فصل: فصل: ذكر الاختلاف في قدرة الملائكة على المعاصي والشرور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: ذكر الاختلاف في قدرة الملائكة على المعاصي والشرور:

قال الفخر:
اختلفوا في أن الملائكة هل هم قادرون على المعاصي والشرور أم لا؟ فقال جمهور الفلاسفة وكثير من أهل الجبر: إنهم خيرات محض ولا قدرة لهم ألبتة على الشرور والفساد وقال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء: إنهم قادرون على الأمرين واحتجوا على ذلك بوجوه:
أحدها: أن قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} إما أن يكون معصية أو ترك الأولى وعلى التقديرين فالمقصود حاصل.
وثانيها: قوله تعالى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 29] وذلك يقتضي كونهم مزجورين ممنوعين وقال أيضًا: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206] والمدح بترك الاستكبار إنما يجوز له كان قادرًا على فعل الاستكبار.
وثالثها: أنهم لو لم يكونوا قادرين على ترك الخيرات لما كانوا ممدوحين بفعلها لأن الملجأ إلى الشيء ومن لا يقدر على ترك الشيء لا يكون ممدوحًا بفعل ذلك الشيء، ولقد استدل بهذا بعض المعتزلة فقلت له أليس أن الثواب والعوض واجبان على الله تعالى، ومعنى كونه واجبًا عليه أنه لو تركه للزم من تركه إما الجهل وإما الحاجة وهما محالان والمفضي إلى المحال محال، فيكون ذلك الترك محالًا من الله تعالى، وإذا كان الترك محالًا كان الفعل واجبًا فيكون الله تعالى فاعلًا للثواب والعوض واجب وتركه محال مع أنه تعالى ممدوح على فعل ذلك، فثبت أن امتناع الترك لا يقدح في حصول المدح فانقطع وما قدر على الجواب.
المسألة الثالثة: الواو في {وَنَحْنُ} للحال كما تقول أتحسن إلى فلان وأنا أحق بالإحسان والتسبيح تبعيد الله تعالى من السوء وكذا التقديس، من سبح في الماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد، واعلم أن التبعيد إن أريد به التبعيد عن السوء فهو التسبيح وإن أريد به التبعيد عن الخيرات فهو اللعن، فنقول التبعيد عن السوء يدخل فيه التبعيد عن السوء في الذات والصفات والأفعال، أما في الذات فأن لا تكون محلًا للإمكان فإن منع السوء وإمكانه هو العدم ونفي الإمكان يستلزم نفي الكثرة، ونفيها يستلزم نفي الجسمية والعرضية ونفي الضد والند، وحصول الوحدة المطلقة والوجوب الذاتي وأما في الصفات فأن يكون منزهًا عن الجهل فيكون محيطًا بكل المعلومات وقادرًا على كل المقدورات وتكون صفاته منزهة عن التغييرات، وأما في الأفعال فأن لا تكون أفعاله لجلب المنافع ودفع المضار وأن لا يستكمل بشيء منها ولا ينتقص بعدم شيء منها فيكون مستغنيًا عن كل الموجودات والمعدومات مستوليًا بالإعدام والإيجاد على كل الموجودات والمعدومات، وقال أهل التذكير: التسبيح جاء تارة في القرآن بمعنى التنزيه وأخرى بمعنى التعجب.
أما الأول فجاء على وجوه:
أ‌- أنا المنزه عن النظير والشريك، هو الله الواحد القهار.
ب- أنا المدبر للسموات والأرض سبحان رب السموات والأرض.
ج- أنا المدبر لكل العالمين سبحان الله رب العالمين.
د- أنا المنزه عن قول الظالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفونه.
هـ- أنا المستغني عن الكل سبحانه هو الغني.
و- أنا السلطان الذي كل شيء سوائي فهو تحت قهري وتسخيري فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء.
ز- أنا العالم بكل شيء، سبحان الله عما يصفون عالم الغيب.
ح- أنا المنزه عن الصاحبة والولد سبحانه أنى يكون له ولد.
ط- أنا المنزه عن وصفهم وقولهم، سبحانه وتعالى عما يشركون، عما يقولون، عما يصفون.
أما التعجب فكذلك:
أ- أنا الذي سخرت البهائم القوية للبشر الضعيف، {سبحان الذي سخر لنا هذا}.
ب- أنا الذي خلقت العالم وكنت منزهًا عن التعب والنصب، {سبحانه إذا قضى أمرًا}.
ج- أنا الذي أعلم لا بتعليم المعلمين ولا بإرشاد المرشدين، {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}.
د- أنا الذي أزيل معصية سبعين سنة بتوبة ساعة {فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس} ثم يقول إن أردت رضوان الله فسبح، {وسبحوه بكرة وأصيلًا}.
وإن أردت الفرج من البلاء فسبح {لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وإن أردت رضا الحق فسبح، {ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} وإن أردت الخلاص من النار فسبح: {سبحانك فقنا عذاب النار} أيها العبد واظب على تسبيحي فسبحان الله فسبح وسبحوه فإن لم تفعل تسبيحي فالضرر عائد إليك، لأن لي من يسبحني، ومنهم حملة العرش {فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ} [فصلت: 38] ومنهم المقربون {قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا} [سبأ: 41] ومنهم سائر الملائكة {قَالُواْ سبحانك مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا} [الفرقان: 18] ومنهم الأنبياء كما قال ذو النون {لاَ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك} [الأنبياء: 87] وقال موسى: {سبحانك إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] والصحابة يسبحون في قوله: {سبحانك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] والكل يسبحون ومنهم الحشرات والدواب والذرات {وَإِن مّن شيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44] وكذا الحجر والمدر والرمال والجبال والليل والنهار والظلمات والأنوار والجنة والنار والزمان والمكان والعناصر والأركان والأرواح والأجسام على ما قال: {سَبَّحَ للَّهِ مَا في السموات} [الحديد: 1] ثم يقول أيها العبد: أنا الغني عن تسبيح هذه الأشياء، وهذه الأشياء ليست من الأحياء فلا حاجة بها إلى ثواب هذا التسبيح فقد صار ثواب هذه التسبيحات ضائعًا وذلك لا يليق بي {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا} [ص: 27] لكني أوصل ثواب هذه الأشياء إليك ليعرف كل أحد أن من اجتهد في خدمتي أجعل كل العالم في خدمته.
والنكتة الأخرى اذكرني بالعبودية لتنتفع به لا أنا {سبحان رَبّكَ رَبّ العزة} [الصافات: 180] فإنك إذا ذكرتني بالتسبيح طهرتك عن المعاصي {وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 42] أقرضني {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [الحديد: 18] وإن كنت أنا الغني حتى أرد الواحد عليك عشرة {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَه} [البقرة: 245] كن معينًا لي وإن كنت غنيًا عن إعانتك {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} [الفتح: 4] وأيضًا فلا حاجة بي إلى العسكر {وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ} [محمد: 4] لكنك إذا نصرتني نصرتك {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7] كن مواظبًا على ذكرى {واذكروا الله في أَيَّامٍ معدودات} [البقرة: 203] ولا حاجة بي إلى ذكرك لأن الكل يذكروني {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] لكنك إذا ذكرتني ذكرتك {فاذكرونى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] اخدمني: {قَدِيرٌ يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} لا لأني أحتاج إلى خدمتك فإني أنا الملك {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} [آل عمران: 189].
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن في السموات والأرض} [الرعد: 15] ولكن انصرف إلى خدمتي هذه الأيام القليلة لتنال الراحات الكثيرة {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91]. اهـ.

.فصل: المراد من قوله تعالى: {بِحَمْدِكَ}:

قال الفخر:
قوله: {بِحَمْدِكَ} قال صاحب الكشاف بحمدك في موضع الحال.
أي نسبح لك حامدين لك ومتلبسين بحمدك، وأما المعنى ففيه وجهان:
الأول: أنا إذا سبحناك فنحمدك سبحانك يعني ليس تسبيحنا تسبيحًا من غير استحقاق بل تستحق بحمدك وجلالك هذا التسبيح.
الثاني: أنا نسبحك بحمدك فإنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نتمكن من ذلك كما قال داود عليه السلام: يا رب كيف أقدر أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكر نعمتك إلا بنعمتك إلا بنعمتك، فأوحى الله تعالى إليه: «الآن قد شكرتني حيث عرفت أن كل ذلك مني».
واختلف العلماء في المراد من هذا التسبيح فروي أنا أبا ذر دخل بالغداة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بالعكس، فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي: أي الكلام أحب إلى الله قال: «ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان الله وبحمده» رواه مسلم وروى سعيد بن جبير قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فمر رجل من المسلمين على رجل من المنافقين فقال له رسول الله يصلي وأنت جالس لا تصلي فقال له امضِ إلى عملك إن كان لك عمل، فقال ما أظن إلا سيمر بك من ينكر عليك فمر عليه عمر بن الخطاب قال يا فلان إن رسول الله يصلي وأنت جالس، فقال له مثلها فوثب عليه فضربه، وقال هذا من عملي ثم دخل المسجد وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ رسول الله من صلاته قام إليه عمر فقال يا نبي الله مررت آنفًا على فلان وأنت تصلي وهو جالس فقلت له: نبي الله يصلي وأنت جالس فقال لي مر إلى عملك فقال عليه الصلاة والسلام: «هلا ضربت عنقه»، فقام عمر مسرعًا ليلحقه فيقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عمر إرجع فإن غضبك عز ورضاك حكم إن لله في السموات ملائكة له غنى بصلاتهم عن صلاة فلان»، فقال عمر يا رسول الله وما صلاتهم؟ فلم يرد عليه شيئًا فأتاه جبريل فقال: «يا نبي الله سألك عمر عن صلاة أهل السماء قال: نعم قال: أقرئه مني السلام وأخبره بأن أهل سماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة ركوع إلى يوم القيامة يقولون، سبحان الحي الذي لا يموت، فهذا هو تسبيح الملائكة».
القول الثاني: أن المراد بقوله: {نُسَبّحُ} أي نصلي والتسبيح هو الصلاة، وهو قول ابن عباس وابن مسعود. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أن ننزّهك عمّا لا يليق بصفاتك.
والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على وجه التعظيم؛ ومنه قول أعْشَى بني ثَعْلبة:
أقول لمّا جاءني فَخْرُه ** سبحانَ من عَلْقَمَةَ الفاخرِ

أي براءة من عَلْقَمة.
وروى طلحة بن عبيد اللَّه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله فقال: «هو تنزيه الله عز وجل عن كل سوء».
وهو مشتق من السّبح وهو الجَرْي والذهاب؛ قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 7] فالمسبِّح جارٍ في تنزيه الله تعالى وتبرئته من السّوء.
وقد تقدّم الكلام في {نحن} ولا يجوز إدغام النون لئلا يلتقي ساكنان.

.مسألة: تسبيح الملائكة:

واختلف أهل التأويل في تسبيح الملائكة، فقال ابن مسعود وابن عباس: تسبيحهم صلاتهم؛ ومنه قول الله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} [الصافات: 143] أي المُصَلّين.
وقيل: تسبيحهم رفع الصوت بالذكر، قاله المفضّل؛ واستشهد بقول جرير:
قَبَحَ الإله وجوهَ تَغْلِبَ كلّما ** سَبَح الحجيج وكَبّرُوا إهلالاَ

وقال قتادة: تسبيحهم: سبحان الله؛ على عُرفه في اللغة، وهو الصحيح لما رواه أبو ذَرّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده» أخرجه مسلم.
وعن عبد الرحمن بن قُرْط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِيَ به سمع تسبيحًا في السموات العلا: سبحان العليّ الأعلى سبحانه وتعالى؛ ذكره البيهقي.
قوله تعالى: {بِحَمْدِكَ} أي وبحمدك نخلطِ التسبيح بالحمد ونصله به.
والحمد: الثناء، وقد تقدّم.
ويحتمل أن يكون قولهم: {بحمدك} اعتراضا بين الكلامين؛ كأنهم قالوا: ونحن نسبح ونقدّس، ثم اعترضوا على جهة التسليم؛ أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك. والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

التقديس: التطهير، ومنه الأرض المقدسة ثم اختلفوا على وجوه: أحدها: نطهرك أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزة، وثانيها: قول مجاهد نطهر أنفسنا من ذنوبنا وخطايانا ابتغاء لمرضاتك.
وثالثها: قول أبي مسلم نطهر أفعالنا من ذنوبنا حتى تكون خالصة لك.
ورابعها: نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك حتى تصير مستغرقة في أنوار معرفتك قالت المعتزلة هذه الآية تدل على العدل من وجوه: أحدها: قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} أضافوا هذه الأفعال إلى أنفسهم فلو كانت أفعالًا لله تعالى لما حسن التمدح بذلك ولا فضل لذلك على سفك الدماء إذ كل ذلك من فعل الله تعالى.
وثانيها: لو كان الفساد والقتل فعلًا لله تعالى لكان يجب أن يكون الجواب أن يقول إني مالك أفعل ما أشاء.
وثالثها: أن قوله: {أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يقتضي التبري من الفساد والقتل لكن التبري من فعل نفسه محال.
ورابعها: إذا كان لا فاحشة ولا قبح ولا جور ولا ظلم ولا فساد إلا بصنعه وخلقه ومشيئته فكيف يصح التنزيه والتقديس؟
وخامسها: أن قوله: {أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يدل على مذهب العدل لأنه لو كان خالقًا للكفر لكان خلقهم لذلك الكفر فكان ينبغي أن يكون الجواب نعم خلقهم ليفسدوا وليقتلوا.
فلما لم يرضى بهذا الجواب سقط هذا المذهب.
وسادسها: لو كان الفساد والقتل، من فعل الله تعالى لكان ذلك جاريًا مجرى ألوانهم وأجسامهم وكما لا يصح التعجب من هذه الأشياء فكذا من الفساد والقتل والجواب عن هذه الوجوه المعارضة بمسألة الداعي والعلم. والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظّمك ونمجدك ونطهّر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون؛ قاله مجاهد وأبو صالح وغيرهما.
وقال الضحاك وغيره: المعنى نطهّر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك.
وقال قوم منهم قتادة: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} معناه نصلّي.
والتقديس: الصلاة.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
قلت: بل معناه صحيح؛ فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: «سُبُّوح قُدّوس ربُّ الملائكة والرُّوح» روته عائشة أخرجه مسلم.
وبناء قدس كيفما تصرّف فإن معناه التطهير؛ ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَة} [المائدة: 21] أي المطهّرة.
وقال: {الملك القدوس} [الحشر: 23] يعني الطاهر؛ ومثله: {بالواد المقدس طُوًى} [طه: 12] وبيت المَقْدِس سُمِّيَ به لأنه المكان الذي يُتقدّس فيه من الذنوب أي يتطهّر؛ ومنه قيل للسَّطْل: قَدَس؛ لأنه يُتوضأ فيه ويُتطهّر؛ ومنه القادوس.
وفي الحديث: «لا قُدّسَتْ أمّةٌ لا يؤخذ لضعيفها مِن قَوِيّها» يريد لا طهّرها الله؛ أخرجه ابن ماجه في سُنَنه.
فالقُدْس: الطُّهْر من غير خلاف؛ وقال الشاعر:
فأدْرَكْنَه يأخُذْنَ بالسّاق والنَّسَا ** كما شَبْرَقَ الولدانُ ثَوْبَ المُقَدَّس

أي المطهّر.
فالصلاة طُهرةٌ للعبد من الذُّنوب، والمُصَلِّي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال، والله أعلم. اهـ.