فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والإجابة: أن سماحة الإسلام تمنع أن نأخذكم على غرة، وعلى الذين قطع الإسلام معهم العهد أن يسيروا وهم مطمئنون وفي أمن وأمان ولا يتعرض لهم أحد. ووقف العلماء عند تحديد أربعة الأشهر، ونظر بعضهم إلى تاريخ النزول، وقد نزلت هذه الآية في شوال؛ إذن فتكون الأشهر الأربعة هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
وقال علماء آخرون: إن ساعة النزول لا علاقة لها بالأشهر الأربعة، وإن الأشهر الأربعة تبدأ من ساعة الإبلاغ أي في الحج؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر} [التوبة: 3].
وعلى ذلك فتكون من يوم العاشر من ذي الحجة إلى يوم العاشر من ربيع الآخر. وقال بعض العلماء: إن نزول هذه الآية كان في عام النسيء الذي كان الكفار يؤخرون ويقدمون في الأشهر الحرم، والذي قال فيه الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الكفر يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} [التوبة: 37].
وأضاف صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه أبو بكرة حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان».
أي أنه صلى الله عليه وسلم حسب من بداية الكون إلى هذا الوقت فرجع بالأمر إلى نصابه وألغي النسيء؛ هذا النسيء الذي كانوا يقررونه أيام الشرك لتقديم أو لتأخير الأشهر الحرم؛ لأنهم كانوا إذا أتت الأشهر الحرم ويريدون الحرب يؤجلون الشهر الحرام حتى يمكنهم الاستمرار في الحرب. ولذلك كان الحج في هذه السنة في شهر ذي القعدة. وما دام الحج في شهر ذي القعدة، تنتهي الشهور الأربعة في العاشر من ربيع الأول. وقيل إن اختيار أربعة الأشهر جاء ليوافق ما شرعه الله في قوله سبحانه تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].
فيكون عدد الأشهر مناسبا لعدد الأشهر الحرم. ولكن هذه المرة فيها ثلاثة أشهر حرم فقط هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والشهر الرابع هو رجب فكيف يقال أربعة؟
ونقول: إن الأشهر الأربعة الحرم التي فيها رجب هي الأشهر الحرم الدائمة، أمّا الأشهر الأربعة التي ذكرت في هذه الآية فهي أربعة أشهر للعهد تنتهي بانتهائها، ولكن أربعة الأشهر الحرم الأصلية تبقى محرمة دائمًا، ولقد شرع الله عز وجل الأشهر الحرم ليحرم دماء الناس من الناس؛ ذلك أن الحروب بين العرب كانت تستمر سنوات طويلة دون نصر حاسم. فجعل الله الأشهر الحرم حتى يجنح الناس إلى السلم، ويتحكم فيها العقل وتنتهي الحروب.
وهنا يبلغنا الحق تبارك وتعالى أنه قد أعطى المشركين أربعة أشهر يسيرون فيها آمنين، لماذا؟ لأن الذي يكون ضعيفا مع خصمه ينتهز أي فرصة يقدر عليه فيها ليستغلها ويقضي عليه، ولا يمهله أربعة أشهر حتى ولا أربعة أيام. ولكن القوي لا يبالي بمد الأجل لخصمه لأنه يستطيع أن يأتي به في أية لحظة. لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} [التوبة: 2].
ويقال فلان أعجز فلانًا، أي جعله ضعيفا عاجزًا. ولذلك فإن كلّ شيء مُعجز شرف للمُعْجَز، والمثال: عندما جاء القرآن الكريم معجزًا للعرب وكان ذلك شرفا لهم لأنهم كانوا أمة بلاغةٍ وفصاحةٍ. والله لا يتحدى الضعيف وإنما يتحدى القوي، فلغة القرآن أعجزت الفصيح والبليغ. وحين يعطي الحق سبحانه وتعالى هذه المهلة للمشركين إنما كانت ببنود معينة، وكان أمير الحج في هذا العام سيدُنا أبو بكر وكان هو الذي سيبلغ البراءة. وهي أنه لا يدخل المسجد الحرام مشرك ولا يحج مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولن يدخل الجنة إلا من آمن، هذه هي البنود.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بفطنته النبوية كان يعرف أن العرب لا يقبلون نقض العهود والمواثيق إلا من أهلها: فأرسل صلى الله عليه وسلم سيدنا عليا بن أبي طالب ليعلن نقض العهود؛ لأنه علم أن الكفار كانوا سيقولون: لا نقبل نقض العهد من أبي بكر، بل لابد أن يكون من واحد من آل الناقض.
وحينما قال المولى سبحانه وتعالى: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} [التوبة: 2].
أعطى هذه المهلة الطويلة، لأنهم مهما فعلوا في هذه المهلة، فالله غالب على أمره. فلن يفوت أو يغيب شيء عنه سبحانه وتعالى، ومهما حاولوا أن يجدوا حلفاء لهم فلن يستطيعوا شيئا مع الله، صحيح أنهم ضعاف في هذه الفترة، وصحيح أنَّ الضعيف قد تكون قدرته على القوي مميتة لأنه يعرف أن فرصته واحدة، وإن لم يقدر على خصمه فسوف ينتهي، لكن الله غالب على أمره. وأراد الشاعر العربي أن يعبر عن ذلك فقال:
وضعيفة فإذا أصابت فرصة ** قتلت كذلك قدرة الضعفاء

لأن الضعيف ينتهز الفرصة ليقضي على خصمه. أما القوي فيعرف أنه قادر على خصمه في أي وقت، ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الله مُخْزِي الكافرين} [التوبة: 2].
الإخزاء هو الإذلال بفضيحة وعار ولا يكون ذلك إلا لمن كان متكبرًا متعاليًا. أي أن الله قادر على أن يخزي الكفار بفضيحة وعار مهما بلغت قوتهم وكبرهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد وغيرهم، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج، ثم قال: «إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك»، فأرسل أبا بكر رضي الله عنه وعليًا رضي الله عنه فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها وبالموسم كله، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات، عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الأوّل، ثم عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر رضي الله عنه ليقرأ ها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، ورجع أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال: «لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر رضي الله عنه، ثم دعاه فقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، فدعا عليًا فأعطاه إياه».
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى أهل مكة، ثم بعث عليًا رضي الله عنه على أثره فأخذها منه، فكأن أبا بكر رضي الله عنه وجد في نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر أنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليًا رضي الله عنه بأربع: لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى عهده، وإن الله ورسوله بريء من المشركين.
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليًا رضي الله عنه بأربع.
لا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى عهده، وأن الله ورسوله بريء من المشركين.
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أمره أو أجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه أمره أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر فقال أبو هريرة: ثم اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه، أمره أن يؤذن ببراءة وأبو بكر رضي الله عنه على الموسم كما هو، أو قال: على هيئته. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر رضي الله عنه على الحج، ثم أرسل عليًا رضي الله عنه ببراءة على أثره، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم المقبل، ثم خرج فتوفي، فولي أبو بكر رضي الله عنه فاستعمل عمر رضي الله عنه على الحج، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه من قابل ثم مات، ثم ولي عمر رضي الله عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج بعد ذلك هو حتى مات، ثم ولي عثمان رضي الله عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج حتى قتل.
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يؤدي عنه براءة، فلما أرسله بعث إلى علي رضي الله عنه فقال: يا علي إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت، فحمله على ناقته العضباء فسار حتى لحق بأبي بكر رضي الله عنه فأخذ منه براءة، فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شيء، فلما أتاه قال: ما لي يا رسول الله؟! قال: «خير أنت أخي وصاحبي في الغار وأنت معي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني».
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى الموسم، فأتى جبريل عليه السلام فقال: «إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك»، فبعث عليًا رضي الله عنه على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة، فأخذها فقرأها على الناس في الموسم.
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذن بمنى: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأمره أن يؤذن ببراءة فأذن معنا علي رضي الله عنه في أهل منى يوم النحر ببراءة: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليًا رضي الله عنه وأمره أن ينادي بها، فانطلقا فحجا فقام علي رضي الله عنه في أيام التشريق فنادى {أن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} ولا يَحُجَّنَّ بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. فكان علي رضي الله عنه ينادي بها.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن المنذر والنحاس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن زيد بن تبيع رضي الله عنه قال: سألنا عليًا رضي الله عنه بأي شيء بعثت مع أبي بكر رضي الله عنه في الحج؟ قال: بعثت بأربع. لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر.
وأخرج إسحاق بن راهويه والدارمي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر رضي الله عنه أن النبي بعث أبا بكر على الحج، ثم أرسل عليًا رضي الله عنه ببراءة، فقرأها على الناس في موقف الحج حتى ختمها.