فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

انطوت هذه الآيات على أنواع من البلاغة نوردها فيما يلي:
1- الاستعارة المكنية التبعية في قوله تعالى: {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} فقد استعار الشراء لقبول اللّه تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله وإثابته إياهم بمقابلتها بالجنة ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد أنفس المؤمنين وأموالهم وجعل الثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة الجنة.
2- الالتفات بقوله: {فاستبشروا} زيادة في سرورهم والفاء الفصيحة لترتيب الأمر به على ما قبله وجعله بمثابة الشرط له والسين ليست للطلب بل للمطاوعة كاستوقد.
3- التذييل وهو أن يذيل المتكلم كلامه بعد تمام معناه بجملة تحقق ما قبلها وتلك الزيادة على ضربين:
آ- ضرب لا يزيد على المعنى الأول وإنما يؤكده ويحققه.
ب- وضرب يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر ليشتهر المعنى لكثرة دورانه على الألسنة وقد جاء في هذه الآية الكريمة الضربان:
آ- قوله: {وعدا عليه حقا} فإن الكلام قد تم وكمل قبل ذلك ثم أتت جملة التذييل لتحقق ما قبلها وتؤكده.
ب- قوله: {ومن أوفى بعهده من اللّه} مخرجا ذلك مخرج المثل فسبحان المتكلم بمثل هذا الكلام.

.الفوائد:

1- واو الثمانية: عدّد اللّه تسعة أوصاف ولم ينسقها بالواو حتى إذا كان الثامن أدخل الواو وذلك لسر في كلامهم وهو أن للعرب واوا سموها واو الثمانية وهي تدخل على ما كان ثامنا، كذا قرر بعض العلماء ورد عليهم آخرون وأكثروا وأطالوا ولما كان الكلام في هذا الصدد لا يخلو من متعة وفائدة نرى من الأولى تلخيصه بما يلي:
استدل المثبتون لهذه الواو بقوله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} فأتى بالواو هنا ولم يأت بها في ذكر جهنم لأن للنار سبعة أبواب وللجنة ثمانية، وفي قوله تعالى: {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} وقد منع بعض المحققين هذا وقال: إنما تقع بين المتضادين لأن الثيّبات غير الأبكار في قوله تعالى: {ثيبات وأبكارا} ولأن الآمرين ضد الناهين في الآية التي نحن بصدد الحديث عنها.
قال أبو حيان: والصفات إذا تكررت وكانت للمدح أو الذم أو الترّحم جاز فيها الاتباع للمنعوت والقطع في كلّها أو بعضها، وإذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف، ولما كان الأمر مباينا للنهي، إذ الأمر طلب فعل، والنهي ترك فعل، حسن العطف في قوله والناهون، ودعوى الزيادة أو واو الثمانة ضعيف وقال في قصة أهل الكهف: إنه إنما أتى بالواو مع الثمانية لأن القول الثالث أقرب إلى الحق أو هو الحق لأنه قال في القولين {رجما بالغيب} وفي الثالث قال: {قل ربي أعلم بعدتهم} وقال في قصة أهل الجنة واثبت الواو لأن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها زيادة في الضيق على من بها وأما أبواب الجنة فتفتح لأهلها قبل دخولهم إليها إكراما لهم لقوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} قال الشيخ جمال الدين بن الحاجب رحمة اللّه: ان القاضي الفاضل كان يعتقد زيادة الواو في هذه الآية يعني {ثيبات وأبكارا} ويقول هي واو الثمانية إلى أن ذكر ذلك بحضرة الشيخ أبي الجود المقري فبين له أنه وهم وأن الضرورة تدعو إلى دخولهاهنا وإلا فسد المعنى بخلاف واو الثمانية فإنه يؤتى بها لا لحاجة فقال: أرشدتنا با أبا الجود.
نقول وممن اعترف بواو الثمانية الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير وقال: إن الواو في قوله تعالى: {وثامنهم كلبهم} هي واو الثمانية.
وسيأتي مزيد بحث عنها عند الكلام على هذه الآيات في مواضعها.
السائحون:
اختلف العلماء في الصفة الثالثة وهي السائحون وأصح الأقوال انهم الصائمون شبّهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم وقيل هم طلبة العلم يطلبونه في مظانه ويضربون في مناكب الأرض لتحصيله وفي القاموس: والسياحة بالكسر الذهاب في الأرض للعبادة ومنه المسيح بن مريم. والسائح الصائم الملازم للسياحة.

.[سورة التوبة: الآيات 113- 116]

{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)}

.اللغة:

(الأواه) فعال من أوه كلآلّ من اللؤلؤ وهو الذي يكثر التأوه ومعناه أنه لفرط حبه لأبيه وترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له مع شكاسته عليه هذا ما قاله الزمخشري وقد استدرك عليه أبو حيان فقال: وتشبيه أواه من أوه بلآل من اللؤلؤ ليس بجيد لأن مادة أوه موجودة في صورة أواه ومادة لؤلؤ مفقودة في لآل لاختلاف التركيب إذ لآل ثلاثي ولؤلؤ رباعي وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية.
وفي المختار وقد أوّه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوّه. وجميل قول الزجاج وننقله بنصه: قال أبو عبيدة هو المتأوه شفقا وفرقا، المتضرّع يقينا ولزوما للطاعة وقد انتظم في قول أبي عبيدة جميع ما قيل في الأواه وأصله من التأوه وهو أن يسمع للصدر صوت يتنفس الصعداء وقيل الكلمة حبشية ومعناها الموقن قال ابن النقيب في كتابه خصائص القرآن: إن القرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير وسترد معنا الألفاظ غير العربية التي فطن الأقدمون لها عند الكلام على لغة القرآن.

.الإعراب:

{ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ما نافية وكان فعل ماض ناقص وللنبي خبر كان المقدم والذين عطف على النبي وجملة آمنوا صلة وان وما في حيزها اسم كان المؤخر ويستغفروا فعل مضارع منصوب بأن وللمشركين جار ومجرور متعلقان بيستغفروا {وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} الواو حالية ولو وصلية وكانوا كان واسمها وأولي خبرها وقربى مضاف اليه ومن بعد متعلقان بما في النفي من معنى الفعل أي انتفى الاستغفار من بعد، وما مصدرية وهي وما في حيزها مضافة لبعد أي من بعد تبيان ولهم جار ومجرور متعلقان بتبين وأنهم أن وما في حيزها فاعل تبين وأصحاب الجحيم خبر أن.
{وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ} الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما سبق ودعمه بشواهد وقرائن ودفع ما يرد من إيهام بحسب ما يبدو في الظاهر بالمخالفة، وكان واسمها وابراهيم مضاف اليه ولأبيه جار ومجرور متعلقان باستغفار وإلا أداة حصر وعن موعدة خبر كان فالاستثناء مفرّغ من أعم العلل أي لم يكن استغفار ابراهيم لأبيه ناشئا إلا عن موعدة وعدها إياه أي لأجلها.
{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وله متعلقان بتبين وأن وما في حيزها فاعل تبين وجملة تبرأ منه لا محل لها لأنها جواب لما وإن واسمها واللام المزحلقة وأواه خبر إن الاول وحليم خبرها الثاني {وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ} الواو عاطفة وما نافية وكان واسمها واللام للجحود ويضل منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود وهي مع مدخولها خبر كان وقد تقدمت كثيرا وقوما مفعول به وبعد ظرف متعلق بيضل وهو مضاف والظرف إذ مضاف اليه وجملة هداهم مضاف إليها الظرف وقد تقدم القول فيه في آل عمران ان فيه وجهين أحدهما أن إذ بمعنى أن.
والثاني أنها ظرف بمعنى وقت أي بعد أن هداهم أو بعد وقت هدايتهم.
{حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} حتى حرف غاية وجر ويبين فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى ولهم جار ومجرور متعلقان بيبين وما مفعول به وجملة يتقون صلة وان واسمها وخبرها وبكل شيء متعلقان بعليم.
{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} إن واسمها وله خبر مقدم وملك السموات والأرض مبتدأ مؤخر وجملة يحيي خبر ثان لإن والخبر الأول جملة له ملك السموات ويميت عطف على يحيي {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} الواو عاطفة وما نافية ولكم خبر مقدم ومن دون اللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ومن زائدة وولي مبتدأ مؤخر محلا ولا نصير عطف على من ولي.

.[سورة التوبة: الآيات 117- 118]

{لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}

.الإعراب:

{لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ} سيأتي في باب الفوائد معنى توبة اللّه على النبي والجملة استئنافية مسوقة لبيان التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إليها واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وتاب اللّه فعل وفاعل وعلى النبي جار ومجرور متعلقان بتاب والمهاجرين والأنصار عطف على النبي والذين نعت وجملة اتبعوه صلة الموصول وفي ساعة العسرة جار ومجرور متعلقان باتبعوه وسيأتي ذكر ساعة العسرة في باب الفوائد.
{مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} من بعد متعلقان بمحذوف حال لبيان الشدة وبلوغها الحد الأقصى واسم كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ خبر وقلوب فاعل وفريق مضاف اليه ومنهم صفة.
{ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} ثم حرف عطف للتراخي وتاب عطف على تاب الأولى وفائدة التكرير التنبيه على انه تاب عليهم لما كابدوه في ساعة العسرة وإنه إن واسمها وبهم متعلقان برءوف ورءوف رحيم خبران لإن.
{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وعلى الثلاثة عطف على ما تقدم والمراد بهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، والذين صفة وجملة خلفوا صلة وخلفوا بالبناء للمجهول والواو نائب فاعل أي عن الغزو.
{حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} حتى حرف غاية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة ضاقت مضاف إليها وعليهم جار ومجرور متعلقان بضاقت والأرض فاعل وبما رحبت أي برحبها فالباء حرف جر للمصاحبة وما مصدرية ومعنى الباء هنا المصاحبة وعلامتها أن يصح حلول مع محلها أو أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال وهنا تصح فيها مع أي مع رحبها أما مثال ما يغني عنها وعن مصحوبها الحال فقوله تعالى: {وقد دخلوا بالكفر} أي كافرين وعلى كل هي ومصحوبها في محل نصب على الحال أي حالة كونها رحيبة وضاقت عليهم أنفسهم عطف على ما تقدم وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون مكانا يقرون فيه {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} وظنوا عطف على ضاقت والظن هنا بمعنى اليقين وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف ولا نافية للجنس وملجأ اسمها ومن اللّه خبرها وإلا أداة حصر واليه جار ومجرور متعلقان بملجأ.
{ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ثم حرف عطف وتاب فعل ماض وعليهم جار ومجرور متعلقان بتاب وليتوبوا اللام قيل هي للتعليل أي وفقهم للتوبة ليحصلوا عليها وينشئوها فحصلت المغايرة وصح التعليل وأرى أنه لا مانع من أن تكون لام العاقبة أو الصيرورة أي فكانت عاقبتهم التوبة، وان واسمها وهو مبتدأ أو ضمير فصل والتواب الرحيم خبر ان لإن أو هو.