مسعود دلّت هذه الآية والدّلائل السّمعية على أن جهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين بالحجة، والآية عامة لم يذكر فيها كيفية الجهاد، فلابد من دليل واضح يقيدها بما قاله ابن مسعود ويصرفها عن ظاهرها، وإلّا فلا دليل فيها يخصصها بما قاله، وإنما عدل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قتل بقية المنافقين لا لأنه علم من هذه الآية أن جهادهم بالحجة، بل لأن من تكلم بالكفر سرا وجحده علنا وقال إني مسلم يحكم بإسلامه في الظّاهر شرعا، واللّه يتولى السّرائر، وإلّا لفسد الكون، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} الآية [93] من سورة النّساء المارة، وقال صلّى اللّه عليه وسلم لأسامة بن زيد أشققت قلبه؟ راجع تفسيرها، ولولا هذه الآية والحديث لفتك بكثير من المسلمين بحجة أنهم كافرون باطنا، أو أنهم أسلموا ليخلصوا أنفسهم من القتل، ويأبى شرع اللّه ذلك، ولقائل أن يقول إن من المنافقين ممن علم اللّه ورسوله بأنهم يموتون على نفاقهم كعبد اللّه بن سلول وثعلبة الآتي ذكرهما، فلما ذا لم يقتلهم رسول اللّه؟ فالجواب عن هذا أنه لا يقتلهم حرمة للشرع المعمول بظاهره لآخر الزمان ولئلا يتذرع بعض الولاة أو غيرهم بذلك فيقتل من يشاء ويترك من يشاء بتلك الحجة، ولقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه دفعا لما يترتب على ذلك من المفاسد، ومن هذا الباب قوله صلّى اللّه عليه وسلم صلّوا خلف كلّ بر وفاجر، وجاهدوا مع كلّ بر وفاجر... الحديث. لقطع باب الفتنة حيث يتطرق النّاس إلى الطّعن بكل من يكرهون، وانظر لقوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ}.