فصل: (سورة التوبة: الآيات 23- 24)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة التوبة: الآيات 23- 24]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24)}

.اللغة:

(العشيرة) هي الأهل الأدنون، وقيل هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم سواء بلغوا العشرة أم فوقها، وقيل: هي الجماعة المجتمعة بنسب أو عقد أو وداد كعقد العشرة.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدم إعرابه.
{لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ} لا ناهية وتتخذوا مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعل وآباءكم مفعول به وإخوانكم عطف عليه وأولياء مفعول به ثان والجملة استئنافية مسوقة للرد على ما قالوه بعد ما أمر اللّه تعالى بالتبري من المشركين، فقد قالوا: كيف يمكن أن يقاطع الرجل أباه وأخاه وابنه، فرد اللّه عليهم بذلك، أي أن مقاطعة الرجل أهله في الدين واجبة فالمؤمن لا يوالي الكافر وإن كان أباه وأخاه وابنه.
{إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ} إن شرطية واستحبوا فعل وفاعل في محل جزم فعل الشرط والكفر مفعول استحبوا وعلى الايمان جار ومجرور متعلقان باستحبوا المتضمن معنى اختاروا.
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ ويتولهم فعل الشرط وقد روعي فيه اللفظ فأفرد، ومنكم حال والفاء رابطة وأولئك مبتدأ وهم ضمير فصل أو ضمير مبتدأ والظالمون خبر أولئك أو هم والجملة خبر أولئك وقد روعي فيه جانب المعنى لمن.
{قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ} إن شرطية وكان واسمها وما بعده عطف عليه وأحب خبر كان وإليكم حال ومن اللّه جار ومجرور متعلقان بأحب ورسوله وجهاد في سبيله عطف على اللّه أي من الهجرة إليهما.
{فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} الفاء رابطة وتربصوا فعل أمر وفاعل وحتى حرف غاية وجر ويأتي منصوب بأن مضمرة بعد حتى واللّه فاعل وبأمره جار ومجرور متعلقان بيأتي واللّه مبتدأ وجملة لا يهدي القوم الفاسقين خبر ومعنى الأمر هنا التهديد ومفعوله محذوف، أي انتظروا عقوبة عاجلة أو آجلة، وهذه الآية من أشد الآيات تهديدا وإرعادا وإبراقا وردعا لكل من تسول له نفسه إيثار الفانية على الباقية ومراعاة جانب الأهل والعشيرة وترك جانب اللّه.

.[سورة التوبة: الآيات 25- 27]

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}

.اللغة:

(المواطن) جمع موطن والمواطن مثل الوطن، وفي المصباح: الوطن مكان الإنسان ومقره، والجمع أوطان مثل سبب وأسباب، والموطن مثل الوطن والجمع مواطن كمسجد ومساجد، والموطن أيضا: المشهد من مشاهد الحرب وعبارة الزمخشري: مواطن الحرب مقاماتها وموافقها قال:
وكم موطن لولاي طحت كما ** هوى بأجرامه من قلة النيق منهوي

أي كثير من مواطن الحرب لولاي موجود لطحت بكسر الطاء وضمها، من باع وقال أي هلكت فيها كما هوى منهو أي ساقط من قلة النيق أي من رأس الجبل. ومذهب سيبويه أن لولا حرف جر إذا وليها ضمير نصب ومذهب الأخفش أنه وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع على الابتداء، أما المبرد فقد أنكر وروده وهو محجوج بهذا البيت وغيره، وأراد اللّه تعالى بالمواطن الكثيرة الأماكن التي وقعت فيها وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة. وفي القاموس: الموطن: الوطن والمشهد من مشاهد الحرب، فلا حاجة عندئذ لتقدير مضاف كما ذهب بعضهم، والفعل منه وطن يطن من باب ضرب وطنا وأوطن إيطانا بالبلد أقام به، واستوطن البلد: اتخذه وطنا.
{حُنَيْنٍ} هو واد بين مكة والطائف، أي يوم قتالكم فيه هوازن وذلك في شوال سنة ثمان فهي عقيب الفتح وستأتي الإشارة إلى هذه الوقعة في باب الفوائد.
{رَحُبَتْ} في المختار: الرحب بالضم السعة يقال منه: فلان رحيب الصدر، والرحب بالفتح الواسع وبابه ظرف وقرب، والمصدر رحابة كظرافة ورحب كقرب اه.

.الإعراب:

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ} جملة مستأنفة مسوقة لتذكير المؤمنين بآلائه عليهم واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق ونصركم اللّه فعل ومفعول به وفاعل وفي مواطن جار ومجرور متعلقان بنصركم وكثيرة صفة.
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الواو عاطفة ويوم ظرف معطوف على قوله مواطن، ولا مانع من عطف الظرفين المكاني والزماني أحدهما على الآخر كعطف أحد المفعولين على الآخر والفعل واحد، إذ يجوز أن تقول: ضرب زيد عمرا في المسجد ويوم الجمعة، كما تقول ضربت زيدا وعمرا ولا يحتاج إلى إضمار فعل جديد غير الأول هذا مع أنه لابد من تغاير الفعلين الواقعين بالمفعولين في الحقيقة.
فإنك إذا قلت: اضرب زيدا اليوم وعمرا غدا لم يشك في أن الضربين متغايران بتغاير الظرفين، ومع ذلك الفعل واحد في الصناعة، فعلى هذا يجوز في الآية بقاء كل واحد من الظرفين على حاله غير مؤول إلى الآخر، على أن الزمخشري وغيره يوجبون تعدد الفعل وتقدير ناصب لظرف الزمان غير الفعل الأول وإن كانا جميعا زمانين لعلة أن كثرتهم لم تكن ثابتة في جميع المواطن ولذلك قدر الزمخشري محذوفا قال: فإن قلت كيف عطف الزمان على المكان وهو يوم حنين على المواطن؟ قلت: معناه وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين، ويجوز أن يراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين ومقدم الحاج، على أن الواجب أن يكون يوم حنين منصوبا بفعل مضمر لا بهذا الظاهر وموجب ذلك أن: إذ أعجبتكم بدل من يوم حنين فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ولم يكونوا كثيرا في جميعها، فبقي أن يكون ناصبة فعلا خاصا به.
وإذ ظرف لما مضى منصوب على البدلية من يوم حنين كما تقدم أو منصوب بإضمار اذكر وجملة أعجبتكم مضافة للظرف وأنفسكم فاعل.
ومنع بعضهم إبدال إذ من يوم حنين بل هو منصوب بفعل مقدر أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم.
{فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} الفاء عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم وتغن مضارع مجزوم بلم وشيئا مفعول مطلق أو مفعول به.
{وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} وضاقت عطف على ما تقدم عليكم جار ومجرور متعلقان بضاقت والأرض فاعل والباء حرف جر بمعنى مع وما مصدرية أي مع رحبها على أن الجار والمجرور في موضع الحال أي ملتبسة برحبها كقولك: دخلت عليه بثياب السفر، أي ملتبسا بها تعني مع ثياب السفر.
{ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} عطف على ما تقدم ومدبرين حال من التاء في وليتم.
{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
ثم حرف عطف وتراخ وأنزل اللّه فعل وفاعله وسكينته مفعول به وعلى رسوله جار ومجرور متعلقان بأنزل وعلى المؤمنين عطف على رسوله.
{وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْها} وأنزل جنودا عطف على ما تقدم وجملة لم تروها صفة لجنودا.
{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ} عطف أيضا وذلك مبتدأ وجزاء الكافرين خبره {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} عطف على ما تقدم مقترن بالتراخي ومن بعد ذلك حال وعلى من يشاء متعلقان بيتوب واللّه مبتدأ وغفور رحيم خبراه.

.الفوائد:

استفاضت السير في الروايات لهذه الوقعة ويؤخذ منها أن المسلمين كانوا اثني عشر ألفا الذين حضروا فتح مكة منضما إليهم ألفان من الطلقاء عند ما التقوا مع هوازن وثقيف فيمن ضامّهم من امداد سائر العرب فكانوا الجم الغفير، فلما التقوا قال رجل من المسلمين: لن نغلب اليوم من قلة فساءت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاقتتلوا اقتتالا شديدا، وأدركت المسلمين نشوة الإعجاب بالكثرة، وزل عنهم أن اللّه هو الناصر لا كثرة الجنود، فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحده وهو ثابت، في مركزه لا يتحلحل، ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام دابته وأبو سفيان ابن الحارث ابن عمه، روى أبو جعفر بن جرير بسنده عن عبد الرحمن عن رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا حلب شاة، فلما لقيناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول اللّه، قال فتلقّانا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا وركبنا أكتافنا.
وهناك روايات كثيرة تختلف في سردها وتتفق في معناها على أن ذلك الموقف كان شهادة صدق على تناهي شجاعة النبي ورباطة جأشه، وأن الرجال تكثر بالنصر وتقل بالخذلان.
2- قال الصفاقسي: ظاهر كلام الزمخشري أولا منع عطف الزمان على المكان، ولم أر من نص عليه وفيه نظر، وأما وجوب إضمار الفعل فهو مبني على اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في متعلقات الفعل وهو ممنوع، وقد أشار إلى منعه ابن الحاجب في مختصره في الأصول.
والتحقيق والتدقيق إن قوله يوم حنين، إن جعلته عطفا على مواطن فالواو قائم مقام حرف الجر وهو في فكأنه قال: لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة في يوم حنين، وهذا المعنى باطل لأنه يعين مكان النصرة وزمانها. ولا شك أنه ليس زمان النصرة في المواطن الكثيرة يوم حنين سواء أجعلت {إذ أعجبتكم} بدلا أم لا وأما إذا عطفت {ويوم حنين} على محل {في مواطن} كما هو الظاهر فحرف العطف قائم مقام {نصركم} العامل {في مواطن} فكأنه قال: لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين خاصة وحينئذ جاز أن يكون {إذ أعجبتكم} بدلا من يوم، وهذا كما تقول: رأيت مرارا في مصر وليلة العيد إذ أفاض الناس من عرفة. هذا هو الصدق الحق الذي لا غطاء على وجهه المنير فلا تخش من قعقعة سلاح الزمخشري فإنها جعجعة من غير طحن ولكن جواد كبوة.