فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الجعل:
ويرد في القرآن وكلامهم على ثلاثة عشر وجها.
الأَوّل بمعنى: التَّوَجّه والشُّروع في الشيء.
يقال: جعل يفعل كذا وطفِق وأَنشأَ وأَخذ وأَقبل يفعل كذا أَى اشتغل به.
الثانى بمعنى: الخَلْق {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} {جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلًا} {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
الثالث بمعنى: القول والإِرسال {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَى قلناه وأَنزلناه.
الرّابع بمعنى: التسوية {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} أَى يهيِّئ.
الخامس بمعنى: التَّقدير أَى قَدَّرَ.
السّادس بمعنى: التبديل {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ}.
السّابع بمعنى إِدخال شيء في شيء {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ}.
الثامن بمعنى: الإِيقاع في القلب والإِلهام {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}.
التَّاسع بمعنى: الاعتقاد {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ الهًا آخَرَ} {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ}.
العاشر بمعنى: التسمية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
الحادى عشر بمعنى: إِيجاد شيء عن شيء وتكوينه منه {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}.
الثَّانى عشر: في تصيير الشيء على حالةٍ دون حالة، نحو: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا}.
الثَّالث عشر: الحكم على الشيء حقًّا كان أَو باطلًا، أَمّا الحقُّ فنحو: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وأَمّا الباطل فنحو قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا}.
وفى الجملة يكون بمعنى: فَعَل في أَصل المعنى.
على أَىّ معنًى ذكرته فلا يخلو من معنى الفعل، والجَعْلُ أَعمّ من الفعل والصنع وسائر أَخواتهما والجُعْل والْجُعَالة والجَعِيلة: ما يُجعل للإِنسان على فعل شيء.
وهو أَعمّ من الأَجر والثواب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أعلم سبحانه الملائكة أن الأمر على خلاف ما ظنوا شرع في إقامة الدليل عليه فقال عاطفًا على قوله: {قال} {وعلم} أي لإقامة الدليل على ذلك، والتعليم تكرار العلم ليثبت لما في جبلة المعلَّم من النسيان، {آدم} من الأدم من الأديم وهو جلدة الأرض التي منها جسمه، وحظ ما فيه من أديم الأرض هو اسمه الذي أنبأ عنه لفظ آدم، {الأسماء} أي التي للأشياء {كلها} وهو جمع اسم وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو؛ فهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية- قاله الحرالي، وقال في كتاب له في أصول الفقه: الاسم يقال على لفظ التسمية ويقال على حظ ونصيب من ذوات الأشياء، وتلك هي المعروضة على الملائكة، واسم التسمية يحاذي به المسمى معلومه من الشيء المسمى الذي هو الاسم المعروض، وهو عند آدم علم وعند الملائكة ومن لا يعلم حقيقة الاسم المعروض توقيف ونبأ- انتهى.
ولما كان العرض على الملائكة بالغًا في المراد أشار إلى تعظيمه بحرف التراخي فقال: ثم {عرضهم} أي الأشياء.
قال الحرالي: أظهرهم عن جانب وهو العرض والناحية {على الملائكة} القائلين لذلك.
وقال الحرالي: لما ذكر تعالى مراجعة الملائكة في خلق هذا الخليفة ذكر إبداءه لهم وجه حكمة علية بما أعلى هذا الخليفة من تعليمه إياه حقائق جميع الذوات المشهودة لهم على إحاطتهم بملكوت الله وملكه شهودًا فأراهم إحاطة علم آدم بما شهدوا صورة ولم يشهدوا حقيقة مدلول تسميتها، وعلمه حكمة ما بين تلك الأسماء التي هي حظ من الذوات وبين تسمياتها من النطق ليجتمع في علمه خلق كل شيء صورة وأمره كلمة فيكمل علمه في قبله على سبيل سمعه وبصره، واستخلفه في علم ما له من الخلق والأمر، وذلك في بدء كونه فكيف يحكم حكمة الله فيما يتناهى إليه كمال خلقه إلى خاتمة أمره فيما انتهى إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم مما هو مبهم في قوله تعالى: {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا} [النساء: 113] فأبدى الله عز وجل لهم بذلك وجه خلافة علمية وعملية في التسمية إعلاء له عندهم، وقد جعلهم الله عز وجل مذعنين مطيعين فانقادوا للوقت بفضل آدم على جميع الخلق وبدا لهم علم أن الله يعلي من يشاء بما يشاء من خلافة أمره وخلقه، وتلك الأسماء التي هي حظوظ من صور الموجودات هي المعروضة التي شملها اسم الضمير في قوله تعالى: {ثم عرضهم} وأشار إليه {هؤلاء} عند كمال عرضهم، وأجرى على الجميع ضمير هم لاشتمال تلك الكائنات على العاقلين وغيرهم؛ وبالتحقيق فكل خلق ناطق حين يستنطقه الحق، كما قال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} [يس: 65] وإنما العجمة والجمادية بالإضافة إلى ما بين بعض الخلق وبعضهم- انتهى.
وقال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتاب الزينة: ويقال إن الاسم مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة، وإنما جعل الاسم تنويهًا بالدلالة على معنى الاسم لأن المعنى تحت الاسم- هذا قول النحويين؛ والسمة تدل على صاحبها، لأنهما حرفان سين وميم، فالسين من السناء والميم من المجد وهو لب الشيء، فكأنه سمى اسمًا لأنه يضيء لك عن لب الشيء ويترجم عن مكنونه، وليس شيء إلا وقد وسمه الله بسمة تدل على ما فيه من الجوهر؛ فاحتوت الأسماء على جميع العلم بالأشياء، فعلمها الله آدم وأبرز فضيلته على الملائكة عليهم السلام- انتهى.
{فقال} معجزًا لهم {أنبئوني} أي أخبروني إخبارًا عظيمًا قاطعًا {بأسماء هؤلاء} أي الموجودات بتفرسكم فيها {إن كنتم صادقين} أي فيما تفرستموه في الخليفة وفي أنساله.
قال الحرالي: هذه الأسماء المواطئة للتسمية من السمة والأسماء الأول هي الحظوظ من الذوات التي المتسم بها هو المسمى، ومع ذلك فبين التسمية والاسم مناسبة مجعول الحكمة بينهما بمقتضى أمر العليم الحكيم- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الملائكة لما سألوا عن وجه الحكمة في خلق آدم وذريته وإسكانه تعالى إياهم في الأرض وأخبر الله تعالى عن وجه الحكمة في ذلك على سبيل الإجمال بقوله تعالى: {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أراد تعالى أن يزيدهم بيانًا وأن يفصل لهم ذلك المجمل، فبين تعالى لهم من فضل آدم عليه السلام ما لم يكن من ذلك معلومًا لهم، وذلك بأن علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم عليهم ليظهر بذلك كمال فضله وقصورهم عنه في العلم فيتأكد ذلك الجواب الإجمالي بهذا الجواب التفصيلي. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أنبؤني} وكذلك {خاطئون} و{خاسئين} و{فمالئون} و{نحن المنشئون} و{ليطفؤا} و{ليواطؤا} و{متكئين} و{قل استهزؤا} و{متكئًا} و{يستنبؤك} وبابه {بريأ} و{بريؤن} وبابه، وكهيئة وأشباه ذلك، ابن كثير وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو.
{هؤلاء} ها بغير المد، أولاء بالمد: يزيد ويعقوب وأوقية ومصعب عن قالون. قال أبو إسحق: هما كلمتان لا بمدها ويمد أولاء.
{هؤلاءان} بهمزتين: عاصم وحمزة وعلي وخلف وابن عامر. وقرأ أبو عمرو والبزي من طريق الهاشمي بترك الهمزة الأولى وإثبات الثانية، وكذلك في المفتوحتين والمضمومتين. وقرأ يزيد وورش والقواص وسهل ويعقوب بإثبات الهمزة الأولى وتليين الثانية. وعن نافع: تليين الأولى وإثبات الثانية، وكذلك في المضمومتين. وأما في المفتوحتين فكأبي عمرو.
{أنبئهم} عن ابن عامر روايتان: مهموزة مكسورة الهاء، وغير مهموزة مكسورة الهاء.

.الوقوف:

{صادقين} {علمتنا} ط {الحكيم} {أنبئهم} ج {بأسمائهم} ج لمكان فاء التعقيب.
{بأسمائهم} لا لأن قال جواب فلما {تكتمون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} عَلّم معناه عَرّف.
وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورةً.
ويحتمِل أن يكون بواسطة مَلَك وهو جبريل عليه السلام؛ على ما يأتي.
{وعُلِّم} غير مسمَّى الفاعل.
والأوّل أظهر؛ على ما يأتي.
وقرئ: قال علماء الصوفية: عَلِمها بتعليم الحق إيّاه وحَفِظها بحفظه عليه ونسى ما عهد إليه؛ لأن وكَلَه فيه إلى نفسه فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].
وقال ابن عطاء: لو لم يُكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الإخبار عنها.
وهذا واضح.
وآدم عليه السلام يُكْنَى أبا البشر.
وقيل: أبا محمد؛ كني بمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم، قاله السُّهَيْلِيّ.
وقيل: كُنيته في الجنة أبو محمد، وفي الأرض أبو البشر.
وأصله بهمزتين؛ لأنه أفعل إلا أنهم ليّنُوا الثانية، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوًا فقلت: أوادِم في الجمع؛ لأنه ليس لها أصل في الياء معروف، فجعلت الغالب عليها الواو؛ عن الأخفش.
وروى السُّدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مُرّة الهمدانِيّ عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال: فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها؛ فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تَشِينني؛ فرجع ولم يأخذ وقال: يا ربّ إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل؛ فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره.
فأخذ من وجه الأرض وخلط، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ولذلك سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض فصعِد به، فقال الله تعالى له: «أمَا رَحِمت الأرض حين تضرّعت إليك» فقال: رأيت أمرك أوجب من قولها.
فقال: «أنت تصلح لقبض أرواح ولده» فبلّ التراب حتى عاد طينًا لازبًا؛ اللاّزب: هو الذي يلتصق بعضه ببعض، ثم تُرك حتى أنتن؛ فذلك حيث يقول: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26] قال: مُنتِن.
ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72].
فخلقه الله بيده لكيلا يتكبّر إبليس عنه.
يقول: أتتكبّر عمّا خلقتُ بيدي ولم أتكبّر أنا عنه! فخلقه بشرًا فكان جسدًا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرّت به الملائكة ففزِعوا منه لما رأوْه وكان أشدّهم منه فزعًا إبليس فكان يمرّ به فيضربه فيصوّت الجسد كما يصوِّت الفَخّار تكون له صَلْصة؛ فذلك حين يقول: {مِن صَلْصَالٍ كالفخار} [الرحمن: 14].
ويقول لأمرٍ مَا خلقت!.
ودخل من فمه وخرج من دبره؛ فقال إبليس للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سُلّطت عليه لأهلكنّه.
ويقال: إنه كان إذا مرّ عليه مع الملائكة يقول: أرأيتم هذا الذي لم تروْا من الخلائق يشبهه إن فُضّل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون! قالوا: نطيع أمر ربّنا؛ فأسرّ إبليس في نفسه لئن فُضّل عليّ فلا أطيعه، ولئن فُضّلتُ عليه لأهلكنّه؛ فلما بلغ الحين الذي أريد أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له؛ فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عَطَس؛ فقالت له الملائكة: قل الحمد لله؛ فقال: الحمد لله، فقال الله له: رحمك ربك؛ فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} [الأعراف: 11] وذكر القصة.
وروى الترمذيّ عن أبي موسى الأشْعَرِيّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسَّهْل والحَزْن والخبث والطيّب» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
أدِيم: جمع أَدَم؛ قال الشاعر:
الناسُ أخيافٌ وشَتَّى في الشِّيَمْ ** وكلُّهم يجمعهم وَجه الأَدَمْ

فآدم مشتق من الأديم والأَدَم لا من الأدْمة؛ والله أعلم.
ويحتمل أن يكون منهما جميعًا. اهـ.