فصل: (سورة التوبة: الآيات 86- 89)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة التوبة: الآيات 86- 89]

{وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}

.الإعراب:

{وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ} الواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وأنزلت فعل ماض مبني للمجهول وسورة نائب فاعل ويجوز أن يراد بالسورة تمامها وأن يراد بعضها، وأن مفسرة لأن في الانزال معنى القول دون حروفه ويجوز أن تكون مصدرية فتكون مع مدخولها في محل نصب بنزع الخافض أي بأن آمنوا، وباللّه جار ومجرور متعلقان بآمنوا، وجاهدوا مع رسوله عطف على آمنوا باللّه.
{اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ} جملة استأذنك جواب إذا والكاف مفعول به وأولو الطول فاعل وهم الأغنياء وأصحاب البسطة في الجاه والقوة، ومنهم حال.
{وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ} ذرنا فعل أمر أمات العرب ماضية فلم يأت منه إلا المضارع والأمر، ونا مفعول به ونكن جواب الطلب فلذلك جزم واسم نكن ضمير مستتر تقديره نحن ومع القاعدين ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر نكن {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} جملة رضوا استئنافية مسوقة لبيان سوء صنيعهم وبأن يكونوا متعلق برضوا والواو اسم يكونوا ومع الخوالف خبر.
{وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} عطف على رضوا وعلى قلوبهم متعلق بطبع فهم الفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة لا يفقهون خبر.
{لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} لكن مخففة مهملة والرسول مبتدأ والذين عطف عليه وجملة آمنوا صلة ومعه ظرف متعلق بآمنوا وجملة جاهدوا بأموالهم وأنفسهم خبر الرسول.
{وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أولئك مبتدأ ولهم خبر مقدم والخيرات مبتدأ مؤخر وجملة لهم الخيرات خبر أولئك، وأولئك هم المفلحون عطف على ما تقدم وقد سبق إعرابها.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} جملة مستأنفة لبيان مآلهم الطيب وأعد فعل ماض واللّه فاعله ولهم متعلق بأعد وجنات مفعول به وجملة تجري صفة.
{خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} خالدين حال وفيها متعلق بخالدين وذلك مبتدأ والفوز العظيم خبره.

.[سورة التوبة: الآيات 90- 92]

{وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)}

.اللغة:

{الْمُعَذِّرُونَ} اسم فاعل من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له، أو المعتذرون بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين.
{الْأَعْرابِ} سكان البادية وهم أخص من العربي إذ العربي من تكلم باللغة العربية سواء كان يسكن البادية أو الحاضرة.

.الإعراب:

{وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للشروع في بيان أحوال سكان البادية {وجاء المعذرون} فعل وفاعل و{من الأعراب} حال و{ليؤذن} تعليل مضارع منصوب بأن مضمرة و{لهم} متعلق بيؤذن.
{وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} عطف على جاء والذين فاعل وكذبوا صلة الذين ولفظ الجلالة مفعول كذبوا ورسوله عطف عليه.
{سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} السين حرف استقبال ويصيب فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو والذين مفعول به وجملة كفروا صلة ومنهم حال وعذاب فاعل يصيب وأليم صفة.
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} ليس فعل ماض ناقص وعلى الضعفاء خبر ليس المقدم ولا على المرضى عطف على الضعفاء ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون عطف أيضا وحرج اسم ليس.
{إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الظرف متعلق بمعنوي مقتبس من النفي، أي انتفى عنهم الحرج إذا نصحوا فلا يخرجون حينئذ، وجملة نصحوا في محل جر بإضافة الظرف إليها ورسوله عطف على اللّه وما نافية وعلى المحسنين خبر مقدم ومن زائدة وسبيل مبتدأ مؤخر محلا واللّه مبتدأ وغفور خبر أول ورحيم خبر ثان.
{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الواو عاطفة ولا نافية وعلى الذين معطوف على قوله على الضعفاء فهو بمثابة خبر مقدم والمبتدأ محذوف أي حرج وجملة إذا ما أتوك صلة الذين وإذا ظرف مستقبل وما زائدة وجملة أتوك مضاف إليها الظرف ولتحملهم علة الإتيان أي لتحملهم معك إلى الغزو وهم كما يروي التاريخ سبعة من الأنصار وقيل هم أصحاب أبي موسى الأشعري كما في البخاري.
{قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} جملة قلت حالية من الكاف في أتوك بتقدير وقد قبلها أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد وما مفعول أجد وجملة أحملكم صلة وعليه متعلق بأحملكم.
{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ} جملة تولوا جواب إذا ويجوز أن تكون جملة قلت لا أجد جواب إذا الشرطية وإذا وجوابها في موضع الصلة وعلى هذا فيكون قوله تولوا جوابا لسؤال مقدّر كأن قائلا قال: ما كان حالهم وقت أن أجيبوا بهذا الجواب فأجيب بقوله تولوا، وأعينهم مبتدأ والواو للحال وجملة تفيض خبر ومن الدمع تمييز أي تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها لأن العين جعلت كأنها كلها دمع فائض وقد تقدم القول في هذه الجملة في المائدة مع بسط لم يسبق إليه فجدد به عهدا، وحزنا مفعول لأجله أو حال وأن لا يجدوا أن وما في حيزها مفعول لأجله والعامل فيه حزنا ويجوز أن نعرب حزنا مفعولا مطلقا فيكون العامل في أن لا يجدوا تفيض وما مفعول يجدوا وجملة ينفقون صلة.
وقد اعترض أبو البقاء على إعراب الزمخشري من الدمع تمييزا فقال: لا يجوز ذلك لأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنه معرفة ولا يجوز إلا على رأي الكوفيين الذين يجيزون مجيء التمييز معرفة.

.البلاغة:

فن التلميح أو التمليح:
في قوله: {ما على المحسنين من سبيل} فن من فنون البديع يسمى التلميح وهو أن يشار في فحوى الكلام إلى مثل سائر أو شعر نادر أو قصة مشهورة أو ما يجري مجرى المثل، ومنه قول يسار ابن عدي حين بلغة قتل أخيه وهو يشرب الخمر:
اليوم خمر ويبدو في غد خبر ** والدهر من بين إنعام وإيئاس

ويسميه قوم التمليح بتقديم الميم كأن الشاعر أتى في بيته أو الناثر في فقرته بنكتة حسنة زادت الكلام ملاحة، كقول ابن المعتز:
أترى الجيرة الذين تداعوا ** عند سير الحبيب وقت الزوال

علموا أنني مقيم وقلبي ** راحل فيهم أمام الجمال

مثل صاع العزيز في أرحل القو ** م ولا يعلمون ما في الرحال

وهذا التمليح فيه إشارة إلى قصة يوسف عليه السلام حين جعل الصاع في رحل أخيه وإخوته لم يشعروا بذلك، ومن لطائف التلميح قول أبي فراس:
فلا خير في رد الأذى بمذلة ** كما رده يوما بسوءته عمرو

وهذا التمليح أو التلميح فيه إشارة إلى قصة عمرو بن العاص مع الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في يوم صفين حين حمل عليه الإمام، ورأى عمرو أن لا مخلص منه فلم يسعه غير كشف العورة.
ومن لطائف التلميح قصة الهذلي مع منصور بني العباس فإنه حكى أن المنصور وعد الهذلي بجائزة ونسي، فحجا معا ومرا في المدينة النبوية ببيت عاتكة، فقال الهذلي: يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ** حذر العدا وبه الفؤاد موكل

فأنكر عليه أمير المؤمنين لأنه تكلم من غير أن يسأل، فلما رجع الخليفة نظر في القصيدة إلى آخرها ليعلم ما أراد الهذلي بإنشاد ذلك البيت من غير استدعاء فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ** مذق اللسان يقول ما لا يفعل

فعلم أنه أشار إلى هذا البيت بتلميحه الغريب، فتذكر ما وعده به وأنجزه له واعتذر إليه من النسيان.
ومثله ما حكي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي فحضر يوما مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر أبي الطيب فهضم المرتضى من جانبه فقال له أبو العلاء: لو لم يكن له من الشعر إلا قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل

لكفاه، فغضب المرتضى وأمر به فسحب وأخرج، وبعد إخراجه قال المرتضى:
هل تدرون ما عنى بذكر البيت؟ فقالوا: لا واللّه، فقال: عنى به قول أبي الطيب في قصيدته:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأني كامل

ومن هذا القبيل قصة السّرّي الرفاء مع سيف الدولة بسبب المتنبي أيضا، فإن السري الرفاء كان من مداح سيف الدولة، وجرى يوما في مجلسه ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه فقال له السري: أشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده لأعارضها له ويتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه، فقال له سيف الدولة على الفور: عارض لنا قصيدته القافية التي مطلعها:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ** وللحب ما لم يبق مني وما بقي

قال السري: فكتبت القصيدة واعتبرتها في تلك الليلة فلم أجدها من مختارات أبي الطيب لكن رأيته يقول في آخرها عن ممدوحه:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ** أراه غباري ثم قال له: الحق

فقلت: واللّه ما أشار سيف الدولة إلا إلى هذا البيت وأحجمت عن معارضة القصيدة.
وألطف من هذا ما حكاه ابن الجوزي في كتاب الأدباء فإنه من غرائب التلميح قال: قعد رجل على جسر بغداد فأقبلت امرأة بارعة في الجمال من جهة الرصافة إلى الجانب الغربي فاستقبلها شاب، فقال لها:
رحم اللّه علي بن الجهم فقالت له: رحم اللّه أبا العلاء المعري، وما وقفا بل سارا مغربا ومشرقا، قال الرجل فتبعت المرأة فقلت لها: واللّه إن لم تقولي ما أراد بابن الجهم فضحتك قالت أراد به:
عيون المها بين الرصافة والجسر ** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وأردت بأبي العلاء قوله:
فيا دارها بالكرخ إن مزارها ** قريب ولكن دون ذلك أهوال