فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

أورد ابن هشام هذه الآية شاهدا على خروج إذا عن الاستقبال وذلك على وجهين أحدهما أن تجيء للماضي كما جاءت إذ للمستقبل في قول بعضهم، والثاني أن تجيء للحال وذلك بعد واو القسم نحو {والليل إذا يغشى والنجم إذا هوى} قيل لأنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل القسم لأنه إنشاء لا إخبار عن قسم يأتي، لأن قسم اللّه سبحانه قديم ولا لكون محذوف هو حال من الليل والنجم، لأن الحال والاستقبال متنافيان، وإذا بطل هذان الوجهان تعين انه ظرف لأحدهما على أن المراد به الحال اه.
والصحيح أنه لا يصح التعليق بأقسم الانشائي لأن القديم لا زمان له لا حال ولا غيره، بل هو سابق على الزمان وانه لا يمتنع التعليق بكائنا مع بقاء إذا على الاستقبال بدليل صحة مجيء الحال المقدرة باتفاق كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا، أي مقدرا الصيد به غدا، كذا يقدرون، وأوضح منه أن يقال مريدا به الصيد غدا كما فسر قمتم في {إذا قمتم إلى الصلاة} بأردتم.
وقال القاضي محب الدين شارح التسهيل: يمكن أن المراد حكاية حالهم حين ابتدءوا هم في الفعل فإذا في محلها، ورده الدماميني بأن الحكاية إنما تحقق الحال ولا تكون إذا في محلها إلا إذا تحقق الاستقبال، وأجاب الشمني بأن الحالية في مبدأ الفعل تستلزم الاستقبال بالنظر لتمامه فبهذا الثاني تكون إذا واقعة محلها ولعلك تقول كلام القاضي على الابتداء في فعل الإتيان ولا شك أن التولي أو القول العامل في إذا على ما سبق مستقبل إذ ذاك فتدبر.

.[سورة التوبة: الآيات 93- 95]

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95)}

.الإعراب:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ} إنما كافة ومكفوفة قيل هي للتوكيد والمبالغة فيه وقيل هي للحصر، والسبيل مبتدأ وعلى الذين خبر وجملة يستأذنونك صلة وهم: الواو للحال وهم مبتدأ وأغنياء خبر والجملة حالية {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} جملة مستأنفة أو حالية بتقدير قد، بأن يكونوا متعلقان برضوا والواو اسم يكونوا والظرف خبرها.
{وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الجملة معطوفة على ما تقدم والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة لا يعلمون خبر.
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما يبررون به موقفهم المتخاذل، روي انهم كانوا بضعة وثمانين رجلا فلما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءوا يعتذرون إليه بالباطل وإليكم جار ومجرور متعلقان بيعتذرون وإذا ظرف مستقبل متعلق بجوابه المحذوف أي يعتذرون وجملة رجعتم مضاف إليها وإليهم جار ومجرور متعلقان برجعتم.
{قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} جملة لا تعتذروا مقول القول وجملة لن نؤمن لكم مستأنفة كأنها تعليل للنهي ولكم جار ومجرور متعلقان بنؤمن.
{قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ} قد حرف تحقيق ونبأنا نصبت هنا مفعولين أولهما نا والثاني الجار والمجرور أو جملة من أخباركم فهو في الحقيقة صفة للمفعول المحذوف أما المفعول الثالث فقد حذف اختصارا للعلم به والتقدير نبأنا اللّه من أخباركم كذبا وأراجيف.
{وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} السين حرف استقبال ويرى فعل مضارع واللّه فاعل، والرؤية هنا بمعنى العلم، وعملكم مفعول يرى الأول والثاني محذوف تقديره واقعا ورسوله عطف على اللّه.
{ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} ثم عطف للترتيب مع التراخي وتردون فعل مضارع ونائب فاعل والى عالم الغيب جار ومجرور متعلقان بتردون {فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الفاء عاطفة وينبئكم فعل وفاعل مستتر والكاف مفعوله الأول وبما كنتم مفعوله الثاني وجملة تعملون خبر كنتم والعائد محذوف أي تعملونه، وما هنا موصولة أو مصدرية.
{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} السين للتأكيد مع الاستقبال ويحلفون فعل مضارع والواو فاعل وباللّه جار ومجرور متعلقان به والجملة بدل من يعتذرون ولكم حال والمحلوف عليه محذوف اعتمادا على فهم القارئ أي انهم معذرون في تخلفهم، وإذا ظرف متعلق بيحلفون وإليهم جار ومجرور متعلقان بانقلبتم ولتعرضوا: اللام للتعليل وتعرضوا منصوب بأن مضمرة بعدها والجار والمجرور متعلقان بيحلفون، وقد امتنع نصب المفعول لأجله لاختلاف الفاعل أي لتتركوا معاتبتهم وعنهم جار ومجرور متعلقان بتعرضوا.
{فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} الفاء الفصيحة وأعرضوا فعل أمر والواو فاعل وعنهم جار.

.[سورة التوبة: الآيات 96- 98]

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ}
عرب أو من مواليهم قال: فمن نزل البادية وجاور البادين وظعن بظعنهم فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب فهم عرب وان لم يكونوا فصحاء وقال غيره: عرب لسانه عرابة وما سمعت أعرب من كلامه وأعرب وهو من العرب العرباء. والعاربة وهم الصرحاء الخلّص وفلان من المستعربة وهم الدخلاء فيهم وفيه لوثة أعرابية قال:
وإني على ما فيّ من عنجهيتي ** ولوثة أعرابيتي لأديب

وقال الكميت:
لا ينقض الأمر إلا ريث يبرمه ** ولا تعرّب إلا حوله العرب

أي لا تعز وتتمنع عزة الأعراب في باديتها إلا عنده وسيأتي مزيد من بحثه.
{الدَّوائِرَ}: دوائر الزمان دوله وعقبه وهي جمع دائرة والدائرة ما يحيط بالإنسان من مصيبة ونكبة أخذا من الدائرة المحيطة بالشيء وأصله داورة لأنها من دار يدور فقلبت الواو همزة، وقد اختلف اللغويون فيها فقال قوم هي فاعلة كقائمة وقال قوم هي مصدر كالعاقبة.

.الإعراب:

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} يحلفون بدل من سيحلفون ولكم جار ومجرور متعلقان بيحلفون أو بمحذوف حال ولام التعليل متعلقة مع مجرورها بيحلفون وعنهم متعلقان بترضوا.
{فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ} الفاء الفصيحة والجواب محذوف أي إن ترضوا عنهم فلا ينفعهم رضاكم، فإن الفاء للتعليل وان واسمها وجملة لا يرضى عن القوم الفاسقين خبرها.
{الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفاقًا} الأعراب مبتدأ وأشد خبر وكفرا تمييز ونفاقا عطف عليه وذلك لجفائهم وقسوتهم وابتعادهم عن معالم الحضارة وهو من باب وصف الجنس بأحد أفراده أو بعضهم كما في قوله تعالى: {وكان الإنسان كفورا} إذ ليس كلهم كما ذكر وسيأتي بحث أل المعرفة في باب الفوائد مع ذكر أقسامها.
{وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ} وأجدر عطف على أشد وأن وما في حيزها منصوبة بنزع الخافض أي بأن لا يعلموا وهي متعلقة بأجدر وحدود مفعول يعلموا وما مضاف اليه وجملة أنزل اللّه صلة.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} مبتدأ وخبراه.
{وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا} من الأعراب خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يتخذ صلة وفاعل يتخذ مستتر تقديره هو وما مفعول به أول وجملة ينفق صلة ومغرما مفعول يتخذ الثاني أي خسارة لأنه لا يرجو الثواب بل يخشى العقاب.
{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ} ويتربص الواو للحال ويجوز أن تكون عاطفة فتكون يتربص داخلة في حكم الصلة وبكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال والدوائر مفعول به.
{عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الجملة دعائية لا محل لها وعليهم خبر مقدم ودائرة السوء مبتدأ مؤخر واللّه مبتدأ وسميع خبره الأول وعليم خبره الثاني.

.الفوائد:

حكم أل:
(أل) كلها حرف تعريف على الأصح وهي إما أن تكون لتعريف الجنس وتسمى الجنسية وإما لتعريف حصة معهودة منه وتسمى العهدية.
أل العهدية: تكون على ثلاثة أقسام:
أ- اما أن تكون للعهد الذكري وهي ما سبق لمصحوبها ذكر في الكلام كقولك: جاءني ضيف فأكرمت الضيف، أي المذكور ومنه قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول}.
ب- وإما أن تكون للعهد الحضوري، وهي ما يكون مصحوبها حاضرا مثل: جئت اليوم أي اليوم الحاضر الذي نحن فيه.
ج- وإما أن تكون للعهد الذهني، وهي ما يكون مصحوبها معهودا ذهنا فينصرف الفكر إليه بمجرد النطق به مثل حضر الرجل أي الرجل المعهود ذهنا بينك وبين من تخاطبه.
أل الجنسية وهي قسمان:
آ- إما أن تكون لاستغراق جميع أفراد الجنس وهي ما تشمل جميع أفراده كقوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا}.
ب- وإما لاستغراق جميع خصائصه مثل أنت الرجل، أي اجتمع فيك كل صفات الرجال.
تنبيهات هامة:
1- علامة أل الاستغراقية أن يصح وقوع كل موقعها.
2- أل التي لبيان حقيقة الجنس وماهيته وطبيعته بقطع النظر عما يصدق عليه من أفراده ولذلك لا يصح حلول كل محلها تسمى لام الحقيقة والماهية والطبيعة وذلك مثل: الإنسان حيوان ناطق أي حقيقته أنه عاقل مدرك وليس كل إنسان كذلك، ومثل: الرجل أصبر من المرأة، فليس كل رجل كذلك، وقد يكون بين النساء من تفوق بصبرها وجلدها كثيرا من الرجال، فأل هنا لتعريف الحقيقة غير منظور بها إلى أفراد الجنس بل إلى ماهيته من حيث هي وعلى هذا تحمل أل الداخلة على {الأعراب} فليسوا جميعا بهذه المثابة من شدة الكفر والنفاق والنبو عن استماع الكلام الطيب.
أل الزائدة:
وقد تزاد أل فلا تفيد التعريف، وزيادتها إما أن تكون لازمة فلا تفارق مصحوبها كزيادتها في الأعلام التي قارنت وصفها كاللات والعزى والسموأل، وكزيادتها في الأسماء الموصولة كالذي والتي ونحوهما، لأن تعريف الموصول بالصلة لا بأل على الأصح، وإما أن تكون زيادتها غير لازمة كزيادتها في بعض الأعلام المنقولة عن أصل للمح المعنى الأصلي كالفضل والحارث والنعمان والوليد والرشيد ونحوها، وزيادتها سماعية فلا يقال المحمد والمحمود، فما ورد عن العرب من ذلك يسمع ولا يقاس عليه غيره.
أل الموصولية:
وقد تكون أل اسم موصول بلفظ واحد مطلقا، وهي الداخلة على اسم الفاعل والمفعول بشرط ألا يراد بها العهد أو الجنس نحو أكرم المكرم ضيفه، والمكرم ضيفه أي الذي يكرم ضيفه والذي يكرم ضيفه، وإذا كانت الصفة الواقعة صلة لأل الموصولية في قوة الفعل ومرفوعه حسن عطف الفعل ومرفوعه عليها كقوله تعالى: {والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا} وسيأتي بحث ذلك في حينه.