فصل: من فوائد ابن الجوزى في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن الجوزى في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وإِذ قالَ ربُّكَ للملائِكَةِ}.
كان أبو عبيدة يقول: {إذ} ملغاة، وتقدير الكلام: وقال ربك، وتابعه ابن قتيبة، وعاب ذلك عليهما الزجاج وابن القاسم.
وقال الزجاج: إذ: معناها: الوقت، فكأنه قال: ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة.
والملائكة: من الألوك، وهي الرسالة، قال لبيد:
وغلام أرسلتْه أمه ** بألوك فبذلنا ما سأل

وواحد الملائكة: ملك، والأصل فيه: ملأك.
وأنشد سيبويه:
فلست لإِنسي ولكن لملأكٍ ** تنزل من جوِّ السماء يصوب

قال أبو إِسحاق: ومعنى ملأك: صاحب رسالة، يقال: مألَكة ومألُكة وملأكة، ومآلك: جمع مألكة.
قال الشاعر:
أبلغ النعمان عني مألكًا ** أنه قد طال حبسي وانتظاري

وفي هؤلاء الملائكة قولان:
أحدهما: أنهم جميع الملائكة، قاله السدي عن أشياخه.
والثاني: أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أُهبط إلى الأرض، ذكره أبو صالح عن ابن عباس.
ونقل أنه كان في الأرض قبل آدم خلق، فأفسدوا، فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهم.
واختلفوا ما المقصود في إخبار الله عز وجل الملائكة بخلق آدم على ستة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرًا، فأحب أن يطلع الملائكة عليه، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه، رواه الضحاك عن ابن عباس، والسدي عن أشياخه.
والثاني: أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة، قاله الحسن.
والثالث: أنه لما خلق النار خافت الملائكة، فقالوا: ربنا لمن خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني، فخافوا وجود المعصية منهم، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم، فقال لهم: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] قاله ابن زيد.
والرابع: أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه، فأخبرهم حتى قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فأجابهم: إني أعلم ما لا تعلمون.
والخامس: أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده، ليكونوا معظمين له إن أوجده.
والسادس: أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض، وإن كان ابتداء خلقه في السماء.
والخليفة: هو القائم مقام غيره، يقال: هذا خلف فلان وخليفته.
قال ابن الأنباري: والأصل في الخليفة خليف، بغير هاء، فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف، كما قالوا: علاَّمة ونسّابة وراوية.
وفي معنى خلافة آدم قولان:
أحدهما: أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه، ودلائل توحيده، والحكم في خلقه، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد.
والثاني: أنه خلف من سلف في الأرض قبله، وهذا قول ابن عباس والحسن.
قوله تعالى: {أَتجعلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها}.
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ظاهر الألف الاستفهام، دخل على معنى العلم ليقع به تحقيق.
قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

معناه: أنتم خير من ركب المطايا.
والثاني: أنهم قالوه لاستعلام وجه الحكمة، لا على وجه الاعتراض.
ذكره الزجاج.
والثالث: أنهم سألوا عن حال أنفسهم، فتقديره: أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبح بحمدك أم لا؟
وهل علمت الملائكة أنهم يفسدون بتوقيف من الله تعالى، أم قاسوا على حال من قبلهم؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه بتوقيف من الله تعالى، قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وابن زيد وابن قتيبة.
وروى السدي عن أشياخه: أنهم قالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضًا، فقالوا: {أَتجعل فيها من يفسد فيها}.
والثاني: أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم، روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل.
قوله تعالى: {وَيَسْفك الدِّماءَ}.
قرأ الجمهور بكسر الفاء، وضمها ابن مصرف وإبراهيم بن أبي عبلة، وهما لغتان، وروي عن طلحة وابن مقسم: ويُسَفِّك: بضم الياء، وفتح السين، وتشديد الفاء مع كسرها، وهي لتكثير الفعل وتكريره.
وسفكُ الدم: صبُّه وإراقته وسفحه، وذلك مستعمل في كل مضيّع، إلا أن السفك يختص الدم، والصب والسفح والإِراقة يقال في الدم وفي غيره.
وفي معنى تسبيحهم أربعة أقوال:
أحدها: أنه الصلاة، قاله ابن مسعود وابن عباس.
والثاني: أنه قول: سبحان الله، قاله قتادة.
والثالث: أنه التعظيم والحمد، قاله أبو صالح.
والرابع: أنه الخضوع والذل، قاله محمد بن القاسم الأنباري.
قوله تعالى: {وَنُقدِّسُ لك}.
القدس: الطهارة، وفي معنى تقديسهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: نتطهر لك من أعمالهم، قاله ابن عباس.
والثاني: نعظمك ونكبرك، قاله مجاهد.
والثالث: نصلي لك، قاله قتادة.
قوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن معناه: أعلم ما في نفس إبليس من البغى والمعصية، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي عن أشياخه.
والثاني: أعلم أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء وصالحون، قاله قتادة.
والثالث: أعلم أني أملأ جهنم من الجنة والناس، قاله ابن زيد.
والرابع: أعلم عواقب الأمور، فأنا أبتلي من تظنون أنه مطيع، فيؤديه الابتلاء إلى المعصية كإبليس، ومن تظنون به المعصية فيطيع، قاله الزجاج.

.الإشارة إلى خلق آدم عليه السلام:

روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إِن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر [والأبيض] والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزن، وبين ذلك، والخبيث والطيب».
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه قال: «خلق الله تعالى آدم طوله ستون ذراعًا» وأخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، ما بين العصر إلى الليل» قال ابن عباس: لما نفخ فيه الروح، أتته النفخة من قبل رأسه، فجعلت لا تجري منه في شيء إلا صار لحمًا ودمًا. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ}.
قال ابن عرفة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ} هذه لنا فيها وجه مناسبة لما قبلها هو أنه لما قدم الامتنان عليهم بخلقهم وجعل الأرض لهم فراشا عقبه ببيان السبب فيهم وفي خلق أهلهم وهو آدم صلى الله عليه وسلم.
وقرر الطيبي وجه المناسبة بأمرين إما أنه ترّق فمن عليهم بأمرين خلقهم ثم خلق أباهم آدم عليه السلام.
ورده ابن عرفة بأنّه داخل في عموم قوله: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعًا} قال: فما المناسبة إلا ما قلناه.
قال أبو حيان: والظرفية لازمة لإِذْ، إن يضاف إليها زمان نحو يَوْمَئِذٍ، {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} قال ابن عرفة: بل هو ظرف مطلقا إذ لا يمتنع إضافة الزمان وتكون من إضافة الأعم إلى الأخص أو الأخص إلى الأعم أو يكون بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه كقولك: جئتك في أول ساعة من يوم الجمعة فأول أخص من ساعة.
وذكر أبو حيّان في إعراب {إِذْ} ثمانية أقوال، رابعها أنه ظرف في موضع خبر المبتدأ تقديره ابتدأ خلقكم إِذْ قَالَ رَبُّكَ.
ورده ابن عرفة بأن زمن الابتداء ليس هو زمن هذه المقالة بل بعدها قال: فيكون الصواب أنّ تقديره سبب ابتداء خلقكم.
قال: والأصح أن العامل فيها {قَالُواْ أَتَجْعَلُ}.
قال ابن عرفة: يرد عليه أن قولهم ذلك إنما كان جوابا عن قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} فليس مقارنا له بل هو بعده بلا شك إلا أن يقال: إن ما قارب الشيء له حكمه وهذا مع قطع النظر عن الكلام القديم الأزلي لأنه يستحيل عليه الزمان ويستحيل نسبة التقدم والتأخر إليه.
قال ابن عطية: قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا، وسفكوا الدّماء، فبعث الله إليهم قبيلا من الملائكة، فقتلت بعضهم وهربت باقيهم، وحصروهم إلى البحار، ورؤوس الجبال، وجعل آدم وذريته خليفة.
قال ابن عرفة: هذا يدل على أن الجنّ أجسام كبني آدم لأجل القتل والمبالغة فيه.
قيل لابن عرفة: كيف يفهم هذا مع قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعًا} إنّ اللاّم في {لَكُم} تقتضي اختصاصه بنا؟ فقال: لعل اللاّم هنا ليست للاختصاص ولو سلمنا أنها للاختصاص يكون ما في الأرض لهم، ويلزم منه كونه قاصرا عليهم فهو خلق لهم ولا ينافي أن يكون خلقا لغيوهم.
قال ابن عرفة: وظاهره أنه قيل لهم ذلك مباشرة ونص المحدثون على أن الراوي إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من قبيل المسند لكنه عندهم يحتمل السّماع مباشرة أو بواسطة لكن الصحابي إنما يروى عن صحابي فلذلك عدوّه من المسند، وفي هذه زيادة اللام في للمقول له كقولك: قال لي فلان: كذا.
فهو أصرح في الدلالة على المباشرة من الأول.
قوله تعالى: {خَلِيفَةً}.
قال الحسن: سماه خليفة لأن كل قرن وجيل يخلفه الجيل الذي قبله والأول مخلوف وما بعده خالف.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: معناه خليفة في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري يعنى آدم ومن قام مقامه من ذريته.
قال ابن عرفة: إنما يتناول هذا الأنبياء فقط لأنهم هم الَّذين يتلقون الذكر مع الملائكة وغيرهم لا يرى الملائكة بوجه.
قوله تعالى: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}.
فسره ابن عطية بوجوه.
قال ابن عرفة: أظهرها أن الملائكة طلبوا أن يكون الخليفة منهم، فأثنوا على أنفسهم وذموا غيرهم.
قوله تعالى: {وَيَسْفِكُ الدماء}.
هذا العطف كما هو في قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} فجعله بعض الأصوليين من عطف الخاص على العام، وجعله بعض المتأخرين من عطف المقيد على المطلق، وهو المعبر عنه بعطف الأخص على الأعم.
قال: لأن فاكهة نكرة في سياق الثبوت فلا تعم، وكذلك الفعل هنا موجب فهو مطلق.
قيل لابن عرفة: أخذ بعضهم من هذه الآية أنه يجوز للانسان أن يتحدث بما هو يفعل من أفعال الخير والطاعة، كما قال يوسف عليه السلام {اجعلني على خَزَائنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} فقال ابن عرفة: ليس في هذه الآية دليل لأن الله تعالى عالم بكل شيء، فما أخبروه إلا بما هو عالم به، أو تقول إنما معنى الآية أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن إذ ذاك نسبح بحمدك ونقدس لك، ولا يمنعنا إفساده من ذلك لأن الملائكة معصومون فيكون استفهاما عن بقاء تسبيحهم معه.
واختلفوا في كيفية عصمة الملائكة فقيل: إنهم لا يستطيعون فعل الشر بوجه، وهو قول من فضّلهم على جميع بني آدم.
وقيل: إنهم متمكنون من فعل الشر، وعصموا منه وهو الصحيح.
قيل لابن عرفة: الجواب {إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} غير مطابق للسؤال لهذا التفسير.
قال: سألوا عن جزأين: وهما هل يكون الخليفة مفسدا؟ وهل يكونون إذ ذاك هم يسبحون؟ فأجيبوا عن الجزء الأول فقط. اهـ.